الأحد ٢٥ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم بيانكا ماضية

فرقة إنانا السورية

تحلّق في الحفل الختامي لفعاليات حلب عاصمة الثقافة الإسلامية

اختتمت فعاليات حلب عاصمة الثقافة الإسلامية بعرض قدمته فرقة إنانا للمسرح الراقص جاء بعنوان ( الملكة ضيفة خاتون ) ضمن عمل مسرحي استعراضي غنائي ، كتب مادته التاريخية الأستاذ الباحث محمد قجة ، وراجعه مراجعة أدبية الروائي وليد إخلاصي ، وهو من تأليف وسيناريو وحوار وأشعار الكاتب الروائي محمد أبو معتوق ، ومن إخراج جهاد مفلح .
وكانت الأدوار التمثيلية للفنانين المبدعين : أمل عرفة ( الملكة ضيفة خاتون ) وصباح عبيد ( الملك العادل ) وعبد الحكيم قطيفان ( الملك الظاهر غازي ) وعادل علي ( شهاب الدين ) وناصر وردياني ( ابن العديم ) ودياب السكري ( ابن عربي ) .

العرض الذي قدمته هذه الفرقة مستوحى من جذور تاريخ حلب ، ويعود إلى النصف الأول من القرن السابع الهجري إلى النصف الأول من القرن الثالث عشر ميلادي ، وهي الفترة التي شهدت فيها حلب حكم الملك العادل شقيق صلاح الدين ، ومن ثم الظاهر غازي ابن صلاح الدين الذي تزوج بابنة عمه ( ضيفة خاتون ) .

لقد قدمت فرقة إنانا عبر عرضها الجميل والرائع هذه الأحداث من تاريخ حلب لتقدم فناً راقياً واستعراضاً جميلاً أسهم فيه أعضاء الفرقة كاملة ، مشيرة من خلاله إلى النهضة العمرانية التي شهدتها المدينة في تلك الحقبة ، وإلى الدور النهضوي الذي قامت به المرأة السورية على الأصعدة كافة إضافة إلى دورها كزوجة وأم ، معيدة إلى أذهان الجمهور الصورة المشرقة التاريخية لهذه المدينة ونهضتها العمرانية والحضارية التي شهدتها في تلك الفترة ولاتزال آثارها باقية للعيان في أحياء المدينة القديمة .

تعد فرقة إنانا للمسرح الراقص من أهم الفرق السورية التي تبحث في حضارة بلاد الشام وفي فلكلور العالم العربي ، وهي منذ تأسيسها وحتى اليوم تقدم أعمالاً تسعى فيها إلى تطوير هذا الفلكلور مازجة من خلاله بين الواقع والخيال وبين التاريخ والمعاصرة ، ولم تقتصر أعمالها على المسرح وحسب وإنما تعدته إلى التلفزيون فالسينما ليطلع من خلالها الجمهور على حقب عريقة من تاريخنا السوري والعربي .

قدمت هذه الفرقة عبر تاريخها الفني عدة أعمال مسرحية راقصة جميلة ومنها ( هواجس الشام ) و ( أبناء الشمس ) و ( أجراس القدس الدمشقي ) و ( حكاية بطل ) و ( عاشقات المجد ) و ( زنوبيا ملكة الشرق ) و ( جوليا دومنا ) وغيرها من الأعمال التي قدمت متعة بصرية جمالية نالت إعجاب المتلقين واستحسانهم ، وهي من خلال أعمال مثل ( زنوبيا ملكة الشرق ) و ( جوليا دومنا ) وفي الأمس ( الملكة ضيفة خاتون ) سعت لأن تقدم صورة المرأة السورية ، تلك الصورة المشرقة عبر التاريخ ، إذ كانت تلك المرأة مشاركة للرجل في نواحي الحياة السياسية والعسكرية وحتى في مراكز النفوذ والسلطة ، لتؤكد أن تاريخنا حافل بالرموز النسائية التي كان لها دور عظيم في الحضارة والتاريخ .

وهي إذ تمزج بين الحضور التاريخي وبين اللحن والحركة والإيماء فإنما لتقدم أعمالاً تتنوع فيها الألحان والإيقاعات بانتظام حركة الجسد مع الإيقاعات الموسيقية ، ضمن إطار فني جذاب يسعى في تكامل عناصره إلى تحقيق الغاية المنشودة وهي الفرجة المسرحية ذات المستوى الفني العالي الرفيع .

و( إنانا ) هي رمز لآلهة الخصب والحب ، ولذلك تركز هذه الفرقة بقيادة جهاد مفلح على هذا الرمز لتقدم من خلاله المرأة الفاعلة في المجتمع السوري بكل صورها المشرقة عبر التاريخ .

في الأمس وفي الحفل الختامي لاحتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية قدمت ( إنانا ) عملاً جميلاً ورائعاً بعنوان ( الملكة ضيفة خاتون ) سلطت فيه الضوء على فترة زمنية مهمة في تاريخ حلب ، وقد بدأ العرض بزمن إنجاب زوجة الملك العادل شقيق صلاح الدين الذي حكم حلب ، بنتاً سماها ( ضيفة ) ثم بمشهد إرسال مرسوم من السلطان صلاح الدين يأمر فيه بنقل أخيه الملك العادل إلى حكم مصر ، وتعيين ابنه الظاهر غازي حاكماً لحلب ، يليه مشهد تولي الظاهر غازي الحكم وطلب يد ابنة عمه ( ضيفة ) فترتحل من مصر إلى حلب لتزف إلى ابن عمها الظاهر غازي ويصبح اسمها الملكة ضيفة خاتون .

وفي هذه الأثناء يجدد الظاهر غازي عمارة حلب ، ويقوي دعائمها وأسوارها ويرسل المحراب الحلبي إلى بيت المقدس ، بينما يكون في أحشاء الملكة ضيفة خاتون جنين سوف يصبح الملك العزيز محمد .
ويعقد الظاهر غازي الاتفاقيات التجارية مع إمارات أوروبية وبخاصة ( البندقية ) ليطالعنا العمل بمشهد آخر تنشد فيه ضيفة خاتون موشحاً للسهروردي ومن ثم نشاهد مشهداً آخر يستقبل فيه الظاهر غازي الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي فيكرمه ويحترمه .

وتظهر هذه المشاهد الحكمة والكرم اللذين يتصف بهما الظاهر غازي ، وبعد وفاته نرى الملكة ضيفة خاتون الوصية على ابنها تساهم في أمور الحكم وتصبح هي الملكة الفعلية ، فتنشر الازدهار في مملكة حلب وتخفف الضرائب وتنشط التجارة والصناعة وتمد قساطل المياه وتبني المدارس والخانقاهات ومدرسة الفردوس الكبرى التي بقيت شاهدة على دورها حتى هذا اليوم ، كما تحصن المدينة وتخوض معارك مظفرة ضد المغول والتتار ، وفي داخلها حب عظيم لهذه المدينة التي قدمت لها ما استطاعت لازدهارها وتطويرها ونهوضها المعماري والعلمي .

كل هذه الأحداث التي ذكرناها رأيناها وقد رافقتها العروض الراقصة المتنوعة المعتمدة على لغة الجسد وحركاته وإيحاءاته ، وقد أظهرت الفرقة من خلال هذا الأداء المسرحي الراقص اللياقة البدنية التي يتمتع بها أعضاؤها ، ولاننسى عنصري الديكور والإضاءة اللذين لعبا دوراً جمالياً في العرض ، وبما يلائم المشاهد ، لنرى جواً مسرحياً احتفالياً راقصاً تترافق فيه الأنغام مع الأناشيد مع القصائد والأغنيات لتعطي الراقصين طاقة محركة إبداعية يعبرون بها من خلال رقصاتهم الرشيقة وتشكيلاتهم التعبيرية الجميلة .

لم تقف هذه الفرقة عند حدود معينة من الإبداع والفن إذ طورته عبر مسيرتها الفنية العريقة ، وقد صقلت التجربة مخرجها الفنان المبدع جهاد مفلح المتمكن من أدواته الفنية والتعبيرية والذي استطاع أن يقدم هذه الفرقة السورية إلى دول العالم أجمع خلال فترة طويلة من العمل المضني والشاق لتكون هذه الفرقة سفيرة الثقافة السورية إلى دول العالم كافة .

لقد استمتعنا حقاً بعرض ( الملكة ضيفة خاتون ) في الحفل الختامي لاحتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية ، إذ توجته هذه الفرقة فتألقت في سماء حلب ، ولم تكن ضيفة على المدينة ، وإنما واحدة من أبنائها المبدعين الذي سعوا إلى إظهار صورتها المشرقة في الأمس لدول العالم قاطبة .

تحلّق في الحفل الختامي لفعاليات حلب عاصمة الثقافة الإسلامية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى