الأربعاء ٢٤ أيار (مايو) ٢٠٢٣
بقلم ياسين شكور

«لم يكن وحده في الجب» لأسمهان الزعيم

أسمهان الزعيم: روائية، قاصة وشاعرة مغربية من مدينة مكناس، حاصلة على دكتوراه الدولة في الأدب الإسباني الحديث سنة 2005 من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وعلى الماجستير في العلوم السياحية من المدرسة الدولية للعلوم السياحية، بمدينة روما بإيطاليا سنة 2000. و" قبضة ماء" هي الإصدار الثاني للكاتبة أسمهان الزعيم (2012، عن دار ضفاف اللبنانية) بعد "ما قيل همسا" وهي رواية صادرة عن المؤسسة الإسماعيلية للطباعة والنشر والتوزيع سنة 2007. وصدر لها أيضا:

"لوعة البياض" (شعر، 2015)

"ريحون" (رواية، 2023).

"لم يكن في الجب وحده" (مجموعةقصصية، 2019)وهو الكتاب قيد الدراسة.

ولها قيد الطبع:

عباءات الروح (شعر)

بين الكرى وما جرى (قصص قصيرة جدا).

تمتاز قصص «لم يكن وحده في الجب ..» للأديبة المغربية اسمهان الزعيم بوفرة نوعية من عناصر وموضوعات قصصية تمنحها سمات إبداعية جلية في جنس القصة القصيرة التي تمثلت مقوماتها، وخَبِرت آلياتها الجمالية، ومقصدياتها الدلالية بحس تجريبي، إذ تجاوزت اسمهان الزعيم في مجموعتها القصصية هذه الكتابة التقليدية للقصة القصيرة، وسارت في اتجاه آخر سماه إدوار الخراط بالحساسية الجديدة؛ أي التجريب القصصي. و من سمات الحساسية الجديدة أن الفنان يقيم واقعا فنيا جديدا له قوانينه وله منطقه الخاص وفي هذا الواقع الفني الجديد الموازي يمكن أن نجد أن العقدة أوالحبكة التي تفرش في البداية وتتعقد و تتأزم ثم تحل في الحساسية التقليدية لم تعد موجودة، وأنه أصبح من الممكن أن توجد عدة بؤر مختلفة تتناول حبكات متعددة كما أنه من الممكن أن لا توجد حبكة تقليدية على الإطلاق. هنا نجد أن اللغة لم تعد هي اللغة المناسبة على سنتها المطردة للغة مفجرة مثورة، يمكن أن تكون قاطعة وحادة أحيانا ويمكن أن تكون حارة وعضوية ومتقلبة أحيانا، بمعنى أنها لم تعد اللغة الإنشائية التي كان يتبعها الروائيون من أنصار الحساسية التوليدية، بل أصبحت لغة فيها من الشعر كما أن فيها قسطا من الصلابة.

وبعد قراءة متأنية للمجموعة القصصية خلصت إلى مايلي:

 تضم المجموعة القصصية نصوصا متنوعة ومتعددة منها ما تميز بالتكثيف والإختزال الكبيرمثل قصة: هجران، في الجب، بين الهودج والنورج...وهو الذي يمكن إدراجه فيما يسمى بالقصة القصيرة جدا، وهو نوع حديث من الأدب انتشر في الفترة المعاصرة بشكل واسع وأصبح نوعاً سردياً قائماً بحد ذاته، تعتبر بالحجم أصغر من القصة القصيرة وقد لا تتجاوز بضعة أسطر وأحياناً قد لا تكون أكثر من سطر واحد.

تتجلى أركان القصة القصيرة جداً الأساسية في: القصصية، والجرأة، والوحدة، والتكثيف، والمفارقة، وفعلية الجملة، والسخرية، والإدهاش، واللجوء إلى الأنسنة، واستخدام الرمز والإيماء والتلميح والإيهام، والاعتماد على الخاتمة المتوهجة المحيرة، وطرافة اللقطة، واختيار العنوان الذي يحفظ للخاتمة صدمتها.كما تضافرت نصوص بها سعة ورحابة مثل حكيم وقصة منعطف وقصة أرق الحبال. ويمكن إدراج هذه القصص ضمن جنس القصة القصيرة. وعلى العموم فإن الكتاب هو عبارة عن مجموعة قصصية تحمل عنوان "لم يكن وحده في الجب".

يبدأ عنوان المجموعة القصصية بلام جزم نافية،تنفي وجود شيء معين في قعر البئر «الجب» لوحده، وقد ارتبط مفهوم «الجب» في الثقافة الإسلامية بسيدنا يوسف عليه السلام الذي ألقاه إخوته في البئر، ولربما يحيل العنوان على ذلك، وبما أن اسمهان الزعيم تهتم بالقضايا الإنسانية الكبرى، فربما يحمل العنوان دلالة معينة مفادها، أن لا أحد من هذه الأمة يعيش في قعر الجب لوحده، لكن الأمة العربية كاملة، عالقة هنالك، وتبحث لنفسها عن الحلول للخروج من هذا القعر، أو الحضيض الذي وقعت فيه هذه الأمة. وهنا إشارة الى وجوب الاهتمام بقضايا هذه الأمة مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

وقد برعت القاصة في نحت أشكال قصصها دون الإخلال بما يتطلبه المتن الحكائي من تدرج وانسيابية يكسبان عنصر الحكي تناغما وتكاملا على مستوى الصياغة والدلالة.

وقد تراوحت اللغة في هذه المجموعة القصصية بين لغة حديثة تحيل إلى ما يعيشه الإنسان اليوم؛ إذ فيها إشارة إلى أشياء قريبة منه، مثل قول القاصة: (ضغطت على زر محول القنوات) ص: 69، كما أشارت إلى مواقع التواصل الاجتماعي بقولها: (يلجأ إلى استعمال كل مواقع التواصل المتاحة من الهاتف إلى الواتساب إلى صفحات التواصل الاجتماعي) ص: 23، وقولها أيضا: (لنتناول سويا آيس كريم) ص:35 من قصة "ذات القوام". ولغة ثراثية فيها إشارة للقديم ومنه قول القاصة: (قطع بين الفلاة والفلاة مسافة يومين وليلة على ظهر ناقته الصهباء، وقولها أيضا: أناخ راحلته عند ركن قصي خلف الخيام وهب مسرعا نحو البئر يدلي دلوه كي ترد ناقته)، وفي ذلك إشارة إلى التقاطع الحاصل بين ماهو قديم وماهو حديث في المجموعة القصصية، وهذا ينوع من لغة المجموعة ويغنيها لتظهر أكثر انفتاحا وأدق تعبيرا. كما تتضمن المجموعة القصصية مجموعة من العبارات المستلهمة من النص القرآني، ومنه قول القاصة: (ربوع حياة على عروشها خاوية) وقولها أيضا عند وصفها للرياح:( فجأة هبت ريح صرصر عاتية) وفي ذلك إحالة لسورة الحاقة،وفي عنوان إحدى قصص المجموعة التي عنونتها مثنى وثلاث ورباع. كما استشهدت القاصة بأشعار مبدعين وشعراء من بينهم: أحمد شوقي ونزار القباني، وفي ميدان الغناء: عبد الحليم حافظ.

كما لجأت الكاتبة لاستخدام لغة من درجة ثانية، تتجاوز اللغة الطبيعية المألوفة ،هي لغة تقوم على نظام الهدم والبناء ،هدم لغوي طبيعي وبناء لغة إيحائية. كقول القاصة: "لص مؤدب" فهل يوجد هنالك لص مؤدب ...
فالأساس في هذه اللغة هو التركيب الفني ،وذلك من خلال لحظتين: لحظة التنافر والتوتر التي تخلقها الكاتبة ولحظة الانسجام التي يخلقها القارئ من خلال تأويل نصي يعيد للغة دلالتها العميقة، وهذا ما يوضح اهتمام الكاتبة بالشعر وخاصة الشعر الحديث الذي يقوم على هذا النوع من الكتابة.

تتميز بعض قصص اسمهان الزعيم ببعدها الغرائبي، انطلاقا من عناوين عدة قصص التي تتميز بغرابتها مثل: جيد اليمام، بلوة، والذي استطاعت الكاتبة من خلاله أن تتجاوز الطابع التقليدي للقصة أو للحبكة السردية، واستطاعت أن تخلق شكلا قصصيا جديدا.

كما برعت القاصة في وصف قصصها بشكل دقيق واللجوء إلى عنصر الحوار في العديد من القصص كما جاء في قصة "منعطف" بين العم والطفل الصغير وصاحب العم، واستخدامها بعض الكلمات العامية مثل قولها (الله يصلح، الله يخليك، أنا رايح نخبر أمي، على سنة الله ورسوله..).

وظفت القاصة مجموعة من الصور البيانية أهمها المجاز والتشبيه، مثلا في قول القاصة: "كأنما يدوزن على رناته خرير الأحلام" ص15، هذا ما يضع القارئ أمام نصوص يتدخل فيها لإزالة ما هو غامض عبر تأويلات متعددة
تعالج اسمهان الزعيم قضايا إنسانية واجتماعية، مثل الرحيل، الزواج، الحب، صعوبة الحياة، السرقة وتأثيرها وأسبابها ،الحزن، تعدد الزوجات، عدم الإخلاص في العمل كما في قصة "حين يرتبك الشيطان"والتي تحكي عن موظف يدخل ويخرج عشرات المرات من مكتبه، دون إعارة أي اهتمام للمواطنين، فيقف الشيطان مرتبكا أمام ما يفعله هذا الموظف..

ـ تلقي القصة التجريبة

إن الحديث عن التلقي هو حديث عن طريقة لتلقي النص ، وقد دأب على هذا مجموعة من النقاد الذين اقترحوا جمالية خاصة لتلقي النص ومنهم هانز بورس وولف كونت... وإجمالا عملت نظرية التلقي على تجاوز التصورات السابقة التي كانت تسطح النص الأدبي. وما يهمنا هنا هو تلقي القصة التجريبية باعتبارها نصا غريبا يصعب تأويله.

استطاعت القصة القصيرة الواقعية تبليغ الرسالة عن طريق الحكاية، ثم بعد ذلك استفادت مجموعة من الأجناس الأدبية من أخرى، الشيء الذي أدى إلى تغيير طرائق الصوغ القصصي وأضفت على القصة طابعا آخرا أدى الى تفتت في الكتابة، لذلك أصبحنا نسمع بالتجريب القصصي أو الحساسية الجديدة التي تجاوزت الكتابة التقليدية وخرقت بناء جنس القصة القصيرة.

رافقت التجريب القصصي أشياء أغرقت القصص في غرابة. إذ بدأ الاهتمام مثلا بالتقطيع السينمائي والذي يقدم قصة لا معنى لها حيث أصبحنا أمام قصص أشباح تتحدث بمجازات تصوغها دوال نصية تحذف مدلولها. بمعنى أنه لا تهمها فعل القراءة أو فعل التلقي."

تحيلنا اسمهان الزعيم على متاهات سردية في كل قصة من قصصها، إن اسمهان الزعيم تقدم لنا قصص بروح تجريبية خرقت مقومات القصة التقليدية من خلال الاستعانة والاستفادة من مجموعة من الفنون المجاورة وتوظيف الغريب واللغة الإيحائية والمجازات ... كل هذا يجعل لدى القارئ نوعا من الدهشة ولإندهاش. لذلك يحق لنا أن نقول أن قصصها غير موجهة للعامة فكل تلك المقومات تجعل من القصة أكثر نخبوية.

"لم يكن وحده في الجب ..» للروائية والقاصة اسمهان الزعيم مجموعة قصصية بطابع إبداعي غني ومتنوع يؤسس لأفق سردي عبر زخم من أدوات وعناصر وموضوعات مختلفة ومغايرة تمت معالجتها بشكل يخالف القصص التقليدية.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى