السبت ٣١ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم بيانكا ماضية

حوار مع الباحث المعماري السوري محمود زين العابدين

الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع المبدع الشاب

بعد إعلان أسماء الفائزين بجائزة ( الشيخ زايد للكتاب ) في دورتها الأولى للعام 2007 ، وفوز الباحث السوري محمود زين العابدين بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع المبدع الشاب عن كتابه ( عمارة المساجد العثمانية ) ، أجرينا معه الحوار الآتي :

- في البداية نود أن نتعرف على المهندس محمود زين العابدين؟

محمود زين العابدين من مواليد مدينة حلب في الجمهورية العربية السورية، وقد حصلت على درجة البكالوريوس للهندسة المعمارية من جامعة يلدز للتقنية بمدينة استانبول بتركيا، عام 1994، وفي العام الماضي حصلت على درجة دبلوم دراسات عليا في نظريات وتاريخ العمارة من كلية الهندسة المعمارية بجامعة حلب، وأقيم حالياً في المملكة العربية السعودية، وأعمل في مؤسسة التراث، والتي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز.

- اليوم وأنت تكرم بجائزة الشيخ زايد للكتاب، عن فرع المؤلف الشاب، كيف تلقيت هذا النبأ، وما هي انطباعاتك؟

مما لاشك فيه بأنني أشعر بسعادة بالغة، بل تكاد لا توصف، لأنني لم أضع الكثير من الأمل في الفوز بها، مع العلم بأني إنسان متفائل دائماً، فبعد أن عرفت بضخامة عدد المشاركين في هذه الجائزة، وذلك انطلاقاً من أهميتها، فقد كان وقع الخبر علي مفاجأة كبيرة وسعيدة جداً وبالطبع يبحث المرء منا في كثير من الأحيان عن كلمة شكر أو تقدير، فما بالكم بأن يكرم ويحصل على جائزة تحمل اسم الشيخ زايد طيب الله ثراه، فهذا شرف كبير بالنسبة إلي، ووسام سأضعه على صدري أينما رحت وذهبت، وستشكل هذه الجائزة حافزاً كبيراً لي لبذل وتقديم المزيد من الجهد والأعمال للمساهمة في خدمة تراثنا وتاريخنا العريق، كما يمنحني شعور بالمسؤولية تجاه ما أقوم به من دراسات وبحوث وأعمال، ولمتابعة طريقي في البحث العلمي، وأنا لا أزال في بداياته.


- ماذا تشكل لك هذه الجائزة كقيمة إبداعية للمثقف العربي، مع العلم بأن هناك جوائز كثيرة في العالم العربي ما هي أهمية هذه الجوائز من وجهة نظرك، وبماذا تتميز جائزة الشيخ زايد للكتاب عن الجوائز الأخرى؟

بالطبع تشكل الجوائز حافزاً مهماً ورئيساً في دفع المؤلفين إلى تقديم المزيد من الدراسات والكتب التي تحتاجها مكتبتنا العربية، وجائزة من هذا النوع أشرقت في ظروف حالكة وصعبة لما يواجهه الكتاب العربي من صعوبة، وخاصة بسبب الابتعاد عن القراءة، وينسب البعض هذا البعد إلى الانشغال بتأمين لقمة العيش. وما يؤكد أهمية نجاح هذه الجائزة تنوعها عن جميع الجوائز العربية الأخرى، لكونها تشتمل على تسعة مجالات ثقافية، وبهذا تخاطب هذه الجائزة الكثير من المستويات والتخصصات العلمية والأدبية، ولهذا أجدها من أنجح الجوائز في شموليتها. أيضاً ومما لاشك فيه أن قيمة المكافأة المالية تشكل دعماً كبيراً وحافزاً للفائز، ولمن يتطلع للفوز بهذه الجائزة في دورات قادمة. لتصبح أحد أهم الجوائز المهمة في العالم العربي، وأهم حدث ثقافي تشهده الساحة العربية، بل وستشكل سبباً لدفع المؤلفين إلى تقديم المزيد من البحوث والدراسات، كما وتساهم هذه الجائزة في تشجيع القدرات والمؤهلات ورعاية الكفاءات، والشبابية منها بشكل خاص.

أيضاً تنوع فروع الجائزة ومرونة شروط الانتساب إليها، ساهم في ترشيح الكثيرين من المؤلفين، فلم تقتصر على الإمارات العربية فحسب، أو على دول الخليج، بل شملت العالم العربي، لتمثل أنموذجاً في وحدة الصف العربي، وتجسيداً حياً للوحدة العربية، فالثقافة خير رابط بين الشعوب بأكملها، لتصهر جميع الحدود الجغرافية والحواجز والأسلاك الشائكة التي تمزق نسيج مجتمعنا العربي، وما أحوجنا في هذه المرحلة إلى المزيد من الترابط الفكري، لأننا أحفاد علماء وأدباء أفنوا عمرهم في البحث والتأليف والمطالعة، وبهذا سيستعيد الكتاب العربي، والمؤلف والباحث مجد أجداده من خلال هذه الجائزة، بعيداً عما أصابنا في السابق من إحباط وتشاؤم. أيضاً لكم أهمية الجائزة بأنها تحمل اسم شخصية عربية تقديراً لمكانته الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، ودوره الرائد في التوحيد والتنمية وبناء الدولة والإنسان، تقرر إنشاء جائزة علمية تحمل اسم ”جائزة الشيخ زايد للكتاب“.

- أستاذ محمود هل لك أن تحدثنا عن علاقتك بالتراث العمراني وكيف نشأت؟

بالطبع الفضل يعود إلى مدينة حلب، الغنية بتراثها العمراني الذي يعود إلى حضارات تتالت وتعاقبت على هذه المدينة التي تعد من أهم وأقدم المدن المأهولة في العالم، فقد تأثرت بتلك البيئة الثرية وبمعطياتها، فأنا مدين لمدينة حلب العظيمة، التي ترعرعت بين جنباتها، ودرست في أفنية مدارسها، وشببت في شوارعها. فقد تشبعت منذ الصغر بحبي لتلك المدينة التي تعلمت منها معنى القوة والحب والجمال والعطاء، فعراقة هذه المدينة، ولما تحتويه من مخزون وإرث ثقافي، جعلني أتعلق به، وأتعمق في دراسته وتحليله.

- صدر لك إلى الآن خمسة كتب تتعلق بالعمارة الإسلامية، فهل لك أن تحدثنا عن بداية توجهاتك نحو الكتابة، وتعرفنا أكثر على هذه الكتب؟

الكتاب هو وعاء العلم والحضارة والثقافة والمعرفة والآداب والفنون، كما أن الأمم لا تقاس بثرواتها المادية فحسب، بل تقاس بأصالتها الحضارية، والكتاب هو أساس هذه الأصالة والعامل الرئيس على تأكيدها، وأذكر مقولة لسماحة مفتي مدينة حلب الشيخ الدكتور محمود عكام، أن خير المخلفات المؤلفات، فقد بدأت مع الكتابة في تركيا، ومع دراستي للهندسة المعمارية في تركيا، قمت بإعداد بحث عن عمارة البيوت التقليدية في مدينة حلب، وباللغة التركية، وقد لاقى هذا البحث اهتمام أساتذتي في الكلية، وبدؤوا يشجعوني على الكتابة، ثم بدأت بإعداد كتاب عن عمارة البيوت التركية، وقد جمعت كماً كبيراً من المعلومات، إضافة إلى زياراتي إلى الكثير من المدن التركية، مصوراً تلك البيوت التركية التقليدية، ومن ثم وبعد تخرجي، وبداية عملي في السعودية، قمت بإصدار أول كتاب لي في عام 1998، بعنوان جولة تاريخية في عمارة البيت العربي والبيت التركي، وقدمت بهذا الكتاب عدداً من المحاضرات في السعودية وتركيا وسورية وأمريكا أيضاً. كما شاركت بتأليف كتاب صدر باللغة الإنجليزية في لندن، بعنوان البيوت ذات الفناء الداخلي، وقد تم اختيار مادة بحث كنت قد شاركت بها في المؤتمر الدولي الذي انعقد بجامعة البعث مع جامعة هيدرسفيلد البريطانية، عام 2000. وكنت سعيداً جداً بمساهمتي في التعريف للعالم الغربي بحضارتنا المعمارية الإسلامية. وفي العام الماضي صدر كتابي الذي فزت به بجائزة الشيخ زايد للكتاب، وعنوانه: عمارة المساجد العثمانية، ومع احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية، كان لي الشرف بإصدار كتابين بهذه المناسبة، الأول بعنوان: حلب عمارة المدينة القديمة، وكان مخصصاً لهذه المناسبة وأهديته إلى مدينة حلب، بهدف المساهمة في التعريف بهذه المدينة العريقة، وقد صدر برعاية كريمة من سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون، أما الكتاب الثاني فهو كتاب فضاءات من العمارة الإسلامية، والكتاب عبارة عن مجموعة مقالات تعرف بعمارتنا الإسلامية المنتشرة في العالم الإسلامي.

- وماذا عن الكتاب الذي فزت به بجائزة الشيخ زايد للكتاب؟

الكتاب يحمل عنوان: عمارة المساجد العثمانية، والذي قد صدر باللغتين العربية والإنجليزية، وقام بتقديمه الدكتور العزيز عفيف البهنسي، أطال الله في عمره، ويتناول هذا الكتاب فن عمارة المساجد العثمانية الذي انطلق من مدينة بورصة، العاصمة الأولى للدولة العثمانية، منتقلاً إلى مدينة أدرنة، ومن ثمّ مدينة إستانبول، عاصمة الدولة العثمانية، تلك المدينة التي شهدت تطور هذا الفن المعماري الثري الذي مرّ بعدة مراحل، لتصل إلى ذروة مجدها في عهد المعماري سنان، بعد أن منحها هوية معمارية خاصة، تميزت بها عن سائر أنماط العمارة الأخرى في العالم الإسلامي. ويتألف من أربعة فصول، ففي الفصل الأول قمت بدراسة أقسام المسجد، مع عناصره المعمارية التي ظهرت وتطوّرت ضمن عدة حضارات إسلامية. وفي الفصل الثاني استعرضت تاريخ المساجد العثمانية في تركيا، وما رافقه من مراحل تطّور في أشكال هذه المساجد التي تأثّرت بالطابع البيزنطي (كنيسة أياصوفيا). مع الحديث عن المعمار سنـان، وعن أهم أعماله، منتقلاً لمرحلة تدهور العمارة العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. أما في الفصل الثالث، فقد قمت بدراسة العـمارة العثمانية في سورية، من خلال خمسة نماذج هي: المدرسة الخسروية، جامع العادلية، جامع البهرمية، التكية السليمانية، والمدرسة العثمانية. بالإضافة إلى دراسة مميزات العمارة العثمانية في سورية.
وفي الفصل الرابع والأخير بحثت في التأثير العثماني على العمارة العربية الإسلامية في سورية، خلال القرن السادس عشر (1536 -1590م)، حيث درست المساجد في سورية قبل التأثير العثماني وبعده، مع مراجعة مراحل تطور المساجد العثمانية في تركيا بعناصرها الرئيسة والتفصيلية والمعمارية. ويحتوي الكتاب على عدد كبير من الصور الملونة التي قمت بتصويرها في تركيا وسورية خلال دراساتي الميدانية، إضافة إلى المساقط الأفقية والمقاطع والواجهات للمساجد العثمانية التي تناولتها في الكتاب. وأهم ما يميز هذا الكتاب الذي استغرق إعداده وإخراجه ست سنوات، الصور الفوتوغرافية، وسلاسة المعلومة ليطلع عليها أكبر شريحة ممكنة من القراء مع تفاوت تخصصاتهم ومستوياتهم العلمية، ولعل هذه المنهجية كانت أحد الأسباب التي جعلتني أفوز بالجائزة.

- وما هي المنهجية التي تعتمد عليها في تأليف كتبك؟

بالطبع أنا لست أول من كتب عن التراث العمراني، ولن أكون آخر باحث أيضاً، فدراسة العمارة الإسلامية أشبه بمحيط واسع، كلما ازددنا تعمقاً فيه، تعرفنا على تفاصيل ومفردات جديدة، ولكنني وبتواضع أحاول في كتاباتي أن أعتمد أولاً على سلاسة المعلومة وبساطتها، بحيث يمكن أن يقرأها أكبر شريحة ممكنة، مع تفاوت الأعمار والدرجات العلمية، كما أعتمد وبشكل كبير على الصور لأن الصورة قادرة على نقل جزئيات العمارة وتفاصيلها بدقة شديدة تعجز الكلمة بالتعبير والشرح عنها أحياناً، فجميع الصور المنشورة في كتبي من تصويري، وذلك انطلاقاً من اهتماماتي بالتصوير الفوتوغرافي، فلا ألجأ لصور الآخرين إلا فيما ندر، والهدف من ذلك أن يستمتع القارئ في تصفحه للكتاب، وأن يستفيد بعيداً عن الملل، إضافة إلى الاستعانة بالمخططات الهندسية، محاولاً إخراج هذه الكتب، وبشكل فني متميز، معتمداً على مجموعة من المخرجين المتخصصين في الخارج، وأتابع بنفسي أدق التفاصيل المتعلقة بالكتاب، من طريقة الإخراج إلى سماكة الورق فنوعية الطباعة وجودتها، بهدف الحصول على كتاب أقرب ما يكون إلى الكمال، والكمال لله.

- عن أهمية التواصل، هل هذا هو أحد الأسباب التي جعلتك تنشئ موقعاً شخصياً لك؟

بالطبع عالم الإنترنت هو أسرع وأفضل عالم للتواصل، لتتحقق مقولة أن العالم أضحى قرية صغيرة، أما عن موقعي الشخصي، والذي قد اخترت له اسم (شادروان) فقد جعلت منه وعاء متواضعاً أجمع فيه جميع أعمالي من بحوث ومقالات وصور فوتوغرافية، ورسومات كاريكاتيرية رسمتها سابقا، بهدف التعرف إليها والاستفادة منها أيضاً، ولله الحمد فموقعي ضمن العشرة الأوائل الأكثر شيوعاً وزيارة ضمن الدليل الأصفر في الموقع الرسمي الحكومي لمحافظة حلب، محاولاً إبعاد الموقع عن كونه موقعاً شخصياً فحسب بل تطويره بحيث يكون ملتقى ثقافياً، أساهم من خلاله بالتعريف بتراثنا العمراني الثري، وبحضارتنا الإسلامية،وهذه دعوة للجميع بزيارة الموقع، والتعرف إليه وتزويدي بمقترحاتهم وآرائهم، وأن يكون لهم مشاركات فيه أيضاً، علماً أن عنوان الموقع هو:

www.shadirwan.com


- وما هي مشروعاتك وطموحاتك المستقبلية؟

في الحقيقة أود أولاً أن أتابع تحصيلي العلمي، فقد أنهيت العام الماضي الدبلوم بقسم نظريات وتاريخ العمارة بكلية الهندسة المعمارية في جامعة حلب، وبدأت تحضيراتي لإعداد بحث الماجستير، إضافة إلى أن هناك مجموعة من الكتب، أقوم حالياً بإعدادها وإخراجها، ومنها كتاب: استنبول جسر الحضارات، وكتاب عن إعادة تأهيل المباني الأثرية وتحويلها إلى متاحف، وكتاب عن عمارة مدينة حلب في القرن السادس عشر الميلادي، مع التحضير للمشاركة في عدد من المؤتمرات والندوات العالمية والعربية خلال العام القادم، آملاً أن أساهم ولو بجزء بسيط في تسليط الضوء على حضارتنا الثرية.

- في ختام هذا اللقاء هل من كلمة أخيرة تود أن توجهها أو تطرحها؟

كلمتي الأخيرة أقدمها إلى الجيل الواعد شباب اليوم، بأن نكون أشد تمسكاً بتاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا، وأن نتعمق أكثر في قراءة تاريخ أمتنا العريق، فمن لا يجيد قراءة تاريخه، لن يكون له مستقبل مشرق ، ومن لا يحترم ماضيه، لن يحترمه المستقبل، ولن يكون له أية بصمة أو إضافة في حياته، فهذه دعوة لجيل الشباب لأن يكونوا أشد وطنية وتلاحماً، لأن أصدق أنواع الوطنية هي أن يتقن المرء اختصاصه لينتفع به مجتمعه، آملاً أن أساهم ولو بشكل متواضع في بناء مستقبل مشرق، وأحث جميع الشباب بأن يعملوا بكل صدق وإخلاص، وبأن الله لن يضيع أجر العاملين، والشكر الكبير إلى دولة الإمارات الشقيقة وإلى جميع القائمين على هذه الجائزة، ولما بذلوه من جهد وإعداد وتنظيم، وأخص بالشكر الأستاذ محمد خلف المزروعي ، مدير عام هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، والأستاذ راشد العريمي، الأمين العام للجائزة، ولكل العاملين على هذه الجائزة، ولشعب الإمارات العربية المضياف.

الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع المبدع الشاب

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى