الاثنين ٩ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم لطفي زغلول

خلفَ هَذا المَدى

(1) الرؤى

 
خَلفَ هَذا المَدى اختَنقتْ
في هَجيرِ المَتاهاتِ.. كُلُّ الرؤى
الفَضاءاتُ ضَاقتْ على رَحبِها..
احتَرقتْ.. واستَحالَ المَدارُ إلى زَفراتِ دُخانٍ..
تَسربَلَ بِالحشرجاتِ المَكانْ
لم يَعدْ زَورقٌ كانَ يُبحرُ في لُجَّةِ المُستحيلِ..
تَهاوتْ مَجاديفُهُ..
قَبلَ أن يَصلَ المَرفأَ
والأعاصيرُ لا تَعرفُ الإنحسارْ
 

(2) إنتِظار

 
خَلفَ هَذا المَدى.. مَلَّني الإنتِظارُ
وما زِلتُ أقتَرِفُ الإنتظارْ
ليسَ لِي مَوعدٌ
لَن يَعودَ الَّذين انتَظرتُ طَويلاً.. سُدى
فَوقَ أرصِفَةِ الأمسِ في لَهفةٍ
لن يَجيئوا غَدا
حينَ مَرّوا بِذاكِرتي
لا تَزالُ ظِلالُ خُطاهم..
تُلوِّنُ بِالدفءِ ليلَ المَكانْ
وأنا لَم أزلْ عِندَ أسوارِ هَذا المَدى
وعلى ضَفَّةِ الوَهمِ..
ما زِالتِ الرِّيحُ تَجترُّني لَيلةً لَيلةً
والشِّراعُ يُسافرِ بَينَ الحَنايا..
وفي مُقلتيَّ تَهاوتْ..
على عَطشٍ حَارِقٍ دَمعتانْ
 

(3) القَصيدة

 
خَلفَ هَذا المَدى
تَتَكسَّرُ أجنِحَةُ الأبجديَّةِ..
تَهوي القَصيدَةُ.. من أوجِها عَبثاً..
تَتناثَرُ كُلُّ الحُروفِ اشتِعالاً.. حَرائِقَ
في زَمنٍ تَتسلَّلُ فيهِ الأعاصيرُ..
مِن كُلِّ صَوبٍ إلى بُرجِها
القَصيدةُ.. تَغتالُها الرِّيحُ كُلَّ مَساءٍ
وعندَ الصَّباحِ.. تُكابِدُ من عَتمَةِ الليلِ..
تَلفُظُ أنفاسَها
وبأحضانِها لَم يَزلْ شَاعرٌ
صَاحَ مِن رَحمِها:
لَيتَني كُنتُ أَقدِرُ أن أفتَديكِ
وأمسَحَ جُرحََكِ.. علّي أسدِّدُ دَيناً
لِعينَيكِ في ذِمَّتي
لَيتَني كُنتُ يَا وَطنَ العِشقِ
يا قَمرَ العَاشِقينَ.. أنا أوَّلَ الّلاحِقينْ
 

(4) الحُبّ

 
خَلفَ هَذا المَدى
يَنسُجُ الحُبُّ ثَوبَ حِدادٍ لَهُ
مِن دُموعِ الفِراقْ
لَيلُ مِحرابِهِ.. آهةٌ.. خَلفَ قُضبانِها
يَستَحيلُ التَّحرُّرُ والإنعِتاقْ
يَبدأُ الإحتراقُ ولا يَنتَهي عِندَها زَمنُ الإحتِراقْ
رَحلَ العَاشِقونَ.. ولنْ يَرجِعوا
فَهُنا يَرقدُ الحُبُّ..
عَاشَ غَريباً.. قَضى نَحبَهُ..
اغتالَهُ زَمنٌ حَجريُّ الشُّعورِ.. بِلا رَحمةٍ
كانَ في أوِّلِ العُمرِ.. حينَ على غَفلَةٍ
أسلمَ الرُّوحَ.. لَيسَ لَهُ خَلفٌ أو مُريدونَ
يُحيونَ ذِكراهُ في كُلِّ عَامْ
 

(5) الرحيل

 
لَنْ يُطلَّ الصَّباحُ غَداً
لَنْ تَجيءَ العَصافيرُ.. تَنقرُ شُبّاكَنا
لَنْ نَكونَ هُنا
لَنْ تُسافرَ فِينا النُّسيماتُ..
لَنْ يَبدأَ المَدُّ.. صَارتْ جَوارِحُنا
مِن تَضاريسِ هَذا اليبابْ
لَنْ تُضيءَ فَضاءاتِنا..
مَا حلُمنا بِهِ لَيلَةً مِن لَيالي الشِّتاءْ
فَهُنا وحدَهُ الإغتِرابُ.. هُنا
يُولَدُ الصُّبحُ في صَدرِهِ آهةٌ.. زَفرةٌ
لاهثاً هارِباً مِن دُجى أمسِهِ
بَاحِثاً في الفَضاءاتِ عنْ شَمسِهِ
المَدارُ استَحالَ غُباراً.. دُخاناً..
رَمادَ احتراقِ رؤىً..
نَثرتْهُ الرِّياحُ هُناكَ.. هُنا
إنتَهى كُلُّ شَيءٍ.. غَداً لَنْ يَعودَ غَدٌ
أقلَعَ الغَدُ.. غَابَ الشراعُ وَراءَ المَدى
لَمْ يَعدْ للمَجاديفِ صَوتٌ.. صَدى
رُبَّما غَرقَ الغَدُ في يَأسِهِ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى