الأربعاء ١٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٢

اتجاهات النقد الأدبي عند أبي حيان التوحيدي

علي عبد الجليل علي

صدر كتاب (اتجاهات النقد الأدبي عند أبي حيان التوحيدي) للكاتب الدكتور علي عبد الجليل علي، في ثلاثة أجزاء متتالية عن دار عين حورس للنشر والتوزيع والترجمة بالقاهرة، الكتاب يتناول شخصية أبي حيَّان التَّوحِيدي، الذي كان – وبِحَقٍّ – عَلَمَاً من أَعْلام القَرْن الرَّابع الهجري ومن كِبَار أُدَبائه ومُفَكِّريه، هذا القَرْنُ الذي بَلَغَت فيه مَباحِث الدَّرس النَّقدي العَربي الغَاية..

ففي وَسَط هذا الخِضَمِّ الزَّاخر من الدِّراسات الأدبية والنَّقدية المُتَخَصِّصة ظَهَر التوحيدي، فَأَدْلَى بِدَلْوه وسَاهَم بِفَاعِلية وقُوَّة في هذا الحِراك، واسْتَوْعَب ثقافة عَصْره، وما كان يَمُوجُ به من تَيَّارات واتِّجاهات فِكْرِية وفَلْسَفية وأَدَبية ونَقْدِية، وأُتِيحَ له بِما امْتَلَكَه من قُدْرة بَيَانِية وذَوْق أَدبي، أنْ يُعَبِّر عن ثقافة هذا العَصْر ويَنْطِق بِلِسَانِها، وكان من ثَمَرة ذلك طَرْحُه للكثير من قضايا النَّقد، وعلى الرُّغم من تَفَرُّق هذه الآراء والنَّظرات في مَواضع مُخْتَلفة من كُتُبه إلا أنَّها تَنْتَظِم انْتِظاماً واضحاً في شَكْل اتِّجاهات نَقْدِيَّة رَئِيسَة وهي (الاتِّجاه اللُّغوي، والاتِّجاه الجَمَالي، والاتِّجاه المَوْضُوعاتي)، فَعَبَّرت هذه الاتجاهات عن حَقِيقة الفِكْر النَّقْدي لَدَيه من نَاحِية، وعَبَّرت في الوقت ذاته عن الاتِّجاهات العَامة للنَّقد الأَدَبي القَديم في عَصْره وما سَبَقه أو لَحِقَه بِقَلِيل.

والكتاب بأجزائه الثلاثة يتكون من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول، أمَّا التَّمهيد، فقد جاء تَحت عنوان: (أبو حيَّان التَّوحيدي السِّيرة والعَصْر، ومُقَوِّمات فِكْرِه وثَقَافَته) وتَنَاوَل فيه ما يَتَعَلَّق باسْمِه ولَقَبِه، وأَصْلَه ومَوْلِده وَوَفاته، وما يَتَعَلَّق بأَهَم سِمات عَصْره، ومَنْ اتَّصَل بهم مِن الوُزراء، وما يَتَعَلَّق بِنَشْأة التَّوحيدي العِلْمية والتَّعْليمية من خِلال التَّعرف على شِيوخِه وأَسَاتِذته، ومَنْ تَواصَلَ معهم من عُلماء عَصْره، ثم اسْتَتَبَع ذلك الحديث عن أَهَم مَصادر كُتُبه ورسائله التي أَلَّفها،ثم الحديث بِتَفْصِيل عن كُتُبه ومُؤلفاته الكَثِيرة والمُتَنَوِّعة.

وتَنَاول الكتاب تلك المُقَوِّمات العَامَّة التي رَسَمَت مَلامح شَخْصِية التَّوحيدي الثَّقافية والفِكْرية والأَدَبية ومَدَى تَأْثِيرها على نَقْدِه الأدبي، وَرَصَدَ ثَمَانية من هذه المُقَوِّمات، وهي: شُيُوخه الذين تَلَقَّى عنهم العِلم، والعُلَماء الذين تَأَثَّر بهم، وإِطار الثَّقافة الشَّعْبِية التي أَتَاحَتها المَساجِد وحَلَقات العِلْم والمجالس، ثُم مَوْسوعية ثَقَافته وشُمُولية مَعارِفه، ثُم الحديث عن الفَلْسفة والإِلْمام بِعْلِم الكَلام، ثم مِهْنَة الوِرَاقَة ونَسْخ وكِتابة الكُتُب التي امْتَهَنَها، وكانَ يُسَمِّيها التَّوحيدي (مِهْنَة الشُّؤْم)، ثُم سَفَره وتَنَقُّله وتِرْحَاله بَيْن بَغْداد والرِّي وشِيرَاز وغَيْرها من المُدُن، ثم عَلاقَته بالصُّوفِيَّة، وأخيراً البَحْث في إِلْمَامه بِثَقافات أَجْنَبية (ثَقَافُتُه غَير العَرَبية).

وأمَّا الفَصْل الأَوَّل بِعنوان: (الاتِّجاه اللُّغوي في النَّقد الأَدبي عِند التَّوحيدي)، وتم تخصيصه للحَديث عن أَوَّل اتِّجاهات النَّقد الأَدبية البَارزة والحَاضِرة بِقُوَّة في فِكْر التَّوحِيدي النَّقْدي وهو الاتِّجاه اللُّغوي، وكانت البِداية مع تَحْدِيد مَفْهوم الاتِّجاه اللُّغوي في النَّقد، والتَّعرف على أَهَميته، وتَاريخ ونَشْأة هذا النَّقد وبِدايَاته قَبْل القَرْن الرَّابع الهِجْري الذي عَاشَ فيه التَّوحيدي، وصِلَته بالنَّقد اللُّغوي وباللُّغة عامَّة، وتناول بَعْض قَضايا النَّقد اللُّغوي التي طَرَحها في مُؤَلَّفاته، ثم الحَديث عن مُسْتَوَيات النَّقد اللُّغوي، حيث جَرَى تَحْلِيل هَذه المُسْتَوَيَات اللُّغوية كما جَاءَت فِي كُتُبه المُخْتَلفة.

بِدايةً مِن المُسْتَوى الصَّوْتي الخَاص بالحُرُوف والأَصْوات، ثم المُسْتَوى المُعْجَمي بِمَا فِيه من حَدِيث عن جُهُود التَّوحيدي في مَجال العَمل المُعْجَمي الخاص بالمُفْرَدات، أو المُصْطَلَحات، أو التَّعْبِيرات والمَقُولات، ثُمَّ المُسْتَوى الصَّرْفِي البِنَائِي، ومَا يَتَعَلَّق بِقَضايا الصِّيغ والاشْتِقَاق وغَيْرها، ثم المُسْتَوَى الدِّلالِي الذي طَرَحَ فيه الكتاب ما يَتَعَلَّق باهْتِمام التَّوحيدي بالمُتَرَادِفات في اللُّغة، ثم الفُرُوق الدِّلالية بَيْن الكَلِمات المُتَقَاربة في المَعْنى، ثُم اخْتِلاف مَعْنى الكَلِمة حَسَب السِّياق أو رِوايات النُّصُوص..

وتَنَاوَلَ الكتاب المُسْتَوى النَّحْوِي التَّرْكِيبي، بِداية مِن تَعْرِيف التَّوحيدي للنَّحو، وتَأْكِيده على ارْتِباطه بالوَاقع اللُّغوي العَرَبي، ثم طَرْح قَضِية المُسْتَوى النَّحْوي بَيْن المِعْيارية والسَّلِيقة اللُّغوية، وكذلك عَلاقة الفِكْر الفَلْسَفي والمَنْطِقي بالفِكْر اللُّغوي النَّحْوي، وذلك قَبْل الدُّخُول في تَفَاصِيل مَظَاهر المُسْتَوى النَّحْوي التَّرْكيبي كَمَا وَرَدَت في مُؤَلَّفات التَّوحيدي، والتي كان مِن أَهَمِّها: تَوَخِّي الصَّواب والخَطَأ، والحَديث عن الإِعْراب ودَوْرِه في إِبْراز المَعْنى، ثم وَضْع الحُرُوف في مَواضِعها المُقْتَضِية لَها (دِلالات الحُروف والأَدَوات النَّحوية)، ثم تَأْلِيف الكَلام بالتَّقْديم والتَّأْخير، أو الحَذْف والذِّكر، أو الفَصْل والوَصْل، أو التَّعْريف والتَّنْكير، وأخِيراً المُسْتَوى العَرُوضِي، حيث تَحَدَّث الكتاب عن الوَزْن والعَرُوض بَيْن الذَّوق والطَّبع والقَواعِد المِعْيارية لَدَى التَّوحيدي، ثم مَظاهر المُسْتَوى العَرُوضِي

وأمَّا الفَصْل الثَّاني فكان بعنوان: (الاتِّجاه الجَمَالي في النَّقد الأَدَبي عند أبِي حيَّان التَّوحيدي) وقد بدأ بِطَرْح مُقَاربةٍ لِلفِكرِ الجَمالي عِند التَّوحيدي بَيْن المُمَارسة والتَّنْظير، وتَمَّ تَقْسِيم الفَصْل إلى قِسْمَين، خَصَّصَ القِسم الأَوَّل مِنه للجَانب التَّطْبيقي: وهو دِراسة في جَمَالِيات أُسْلوب التَّوحيدي في الكِتابة الفَنِّية، وتَمَّ الحَديث فِيها عن مُقَوِّمات ثَقَافته وفِكْره التي أَثَّرت عَلى أُسْلُوبه، ثُمَّ جَاء القِسْم الثَّاني ليهتم بِرَصْد الجَانب التَّنْظِيري لِعِلْم الجَمال عند التَّوحيدي، وبَدَأَ بِطَرْح قَضِية مِحْوَرية حَوْل مَدَى تَأَثُّر الفِكْر الجَمالي عنده بالفَلْسَفة عُمُوماً واليُونَانية على وَجْه الخُصُوص، ثم تَعَقَّب مَظَاهر الفِكْر الجَمالي، وَرَصَدَها في شَكْل نِقاط رَئِيسة مُسْتَنْبَطة مِن خِلال كِتاباته المُتَعَدِّدة والمُتَنَوِّعة.

وأمَّا الفَصْل الثَّالث فهو بعنوان (الاتِّجاه المَوْضُوعَاتِي في النَّقد الأَدبي عند التَّوحيدي)، والفَصْل مقسم إلى إلى قِسْمَين، تَنَاوَل في القِسْم الأَوَّل: مَفْهُوم النَّقد المَوْضُوعاتي ومَظَاهره في النَّقد الحَديث ولَدَى التَّوحيدي، وحَاوَل في المَبْحَث الأَوَّل مِنه تَحْدِيد مَفْهُوم المَوْضُوعَاتية والنَّقد المَوْضُوعاتي، بِداية مِن سَرْد تَعْرِيفاته، والتَّعرف على مُصْطَلَحاته في النَّقد العَربي الحَديث، ثُمَّ تَطَرَّق إلى أَهَم المَرْجِعِيَّات الفِكْرية والمَعْرِفية للاتَّجاه المَوْضُوعاتي في النَّقد، وتَنَاوَل في المَبْحَث الثَّاني مَفاهيم ومَظَاهر الاتِّجاه المَوْضُوعاتي في النَّقد الحَديث ومُقَارَبَتها بما طَرَحَه التَّوحيدي.

ثُم جَاء القِسْم الثَّاني من الفَصْل الأَخِير لِيَتَنَاوَل الدِّراسة التَّطْبِيقِيَّة لِمَفَاهيم المَوْضُوعاتية في مُؤَلَّفات التَّوحيدي، والتَّطَرُّق إلى طَبِيعة مَوْضُوعات كُتُبِه بين التَّنَوع والتَّخَصُّص، وأمَّا الخَاتمة فَخَصَّصَها لِطَرْحِ أَهَمِّ مَا تَوَصَّلَت إليه الدِّراسة مِن نَتَائِج، وبَعْض المُقْتَرَحات والتَّوْصِيات.

علي عبد الجليل علي

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى