الثلاثاء ٢٠ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم صباح الشرقي

هل مقولة زواج المثقفين أزمة ثم فشل ؟

إذا اتجهنا لدراسة زواج المثقفين العرب، ربما مهما خضنا في الحلول لهذه المشكلة الذاتية الحديثة القائمة في كل مجتمع عربي، فلن نعثر على جواب مقنع وشاف بسبب تحديات عوامل الحداثة خصوصا تلك التي تنجب عناصر بشرية مشتركة، لا يكتب لها التوافق والاستمرارية في واقع مجتمع عربي، مما يدي إلي فيض من التوتر والأزمات المتعاقبة عوض الحد أو النقص منها.

لقد وصلت ثقافة المجتمع العربي إلى مقياس عال ومتفوق ولو أننا نجد العرب ليسوا كلهم على مستوى واحد من الوعي، الأمر الذي اظهر ذلك الاختلاف ليس طبيعيا وإنما هو ناشئ عن نقص في تطبيق الثقافة المحصلة أو الحضارة الطارئة على الوسط الذي يعيشون فيه. تلك الثقافة تعد موضع تقديس بما فيها من تنوع وتناقض، وما هي عليه من تجارب وأفكار، من اجل أن تفرض العدالة وحرية الرأي كذلك الممارسة العملية، لكون الجمهور جزء من الأمة والإنسان المثقف احد أعمدتها إذ هو الذي يؤمن بتلك القواعد ويطبقها على أحسن وجه في حل مشاكله ومشاكل مجتمعه، وبطريقة سليمة تتحكم في تيار الحوادث الراهنة حسب مناهج وقدرات واضحة من اجل تحقيقها.

كما أسلفت قد تحمل تلك العناصر الكامنة وراء أزمات زواج المثقفين العرب الذين يعتبرون قدوة صالحة لطبقة اقل منهم ثقافة محصلة، إلا أن هناك عدة عقبات تواجهنا دائما كالتناقض الذي يعتبر هوة كبيرة بين المثقفين سواء على صعيد الجنس أو المجتمع، وقد تكون أول خطوة الميل نحو العجز والتمرد ضد العقول العتيقة والثورة ضد جل القواعد الموروثة التي لا تتماشى مع روح العصر أو تستجيب لطبيعة اللحظة. رغم أن ميزة المثقف الحقيقي هي القدرة العالية في الحوار والسمو في إقناع الرأي المعارض، إلا أن مثل هذه الجرأة في الإيقاع غالبا تكون شبه منعدمة حين تخص الارتباط داخل عش الزوجية، إذ يصبح زواج المثقفين ثورة فكرية بين هما وتمرد على المألوف ودعوة للتحرر من أباطيل الماضي والحاضر من اجل المستقبل.

لنلقي نظرة أين وصلت حدة الخلاف في الفكر والرأي عند هذه النخبة المثقفة


الرأي النسوي - المثقف الذي يمثله الرجل العربي نظرته للمرآة العربية المثقفة كما يلي

  يفضل الهروب والابتعاد عن ساحة المرآة المثقفة، أو الواعية أو الذكية
  له قناعة انه ملزم بالتفكير والتقرير بدلا من الزوجة، هو الذي له صلاحية التخطيط لمستقبل البيت والأطفال وما غير ذلك
  لا زال يرى أن المناصب المرموقة سواء السياسية أو الاقتصادية، أو الاجتماعية حكرا عليه، وحين تتحمل المرآة تلك المسؤولية وتناضل باسم الرأي العام وما يخص قضايا المجتمع يعتبر ه اغتصابا علنيا لحقه الموروث.
  حين يواجه قدرات الزوجة المثقفة في الحوار الجاد واتخاذ القرار الصائب والتفهم العميق من خلال استعانتها بما حصلته من معرفة وخبرة وذكاء ينفر منها كأنها شبح مخيف يهدد كرسي عرشه.
  هناك من ينظر لتلك الأنثى المثقفة بالمترجلة لأنها ضيعت انوتتها في تحصيل العلم والمعرفة و الحاجة المتجددة حسب اعتقاده
  حتى وان تخلت تلك الزوجة المثقفة عن مبادئها وكرست نفسها ووقتها للبيت والمطبخ وتربية الأطفال ورعاية بعلها ووجباتها الأخرى، اعتبرها جاهلة ومتخلفة لا تعرف عن البروتوكول النسائي إلا القليل إذ لا تلبي طموح هذا الزوج
  هناك كذلك من يرى ثقافة الأنثى بالفلسفة الجامدة التي أفسدت أخلاقها وقيم المجتمع العربي
  المرآة المثقفة بذكائها الحاد يمكن لها القيام بالأعمال المحظورة التي تتنافى مع الأخلاق والقيم دون علم احد بذلك حسب اعتقاد البعض
  ثقافة المرآة تعدت الخطوط الحمراء حين اعتلت غمار السياسة والسفر وواجبات الوطن، وأصبحت مجرد فيلسوفه غير واقعية تعيس في عالم فريد لا يمت بصلة للواقع العربي
  ثقافة المرآة أفسدت عليها أنوثتها ورقتها، أصبحت تدخن السجائر وتحتسي الكحول و تلبس حسب الموضة ترفعت عن طبيعتها وتمردت بداخلها وتشبث بأن لها كيان ودور آخر عير كونها امرأة وأنتي رقيقة وخجولة
  الرجل الشرقي كان وسيظل شرقيا مهما بلغت ثقافته، والمرآة العصرية التي تجمع بين الثقافة والوعي والأنوثة والتحصيل والمعرفة والذكاء لم يعد فيها السند الذي يطلبه من اجل إرضاء رغباته عند اللزوم كذلك تلك الثقة الزائدة بنفسها جعلتها تنعكس سلبا عليها.

رأي المثقف العربي المساند والمدافع عن حق ثقافة الجنس النسوي

  حين ترتبط المرآة المثقفة برجل في نفس المستوى يكون تلقي الأفكار بطريقة صحيحة غالبا ما يصبح دعما قويا لحياة موفقة ناجحة وسعيدة ومنظمة بسبب انسجام المفاهيم.

  الرجل العربي المثقف كذلك يساند المرآة المثقفة، إذ دافع دائما عن أصلها وأطنب فيها الباحثون عن نشأتها الأولى وأصلها الأصيل الذي لن يتغير بسبب أي ظرف، إلا أن صورة هذه الأنثى في المجتمع العربي فبركها وضخمها وأفسدها الإعلام العربي كتلك التي ابتكرها نابليون عدو النساء خلال القرن الثامن عشر، على أن تلك الوقائع لم تكن في الحقيقة إلا إرثا وآثارا من آثار عداوة سمو المرآة منذ عقود مرت ر والتي لم تزيدها كتابات روسو ن ومولير، ومونتيسيكو، وفولتير وديدرو وغيرهم من المفكرين الذين عارضوا تحرير المرآة إلا تتبيثا في نفوس الجماهير، وعلى الرغم من رد الفعل الذي أحدثه ثورة الجمهور الفرنسي آنذاك فان نابليون طبق عمليا كل المبادئ المقيدة للمرآة والمحقرة لها ولكرامتها مما لا شك أن هذا الفكر الفاسد القديم الجديد جعل من الرجل العربي دائم البحث عن الزوجة الملائمة له في صورة الجدة والأم ، فهو له منظوره الخاص به وأنها ستكون مثالا للفضيلة والأخلاق التي احتفظت عليه قديما وستحتفظ على مصالحه و نسله وماله حديثا ، أما هذه المثقفة فهي غير صالحة بتاتا لرحلة عمر طويلة. تلك النظرة القديمة من الرجل والمجتمع العربي الذي لا زال محتفظا بميزة الذكورة و الذي يرى في ثقافة المرآة إشكالية العصر، والتي جعلتها تتمرد على الخضوع والتبعية لرأي الزوج ولو كان غير وجيها لسبب مباشرا في إخفاق الارتباط بين هما سواء على مستوى الشغل أو المنزل إذ اتضحت لنا تلك العلاقة المريرة التي تطورت مع الزمن، وربما هذه الصرخة تدلنا على انه كذلك يشعر بمسؤوليته الذاتية في هذا الإخفاق لأن طريقيهما اصطدما بأحجار كبيرة كالمال والثقافة والجنس والموروث والتعمد لعدم غسل الخطايا الموروثة.
  الرجل العربي وللأسف مهما بلغت ثقافته ووعيه لا تعنيه ثقافة نصفه الآخر كثيرا الذي يهمه هو الجانب الأنثوي الرقيق، والعيب ليس في المرآة بل في الرجل الذي لا يواجه تلك المواصفات والتي يعتبرها نقمة على مستقبله.

بعدما حصلنا على خلاصة من الآراء المعارضة والمساندة والمناصرة، أصبحنا أمام ضرورة إيجاد الحلول المناسبة لهذا المشكل، إذ يجب أن لا نهمل توجيه فكر نسلنا بالنصائح بدءا من المدرسة والجامعة ووسائل الإعلام والأسرة إلى الشارع، لان ثقافة المرآة لم تكن في يوم من الأيام عيبا في شخصها، الجوهر وأساس خلاف الآراء يكمن حول نجاح زواج المثقفين كي ينجبوا مجتمعا مثقفا ينهض بالمجتمع العربي للأعلى، و البعض يرى هذا الارتباط كسائر ألوان النشاط الإنساني الشرعي يخضع لسنة التطور ويتأثر بروح الحضارة ويطبع بطابع العصر ولا يمكن أن نجعل العنصر النسوي وحده يتحمل أعباءه وتبعاته السلبية، لأن الزواج التقليدي الذي لا يزال محافظا على تقاليده قرونا طويلة فذلك لأن الفكر العربي ظل راكدا طوال هذه المدة الزمنية، فلما بدأت النهضة الحديثة أجبرت كل مظاهر الحياة فيها كي تتغير جوهريا من كل الوجوه المألوفة، مثل تغيير المسكن، الأثاث، الثقافة، الأزياء الأكل والقيم والأخلاق والفكر حتى الصلة الاجتماعية والحضارية بوجه عام، لان هذا الزمن يفرض علينا أن نستجيب لكل تلك المطالب.

ينبغي إذا أن نكون وسيلتنا إلى الحكم الصحيح على أي تطور جديد وان نقيسه ونبسطه ونحكم على نتائجه بعد ذلك في ذاتها هل هو مجرد تقدم شخصي أو هو تغيير نموذجي عن روح مواكبة الحضارة وطابع العصر، إلا أن المعركة بين القديم والحديث معركة أبدية قد تطول ولكنها لا تنتهي إلا بانتصار الجديد لأن من خلال الصراع بين هما ينتهي الزيف ويبقى ما يمثل جوهر التطور الحديث في المجتمعات، علينا جميعا أن نعي دائما سنة التقدم والرقي ولا نجعل عقائدنا الموروثة عقبة في سبيل نهضة مجتمعنا وتقدمه لأن مشروع ثقافة المرآة مبدأ يمكن أن يؤدي خدمة جليلة للحياة البشرية، وإعانة كثير من المواهب الناشئة التي قد تحطمها أحيانا عثرات الجهل في أول الطريق، كذلك يجب أن توفر لهم كل الوسائل التي تضمن لهم الاستمرارية وحسن الاختيار، وان شاء الله هذا المجهود كفيل بأن يؤتي بثماره على خير وجه.

في الأخير الأمر متروك على كاهل مسؤولية الجميع لتقدير وتقرير مصير تلك المعضلة التي تعد من أسباب أزمات المجتمع العربي الذي لا زال الجدل العنيف يرمي بظلاله على التوازن المعقود بين عناصر تلك الرسالة ووجباتها وخلجاتها الدقيقة المعقدة التي ترتبط بمشكلات عدة ترتفع بعض الأحيان إلى الاحتقان.

أرجو أن لا تفسر آرائي الشخصية على أنها دعوة لتحريض الجنسين، بل المطلوب هو بسط الموضوع على محك النقاش الجاد

18/3/2007


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى