الجمعة ١٤ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم جميل حمداوي

جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور

التأسيس، الأهداف، الأدوار

تمهيــــد:

من المعلوم أنه منذ الستينيات من القرن العشرين ظهرت مجموعة من الجمعيات الثقافية الأمازيغية التي استهدفت نشر الوعي الأمازيغي والفكر الهوياتي والعمل على خدمة اللغة والثقافة الأمازيغيتين. ومن هذه الجمعيات النشيطة التي استماتت من أجل بناء الذات الأمازيغية، لابد أن نذكر(الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي) التي تأسست بالرباط في 10 نونبر 1967م، وقد بدأ التحضير لتأسيسها منذ سنة 1965م، ومن أهم أعضائها:إبراهيم أخياط، وأحمد بوكوس، وعبد الفاضل الغوالي، وعبد الله بونفور، وعلي صدقي أزايكو، وأحمد أكواو، وعمر الحلفاوي، وعلي الجاوي.

وبعد ذلك تأسست(جمعية الانطلاقة الثقافية)بالناظور في أواخر شهر يناير سنة 1978م، وبعدها ستظهر بالرباط في 16 أكتوبر 1978م"الجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية"، والتي ستعرف فيما بعد"بجمعية تاماينوت"والتي أسسها المحامي المناضل: الأستاذ حسن إد بلقاسم.

وستنشأ بأگادير"جمعية الجامعة الصيفية"في 9أكتوبر 1979م، وستتأسس من قبل أطر"الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي"كإبراهيم أخياط مثلا. وفي سنة 1980م، سيؤسس بعض المثقفين المنحدرين من سوس والقريبين من أوساط التجار"الجمعية الثقافية لسوس"بالدار البيضاء، بينما ستؤسس مجموعة قدماء تلاميذ أزرو بالرباط"الجمعية الثقافية: أمازيغ"سنة 1979م برئاسة عبد الحميد الزموري، ومحمد شفيق، وعلي صدقي أزايكو بعد أن غادر جميعة أمريك، وقد استمر عمل هذه الجمعية إلى غاية 1982م تاريخ محاكمة كاتبها العام علي صدقي. وكان علي أزايكو قد أسس من قبل سنة1975م"الجمعية المغاربية:معارف وثقافة"، وكان من بين أعضائها إدريس الخطابي، والدكتور عبد المالك أوسادن، ونايت عبد الحميد، وشوكي. كما سيؤسس الدكتور محمد الشامي"جمعية إلماس الثقافية"بالناظور مع بداية التسعينيات من القرن الفائت، بينما سيؤسس الدكتور مارزوق الورياشي"مركز الدراسات التعاونية للتنمية المحلية"(سيكوديل) في سنة 1998م.

لكن ما يهمنا من هذه الجمعيات الثقافية الأمازيغية هي"جمعية الانطلاقة الثقافية"بالناظور قصد إعادة كتابة تاريخها ورصد أنشطتها الثقافية لتطلع الأجيال الجديدة على ماقدمته من خدمات جلى لصالح منطقة الريف بصفة عامة ومدينة الناظور بصفة خاصة. إذا، ما هو تاريخ"جمعية الانطلاقة الثقافية"بالناظور ؟ وماهي أهدافها ومبادئها ؟ وما هي أنشطتها وأدوارها؟ وماهي أسباب توقفها عن أداء مهامها التنويرية والتأطيرية؟

1/ تأسيس الجمعية:

عرفت منطقة الريف حركة ثقافية أمازيغية مزدهرة إبان سنوات السبعين من القرن العشرين وخاصة منذ سنة 1978م التي تعد سنة ظهور"جمعية الانطلاقة الثقافية"بمدينة الناظور، تلك الجمعية الرائدة في المنطقة على مستوى الإشعاع الثقافي الأمازيغي، والتي أعطت اهتماما كبيرا للإبداع الشعبي الريفي، وقامت بتحريك الساحة الثقافية المحلية بفضل مجموعة من الأطر الجامعية التي تخرجت من جامعات الوطن وخارجه.

و حرصت الجمعية على خدمة المواطن الريفي وإنقاذ مدينة الناظور من براثن التخلف والجهل والتسيب واللامبالاة والتهميش على جميع المستويات والأصعدة، وإن كانت الجمعية في الحقيقة قد غلفها مسيروها بمنظورات سياسية متباينة، و انطلقت من توجهات إيديولوجية متناحرة، واستعرت بنزعات ضيقة، وتأثرت بمقررات حزبية يسارية راديكالية ( حزب التقدم والاشتراكية، وحزب الاتحاد الاشتراكي...).

وعليه، فجمعية الانطلاقة الثقافية هي أولى الجمعيات الأمازيغية التي تأسست بمنطقة الريف وبالضبط بمدينة الناظور، وكان ذلك في أواخر شهر يناير من سنة 1978م، وكان مقرها تحت عمارة المحامي الكواكبي بوسط المدينة، وصندوقها البريدي هو:26، البريد المركزي، مدينة الناظور.

هذا، و لقد سطرت الجمعية هدفا أساسيا الذي ستعمل جاهدة من أجله ألا وهو : إخراج مدينة الناظور، التي بدأت تعرف توسعا ديمغرافيا واقتصاديا و صارت تعج بكثرة المثقفين، من وضعية الركود الثقافي وبلورة الثقافة الإقليمية والوطنية والعالمية.

وقد سارعت مجلة"الثقافة الجديدة"التي كان يترأسها الدكتور محمد بنيس إلى التعريف بأهداف جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور في عددها رقم:13، السنة الرابعة الموافقة لسنة 1979م، وخصصت لها صفحتين من 177 إلى 179.
2/ أعضـــاء الجمعية:

كانت"جمعية الانطلاقة الثقافية"بالناظور منذ تأسيسها سنة 1978م تضم الكثير من الأطر المتميزة محليا ووطنيا، وتحوي مجموعة من المثقفين والتلاميذ والطلبة الجامعيين والأساتذة والمبدعين والفنانين والغيورين على الثقافة الأمازيغية كقاضي قدور، ومارزوق الورياشي، ومحمد الشامي، وحسين القمري، ومحمد ميرة، وعبد الله شريق، وسعيد مساوي، و محمد بيجو، ومحمد أقضاض،، وفاظمة الورياشي،ومحمد طلحة، وأحمد القادري،ومحمد أخارباش،وحمي زرياب،ومحمادي بوسحاح، وأحمد بنجيلالي، ومصطفى إزران،وأحمد أكواو، وأحمد بنجيلالي، ومحمد حنكور، ومحمد حبشاوي، ومحمد امطالسي، وعلال شيلح، وميمون الوليد، ومحمد التوفالي...

ومن الذين تعاقبوا على رئاسة هذه الجمعية الثقافية لابد أن نذكر : الدكتور قاضي قدور أستاذ اللسانيات بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، ومحمد بيجو المحامي بمحاكم الناظور،، والدكتور مارزوق الورياشي أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، و الدكتور محمد الشامي أستاذ اللسانيات بجامعة محمد الأول بوجدة، وهو الرئيس الأخير الذي معه ستتوقف الجمعية لأسباب سياسية، وستتحول جمعية الانطلاقة الثقافية إلى جمعية"إلماس"مع بداية التسعينيات من القرن الماضي، وإلى جمعية سيكوديل مع مارزوق الورياشي مع بداية 1998م أو ما يسمى بمركز الدراسات التعاونية للتنمية المحلية.

3/ أهداف الجمعية:

تجسد"جمعية الانطلاقة الثقافية"بالناظور مرحلة الوعي بالذات، أي الإحساس بالانتماء إلى الكينونة الأمازيغية والدفاع عنها قولا وفعلا والتشبث بالأرض، فقد استهدفت الجمعية من وراء هذا التأسيس إخراج مدينة الناظور من عزلتها وركودها الثقافي عن طريق نشر الوعي بين أبنائها، وخدمة اللغة والثقافة الأمازيغيتين، والاهتمام بالأدب الشعبي، وتطوير القنوات التعبيرية الفنية والأدبية بمنطقة الريف على غرار الجمعيات التي تأسست بسوس والرباط والدار البيضاء.

هذا، وإن من أهداف هذه الجمعية حسب رئيسها هو جعل"العمل الثقافي أنجع أسلوب لخلق الإنسان المغربي الجديد، إنسان منفتح، متحرر من عقد الخوف والانطواء على الذات".

أما أسلوب العمل الذي ستتبناه الجمعية فيتمثل في"ربط الثقافة والعمل الثقافي بالواقع اليومي المعاش".

وبخصوص العلاقة بين الجمعية والأفراد أو الهيئات، جاء في كلمة الرئيس ما يلي:

"إننا لسنا ضد أحد، ونتمنى أن تربطنا علاقات حميمية بين جميع من يؤمن بالحد الأدنى لمفهوم العمل الثقافي لدينا. إننا لسنا ضد أحد، إننا فقط نريد أن نمارس حقا من أقدس الحقوق : حقنا في صياغة شعورنا وإحساساتنا في شكل شعر أو غناء أو موسيقى أو أي شكل فني آخر، وفي استعمال ومداولة اللغة التي رضعناها مع لبن أمهاتنا. وعلى هذا الأساس نطالب من الجميع أن يعاملونا، وألا يدفعوننا إلى اتخاذ مواقف تخرج عن إطار أهدافنا وإمكانياتنا.

وقد توصل أعضاء الجمعية في الجمع العام الذي انعقد بتاريخ 25 مارس 1979م إلى تسطير مجموعة من الملتمسات والمطالب والمقترحات. وإليكم بعض هذه الملتمسات:

أ- ملتمس حول إحداث تجهيزات ثقافية:

ينص تقرير جمعية الانطلاقة الثقافية المنشور بمجلة الثقافة الجديدة، العدد 13، السنة 4، سنة 1979م على أن"أعضاء جمعية الانطلاقة الثقافية، المجتمعين في إطار جمعهم العام المنعقد بتاريخ 25 مارس 1979م ليسجلون بكامل الأسى والأسف الإهمال الذي تعرض له إقليم الناظور ـ منذ أزيد من عشرين سنة من الاستقلال ـ في ميدان التجهيزات الثقافية. وحتى لا تستمر الأوضاع على ماهي عليها وتستفحل أكثر، يلتمسون من الجهات المختصة مايلي:

1. بناء دار للثقافة تحتوي على مكتبة وقاعة للمحاضرات والعروض المسرحية والسينمائية ومعامل فنية وتربوية.

2. بناء دار للشباب وسط المدينة.

3. التعجيل في فتح مكتبة البلدية وجعلها في خدمة الشباب والقراء.

ب- ملتمس حول استعمال قاعات العرض السينمائية من قبل الفرق الموسيقية والمسرحية والنوادي السينمائية:

إن أعضاء جمعية الانطلاقة الثقافية، المجتمعين في إطار جمعهم العام المنعقد بتاريخ 25 مارس 1979م، وعيا منهم بضرورة تشجيع الحركة المسرحية والفنية ببلادنا، وبضرورة تعرف الجمهور على الإنتاج الفني والمسرحي لمختلف الفرق العاملة بإقليمنا، يلتمسون من المسؤولين وضع قاعات العرض السينمائية المتواجدة بالإقليم رهن إشارة الفرق الموسيقية والمسرحية والنوادي السينمائية، سواء بالمجان أو بالمقابل..وربط علاقات معقولة بين أصحاب هذه القاعات ومختلف الفرق والجمعيات.

ج- ملتمس حول مساهمة المثقفين في دعم جمعية الانطلاقة الثقافية:

إن أعضاء جمعية الانطلاقة الثقافية، المجتمعين في إطار جمعهم العام المنعقد بتاريخ 25 مارس 1979م، يلتمسون من جميع المثقفين مهما اختلفت تياراتهم، وسواء أكانوا يعملون داخل الإقليم أم خارجه، أن يدعموا جمعية الانطلاقة الثقافية عن طريق العمل الجماعي أو الفردي، ويعملوا ما أمكن على تخطي المعوقات الذاتية والمركزية الفكرية والثقافية حتى يساهموا في خلق إنسان جديد منفتح على العلم والأدب والفن والمستقبل.

د- ملتمس حول اللغة والثقافة الأمازيغية:

إن أعضاء جمعية الانطلاقة الثقافية، المجتمعين في إطار جمعهم العام المنعقد بتاريخ 25 مارس 1979م، وعيا منهم بالدور التاريخي والاجتماعي الذي لعبته اللغة والثقافة الأمازيغية، ووعيا منهم بمدى إمكانية هذه اللغة وهذه الثقافة في المساهمة في تطوير الإمكانيات الفكرية والإبداعية للشعب المغربي، يلتمسون ما يلي:

1. أن يكون معهد دراسات اللغة الأمازيغية المزمع إنشاؤه، في مستوى طموحات الشعب المغربي من الناحية العلمية والعملية، وأن تعمل الجهات المسؤولة على تدريس هذه اللغة في الجامعة وفي المدارس الثانوية والابتدائية، وأن تعمل على دمجها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية جنبا إلى جنب مع اللغة العربية.

2. أن تخصص برامج إذاعية وتلفزيونية متطورة من حيث الكم والكيف باللهجات الأمازيغية الثلاث.

3. أن تعمل الجهات المسؤولة على تشجيع وتطوير صحافة وطنية ناطقة باللغة الأمازيغية، وتعمل على تشجيع الأدب الأمازيغي المكتوب."
من هنا، يتبين لنا بأن"جمعية الانطلاقة الثقافية"كانت سباقة إلى الاهتمام بالكينونة الأمازيغية، والاهتمام بالإنسان الريفي قصد إسعاده ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، و القيام بالعمل الجاد والمستمر من أجل إخراج الريف بصفة عامة ومدينة الناظور بصفة خاصة من شرنقة التخلف والتردي والعزلة والتهميش واللامبالاة والإقصاء نحو فضاء ثقافي أرحب بكثير عن سابقه عن طريق بناء مجموعة من المؤسسات الثقافية والشبابية، وتشييد مؤسسة وطنية لخدمة اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وتوفير جميع الظروف المناسبة للسماح للصحافة الأمازيغية لتقوم بدورها المنوط بها. كما نادت الجمعية إلى تخصيص قناة إعلامية أمازيغية مستقلة لخدمة الأمازيغيين قاطبة بدون استثناء.

وعليه، فهذه الأفكار التي سطرتها"جمعية الانطلاقة الثقافية"بالناظور هي نفس الأفكار التي ستتبناها مجموعة من الجمعيات الثقافية والمدنية الأمازيغية في المغرب وخارجه، والتي سيترتب عنها تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ( إيركام)، وانتشار الصحافة الأمازيغية الوطنية والجهوية، وإذاعة مجموعة من البرامج الأمازيغية عبر أمواج الراديو والقناتين الوطنيتين: الأولى والثانية، في انتظار الإفراج عن القناة التلفزية الأمازيغية المستقلة التي ستشرع في تقديم برامجها في الآجال القريبة.

4/ الدور الأدبيي:

عملت"جمعية الانطلاقة الثقافية"بالناظور على عقد عدة ندوات ثقافية أدبية وتنظيم مجموعة من المهرجانات الشعرية كالمهرجان الأول للشعر الأمازيغي الذي انعقد بالناظور في 6 مايو من سنة 1979م، وقد حضر فيه الكثير من الشعراء الأمازيغيين الريفيين منهم: أحمد القادري، ومحمد أخرباش، ومحمادي بوسحاح، ومحمد حنكور، وأحمد بنجيلالي، ومحمد حبشاوي، وفاظمة الورياشي، وأحمد أكواو، ومارزوق الورياشي، ومحمد ميرة....

وقد فاز أحمد القادري في هذا المهرجان بالجائزة الأولى، ومحمد أخرباش بالجائزة الثانية،ومحمادي بوسحاح بالجائزة الثالثة.
وبعد الانتهاء من المهرجان، أصدرت الجمعية كتابا مطبوعا على ورق الستانسيل عبارة عن ديوان جماعي فيه مختارات الشعراء الأمازيغيين الذين شاركوا في المهرجان مباشرة أو غير مباشرة. ويضم هذا الديوان الشعري تسع قصائد في ثلاث وعشرين صفحة من الحجم الكبير جدا، والمكتوب بالخطين: اللاتيني والعربي. وقد استهل هذا الديوان الذي هو عبارة عن مختارات شعرية ريفية بمقدمة في شكل دراسة نقدية أدبية تحت عنوان"الشعر الشعبي الأمازيغي: شعر المعاناة والأمل".

هذا، ومن أهم الشعراء الذين اختيرت قصائدهم نستحضر: أحمد القادري، ومحمد أخرباش، ومحمادي بوسحاح، ومرزوق الورياشي، وأحمد بنجيلالي، و محمد حنكور، ومحمد أمطالسي، ومحمد حبشاوي، وفاظما الورياشي.

ويجب أن نعرف أن الشعر الأمازيغي بمنطقة الريف، والدرسين الأدبي واللسني الأمازيغيين، وإرساء خط تيفيناغ في كتابة الشعر الأمازيغي، والتعريف بالشعراء الأمازيغيين وتدوين نصوصهم الشعرية وتوثيقها، ماكان كل ذلك ليتحقق لولا"جمعية الانطلاقة الثقافية"التي جمعت كل مثقفي المدينة في بوتقة فضائية إبداعية واحدة على الرغم من اختلاف مشاربهم السياسية، وهذه البوتقة هي ضرورة الوعي بالذات الأمازيغية، كما عملت الجمعية على إصدار مجموعتين صغيرتين من أشعار الريف سنتي 1978و1979م.
5/ الدور الفني:

يمكن أن نعتبر"جمعية الانطلاقة الثقافية"بالناظور فضاء لتطوير الفنون ورعايتها ولاسيما الفنون الدرامية والسينمائية والموسيقية والتشكيلية، والتي كانت كلها تعزف على إيقاع الالتزام الثوري والتغني بالقضية الأمازيغية، والرغبة في الانعتاق من العبودية والظلم والاستلاب والانتقال إلى زمن الحرية والفعل والممارسة التغييرية بدلا من التقوقع على الذات والانطواء على النفس بسبب عقدة الخوف والخشية من بطش المخزن وعنف الشرطة وقمع السلطة.

وفي هذه الجمعية ظهرت مجموعة من الفرق الموسيقية والأصوات الغنائية، كفرقة"إسفظاون/الشعل المتوهجة"التي سمحت لها الجمعية لكي تظهر قدراتها الغنائية وإمكانياتها الفنية وخاصة في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، وفرقة"ءينومازيغ /أبناء مازيغ"التي انطلقت في بداية السبعينيات، وقدمت عدة حفلات موسيقية وبالضبط في جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور في 29 يوليوز 1978م بالمشاركة مع فرقة"أذمام/الجوهرة".

هذا عن الفرق والأصوات الغنائية الجماعية، أما عن الأصوات الفردية التي تكونت في الجمعية التي صارت مدرسة موسيقية ومسرحية وتشكيلية، فيمكن الحديث عن مجموعة من المغنين كميمون الوليد، ومحمد التوفالي، وخالد إزري، وعلال شيلح، وحسن تبيرنت، ومصطفى إزران...

ويقول الحسين وعزي عن دور"جمعية الانطلاقة الثقافية"في تكوين الأصوات الغنائية الملتزمة ولاسيما ميمون الوليد:"أما بالناظور، فقد برز الفنان المغني ميمون الوليد في أحضان جمعية الانطلاقة الثقافية. وقد سجل مجموعة من الأشرطة، كما قام بمجموعة من الجولات الفنية الناجحة في مناطق تواجد الجالية الريفية بالمهجر، وله صدى جماهيري واسع. ولقد قامت هذه الجمعية كذلك بإبراز مجموعة من الفعاليات الفنية وخاصة في لقائها الأول للأغنية الريفية يوم 29 يوليوز 1978م بدار الشباب بالناظور، الذي شاركت فيه مجموعتان غنائيتان هما مجموعة"أذمام"(الجوهرة"، ومجموعة"ين ءومازيغ") (فريد الأمازيغ)، بالإضافة إلى الفنان التوفالي"".

وفد استعانت الأغنية الملتزمة التي شجعتها الجمعية بالأدوات الموسيقية الحديثة، واستفادت من الألحان المشرقية والأورپية والأمريكية والعالمية كاستخدام القيتارة والهارمونيكا والأدوات الموسيقية الكهربائية.

6/ الدور السياسي:

ساهمت"جمعية الانطلاقة الثقافية"في تكوين الشباب ثقافيا وسياسيا عن طريق نشر الأفكار الماركسية والمبادئ اليسارية الراديكالية، وتأطيرهم حزبيا عبر نشر توجيهات ومقررات الأحزاب الاشتراكية المعارضة كحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية. كما عملت الجمعية على زرع فكر الهوية الأصيلة والمحلية، والتشبث بالأرض، والالتزام بالقضية الأمازيغية لغة وثقافة، و إذاعة الفكر الهوياتي، والسعي لتضخيم الذات الأمازيغية، والرفع من قيمة الإنسان المحلي عن طريق نشر الآداب والعلوم والفنون الأمازيغية.

هذا، وقد ساهم بعض الأساتذة الجامعيين الغيورين على منطقة الريف كقاضي قدور، ومحمد الشامي، ومارزوق الورياشي في تأطير الطلبة الجامعيين تأطيرا أمازيغيا، وتوجيههم نحو البحث والتقصي في الثقافة الشعبية، وإنجاز البحوث حول مكونات الهوية والحضارة الأمازيغية بجميع الألسن وعلى جميع المستويات: (الأدب، والفنون، والعلوم، واللسانيات، والتاريخ، والمجتمع...).

7/ الدور الاجتماعي:

قامت الجمعية بأدوار اجتماعية عديدة تتمثل في توعية أبناء المجتمع الريفي، وتنشيط الشبيبة المحلية بواسطة مجموعة من الندوات والعروض والمهرجانات الثقافية، وسعت الجمعية أيضا إلى تمزيغ الحياة الاجتماعية بواسطة التوعية الهوياتية، كما ساهمت الجمعية باعتبارها من عناصر المجتمع المدني الفاعلة في تقديم مجموعة من المطالب والالتماسات لبناء مجموعة من المؤسسات والمعاهد الفنية والثقافية لصالح أبناء مدينة الناظور بصفة خاصة ولصالح الريف بصفة عامة. ومن هنا، أضحت الجمعية فضاء تواصليا اجتماعيا متميزا، صارت كذلك مدرسة مجتمعية للتعلم والتثقيف والتكوين والتأطير والتشبع بالفكر الأمازيغي.

8/ توقف الجمعية:

بعد أن قامت"جمعية الانطلاقة الثقافية"بالناظور بمجموعة من الأدوار الهامة على المستوى الأدبي والفني والسياسي والتثقيفي والتأطيري خاصة في السنوات الأخيرة من السبعينيات، إلا أن هذه الجمعية ستتوقف عن أنشطتها بسبب الصراع حول الزعامة بين مجموعة من الأطراف والأطر البارزة ( قاضي قدور، ومارزوق الورياشي، ومحمد الشامي، وحسين القمري)، وبسبب الصراع الإيديولوجي الذي احتدم بين أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية، ناهيك عن ميل بعض هذه الأطر إلى تسييس الجمعية وعدم التنازل عن الرئاسة، وتمييع العملية الديمقراطية في انتخاب مكتب جديد للجمعية.

وأمام هذا الركود الذي أصاب الجمعية على المستوى الانتخابي والثقافي، بادر الدكتور محمد الشامي الذي كان مرشحا لتولية الجمعية إلى تأسيس"جمعية إلماس الثقافية"سنة 1991م.

وفي هذا السياق يقول الباحث الأمازيغي الحسين وعزي:"أما جمعية الانطلاقة الثقافية فقد بقي نشاطها مجمدا ولم يتمكن أطرها من تجاوز هذا الجمود إلا في سنة 1991م بعد اقتناعهم بضرورة تأسيس إطار جديد. وهكذا ولدت جمعية إلماس الثقافية التي كان أول نشاط لها هو حضور رئيسها أشغال الدورة الرابعة لجمعية الجامعة الصيفية بأگادير وتوقيعه على ميثاق أگادير للغة والثقافة الأمازيغيتين".

ومن هنا يمكن القول بأن توقف"جمعية الانطلاقة الثقافية"بالناظور كان لأسباب سياسية وذاتية، وكذلك لأسباب مخزنية تتمثل في محاولة القضاء على كل فكر أمازيغي تنويري توعوي وهوياتي.

خاتمـــة:

نستنتج، مما سبق، أن"جمعية الانطلاقة الثقافية"بالناظور قد قامت بأدوار هامة منذ سبعينيات القرن العشرين في نشر الوعي الأمازيغي لغة وثقافة. وساهمت في تكوين الشعراء والمسرحيين والفنانين التشكيليين والموسيقيين والطلبة الجامعيين وتلاميذ الثانويات وتوعيتهم سياسيا واجتماعيا وأدبيا وفنيا وعلميا.

وكفى الجمعية فخرا أنها ساهمت بكل جدية ومسؤولية وطنية وأمازيغية في خلق مجموعة من الفرق الغنائية الملتزمة، و التعريف بمجموعة من الأصوات الموسيقية محليا ووطنيا ودوليا. كما سعت الجمعية إلى التعريف بشعراء الريف وحمع نصوصهم الشعرية ضمن مجموعتين شعريتين مطبوعتين، كما عملت الجمعية على نشر فكر الهوية والالتزام بالدفاع عن القضية الأمازيغية لغة وثقافة.

بيد أن الأسباب الشخصية، والصراع حول الرئاسة، وتضارب المصالح، واحتدام الاختلافات السياسية والتوجهات الحزبية، علاوة على مكائد المخزن، كل هذه العوامل ساهمت من قريب أو من بعيد في تجميد أنشطة الجمعية والسعي من أجل توقيفها نهائيا، لتظهر على أنقاضها جمعيتان متنافستان في الساحة الريفية وهما:"جمعية إلماس الثقافية"التي يتزعمها الدكتور محمد الشامي، و"جمعية سيكوديل"التس يترأسها الدكنور مرزوق الورياشي.

التأسيس، الأهداف، الأدوار

مشاركة منتدى

  • السلام عليكم
    مقال في المستوى غني بمجموعة من المعلومات كدور هذه الجمعية واهدافها وتاريخ وظروف النشأة .شكرا لكم
    عندي طلب إذا كان ممكن ،انا في إطار إنجاز بحث حول تاريخ المجموعات الغنائية الأمازيغية بالريف ،المرجو منكم إذا توفر لديكم معلومات حول هذه المجموعات أن تشاركوني إياه أو إذا توفر لديكم أرقام هواتف أحد أعضاء هذه المجموعات.
    وشكرا مجددا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى