الجمعة ٢٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم أحمد مظهر سعدو

في الخضرة والخضر

قديماً قال أحد الشعراء: وصن ضحكة الأطفال يارب إنها

إذا غردت في ظامئ الرمل أعشبا

ولعل الشاعر أراد من قوله هذا مسألتين اثنتين، الأولى: التأكيد على مكانة الأطفال والطفولة في المجتمع، ومدى براءة الأطفال وقدرتها على الإعشاب حتى لو كانت فـي الرمل حيث لا يعشب الرمل أبداً.. والمسألة الأخرى والمهمة أيضاً: الغوص في كينونة الخضرة والاخضرار وإنبات العشب الأخضر، ومدى أهميته للفرد والمجتمع.. فكانت بلاغة ما بعدها بلاغة.. واليوم ونحن نقف ابتهالاً أمام اخضرار البيئة ودورها في أنسنة الإنسان، وروعة المكان، على مرّ الأزمان، فإنما لنؤكد من جديد على ماهية الفعل الخضروي، ودوره في جمالية الطبيعة ريفاً ومدينة، وعلى قدرة الإعشاب والاخضرار في فعل ما يعجز المرء على فعله في الروح البشرية، وانبثاقة الكل الجميل من بين ظهراني واقع فردي لا يأبه كثيراً للخضرة والاخضرار، بل يفعل عسفاً في كثير من الأحيان على طريق الانقضاض باتجاه كل ما هو جمال طبيعي وأخضر.

في بلاد الغرب، وبلاد العم سام – هناك حراك محموم الآن نحو بناءات مستمرة ومتماسكة، لتكوينات اجتماعية منظماتية تسمى بـ - الخضر – و- أنصار الخضر – و- أنصار الطبيعة – وهي في الواقع باتت تشكل هناك وليس هنا ملمحاً أساسياً في بنية المجتمع الغربي برمته وفي جميع سياقاته الفكرية والممارساتية.

لكن المسألة لدينا ما تزال تراوح بالمكـان وتحتاج إلى مبـادرات مجتمعيـة ومؤسساتيـة أفضل وأنجع.. ولعل مبادرة أحد رجال الأعمال من المغتربين الدمشقيين السوريين الذي اقترح مؤخراً على السيد المهندس محمد ناجي عطري رئيس مجلس الوزراء، اقتراحاً جميلاً بإعادة الحياة والجريان والخضرة إلى نهر بردى وخاصةً المسافة ما بين ساحة الأمويين وساحة المرجة، لعل هذه المبادرة تؤتي أكلها على أرض الواقع، خاصةً وأن رجل الأعمال المشار إليه أكد حينها وأثناء انعقاد سوق الاستثمار السياحي وبحضور السيد وزير السياحة أن طبيعة هذا المشروع المقترح تريد أن يكون شريان الخير في دمشق – نهر بردى - معافىً ويعيد الجمال والاخضرار لبيئة دمشق، بعد أن جف وأصبح مجرد ترعة هزيلة تصيب بالحزن كل من يشاهدها..فبردى بلا ماء وهو في قلب دمشق.. وحيث يعيد هذا الاقتراح إلى بردى جريانه ما بين الساحتين بطريقة الدارة المغلقة، أي تأمين مصدر مياه محدد ولمرة واحدة يملأ مجرى النهر ويعيد جريانه وتعاد المياه عبر مضخات وفلاتر من ساحة الأمويين ويستمر الجريان..بالإضافة إلى إنشاء نوافير في مجرى النهر.. وقد تعهد رجل الأعمال- مشكوراً - بتكاليف الدراسة الهندسية كهدية لدمشق.. بالإضافة إلى مساهمته في التكاليف، إذا وافقت الحكومة، والمحافظة على اقتراحه الجميل.

وإذا كانت مثل هذه المبادرات التشاركية مطلوبة وضرورية وتشرك المجتمع ومفاصله بالعمل العام، الذي يخدم الطبيعة والجمال البيئي لدمشق، فإن السلامة البيئية للبلد ما زالت مطلباً ملحاً أيما إلحاح.. والاهتمام بالمشاريع البيئية التي تعيد المياه إلى طبيعتها عبر تطوير مستمر ومستدام من خلال رؤيا استراتيجية متمكنة وواعية لمتطلبات العصر والحياة، في سعي دؤوب لعمل محلي وإقليمي لحماية البشر والشجر، ولتنفيذ الاتفاقات الدولية البيئية كالتنوع الحيوي ومكافحة التصحر والتغيرات المناخيـة وسواها.

حيث ما زالت صحة المواطنين ضرورة وطنية لا مناص منها، ولا حياد عنها، حماية للإنسان والبيئة من الأخطار المحدقة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى