الجمعة ٣ حزيران (يونيو) ٢٠٢٢
بقلم عبد الله المتقي

حوار مع الفنانة التشكيلية التونسية هاجر ريدان

فضائي التشكيلي في جله اشتغال على الجسد،

هاجر ريدان فنانة تشكيلية تونسية مهووسة بالتشكيل الذي لم تتوقف عن عشقه منذ طفولتها، فالأب كان نجارا مولعا بالنحت، هي جسد مستفز لأن كل ما يحيط بنا جارح ولا سع، وجوهها التشكيلية متعددة،ألوانها مركبة، وكائناتها عجائبية ومفزعة، لانها صورة مرآوية لواقع أكثر من غرابة وهلعا. واقترابا من عوالمها التشكيلية كان لنا معها هذا اللقاء:
__
1_من انت يا هاجر في هذا الزمن الزاخر بالفيروسات والتحولات؟

مع حلول زمن الكوفيد وبسبب مرض منعني من الحركة والخروج من البيت، انسقت وراء تجربة بدت لي سهلة لكنها كانت دقيقة وتحتاج إلى كثير من الحذق، وهي تقنية اكواريل aquarellle على الورق التي طورت معها بحثي المتواصل في الجسد، فإذا بالوجه الواحد أصبح وجوها متعددة والجسد أجسادا متراصة متقاربة أو متنافرة محكومة بخطوط منغلقة، تجعلها أجسادا محاصرة لكنها تصارع من أجل أن تبقى، وهي في الغالب خطوط ملتوية او منكسرة، وقد يصيب هذه الأجساد تحول يجعلها كائنات أخرى غريبة وعجائبية

2- هاجر ريدان هل هي نتاج الدراسة الأكاديمية أم نتاج حالة إبداعية؟

كانت رغبتي أن أدرس الفن التشكيلي بعد حصولي على شهادة البكالوريا، لكن التوجيه الجامعي خذلني وأرغمني على مواصلة دراستي في اللغة والآداب العربية، ورغم ذلك لم أتوقف عن عشق اللون وتحول الأمر عندي إلى تحد مفضوح، ومغامرة أكثر إثارة في عالم الفن التشكيلي،.وهو عشق راسخ في منذ الطفولة ربما ورثته عن أبي ذاك الفنان إذ لم يكن نجارا فقط، بل نحاتا أيضا ولا زالت رسوماته بقلم الرصاص عالقة بذهني

3من يحفز ريشتك أكثر على الرسم مشهد جارح أو منظر مستفز أوموقف ما حصل أمامك؟

أنا جسد مستفز ومستفز وأغلب ما يحيط بنا جارح ومؤثر، نحن نعيش في عالم جديد تقوده العولمة، واذا أردنا أن نكسر لها جناحا علينا أن نعي بها، ونحاول أن نستغل جوانبها الممتعة والنافعة، ونفضح بالفن الاستيلاب والاغتراب الذي صار عليهما الإنسان، لذلك أرسم الأجساد وهي متحولة أصابها ما أصابها من تفسخ وانسلاخ وانحدار أفقدها إنسانيتها، يقول"خليل قويعة"هكذا يتحول الفن تداركا لفوضى الواقع ونقائصه من أجل إضاءة مقاطع مختلفة من عناء الوجود، ومكابدة الشرط الإنساني عندما تلمع صورة الجسد، فيستعرض مساره التكويني على الأرض /الأرضية، إذن ليس المشهد أو المنظر أو الموقف من يستفزني جمالا أو قبحا بل كل هذا …هو العالم وشغفي بالفن

4- ماحكاية هذه الوجوه التي تملأ بعضا من فضاءات لوحاتك؟

فضائي التشكيلي في جله اشتغال على الجسد، جسد الإنسان عموما وجسد المرأة تحديدا، يقول مارلو بونتي"الجسد هو ما يجعلني أتجذر في العالم بل هو محور العالم الذي أعيه بواسطته"،والوجه جزء من هذا الوعي بالعالم أردت من خلاله أن أتقصى مختلف التعبيرات الممكنة للوجه، ومن خلالها أجعل المبصر للعمل الفني مشغولا بالكشف عن دواخل هذه الذات. وكنت في ذلك متأثرة في البداية بالرسام والنحات الايطالي Amedeo Modigliani (1884/1920)

_5هل من لون يغريك أم هي ألوان مركبة؟

اللون عندي مركب أو لا يكون، لأن الألوان التي تأتيننا من المصانع ألوان لا بحث فني فيها وعلى الرسام أن يغازلها ويحادثها ويخلق منها اللون الذي يريد،.اللون الأصفر وهو أقربها إلي أخلطه بالأبيض أو بالأحمر، ولابد من تزاوج بين الألوان فهي متغيرة عندي، من الترابية خاصة إلى الحارة والباردة، من الداكنة إلى الفاتحة حسب التقنية التي اخترتها. فأنا كالطفلة أمام سحر الألوان أنبش فيها علني أجد ذاتي وهي تائهة وسط هذه المواد الصبغية

6- وماذا عن المدينة في لوحاتك؟

المدينة مصدر إلهام الفنان لما يكن لها من عشق، لكنها أيضا مصدر شقاء عندما تتحول إلى سجن كبير يفقد الناس فيها كنه الحياة،.تظهر المدينة في فضاءاتي التشكيلية من خلال أشكال القباب والجدران العتيقة، وتظهر متراصة ساكنة وشاغرة أبوابها في الغالب مغلقة، بينما الأجساد حولها كالأكوام.وتظهر البنايات تارة في خطوط مائلة كأنها متداعية آلية للسقوط، وطورا في خطوط مستقيمة راسخة تقف حاجزا أمام تقدم الأجساد. والعلاقة بين الجسد والمدينة علاقة كر وفر فهي رمز لتاريخ زاخر، لكنه يحتاج قراءة أخرى أكثر عقلانية لكي نبني عليها مستقبلا أكثر عدالة ومساواة واحتراما للإنسان.

6- لكل فنان رسالة يؤمن بها وقضية يناول من أجلها بالمناسبة ما رسالتك وما قضيتك التي تؤمنين بها؟
هل للفن رسالة؟ هل يمكن للفن أن يغير الواقع؟ الفن يغير أولا الفنان وأنا أؤمن بالإنسان وبالقضايا الإنسانية العادلة أينما كانت انطلاقا من مدينتي ثم وطني ثم العالم، وما يعيشه الإنسان من تحولات، لو يتغاضى عن تمساوئها ستكون سببا في اندثاره وزوال الحياة على الأرض، والفنون جزء هام من نضال الإنسان ضد ما يقترفه ضد نفسه واستكناه للجمال حيث كان. الفن هو الحياة.

7-_ما قصة تلك الكائنات العجائبية والغرائبية التي تتمازج حينا ونتشارك احيانا؟

كلما تطورت تجربتي كلما اكتشفت أن للجسم تعبيرات لا نهاية لها، وفي صراع هذه الأجساد مع ذواتها ومع الآخر يحصل التحول، فتصبع كائنات عجائبية وغريبة فزعة في أغلب حالاتها تعبيرا عن غرابة الواقع وقوته، وسعيا إلى تأسيس عالم أكثر إنسانية تتم فيه المصالحة مع الجسد فلا استيلاب ولا اغتراب. هذه الكائنات في نهاية الأمر ليست إلا صورتنا في مرآة الفن في فضاءات كالمرايا تكشف عوراتنا وتدعونا إلى بناء ذوات أخرى أكثر صدقا وأكثر شفافية.

8- تتعدد أنواع الرسم التشكيلي من التجريدي إلى التخطيطي والتنقيطي والزخرفي والتكعيبي فاين تبني مرسمك وأين تستريحين؟

أنا أنتمي إلى ثقافة وحضارة همشت الفن التشكيلي على مدى قرون، كان فيها الفن محل خلاف بين محلل ومحرم ولم تصلنا ثقافة الغرب الفنية إلا حديثا فالغرب على نقيض العرب طوروا فنهم على امتداد قرون وعادوا إلى الاغريق واستلهموا من حضارتهم وعرفوا فترات متنوعة ازدهر فيها الفن وظهرت مدارس متعددة. لكن تبقى الفنون التشكيلية في العالم العربي متأثرة في جلها بالمدارس الغربية ويبقى المشهد التشكيلي اليوم في تونس شديد التعقيد وكثير الطموح تحكمه فوضى المدارس الفنية وغياب استراتيجية واضحة تنظم القطاع في الدولة التونسية رغم زخم التجارب وظهور الفن الرقمي.أنا ضمن هذا الخضم كله ربما تأثرت بدعوات مدرسة تونس إلى التونسة من خلال استغلال صور المدينة العتيقة أو تأثرت بمدرسة باريس من خلال رسومات Modigliani أو بالمدرسة التكعيبية وملت الى التجريد ربما أنا كل هذا في عالم فوضى المدارس وفوضى العالم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى