الخميس ٧ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم أمل إسماعيل

في انتظار الإعصار

الضجة الإعلامية، والهلع الذي دب في قلوب أهل الخليج من شرقها إلى غربها، وشمالها إلى جنوبها، يتلاءم مع الحالة النفسية الساكنة سكون الموت، وافتقاد هذه المنطقة من العالم إلى الأفلام الهندية الجوية، كتلك التي ترقص (الوحده والنص) في جارتنا البعيدة عن العين لكنها قريبة جدا جدا من القلب.. أمريكا.

إعصار "غونو" الإعصار المداري القادم من المحيط الهندي، مجتاحا بحر العرب، وخليج عمان، ثم صاعدا متجها إلى إيران، عده خبراء الأرصاد الجوية إعصارا من الدرجة الخامسة – أعلى الدرجات وأخطرها – لكنه ما لبث أن خيب آمال أهالي الخليج (بين مصدق ومكذب) ورغبتهم في معايشة حالة "نكبة" مشابهة لتلك التي يقرؤون عنها في التحقيقات الصحفية، ويشاهدونها في نشرات الأخبار وأفلام الأكشن، وتحول الإعصار إلى مجرد عاصفة مدارية الآن، ولم يقم بواجبه الجوي تجاه الشعوب المتعطشة لرؤية إعصار أخيرا!

ورغم المحاولات الحثيثة لقنوات التلفزة الخليجية لنقل الحدث ساعة بساعة، والتقاط صور – حاولت جاهدة أن تضفي عليها طابعا مأساويا – إلا أن النتيجة خرجت بصور عادية جدا، وأمواج بحرية وادعة. والمطلع على أجواء الخليج في الشتاء يعلم تمام العلم أن مد البحر والأمواج قد سبق لها التصرف بهذا الطيش وغمر بعض الشوارع المحاذية للشاطئ. وأن رياحا عاتية لا تصنف ضمن الأعاصير ولا عصارات البرتقال، يمكن لها أن تسبب هذه الأمطار وهذه السيول في مناطق جبلية خبيرة بالوديان والسدود. اللهم دون أن نغفل أن أول المناطق التي تعرضت للإعصار قادما من البحر هي من ستتضرر الضرر الحقيقي فقط، كمنطقة صور في عمان، وما جاورها من مدن ساحلية وقرى جبلية تحيطها السدود.

يتبسم المشاهد لنشرات الأخبار حين يرى المذيع يتحدث عن الإعصار، والكاميرا تتنقل في مشاهد لمنطقة جبلية – يفترض أنها "منكوبة" – لترى الشوارع مغمورة بالمياه، وخياما بيضاء مهجورة متناثرة هنا وهناك – كانت معسكرا لبعض الشباب على ما يبدو – لم يمسها الإعصار الجبار، ولم يقتلع أي وتد من أوتادها الجبارة. ونتساءل نحن عما يجب أن نحكيه لنطمئن من يتصل بنا من كل حدب وصوب يسألنا عن "الإعصار" وهل "نزحنا" أم لم ننزح بعد من بيوتنا هربا من الغول القادم إلينا...! كم مرة تريدوننا أن نعيش النزوح!

بالتأكيد إنني لا أقلل من الأضرار التي يجب أن يخلفها أي إعصار – بمجرد أن يطلق عليه إعصار – لكنني أدعو إلى عدم تحميل الأمر أكثر مما يستحق، وعدم الاحتفال بالفزع والهلع وكأنه مناسبة تستحق أن نعممها على الأصقاع. وإن كان الخليج برمته لم يكتف بالإعصار الذي اجتاح العراق، والسعودية متمثلا في احتلال العراق، وفي التفجيرات الحاصلة في السعودية بين حين وآخر، فأولى به أن يلتفت إلى الأعاصير التي توشك أن تبتلعه من إيران والدول الأخرى الطامعة في خيراته وبساطة أهله.
إعصار غونو ليس إلا ظاهرة طبيعية كان الأولى أن "نستمتع" بها، وندعو الله أن يكفينا شرها – ويبدو أن الدعوة أجيبت ولله الحمد – وأن نرشد إذاعاتنا ومحطاتنا الفضائية والمحلية إلى كيفية التصرف في هذه الحالات، بدل صب البنزين على النار. بالإضافة إلى الاهتمام بالمراصد الجوية، والالتفات إلى خبراء الطقس والجيولوجيا الذين أهملناهم طويلا في بلاد كان آخر ما يعنيها تقلبات الطقس الذي لا يتقلب أبدا إلا على جمر الصيف والرطوبة اللزجة.

إعصار غونو.. الإعصار الـ"نونو" الآن، تلاشى، وما تبقى منه مجرد عواصف رعدية ومطرية تزور منطقة الخليج العربي، سقيا رحمة لا سقيا عذاب. بينما ما تزال أعاصيرنا الأخرى، وزوابعنا، وعواصفنا، موزعة هنا وهناك.. في أمة تمطر سماؤها دما، وقيحا، وكرامة.

هو الإعصار الحقيقي، لم يأت بعد!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى