الأحد ١٢ تموز (يوليو) ٢٠٢٠
طرائف من التاريخ
بقلم رضا سليمان

قصة سقوط الأسرة ٢٦ الفرعونية

اختلفت الرؤية وتعددت وجهات النظر وجميعها يمر عبر إرضاء الذات حتى الهزيمة كان يتم تبريرها بأسباب طريفة..

فى عهد الملك بسمتيك الثالث أو أمسيس كما كان يطلق عليه انتهت الأسرة الفرعونية السادسة والعشرون ودخل الغزاة إلى مصر. ولم يتم ذلك بين عشية وضحاها إنما كان هناك الكثير من الأحداث الجسام، ذكرها لنا بعضها المؤرخ هيرودوت الذى يقول بعد حديث طويل إن قمبيز بن كورش أعلن الحرب على الملك أمسيس وأخذ معه جنوده وأسطول بحرى يعاونه.
وكان لهذه الحرب أسبابها.. وهى ما قصدناه بــ الطرائف، ومنها أن قمبيز أرسل رسولًا إلى مصر وطلب ابنة أمسيس لتكون زوجة له، والسؤال كيف علم بوجود ابنة لأمسيس كى يطلبها للزواج؟!

لقد قام بهذا الطلب بعد اقتراح طبيب العيون المصرى الذى يعيش تحت رعايته، هو الذى رشحها وأسترسل في وصف جمالها.

وما فعل طبيب العيون ذلك.. إلا كراهية فى أمسيس.. ذلك لأن أمسيس كان قد اختاره من بين كل أطباء مصر.. وانتزعه بذلك من أحضان زوجته وأولاده وأرسله هدية للفرس عندما أرسل كورش إلى أمسيس طالبًا منه أحسن طبيب للعيون فى مصر كى يعالجه من مرض أصابه. وعلى ذلك فإن هذا الرجل الغاضب قد حرض قمبيز على أن يطلب ابنة أمسيس.. فإذا وافق أمسيس أحزنه فراق ابنته وإذا رفض جلب على نفسه كراهية قمبيز..

ولكن لما كان أمسيس يخشى قوة الفرس فقد استولى عليه الذعر ولم يعرف أيوافق أم يرفض لأنه كان على علم تام بأن قمبيز أراد أن يأخذ ابنته محظية ورفيقة لا زوجة.. وبعد أن تدبر فى هذه الأشياء عمل الأتى: كان لأبريز، وهو الملك السابق، ابنة جميلة طويلة القامة وهى الوحيدة التى بقيت على قيد الحياة من أسرة أبريز، وهذه الفتاة تدعى "نى تيت يس".. أتى بها أمسيس وزين هذه الفتاة العذراء بملابس من الذهب وأرسلها إلى فارس بوصفها ابنته.

وصلت الفتاة وعاشت فى البلاط بجوار الملك.. وبعد مدة جلس إلى جوارها قمبيز وبدأ يتحدث إليها مخاطبا إياها باسم والدها أمسيس.. فاستجمعت شجاعتها وقالت له: يا أيها الملك إنك لم تفطن إلى أنك قد خُدِعت من أمسيس الذى ألبسنى ملابس فاخرة وأرسلنى إليك وقدمنى لك بوصفى ابنته فى حين أن الحقيقة هى أنى ابنة الملك أبريز الذى قتله على الرغم من أنه كان سيده وذلك بعد أن حرض المصريين على الثورة عليه. وهنا غضب قمبيز بن كورش غضبا شديدًا.. فقد حرضته هذه الخدعة على غزو بلاد أمسيس الذى خدعه.

و هذه القصة التى أتت على لسان هيرودوت هى قصة الفرس أنفسهم لكن للأحداث قصة أخرى من ناحية المصريين. فقد قيل إن الملك كورش تزوج بالفتاة التى تدعى نى تيت يس وأنها كانت ابنة ابريز وأنجب منها قمبيز.. أى أن قمبيز من أم مصر وعلى ذلك فقد قام بالهجوم لاسترداد العرش من بسمتيك الذى اغتصب العرش وقد تولى قمبيز المُلك بوصفه فرعونا من نسل ابريز. ثم يعود هيرودوت نفسه ليكذب هذه القصة حينما يقول:

الحقيقة إن قمبيز كان ابن سيدة تدعى كاساندان ابنة فارناسيس أحد الأخمينيين وليس ابن إمرأة مصرية.

وبجملة ما قيل من قصص نذكر قصة أخرى ذكرت فى هذا الشأن.. وهى قصة غريبة ولكنها على أية حال تستحق الانصات إليها وفيها يقولون أن سيدة فارسية زارت زوجة الملك كورش وعندما شاهدت أولاده من زوجته كاساندان بجمالهم وطول قامتهم واقفين إلى جوارها أثنت عليهم كثيرا.. فقد كانت مأخوذة بهم، فحزنت الزوجة كاساندان وقالت: على الرغم من إنى أم لمثل هؤلاء الأطفال فإن كورش يحتقرنى ويحترم تلك الفتاة التى حصل عليها من مصر. وقد قالت ذلك حسدا على نى تيت يس. لكن أحد أنجالها وهو قمبيز قال : لا تحزنى يا والدتى.. فعندما أكبر وأبلغ سن الرجولة سأقلب كل بلاد هذه المصرية رأسا على عقب. قد قال ذلك وهو فى حوالى العاشرة من عمره وقد دهشت النساء من ذلك واعتبروه كلام طفل لكنه كان يحمل ذلك فى ذهنه حتى إنه عندما نما واستولى على مملكة الفرس غزا مصر.
المقصود من القصة المصرية بأن قمبيز ابن أم مصرية هو إرضاء حالة الغرور والكبرياء لدى المواطنين الذين كانوا دائما يفخرون بشجاعتهم القديمة التى لم يكن فى مقدورهم تقليدها فى هذه الأثناء وبالتالى اخترعوا هذه القصة لتبرير الهزيمة التى لم تكن في الحقيقة إلا بسبب حالة الضعف التى وصلت إليها البلاد في حينها وانتشار الفساد وخاصة بين رجال المعابد.

كانت تلك هى الروايات التى وردت عن دخول قمبيز البلاد وسقوط الأسرة السادسة والعشرون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى