الأحد ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم أشرف شهاب

رأفت الميهى: أنا تلميذ فى مدرسة يوسف شاهين

رأفت الميهى واحد من المخرجين المتجددين. وهو واحد من قلة من المخرجين الذين أبدعوا فى مجال التجريب. وفى كل فيلم من أفلامه يكفيك مشهد واحد لكى تعرف شخصية رأفت المaيهى حتى لو يكن اسمه مكتوبا على تترات الفيلم. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود التقى المخرج الكبير رأفت الميهى فى القاهرة، ودار بينهما الحوار التالى:

فلسطين: كيف دخل الفنان رأفت الميهى إلى عالم السينما؟

رأفت الميهى: الفضل فى ذلك للمرحوم المخرج الكبير الأستاذ كمال الشيخ الذى كان أول أستاذ لى، وهو الذى أدخلنى عالم السينما، وعلى يديه تعلمت فن التعامل مع السينما. ثم يعود الفضل تاليا للمرحوم المخرج صلاح أبو سيف الذى تعلمت منه الكثير. ولقد بدأت الدخول عمليا إلى عالم السينما بسيناريو فيلم "على من نطلق الرصاص" عام 1975. وقتها كانوا يقولون عنى أننى مخرج تحت التمرين. وفى 1985 أخرجت فيلم "عيون لا تنام".

فلسطين: أنت واحد من المخرجين الذين يفرضون أنفسهم على الجمهور بنوعية أفلامهم. أقصد أنك تنرك لدى المشاهد بصمة خاصة لأننا نعرف شخصية المخرج من خلال الفيلم.

رأفت الميهى: الموضوع لا يمكن مناقشته من هذه الجهة. يمكنك أن تقول أن لرأفت الميهى لغة سينمائية خاصة. هذه اللغة أسميها أنا تصورا خاصا. بمعنى أننى اسعى لأن أقدم رؤية خاصة أضع من خلالها تصوراتى الخاصة للنص المكتوب. العديد يهاجموننى بسبب هذا التصور الذى أعتبره أنا ضرورة من ضرورات العمل الفنى. فلا يمكن أن أتصدى للإخراج دون أن يكون لى الحق فى أن أقدم معالجة مختلفة للتصورات السائدة.

فلسطين: هل يمكن أن نعتبر أن كل فيلم جديد لرأفت الميهى هو تجربة جديدة؟

رأفت الميهى: تجاربى لا تنتهى. وأنا أعتبر أن التعبير الذاتى للمخرج هو أهم أدواته ووسائله فى التوصيل. أعتقد أن على كل إنسان أن يعبر عن ما يشغله بشكل شخصى. أما ما يشغلنى أنا شخصيا فهو الممنوعات الثلاث وهى السياسة والجنس والدين. وأعتقد أن هذه الممنوعات الثلاثة بحاجة إلى جرأة فى الاقتحام. وأى عمل فنى يخلو من هذه القضايا الثلاث يعتبر عملا سطحيا. والحكومات التى تمنع شعوبها من مناقشة هذه القضايا تعتبر حكومات متخلفة. وأعتقد أن التعبير عن هذه القضايا يعتبر جزءا من التعبير الذاتى عنى كمخرج.

فلسطين: ماذا تقصد بالتعبير الذاتى؟

رأفت الميهى: أقصد فن الإخفاء. وهو فن أن يكون المخرج موجودا فى الفيلم، ولكنه ليس موجودا فى نفس الوقت. لأن المخرج لو ظهر من خلال الفيلم سيكون سخيفا. ما أريد أن أقوله هو أنه لا يجب على المخرج أن يكون متفلسفا. ولا يجب على المخرج أن يطل برأسه بشكل قوى من خلال الفيلم. على المخرج أن يقدم أفكاره للناس بشكل سلس، ودون انفعال. ففى الفن كما فى أى مجال آخر لا يجب أن يكون المخرج مباشرا فى عرض وجهة نظره على الناس. فكلما كان المخرج متمكنا من مهنته فعليه أن يسعى لتغليفها بغلاف جذاب. أى أن يقدم أفكاره بشكل فنى وراق يتوافق مع أسس الفن الذى يقدمه.

فلسطين: يوسف شاهين يحاول أن يفعل شيئا من هذا القبيل. فهو يطل برأسه من خلال أفلامه، وشخصيته واضحة فى كل أعماله.

رأفت الميهى: يوسف شاهين أستاذى، وهو مبدع حقيقى. وأنا ضد كل الاتهامات التى تثار ضد يوسف شاهين باعتباره مبدعا حقيقيا. يوسف شاهين واحد من الذين وضعوا السينما المصرية على الطريق. وعلى من يهاجمون يوسف شاهين أن يتوقفوا عن مهاجمته. وللعلم، أنا أعتبر نفسى تلميذ فى مدرسة الفنان الكبير يوسف شاهين.

فلسطين: وصل الأمر بالبعض لحد المطالبة بفصل يوسف شاهين من عضوية نقابة الممثلين.

رأفت الميهى: لو حدث ذلك فسأنضم ليوسف شاهين، وأسحب عضويتى من النقابة تضامنا معه. يجب علينا أن نحترم الفن، وأن نتعلم احترام الفن، وأن نتعلم كيف نحترم حق الناس فى التعبير عن رأيها. يوسف شاهين قيمة إيجابية فى حياتنا، وعلينا أن نتعلم كيفية الدفاع عنه، لأن الدفاع عن يوسف شاهين هو دفاع عن الفن، ودفاع عن القيم النبيلة، ودفاع عن التاريخ الفن المصرى، والسينمائى بشكل عام. أما الذين يحاولون أن يصنعوا لأنفسهم تاريخا من خلال مهاجمة يوسف شاهين والمخرجين المبدعين فليس لدينا رد عليهم إلا التجاهل.

فلسطين: أين رأفت الميهى من المسرح؟

رأفت الميهى: عندما يكون فى مصر مسرح فسأفكر فى الاتجاه للمسرح. ولكن للأسف لا يوجد فى مصر مسرح. المسرح المصرى تحول إلى مجرد عروض للرقص، وليته كان رقصا على أسس درامية، بل الغريب أنه لا توجد أى أسس يمكن أن تناقش على أساسها المسرح المصرى. نحن تحولنا إلى مجرد متفرجين سلبيين على ما يحدث. وأنا مع احترامى لكل العاملين فى المسرح لكن ضميرى يفرض على أن أقول أن المسرح المصرى تحول إلى ما يمكن أن نسميه "عرض الرجل الواحد"، نحن ندخل إلى المسرح لا لنتفرج على نص مسرحى أو دراما متكاملة، نحن ندخل إلى المسرح لكى نتفرج على عادل إمام أو محمد صبحى أو محمد هنيدى. أى أننا اختزلنا المسرح إلى شخص واحد فقط هو بطل العرض، وهو الشخص الذى ندخل لكى نتفرج عليه. وهكذا، وصل بنا الحال إلى أننا أصبحنا نتراجع مسرحيا. ما يحدث فى المسرح المصرى لم يحدث فى أى مسرح فى العالم. لم يحدث أبدا أن شاهدنا مسرح One Man Show.

فلسطين: هل تعتقد أن الأفلام التى قدمتها حتى الآن كافية للتعبير عن آرائك؟

رأفت الميهى: أعتقد أننى نجحت إلى حد كبير فى التعبير عن رأيى. وأعتقد أننى لو لم أنجح لما كنت أنت مثلا تجلس معى الآن لكى تتحاور معى. معيار النجاح هو أننى صنعت اسمى، وأعتقد أننى راض عن ذلك.

فلسطين: هل تعتقد أنك صنعت أفلاما لا ترضى عنها؟

رأفت الميهى: لا. لم ولن أفعل ذلك. القضية بالنسبة لى أن اصنع السينما الجيدة. لا يمكن أن اسمح لنفسى أو لأى شخص أن يصنع فنا فاسدا. لأن الفن الفاسد يصنع أخلاقا فاسدة. ولا يمكننى أن أقبل فنا ينحدر إلى مستويات رديئة. هذا لا يمكن أن اسميه فنا. وأنا فخور بكل فيلم قدمته. ولم أقدم فيلما لا أرضى عنه. وعندما أشعر أنه ليس لدى الجديد لأقدمه فسوف أتوقف. أعتقد أننى واحد من الناس المهمومين بالفن وقضاياه.

فلسطين: لكن حال السينما أيضا لا يرضى أحدا.

رأفت الميهى: صحيح. وعندما أشعر أننى لا أستطيع القيام بدورى كفنان فسوف أتوقف على الفور عن العمل بالفن. ولكننى لا يمكن أن أتوقف عن التعبير عن رأيى. لأننى لو توقفت عن التعبير عن رأيى فسوف أموت.

فلسطين: هل مشكلة السينما المصرية تنحصر فى أساليب التعبير؟

رأفت الميهى: لا بالطبع. المشكلة أكبر من ذلك. وهى تمتد لتشمل مشاكل الإنتاج والتقنيات المستخدمة فى المعالجة الفنية، وفى الجمهور أيضا. أى أن المشكلة عامة، وتشمل مجموعة من الجوانب التى تحتاج إلى مناقشات واسعة.

فلسطين: أنت تعتبر واحدا من مخرجى تيار الفانتازيا.. ومعظم أفلامك تعبر عن هذا الاتجاه. وأصبحت الفانتازيا هى الصفة الملازمة لرأفت الميهى.

رأفت الميهى: لا أعرف ما هو سر الربط بين اسمى و الفانتازيا. فلقد قدمت العديد من الأفلام التى لا يمكن تصنيفها ضمن الفانتازيا. فأنا أعتقد أن هناك خلطا شديدا بين الفانتازيا والخيال. ومن جهة الفانتازيا فأنا لم أقدم إلا فيلمين فقط يمكن تصنيفهما ضمن هذا الإطار هما فيلم "سمك لبن تمر هندى"، وفيلم "قليل من الحب كثير من العنف". أما بقية أفلامى فهى تندرج فى إطار الكوميديا التى تجنح إلى الخيال. والمشكلة أن الناس لم تعد تفهم معنى كلكمة خيال، ولم تعد تفهم معنى كلمة فانتازيا. ولم تعد تفرق بين الرومانسية والواقع. وأنا واحد من المؤمنين بالرومانسية. وأعتقد اننى لا يمكن أن نعيش بدون الرومانسية. وأعتقد أن من لا يعيش بدون الرومانسية لا يمكن أن يحب، وهو إنسان تعيس حتى لو كان مليونيرا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى