الجمعة ٣١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم أحمد مظهر سعدو

حوار مع الشاعرة الزجلية فردوس النجار

شاعرة زجلية طالعة من قلب الوطن وجوانية المعطى العشقي لآهات الأمة وكينونة الوطن.. شاعرة عربية سورية تقرض الشعر المقفى، لكنها تحبذ أن تظل لصيقة بالزجل المحكي لأنها ترى فيه اقتراباً من الناس والحياة والمعاش الإنساني.. التقيناها في دمشق لنحاورها حول كل ذلك، وهي التي امتلكت ناصية المنابر والخطابة أيما إمساك.. لتقول:

كتبت الشعر والزجل فأيهما الأقرب إلى روحك يا فردوس؟

الأقرب إلى روحي هو الزجل.. لأنني أكتب على طبيعتي.. بعفوية وبساطة،

أرى أنني أتواصل مع الناس أكثر، من خلال الزجل بمحبة وشفافيـة لا متناهية.

في بحة صوتك وأنت تلقين الشعر حالة خاصة تنم عن انطلاق هذه الجمل الشعرية من جوانية ذاتك بلا حواجز.. هل توافقين على ذلك وكيف يتبدى هذا البوح الشعري؟

نعم.. إنني أحس وأنا ألقي شعري الزجلي.. بأن المستمع أو المتلقي يستمتع
لأنه بالفعل يشد المستمع إلى أعماقي دون أن أشعر.. وكأنني أهمس بأذنه
وأطلعه على مخزوني الخاص.

وفي قصيدة لك تحدثت عن حطين والقادسية وناصر والنيل وصلاح الديـن
الأيوبي.. فهل ما زلت تعيشين مراحل الزهو والنصر في زمن تكثر فيه
الهزائـم؟

أولاً أنا عربية حتى العظم.. وقومية جداً.. وطنية جداً بدون مبالغة وبعفويتي التي أحرص عليها ولا أريد تهذيبها أبداً.. أقول :
إنني أحس بجوع أي إنسان في العالم.. ولكن يعنيني أكثر من يقاسمني دمائي وأحلم فعلاً رغم كل ما هو حولي من بؤس وانفلات لكل معايير الأخلاق في العالم أن نكون وطناً واحداً من المحيط إلى الخليج.. أحلم أن ننسى جوازات سفرنا بعيداً ونسافر إلى أي بلد عربي كما نسافر بين محافظة وأخرى.. كما أحلم أن لا يبقى أي معذب في الأرض.. وخاصةً وبل وفي مقدمة البشر.. أبناء أمتي العريقة.. وأقول : إنني أؤمن بالمقولة العامية ( من يخلع ثيابه يعرى )فأنا متعصبة للعرب بكل أجناسهم وأديانهم وطوائفهم.. وأي فردِ منهم يحرك مشاعري.. حيث أفرح لفرحهم.. وتجرحني مأساتهم، بل وأجل من يساندهم وأنا غير متشائمة أبداً.. كيف لي أن أتشاءم؟ وأنا أرى صوراً مشرفةً لرفض الذل رغم آلات القتل ورغم كل القتلة، أن كان في فلسطين أو في العراق أو في لبنان فتحيتي لكل عربي شريف وتحيتي لكل إنسان شريف.. وأنا أفتخر بالبطولات العربية. وأرى أننا مع الغد.. والمستقبل للإرادة فقط.. ونـحن أبناء تاريخ وإرادة.. فالمستقبل لنا أن شاء الله.

عندما تقولين في إحدى قصائدك.. وتعجز آلة الأشرار أن تمحـو جـذور
التين..فماذا تقصدين؟ وهل جذور التين تغوص معك إلى أوتاد الأرض وحب
الوطن؟

بالنسبة لآلة الأشرار.. إننا نعرفها جيداً ونتقن التعامل معها.. والقوة أن لـم
تنبع من الذات فهي ليست بقوة أبداً.. والزمن لا يقف عند أحد.. فهذه مرحلة.. وربما تطوى بوقت معين.. أنا لا أستهتر بها.. ولكن الإرادة أقوى، فهي تصنع المعجزات، وهناك من شفي من السرطانات بفعل الإرادة فقـط.

أما جذور التين فهي جذور الشجرة التي عرفت بعنادها ومقاومتها للفناء والقطع.. وهي تنمو وتنمو رغم رداءة الطقس ورغم رداءة الأخلاق المحيطة بها.. وهذا مثال لا أكثر.. وأنا طبعاً قصدت بذلك الإخوة المناضلين على أرضهم والذين يبحثون جاهدين عن الحرية وعن دفء الأسرة واستقرارها وأن يكونوا أسياداً على أرضهم.. وهذا أقل حق من حقوقهم المشروعة، دولياً وعالمياً وإنسانياً.. وهل يعقل أن نلصق الشقاء بفئة معينة من البشر؟ وتبقى ملازمة لهم ولأجيالهم من بعدهم!! ومن يقرر أن يكون الشريد بذلك؟!! شريداً أبداً.. وبالمختصر فمن ليس له وطن حر ليس له قبر، ومن يخلص لأقرب الناس له فهو حقاً مخلصاً للوطن.. ومن يبيع أهله يبيع وطنه بسهولة.. فلا تستغرب كل ما قلته لأقول لك أن الأسرة هي عماد الوطن وهي من تلقنا مدى أهمية الوطن.

في قصيدة (ذبحوا حيائي ) تحدثت عن الوجع الفلسطيني فصورت المرأة الفلسطينية المجاهدة أحسن صورة.. فهل فلسطين ما زالت فـي مخيالك الشعري؟ وكيف تجسدينها في أدبك؟

لا أخفيك سراً أن زوجي فلسطيني.. أي أن أبنائي وبناتي يحملون الجنسية الفلسطينية وأنا أفتخر بهم.. فهل شهادتي مجروحة أن قلت لك أنني أحس تماماً بإحساس أي امرأة فلسطينية؟! ويرهبني ما يرهبها.. ويسعدني ما يسعدها.. بل يؤلمني ما يؤلمها.. فهي سيدة جديرة بالحياة!! رغم أنها مجهّلة قصداً.. ومهمشة قصداً.. ومحرومة من أكثر متع الحياة أن لم أقل محرومة منها كاملة.. فأنا أجل من يدافع عن كرامته ومن لا يتحمل الذل.

قيل بأن قراراً صدر مؤخراً بمنع قول الشعر الزجلي في المراكز الثقافية.. وبالتالي الالتزام باللغة العربية الفصحى ما مدى صحة ذلك؟ وهل أثر هذا القرار على الشعراء الزجالين؟

نعم صدر هذا القرار.. ولكنه لم يستطع أن يمنع الزجالين بشكل فعلي عن المراكز الثقافية بل قلل من أمسياتهم وهذا يعود لمدير المركز الثقافي.. ومدى تحمله للمسؤولية خاصةً وأن الناس التي تطلب الشعر الزجلي وتتذوقه أكثر بكثير ممن يطلبون أو يحضرون شعراء بالشعر الفصيح.. ولكنني أقول أيضاً أنه ليس كل من قال الزجل يستحق الصعود إلى المنابر كما هو في الشعر الفصيح كذلك الأمر، والشاعر شاعر بأي شكل قال شعره، وهناك البعض من المتعصبين للغة الفصيحة.. وأنا من المتعصبين للغة الفصيحة.. ولكنني أرى أن الشعر الزجلي (المحكي ) يرتقي باللغة الأم أو بالأحرى إنه يرتقي بالعامية لتقترب جداً باللغة الفصحى وما يستطيع فعله (الشعر المحكي ) بتوصيل الفكرة مبسطة جداً إلى الناس، لا يستطيع أي خطيب أو شاعر أن يوصله أبداً.. وأنا لا أقصد بكلامي هذا (الزجل الغنائي ) أنا أقصد الشعر المحكي (القصيدة المحكية) باللهجة المحلية التي تكون أشمل وأوسع في المنطقة التي يكون بها الشاعر، وعلى كلِ أن الأغاني التي نستمتع بها ونطرب لها وتؤنسنا، وتحرك مشاعرنا هي شعر محكي باللهجة العامية.. فأين المفر؟! إنها باللهجات المحلية عامةً، على كلِ أقول للجميع أننا في منازلنا نتكلم العامية بكل طوائفنا ومذاهبنا وطبقاتنا الاجتماعية.. فأنا أخاطب زوجي.. وولدي.. وابنتي وحبيبي وكل من أحب باللهجة العامية.. فلماذا لا يمتعني من يخاطب مشاعري بها على المنابر.. ( إنني أجله أن استحق ذلك ) فقط.. أليست اللهجة التي علمتني بها والدتي الأدب والأخلاق واحترام الآخرين.. وأن لي حدوداً لا يمكن تجاوزها.. وللضحك فقط أقول : أليست هي وبهذه اللهجة قالت لي (من يضربك كف اضربيه اثنين)

الحب والغزل هل أخذ مساحة معقولة في شعرك يا سيدة فردوس.. وهل ما زال الحب حياً لدى الشاعرة فردوس النجار؟

نعم الحب والغزل أخذ مساحة واسعة في شعري.. فأنا دمجت كثيراً الشعر الغزلي بالوطن.. وبشكل عفوي جداً.. هذا بالنسبة للزجل وأنا أقول أن من لا يعرف الحب الحقيقي.. فهو قطعاً لا يعرف حب الوطن، ولكن كيف يعرف أحدنا أنه يحب الحب الحقيقي فعلاً؟! أنا عرفت ذلك!! وأتعبني ذلك!! وأنا لا أفضل أبداً إذا سئلت عن الزواج بعد علاقة حب لأن المرأة تريد ممن تحبه أن يصنع المستحيل وأن يبقى عشيقاً لها مدى الحياة رغم كل المتغيرات.. والإنسان لا يصنع مشاعره في قالب.. فأحاسيسه ومشاعره وعواطفه قد تتغير كثيراً وهذا ممكن للطرفين ولكن أكثره عند الرجال.. لأن مجالهم أوسع ولأنهم منحوا جواز السفر للخطيئة وللخيانة واللعب في مشاعر الإناث.. هذا عموماً ولكن هناك استثناءات كثيرة.. لكل قاعدة وهناك رجال مظلومون أيضاً.. أنا لا أتكلم عن تجربتي فقط ولكنني اتكلم عن المرأة التي غالباً ما تكون مظلومة.. حتى وإن كانت هي الحبيبة الأخيرة التي تظن نفسها ساحرة وفارسة الأحلام.. ولكنها عملياً هي أول من تسقط ويدولها الحبيب أولاً على كلِ أقول لمن يود المعرفة.. بأنني أحببت زوجي قبل الزواج وتزوجنا رغم الصعوبات المريرة.. وأحمد ربي أنني ( رغم كل ما مر في حياتي مـن عناء ومرار ) ما برحت أبحث عن الحب في عين زوجي التي لا يهمني كثيراً أين تذهب وهذا يمنحني الدفء رغم الزمهرير.

وأحبه أكثر لأنه يساهم في استقراري وساهم في نضارة رؤيتي للمستقبل خاصةً وأن لدي منه أربعة أبناء..ابنتان وصبيان.. وأنا أفتخر بهم كثيراً وهم من منحني القوة وصلابة الإرادة والارتقـاء.. إنهـم جميعاً مخزني مـن الحياة وأماني.. وفرحي حين أفتقد الفرح.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى