الجمعة ١١ آذار (مارس) ٢٠٢٢
بقلم عادل سالم

(صالون هدى) لا يستحق المشاهدة

شاهدت ليلة أمس في العاشر من آذار مارس ٢٢ فلم (صالون هدى) الذي أثار ضجة بسيطة حوله تركزت على نقطة واحدة فقط سنأتي عليها في الأسطر التالية من النص.

وفيما يلي ملاحظاتي على الفلم.
أولا: الفلم ضعيف تقنيا، عنصر التشويق غائب عن الفلم، الحبكة الفنية غائبة، التصوير ضعيف، الممثلون جدا باردون، أدوارهم باردة تتناقض مع الشخصيات التي يقدمونها. وهذا هو الأهم من كل ما قيل عن الفلم.
ثانيا: قصة الفلم مشوهة، وناقصة، فالفلم يتحدث عن قيام المخابرات عن طريق جواسيس لها بإسقاط الفتيات للتعامل مع العدو عن طريق الجنس، وركز الفلم على طريقة واحدة فقط، وجعلها مركز الحدث مع أن إسقاط العملاء يأخذ طرقا عديدة حتى تجاه الفتيات، تصاريح السفر، تصاريح العمل، الفلوس إلى آخره.، كل ذلك غيبه الفلم، وأوقفنا حول نقطة واحدة، وحكاية واحدة لا غير. وبسرعة البرق يقوم شباب المقاومة بالقبض على المجرمين، هكذا ببساطة دون أن يتركوا للمشاهد فرصة تشويق لمعرفة مصير الجواسيس.

ثالثا: الفم كله حوار في استديوهات أشبه بحوار العشاق، وهي صورة غير منطقية لحوار جاسوسة مع من يحقق معها.
وقد فشل المخرج هاني أبو أسعد فشلا ذريعا، ففلمه لا يحمل أية قيمة، ولم ينقل الصورة الحقيقية للمقاومة من قضية الجواسيس. فقد نقل لنا المخرج مشهد كيف يحرقون جاسوسا، ويتركونه يتعذب حتى الموت أما في حال الجاسوسة الثانية، والتي تعد حجر الأساس في الإسقاط، فقد تم تنفيذ طلبها بعد إطلاق الرصاص على رأسها، ولم يظهر لنا المخرج مشهد قتلها مع أنه أظهر لنا مشاهد أخرى كان الأولى به تغييبها.

رغم أن الأساس في الإسقاط هو العدو، ومخابراته لكن نضع علامات استفهام حول تغييب المخرج لأية مواجهة بين مخابرات العدو، وبين جواسيسها، وضحاياها، وظل الصراع بين الجواسيس، ورجال المقاومة بالحكي فقط، واكتفى المخرج بحديث هاتفي بين الضحية ورجل المخابرات لدقيقتين، وكان الأولى به إظهار شراسة العدو في ابتزار جواسيسه، وإجبارهم على أسقاط الآخرين، وليس الاكتفاء بالحديث عنهم.

رابعا: المشهد الذي أثار ضجة مع أنه ليس الأهم بالفلم، ظهور الفتاة الضحية عارية حيث يتم تعريتها من قبل صاحبة الصالون هدى، والجاسوس الآخر، ولم يبق إلا أن يأمرها المخرج بفتح رجليها كي يكتمل المشهد، مع أنه كان قادرا على الوصول لنفس الهدف بالإيحاء، تماما كما فعل مع هدى نفسها التي لم نشاهد إعدامها، واكتفى المخرج بإسماعنا صوت الرصاصة التي أطلقت عليها. لذلك تصرف المخرج غير مفهوم أبدا.

في الختام

لا أريد الحديث كثيرا عن الفلم، لكني أختصر لكم الموضوع بالقول أن الفلم غير ناجح لا تقنيا، ولا موضوعا. وقد حول مسألة إسقاط الجواسيس لحوار مصطنع، يخدم قضية يريد المخرج أن يوصلها لجهات معينة.
باختصار فلم فاشل، وتافه لا يستحق الاهتمام.


مشاركة منتدى

  • الأستاذ عادل سالم الموقّر،
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
    تحيّة طيّبة .. وبعد..

    جاء الفلم كالسُّمّ المدسوس في العسل، هدفه اغتيال الرموز الوطنية الفلسطينية متمثلة بالمقاومة الباسلة، وقد شاهدت الفلم وتقيّأتُ ما تيسّر لي من الألفاظ النابية (في سريرتي) غضباً وسخطاً وحزناً على ما آلت إليه حالنا منذ ثورة 1936م وحتى يومنا هذا.

    الفلم وكما تفضلت لا ركّز على وسيلة واحدة من وسائل عديدة يستخدمها الاحتلال الصهيوني للنيل من عزيمة شعبنا الفلسطينيّ، وقد لاحظتُ جيداً مدى ركاكة السيناريو والحوار اللذان صيغا على عجلٍ لإتمام بثّ الفلم الهابط.

    فمن عنوان الفلم، اصتضحت رسالته، ومن أوّل مشهد بدت مياعته وفظاعة مآربه وأهدافه، وما أن انتهى الفلم حتى تيقنت أنه لم يخرج ليعبر عن حال الشعب الفلسطيني العظيم وإنما عن بذاءة الصهاينة المرتزقة الذين قبلوا بالمشاركة في إخراجه إلى النور - إن صحّ التعبير.

    وما لمسناه في الفلم من محاولة لتشويه العمل النضالي الفلسطيني والهبوط بقيمة المرأة الفلسطينية الصّابرة الثّائرة خنساء هذا العصر إنما يدلّنا على الجاني بوضوح ولو كان الفلم من إخراج عرب فلسطين المتصهينيين.

    وهذا الفلم ليس موجهاً إلى الشعب الفلسطيني لأن القائمين عليه يدركون مدى ثقافة الفلسطيني النضالية ومدى وعيه وانتمائه للقضية الفلسطينية. وإنّما جاء هذا الفلم ليكون رسالة تخدم مآرب العدو الصهيوني في الخارج وتحديداً في المحيط العربي الغافل.

    وختاماً، نقول لهؤلاء المرتزقة ومن دعمهم وشدّ على أياديهم:
    سوف تشرق شمس الحريّة يوماً، ولن نذكر منكم إلا عفونتكم، فغداً لنا .. ولا غد لكم..
    وإنّها لثورةٌ حتى النّصر..

  • فلم (صالون هدى) بين كفّة السفالة وكفّة الرّسالة
    يتناول الفلم أسلوبا محدّدا من أساليب الإسقاط في شباك المخابرات الإسرائيلية، (إسقاط النساء من خلال تصويرهن عاريات يمارسن الجنس في صالونات التجميل)، وقد عُرِض هذا الفلم بالتزامن مع مناسبتين مرتبطتين بالمرأة، إحداهما عالمية، والثانية فلسطينية: الأولى: يوم المرأة العالمي، والثانية: ذكرى العملية الفدائية (عملية كمال عدوان أو الساحل) التي قادتها البطلة الشهيدة دلال المغربي، وأيضا بالتزامن مع يوم الثقافة الوطنية الفلسطينية.
    من المؤكد أن المخرج (هاني أبو أسعد) لم تكن دوافعه وطنية أو توعوية حين أدرج في فلمه المشهد الفاضح (التعري الكامل والواضح)، وهو سابقة خطيرة في الدراما الفلسطينية، ومن المستنكر والمعيب أن يوافق الممثلون: (منال عوض وميساء عبد الهادي وسامر بشارات) على تمثيل ذلك المشهد المخزي، ليوقِعوا أنفسهم في وحل الرذالة الفنية.
    مما لا شكّ فيه أن سعي المخرج لاستقطاب ملايين المشاهدات والحصول على المزيد من الجوائز العالمية، وسعي الممثلين المذكورين وراء الشهرة الفنية العالمية جعلهم يوغِلون في مستنقع السقوط الأخلاقي، فلو كان الهدف من الفلم صياغة رسالة فنية تؤدي دورا نبيلا في الوعي الوطني والحسّ الأمني، لما كان صعبا على مخرج متمرّس مثل هاني أبو أسعد أن يقدّمه عبر تصوّر (سيناريو) يحترم الخصوصية الثقافية للشعب الذي يدور في فلكه هذا الفلم، ولكنه أخرجه عبر تصورات وحبكة أساءت للثقافة الوطنية وقدّمه بشكل يتنافى وأدبيات المقاومة والنضال الفلسطيني.
    ومن الواضح أنه يُوجّه عمله الفني هذا بالدرجة الأولى إلى المؤسسات والنُّخَب الفنية ولجان تحكيم الأفلام، وليس إلى عامة الناس المعرّضين للاستهداف والاستغلال من جهات عدائية، وعلى الرغم من وجود قِيم وطنية وإيجابيات لا ننكرها في الفلم، إلا أنه مليء بالمآخذ والسلبيات المتعلقة بمضامين الفلم وفنّيّته وإخراجه.
    يُخيّل إليّ أن المُخرِج أدخل مشهد العُري في بداية الفلم لعدة أهداف: أولا، ليشغلنا به، فنشجب ونستنكر هذا الانحلال الأخلاقي، وننسى كل السقطات والسموم المنتشرة في ثنايا الفلم، وثانيا: لخلق ظروف تتيح للفلم أن يكون هدفا لسهام النقد الفني والانتقاد الشعبي، ما بين مؤيد ومعارض ومندّد ومتسامح وغاضب ومتفهم، حيث يتم عبر هذه الظروف انتشاره على أوسع نطاق، ولا سيما أن مواقع التواصل متاحة لكل من يرغب بنشر ومشاركة المعلومات والأخبار.
    يقع المخرج بقصد أو بغير قصد في دائرة تسفيه أو تشويه النضال والمقاومة الفلسطينية عبر السيناريو ، فرجل المقاومة (حسن) المكلّف بالتحقيق مع الجاسوسة (هدى)، يحقّق معها وحده في حجرة مغلقة بدون وجود مرافقين، إذ يتناسى المخرج أو يتغافل عن العرف التنظيمي بضرورة وجود اثنين على الأقل خلال التحقيق مع النساء. وثمة سقطة أخرى حين يقدّم (حسن) سيجارة لـ(هدى) فينحني أمامها ليشعل لها السيجارة، وهي جالسة بكل غرور وكبرياء على كرسي التحقيق. وقد صوّرها المخرج ذكيّة شجاعة غير متوترة رغم أنها تعرف مصيرها وهو الإعدام، محنّكة إلى حدّ أنها استدرجت (حسن) بالحديث، فصارت هي تسأل وهو يجيب، واقتحمت دواخله النفسية، ووضعته في حالة نفسية ضعيفة، ليعترف لها بأنه هو السبب في اغتيال صديق طفولته المقرّب منه، حيث اتّهمه تحت التحقيق بأنه هو الذي ألقى الحجر الكبير على جنود الاحتلال، لينجو بنفسه، ودلّهم على بيت صديقه فحضروا إلى البيت وقتلوه بدم بارد. وهكذا فإن المخرج جعل (حسن) الذي يمثّل مقاومة الاحتلال و(هدى) التي تمثل العمالة مع الاحتلال في خانة واحدة، هي الوقوع في الخطيئة الوطنية، وأنهما ضحايا الظروف القاهرة والواقع السياسي المفروض على الشعب الفلسطيني، وأن عقدة الشعور بالذنب الأخلاقي تلاحق كلا منهما بنفس المقدار. وكذلك فالمخرج وضع (حسن) وهو كبير رجال المقاومة في صورة غير لائقة حينما دسّ يده فوق ثدي (هدى)، لينتزع صورة (ريم) التي خبّأتها في صدرها، في حين كان يمكن لحسن أن يأمرها أن تُخرِج الصورة بيدها هي، ولا يلمس جسدها هو، إذ يفترض بالمحقّق أن يمتلك حِسّا وحدسا أمنيا، فربما تتّهمه بالتحرش على مسمع رفاقه، إذ لن تفرق الأمور معها كثيرا إذا ما اتهمته بالتحرش، ذلك أن مصيرها معروف لها مسبقا وهو الإعدام على أية حال.
    عمد المخرج إلى تسريب ثقافة أسرية دخيلة غير موجودة في مجتمعنا الفلسطيني، ليتوازى فلمه مع الأفلام الغربية والعالمية، وذلك حين عادت (ريم) الضحية إلى البيت متأخرة دون أن تقصّ شعرها، فيقول لها زوجها: "متأخرة وما قصيتي شعرك، وين كاينة طول هالوقت؟ مع حبيبك؟". فمثل هذا القول لا يمكن أن يقوله زوج فلسطيني لزوجته، إلا إذا كان نذلا ديّوثا، يعرف أن زوجته تخونه مع شخص آخر ولا يفعل شيئا سوى التذمر. وفي مشهد آخر حين تغضب منه (ريم) فتضع سكينة المطبخ على عنقه وتهدده، ولا يملك الزوج إلا أن يرجوها أن تهدأ وتبعد السكين، وبعد لحظات تهدأ هي، فيقوم الزوج باسترضائها واحتضانها، وكأنّ شيئا لم يحصل. هذا التصور لا يتناسب مع واقع الرجل العربي الفلسطيني بوجه عام، بحيث يكون متفهما متسامحا مع زوجته إلى هذه الدرجة، ولا يُعتمَد بوصفه سلوكا مقبولا من امرأة فلسطينية حتى لو كانت تعيش حالة نفسية صعبة، بينما كان الأنسب دراميا أن تهدّد زوجها بالانتحار، وتضع السكين على رقبتها، وعندئذ من الطبيعي أن يقوم الزوج بتهدئتها وانتزاع السكين من يدها واسترضائها.
    المخرج لم يجعل اعتراف هدى بالخيانة محطّ استثمار من رجال المقاومة لمصلحة المقاومة والقضية الفلسطينية، وحصر هدفهم من سحب الجاسوسة بانتزاع الاعترافات منها، وكشف أسماء النساء المُسقَطات، فعلى ما يبدو أنه لم يطّلع على أساليب التحقيق التي مارسها رجال المقاومة مع النساء عميلات الموساد، كالجاسوسة أمينة المفتي، وكيفية استثمار أولئك الجواسيس لتحقيق أهداف تصبّ في مصلحة الثورة والقضية، وكذلك ربما لا يدري أنه حصلت عمليات استدراج من رجال المقاومة لبعض ضباط المخابرات إلى مكان ما. يستدرجونهم عن طريق إجبار العملاء بالاتصال بهم أو يخدعونهم بنية التعاون معهم، ثم يقومون بتصفيتهم.
    ترك المخرج نهاية الفلم مفتوحة، ليفتح آفاقا مختلفة لتأويلات المشاهدين، حيث اتّصلت (ريم) على ضابط المخابرات (موسى) كي يساعدها في الهروب من بيت لحم، ولم يوافق بداية الأمر؛ لأنها لم تقدم لهم أية خدمة، وليس لها ملف عندهم، ثم عاود هو الاتصال بها وطلب منها أن تتصل به حين يأتي رجال المقاومة إلى بيتها لاعتقالها، وعندئذ هو سيتصرف. بعد ذلك اتصل بها أحد رجال المقاومة ليخبرها أنهم اكتشفوا أنها بريئة ولم تتورط بالخيانة، وقد أحرقوا صورتها التي ضبطوها عند العميلة (هدى)، فابتهجت وتهلل وجهها إشراقا وارتاحت نفسيتها، لكنها لم تتكلم بأي حرف، وانتهى الفلم عند هذه المشهدية الصامتة وهي ما تزال ترفع هاتفها الخلوي بين فمها وأذنها. لقد كان بإمكان المخرج أن يغلق الفلم بتصوّر يجعل الضحية (ريم) تتعاون مع المقاومة ليحققوا معا انتصارا على مخابرات الاحتلال.
    باعتقادي لو كانت رسالة الفلم وطنية بالدرجة الأولى، لاغتنم المخرج اللقطة الأخيرة وأعاد المرأة الفلسطينية إلى موقعها الطبيعي والصحيح، فكان بإمكانه أن يجعل (ريم) تعاود التواصل مع رجال المقاومة وتخبرهم بما طلبه (موسى) منها، وهكذا يتم استدراجه إلى المكان الذي يتمكن فيه رجال المقاومة من تصفيته والانتقام لكل الضحايا اللواتي تم إسقاطهن تحت إشرافه، ومنهن (صفاء) التي أبلغت المقاومة عما جرى معها ثم انتحرت.
    أخيرا من الواضح أنّ المخرج لم يندمج في معترك الفعل الوطني الفلسطيني، وربما لم يعايش واقعه، وإنما سمع وقرأ عنه وشاهده عبر التلفاز ومقاطع الفيديوهات، فجاءت رؤيته للحدث منقوصة وتصوّراته مشوّهة، وحبكته أسيرة في منوال الأفلام الغربية.

  • فلم (صالون هدى) بين كفّة السفالة وكفّة الرّسالة
    يتناول الفلم أسلوبا محدّدا من أساليب الإسقاط في شباك المخابرات الإسرائيلية، (إسقاط النساء من خلال تصويرهن عاريات يمارسن الجنس في صالونات التجميل)، وقد عُرِض هذا الفلم بالتزامن مع مناسبتين مرتبطتين بالمرأة، إحداهما عالمية، والثانية فلسطينية: الأولى: يوم المرأة العالمي، والثانية: ذكرى العملية الفدائية (عملية كمال عدوان أو الساحل) التي قادتها البطلة الشهيدة دلال المغربي، وأيضا بالتزامن مع يوم الثقافة الوطنية الفلسطينية.
    من المؤكد أن المخرج (هاني أبو أسعد) لم تكن دوافعه وطنية أو توعوية حين أدرج في فلمه المشهد الفاضح (التعري الكامل والواضح)، وهو سابقة خطيرة في الدراما الفلسطينية، ومن المستنكر والمعيب أن يوافق الممثلون: (منال عوض وميساء عبد الهادي وسامر بشارات) على تمثيل ذلك المشهد المخزي، ليوقِعوا أنفسهم في وحل الرذالة الفنية.
    مما لا شكّ فيه أن سعي المخرج لاستقطاب ملايين المشاهدات والحصول على المزيد من الجوائز العالمية، وسعي الممثلين المذكورين وراء الشهرة الفنية العالمية جعلهم يوغِلون في مستنقع السقوط الأخلاقي، فلو كان الهدف من الفلم صياغة رسالة فنية تؤدي دورا نبيلا في الوعي الوطني والحسّ الأمني، لما كان صعبا على مخرج متمرّس مثل هاني أبو أسعد أن يقدّمه عبر تصوّر (سيناريو) يحترم الخصوصية الثقافية للشعب الذي يدور في فلكه هذا الفلم، ولكنه أخرجه عبر تصورات وحبكة أساءت للثقافة الوطنية وقدّمه بشكل يتنافى وأدبيات المقاومة والنضال الفلسطيني.
    ومن الواضح أنه يُوجّه عمله الفني هذا بالدرجة الأولى إلى المؤسسات والنُّخَب الفنية ولجان تحكيم الأفلام، وليس إلى عامة الناس المعرّضين للاستهداف والاستغلال من جهات عدائية، وعلى الرغم من وجود قِيم وطنية وإيجابيات لا ننكرها في الفلم، إلا أنه مليء بالمآخذ والسلبيات المتعلقة بمضامين الفلم وفنّيّته وإخراجه.
    يُخيّل إليّ أن المُخرِج أدخل مشهد العُري في بداية الفلم لعدة أهداف: أولا، ليشغلنا به، فنشجب ونستنكر هذا الانحلال الأخلاقي، وننسى كل السقطات والسموم المنتشرة في ثنايا الفلم، وثانيا: لخلق ظروف تتيح للفلم أن يكون هدفا لسهام النقد الفني والانتقاد الشعبي، ما بين مؤيد ومعارض ومندّد ومتسامح وغاضب ومتفهم، حيث يتم عبر هذه الظروف انتشاره على أوسع نطاق، ولا سيما أن مواقع التواصل متاحة لكل من يرغب بنشر ومشاركة المعلومات والأخبار.
    يقع المخرج بقصد أو بغير قصد في دائرة تسفيه أو تشويه النضال والمقاومة الفلسطينية عبر السيناريو ، فرجل المقاومة (حسن) المكلّف بالتحقيق مع الجاسوسة (هدى)، يحقّق معها وحده في حجرة مغلقة بدون وجود مرافقين، إذ يتناسى المخرج أو يتغافل عن العرف التنظيمي بضرورة وجود اثنين على الأقل خلال التحقيق مع النساء. وثمة سقطة أخرى حين يقدّم (حسن) سيجارة لـ(هدى) فينحني أمامها ليشعل لها السيجارة، وهي جالسة بكل غرور وكبرياء على كرسي التحقيق. وقد صوّرها المخرج ذكيّة شجاعة غير متوترة رغم أنها تعرف مصيرها وهو الإعدام، محنّكة إلى حدّ أنها استدرجت (حسن) بالحديث، فصارت هي تسأل وهو يجيب، واقتحمت دواخله النفسية، ووضعته في حالة نفسية ضعيفة، ليعترف لها بأنه هو السبب في اغتيال صديق طفولته المقرّب منه، حيث اتّهمه تحت التحقيق بأنه هو الذي ألقى الحجر الكبير على جنود الاحتلال، لينجو بنفسه، ودلّهم على بيت صديقه فحضروا إلى البيت وقتلوه بدم بارد. وهكذا فإن المخرج جعل (حسن) الذي يمثّل مقاومة الاحتلال و(هدى) التي تمثل العمالة مع الاحتلال في خانة واحدة، هي الوقوع في الخطيئة الوطنية، وأنهما ضحايا الظروف القاهرة والواقع السياسي المفروض على الشعب الفلسطيني، وأن عقدة الشعور بالذنب الأخلاقي تلاحق كلا منهما بنفس المقدار. وكذلك فالمخرج وضع (حسن) وهو كبير رجال المقاومة في صورة غير لائقة حينما دسّ يده فوق ثدي (هدى)، لينتزع صورة (ريم) التي خبّأتها في صدرها، في حين كان يمكن لحسن أن يأمرها أن تُخرِج الصورة بيدها هي، ولا يلمس جسدها هو، إذ يفترض بالمحقّق أن يمتلك حِسّا وحدسا أمنيا، فربما تتّهمه بالتحرش على مسمع رفاقه، إذ لن تفرق الأمور معها كثيرا إذا ما اتهمته بالتحرش، ذلك أن مصيرها معروف لها مسبقا وهو الإعدام على أية حال.
    عمد المخرج إلى تسريب ثقافة أسرية دخيلة غير موجودة في مجتمعنا الفلسطيني، ليتوازى فلمه مع الأفلام الغربية والعالمية، وذلك حين عادت (ريم) الضحية إلى البيت متأخرة دون أن تقصّ شعرها، فيقول لها زوجها: "متأخرة وما قصيتي شعرك، وين كاينة طول هالوقت؟ مع حبيبك؟". فمثل هذا القول لا يمكن أن يقوله زوج فلسطيني لزوجته، إلا إذا كان نذلا ديّوثا، يعرف أن زوجته تخونه مع شخص آخر ولا يفعل شيئا سوى التذمر. وفي مشهد آخر حين تغضب منه (ريم) فتضع سكينة المطبخ على عنقه وتهدده، ولا يملك الزوج إلا أن يرجوها أن تهدأ وتبعد السكين، وبعد لحظات تهدأ هي، فيقوم الزوج باسترضائها واحتضانها، وكأنّ شيئا لم يحصل. هذا التصور لا يتناسب مع واقع الرجل العربي الفلسطيني بوجه عام، بحيث يكون متفهما متسامحا مع زوجته إلى هذه الدرجة، ولا يُعتمَد بوصفه سلوكا مقبولا من امرأة فلسطينية حتى لو كانت تعيش حالة نفسية صعبة، بينما كان الأنسب دراميا أن تهدّد زوجها بالانتحار، وتضع السكين على رقبتها، وعندئذ من الطبيعي أن يقوم الزوج بتهدئتها وانتزاع السكين من يدها واسترضائها.
    المخرج لم يجعل اعتراف هدى بالخيانة محطّ استثمار من رجال المقاومة لمصلحة المقاومة والقضية الفلسطينية، وحصر هدفهم من سحب الجاسوسة بانتزاع الاعترافات منها، وكشف أسماء النساء المُسقَطات، فعلى ما يبدو أنه لم يطّلع على أساليب التحقيق التي مارسها رجال المقاومة مع النساء عميلات الموساد، كالجاسوسة أمينة المفتي، وكيفية استثمار أولئك الجواسيس لتحقيق أهداف تصبّ في مصلحة الثورة والقضية، وكذلك ربما لا يدري أنه حصلت عمليات استدراج من رجال المقاومة لبعض ضباط المخابرات إلى مكان ما. يستدرجونهم عن طريق إجبار العملاء بالاتصال بهم أو يخدعونهم بنية التعاون معهم، ثم يقومون بتصفيتهم.
    ترك المخرج نهاية الفلم مفتوحة، ليفتح آفاقا مختلفة لتأويلات المشاهدين، حيث اتّصلت (ريم) على ضابط المخابرات (موسى) كي يساعدها في الهروب من بيت لحم، ولم يوافق بداية الأمر؛ لأنها لم تقدم لهم أية خدمة، وليس لها ملف عندهم، ثم عاود هو الاتصال بها وطلب منها أن تتصل به حين يأتي رجال المقاومة إلى بيتها لاعتقالها، وعندئذ هو سيتصرف. بعد ذلك اتصل بها أحد رجال المقاومة ليخبرها أنهم اكتشفوا أنها بريئة ولم تتورط بالخيانة، وقد أحرقوا صورتها التي ضبطوها عند العميلة (هدى)، فابتهجت وتهلل وجهها إشراقا وارتاحت نفسيتها، لكنها لم تتكلم بأي حرف، وانتهى الفلم عند هذه المشهدية الصامتة وهي ما تزال ترفع هاتفها الخلوي بين فمها وأذنها. لقد كان بإمكان المخرج أن يغلق الفلم بتصوّر يجعل الضحية (ريم) تتعاون مع المقاومة ليحققوا معا انتصارا على مخابرات الاحتلال.
    باعتقادي لو كانت رسالة الفلم وطنية بالدرجة الأولى، لاغتنم المخرج اللقطة الأخيرة وأعاد المرأة الفلسطينية إلى موقعها الطبيعي والصحيح، فكان بإمكانه أن يجعل (ريم) تعاود التواصل مع رجال المقاومة وتخبرهم بما طلبه (موسى) منها، وهكذا يتم استدراجه إلى المكان الذي يتمكن فيه رجال المقاومة من تصفيته والانتقام لكل الضحايا اللواتي تم إسقاطهن تحت إشرافه، ومنهن (صفاء) التي أبلغت المقاومة عما جرى معها ثم انتحرت.
    أخيرا من الواضح أنّ المخرج لم يندمج في معترك الفعل الوطني الفلسطيني، وربما لم يعايش واقعه، وإنما سمع وقرأ عنه وشاهده عبر التلفاز ومقاطع الفيديوهات، فجاءت رؤيته للحدث منقوصة وتصوّراته مشوّهة، وحبكته أسيرة في منوال الأفلام الغربية.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى