الخميس ١٨ شباط (فبراير) ٢٠٢١
بقلم عمرو صابح

جمال عبد الناصر و بروتوكولات حكماء صهيون

"إن المعركة بيننا وبين الصهيونية لم تنته بعد، بل لعلها لم تبدأ بعدُ، فإن لنا ولها غداً قريباً أو بعيداً، نغسل فيه عاراً، ونحقق أمنيةً، ونسترد حقاً"

جمال عبد الناصر

على امتداد سنوات حكمه بل وقبلها ومنذ اندلاع حرب فلسطين عام 1948، خاض جمال عبد الناصر ضابطاً وحاكماً صراعاً ضارياً ضد الصهيونية العالمية ممثلة فى دولة إسرائيل.

كان جمال عبد الناصر أحد أبطال حرب فلسطين عام 1948، فقد دخلت الكتيبة السادسة من الجيش المصرى التى كان يشغل منصب رئيس أركانها إلى فلسطين فى يوم 15 مايو 1948، وقد أصيب عبد الناصر برصاص اليهود مرة قبل حصار الفالوجة، وكان واحد من أفراد القوات المصرية التى حوصرت فى الفالوجة بدءً من يوم 21 أكتوبر 1948، وأصيب خلال الحصار مرتين، وكاد أن يفقد حياته، و حصل على نجمة فؤاد العسكرية لشجاعته فى القتال.

كانت حرب فلسطين وفساد الإدارة السياسية والعسكرية المصرية وحصار القوات المصرية فى الفالوجة هى الأسباب الرئيسية التى دعت جمال عبد الناصر للبدء فى الإعداد للقيام بالثورة، فقد رأى جمال عبد الناصر أن الحل لمأساة مصر يتلخص فى الإطاحة بنظام الحكم الفاسد الذى قاد البلاد إلى الهزيمة.

فى فجر يوم 23 يوليو1952 يفجر جمال عبد الناصر الثورة المصرية، ويطيح بالنظام الملكى المصرى الذى تسبب بتخبط قراراته وسوء إدارته فى خسارة الحرب عام 1948، قبل أن تنتصر إسرائيل فعلياً على أرض المعركة وتغتصب 78% من مساحة فلسطين.

لمس جمال عبد الناصر مأساة فلسطين على الأرض عن قرب، وأدرك الهدف الحقيقى من زرع إسرائيل فى قلب العالم العربى، وأيقن أن أمن مصر القومى موجود خارج حدودها، لذا عندما كتب كتابه الشهير (فلسفة الثورة) حدد الدوائر التى سوف تتحرك من خلالها السياسة الخارجية المصرية من خلال نظرية الدوائر الثلاثة المتداخلة، وهى الدائرة العربية ثم الدائرة الأفريقية ثم الدائرة الإسلامية، ومن خلال العمل عبر تلك الدوائر، وأولها الدائرة العربية حدد جمال عبد الناصر هوية وانتماء مصر العربى، وعقب استقرار الأمور للرئيس جمال عبد الناصر على الصعيد الداخلى فى مصر، قام بتكليف أجهزته بدراسة أوضاع العالم العربى ووضع الخطط لتحريره من الاستعمار، إيمانا منه أن حرية العرب من حرية مصر، وان استقلال مصر سيظل منقوصا طالما لم تتحرر كل الدول العربية.

عندما قرأ دافيد بن جوريون مؤسس إسرائيل كتاب (فلسفة الثورة) لجمال عبد الناصر، قال أن هذا الكتاب أسوأ من كتاب (كفاحى) لهتلر، لأن قيام النظام الجديد فى مصر بدور قيادى نشط فى الشرق الأوسط سيدفع بالأمور تجاه الحرب مع إسرائيل.

لم تكن حروب مصر مع إسرائيل من أجل العرب فقط بل من أجل مصر فى المقام الأول، لقد أُنشئت إسرائيل لعزل مصر فى أفريقيا و للاستيلاء على دورها فى العالم العربى.

يقول رئيس الوزراء الإسرائيلى دافيد بن جوريون لوزير الخارجية الأمريكى جون فوستر دالاس فى 14 مايو 1953:

"انكم مهتمون بمصر وأود أن ألفت نظركم إلى أن إسرائيل تملك نفس المزايا التى تملكها مصر، فكلاهما يطل على البحر الأبيض والبحر الأحمر وما بين ميناء إيلات و ميناء حيفا يمر نفس الشريان الحيوى الذى يمر بين بورسعيد و السويس وهو مهيأ لحفر قناة جديدة تصل مابين البحرين، وأنا لا أعرف لماذا يريد المصريون أن نخرج من النقب، إن لديهم صحارى بأكثر مما يكفيهم و لديهم أرض تزيد عن حاجتهم وحجم بلادهم يساوى 36 مرة حجم إسرائيل".

كان صراع مصر مع إسرائيل هو أكبر تحدى خارجى واجهه الرئيس جمال عبد الناصر خلال فترة حكمه، لعبت إسرائيل خلال ذلك الصراع دور رأس الحربة للاستعمار من أجل اجهاض المشروع الناصرى، وحتى اللحظات الأخيرة من حياة جمال عبد الناصر كان صراعه مع إسرائيل مستمراً.

عندما أخبرنى الصديق العزيز جمال خالد عبد الناصر انه وجد ضمن مقتنيات والده الراحل مجموعة من كتب الرئيس جمال عبد الناصر، ومن ضمنها كتاب بروتوكولات حكماء صهيون وانه فوجئ بوجود علامات بالقلم الرصاص وضعها الرئيس جمال عبد الناصر عند قراءته للكتاب، وقد تثبت من والده أن تلك العلامات وضعها الرئيس الراحل، وأن الكتاب انتقل من مكتبة الرئيس جمال عبد الناصر إلى مكتبة ابنه خالد ولم يقع فى يد أحد غيرهما، أخبرته انه عثر على وثيقة تاريخية هامة، وطلبت منه أن يسمح لى بالاطلاع على نسخة البروتوكولات الخاصة بجده.

عندما قرأت كتاب بروتوكولات حكماء صهيون الخاص بالرئيس جمال عبد الناصر، وجدت انه نسخة من الطبعة الأولى للترجمة العربية الأولى لكتاب بروتوكولات حكماء صهيون والتى صدرت فى 10 سبتمبر 1951، وقام الكاتب والمترجم الراحل محمد خليفة التونسى بترجمتها عن الطبعة الإنجليزية للبروتوكولات، كما كتب مقدمة مطولة تشتمل على دراسة تاريخية وتحليلية لمحتوى البروتوكولات.

كان أشد ما استرعى انتباهى فى الكتاب هو وجود 32 علامة بالقلم الرصاص على 23 صفحة من الكتاب، قام الرئيس جمال عبد الناصر بوضعها عند فقرات متنوعة من البروتوكولات، وبرصد وتحليل تلك لفقرات وجدت انها تتناول الموضوعات التالية:

السيطرة على وسائل الإعلام وتوجيهها للدفاع عن المشروع الصهيونى العالمى.

السيطرة على الحكومات، وزرع حكام يعملون لخدمة الأهداف اليهودية الصهيونية، ويشكلون حكومة عالمية تخدم المشروع الصهيونى العالمى.

السيطرة على النظام التعليمى وتطويعه من أجل خدمة الأهداف الصهيونية.

السيطرة على النظام القضائي، ووضع القوانين التى تفسد المجتمعات من الداخل وتكفل نجاح المشروع الصهيونى العالمى.

السيطرة على النظام الاقتصادى العالمى من أجل ضمان السيطرة على القرار السياسى فى مختلف دول العالم.

السيطرة على حركة التجارة العالمية، واحتكار تدريس علم الاقتصاد السياسى.

السيطرة على توجهات الرأى العام العالمى، وتشويش المجتمعات بقضايا ضارة بمصالح الشعوب.

السيطرة على الحركات العمالية واستغلال مطالب العمال فى خدمة المشروع الصهيونى العالمى.

تأسيس المحافل الماسونية ودعمها واستغلال نفوذها فى تنفيذ الأهداف الصهيونية.
رعاية الحركات السياسية الفوضوية، وزرع الخلايا الماسونية فى الأحزاب السياسية والحركات الثورية وأجهزة المخابرات والأمن فى كل بلدان العالم.

العمل على نشر التحلل الأخلاقى والانحلال الجنسى ودعوات الإلحاد ومحاربة الأديان من أجل تحطيم كل القيم لدى النشء والشباب فى العالم.

تضليل الحكام الأمميين (غير اليهود)، ودفعهم لاختيار الفاسدين فى المناصب المهمة، وبذلك تتحطم هيبة السلطة أمام الشعوب وتفشل الحكومات مما يسرع من إقامة الحكومة اليهودية العالمية.

اشاعة التوترات والحروب الأهلية ومفاهيم العنصرية لتدمير المجتمعات من الداخل.

اللافت للنظر فى كل تلك الفقرات التى جذبت انتباه الرئيس جمال عبد الناصر، وجعلته يضع علامات بقلمه الرصاص بجوارها، انها تمثل ركائز السيطرة على الدول وأسس التحكم فى مصائر الشعوب.

والمدهش ان معظمها كان متحققاً فى مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952، فقد كان اليهود يسيطرون على مفاصل الاقتصاد المصرى، ويمتلكون العديد من دور النشر والصحف التى لم تكن تكتفى بالدفاع عن مصالح اليهود المصريون بل أيضاً كانت تضلل الرأى العام المصرى وتدعم المشروع الصهيونى فى فلسطين قبل إعلان قيام الدولة الصهيونية.

بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، بدأ جمال عبد الناصر فى إعادة مصر لأهلها، ولكى يحقق ذلك أنهى سيطرة الأجانب واليهود على الاقتصاد المصرى، كما أغلق دور النشر والصحف اليهودية بعد أن ثبت لديه إزدواج ولاء الكثيرين من اليهود المصريين بين الانتماء لمصر وبين التعاطف والولاء للدولة الصهيونية، كما أصدر عبد الناصر قرارات بإغلاق كل المحافل الماسونية ونوادى الروتارى والمحافل البهائية فى مصر.

لم يكن جمال عبد الناصر معادياً لليهود بل كان معادياً للصهيونية، فى حوار صحفى للرئيس عبد الناصر مع"سولزبرجر"مندوب مجلة"نيويورك تايمز"فى 26 فبراير 1969، قال الرئيس عبد الناصر:

"اليهود ساميون مثلنا، والنبى موسى مولود فى مصر، ولكن (ضاحكاً) لا تركز على هذه النقطة حتى لا تتخذها إسرائيل مطلباً بأن لها حقوقاً هنا، إنهم يقولون إننا معادون للسامية، وهذا غير صحيح؛ فنحن أنفسنا ساميون، ونحن ننظر إلى اليهود فى بلادنا على أنهم مصريون، واليهود الذين يعيشون فى الدول العربية يشعرون دائماً بأنه من الأنسب لهم أن يبقوا فى الدول العربية على أن يذهبوا إلى دول أخرى، لقد عاش آباؤهم وأجدادهم هنا آلاف السنين دون أى تفرقة".

كان مشروع جمال عبد الناصر فى مصر هو نقيض المشروع الصهيونى فى فلسطين المحتلة لذا كان الصدام بين المشروعين حتمياً.

فى العام الأخير من حياة جمال عبد الناصر، وفى ظل تصاعد ضراوة حرب الاستنزاف، وفشل قادة الدولة الصهيونية فى فرض السلام على مصر وفقاً لشروطهم.

صرحت جولدا مائير - رئيسة وزراء إسرائيل- فى يوم 3 يناير 1970 أنها لا ترى أى فرصة للسلام طالما ظل جمال عبد الناصر يحكم مصر، لذا فإن إسقاط عبد الناصر والنظام والسياسات التى يمثلها يجب أن يتم أولا قبل أى حديث عن سلام مصرى إسرائيلى.

ويصرح أبا إيبان - وزير الخارجية الإسرائيلي -: أن كيسنجر ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية يعاتبان إسرائيل على موقفها السلبى وتقاعسها عن العمل الإيجابى فى مصر وطلبهما هو تكثيف الجهود الإسرائيلية خلال هذا العام 1970 للتخلص من عبد الناصر شخصيا نهائيا.

وفى حديث صحفى لأبا إيبان مع صحفى أمريكى، سأله الصحفى عن سبب تركيز إسرائيل وأمريكا على جمال عبد الناصر شخصيا؟

فقال ايبان: إننا نعمل بتركيز شديد على التخلص من عبد الناصر لأن لدينا يقين قاطع بأنه بعد التخلص منه سيهدأ الموقف مع مصر وسيتغير لصالحنا.

فى 28 سبتمبر 1970 فاضت روح الرئيس جمال عبد الناصر إلى بارئها.

مات جمال عبد الناصر وهو يقاوم المشروع الصهيونى، رحل بعد أن عطل المشروع الأمريكى فى العالم العربى طوال عقدين من الزمان.

كانت سعادة قادة إسرائيل بوفاته عارمة، وجاءت تصريحاتهم على النحو التالى:

"كان لليهود عدوين تاريخيين هما فرعون في القديم، و هتلر في الحديث، ولكن عبد الناصر فاق الاثنين معا في عدائه لنا، لقد خضنا الحروب من أجل التخلص منه حتى أتى الموت وخلصنا منه".
دافيد بن جوريون مؤسس الكيان الصهيوني وأول رئيس وزراء له.

"إن وفاة عبد الناصر، تعني وفاة عدو مر، فقد كان أخطر عدو لدولة إسرائيل، إن إسرائيل لهذا السبب لا تستطيع أن تشارك في الحديث الذي يملأ العالم كله عن ناصر وقدراته وحنكته وزعامته".

مناحم بيجن زعيم الليكود ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق.

"بوفاة جمال عبد الناصر أصبح المستقبل مشرقاً أمام إسرائيل، وعاد العرب فرقاء كما كانوا".

حاييم بارليف رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلى خلال حرب الاستنزاف، وصاحب فكرة إقامة خط بارليف.

"جمال عبد الناصر كان ألد أعدائنا وأكثرهم خطورة على دولتنا، ووفاته عيد لكل يهودي فى العالم".

موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى.

ولكن رغم رحيل جمال عبد الناصر إلا أن المعركة بيننا وبين الصهيونية لم ولن تنتهى فهى معركة وجود وصراع على البقاء.

وصدق الرئيس جمال عبد الناصر عندما قال فى الاحتفال بالعيد السادس عشر لثورة 23 يوليو:

"معركتنا مع إسرائيل ليست معركة سهلة لأن إسرائيل ليست وحدها ولكن وراءها الصهيونية العالمية تمدها بالأموال من كل مكان، وأمريكا تمدها بأحدث الأسلحة..

رغم ذلك فإن يقينى انه لا بديل لأمتنا غير النصر بإذن الله، وهى تقدر عليه إذا عبأت قواها، وأحسنت الاستفادة من طاقاتها وظروفها.. إن المعركة معركة كل الشعب وهى معركة حياة الشعب، ويجب أن يخوضها كل الشعب، ويجب أن تكون انتصاراً للحياة وللشعب".

كان لدى الصديق العزيز جمال خالد عبد الناصر مشروع لإعادة طباعة تلك النسخة الخاصة بالرئيس جمال عبد الناصر من كتاب"بروتوكولات حكماء صهيون"ضمن مطبوعات دار الفالوجة للنشر، ولكن للأسف لم يكتمل المشروع بعد توقف دار الفالوجة عن العمل.

نسخة الرئيس جمال عبد الناصر من كتاب بروتوكولات حكماء صهيون ستبقى كوثيقة تاريخية هامة تلقى مزيداً من الضوء على أفكار عبد الناصر ورؤيته للمشروع الصهيونى العالمى، كما أنها تفتح الباب لإعادة قراءة تلك البروتوكولات، ومقارنة ما جاء فيها من مخططات بما تحقق من خطوات على أرض الواقع لمعرفة مدى مصداقية وجود خطة صهيونية خفية للسيطرة على العالم، أم أن تلك الخطة وهمية ومن وحى خيال أعداء اليهود الصهاينة كما يروج البعض.

 الصور المرفقة لصفحات من كتاب بروتوكولات حكماء صهيون النسخة الخاصة بالرئيس جمال عبد الناصر وعليها علامات بالقلم الرصاص وضعها الرئيس عبد الناصرعلى فقرات منها، ولصفحة من بروفة مشروع الكتاب الذى لم يكتمل لإعادة طبع نسخة الكتاب الخاصة بالرئيس جمال عبد الناصر.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى