الأحد ١٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم سمية البوغافرية

رياح الضوء

لم تخمد اليوم ،عاصفتهم بالهراوات كما العادة ولم تحط على أجسادهم مخالب خطافين تنهش بعضهم وتزج بآخرين في سراديب الغيب. دون سابق إنذار، تلقفت أمواجهم أذرع حنونة واستقبلتهم باللحن الشجي وأغدقت عليهم بنسيم الحياة... فهدأ الشارع من عمليات الكر والفر لمدة طويلة.. انساق فيها الشباب وراء اللحن المضبوط إيقاعه على دقات قلوبهم الملتاعة...

حل موعد العرس والشباب المعطلون قافلة متضامنة، سلسلة صلبة متلاحمة الحلقات.. ملتفون حول زعيمهم، بدر الزمان، يهتفون باسمه ويمجدون برنامجه المفصل على قامات آمالهم والناطق بنبضات قلوبهم ... وسواعدهم تنطح في الهواء ترسم شعار الحزب: ساعد مفتول العضلات تتوجه يدا مقبوضة...

انتهت مراسم العرس وقسمت الكعكة وكان لحزب الساعد نصيبا أوفر فيها... فغنى الشباب ورقصوا لعهد الضياء، وشمروا على سواعدهم يهللون وراء زعيمهم الذي لم ينس أحدا منهم إلا وألح عليه بالحضور ومرافقته إلى حيث ينبغي أن يكونوا... إلى ميدان العمل..

عجلات الحافلات تدور والسيد الزعيم في المقدمة يزرع القوة في الشباب ويبث الطاقة في السواعد... والقلوب تتفتح تعانق الهمم والقمم على إيقاع نغماته...

شلت محركات الحافلات أمام جبل أجرب أجرد... مساحة شاسعة جرداء إلا من الحصى والصخور العاتية... مجرى نهر سكن فؤاده من أزمان الأزمان هناك أسفل الجبل تغرقه القمامات وفضلات المصانع...

الزعيم في المقدمة، بذات الحماس الأول، يرسخ ثوابت القدوة ويشيد بالعمل الجاد... والمعطلون يبهت حالهم يستغربون مرامي زعيمهم وسر العمل المطلوب منهم ... استيقظوا على صوت الزعيم:
 في هذه الأرض الطيبة ستدفنون القيد الذي عرق لحم سواعدكم وعرقتم أجسادنا لإيجاد حل يبتلعكم... تبدو لكم هذه الأرض عجوزا لا سبيل إلى إحيائها لكنها بمجرد ما تزرعوا فيها بذرة الحياة حتى تهيج عطاء وحيوية... هي معطلة مثلكم أيها الشباب ... من اليوم إنكم من هذه الأرض وهي منكم فعضوا عليها بنواجدكم... وهذا الجبل أمامكم رمز الصمود سيمدكم بالقوة..

تحركت أقدام المعطلين تتقدم نحوه... صرخ فيهم بأن يلزموا أماكنهم...وتحت بريق ضوء يكسو جثمانه شمر الزعيم قليلا على معصميه... رفع سرواله قليلا حد كعبيه... ألقى ربطة عنقه على كتفه الأيمن... ضرب ضربة بالفأس يحفر الأرض... ارتد عليه الفأس واندلعت شرارة انقبض لها قلبه...ارتسمت بسمة بلهاء على وجهه فابتعد قليلا يكرر العملية... رفع الفأس ثانية ونزل... احتوته شرارة أكبر من الأولى... مسح يديه والغبار على حذائه اللامع فقال للشباب المبهورين: هنا ستحفرون البئر التي ستسقون بها الأرض...

تحركت أقدام الشباب يتبعونه... أشار عليهم بأن لا يتحركوا من أماكنهم وفي البوق ردد..
 أنا وحدي من سيتقدم وسيصلني عنكم تقارير عن صيرورة عملكم...

هدير صوت يهب نحو المكان... رفع رأسه مبتسما ومضى يتقدم بخطوات جبارة والمعطلون قابعون في مكانهم كما المسحورين يرجمون بعضهم بعضا بنظرات الاستنكار والحيرة... التفتوا إلى الحافلات التي تحركت لتبرح المكان وقد أفرغت خزاناتها من مواد العمل...فؤوس، محافير، محاريث، مذار، مناجل...هبوا إليها ليلتحقوا بها فإذا بها تغادر المكان وتبتلعها الجبال فنزلوا على الأسلحة ( مواد الإعمار ) واندفعوا إلى الأمام يقتفون أثر الزعيم وعيونهم تقذف شرارة الموت...

لوح لهم الزعيم من مروحيته يشير لهم إلى شعار حزبه وعلى شفتيه بسمة منتصر أحسن الانتقام من الزمن ./ .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى