الأربعاء ٢٥ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم هدلا القصار

قصــة شجــرة

سألـني عن تلك الشجرة كما لو انه يراها للمرة الأولى:
سألـني عن وجودها بدهشة شديدة؟
 
منذ متى؟
منذ متى وهي هنا؟ لم أرها قبل !!!
سألني بصدمة وذهول!!!
ناظراً إليها من الأعلى للأسفل ومن الأسفل للأعلى،
متأملاً تـلك الشجرة الجميلـة .
 
وقـــال:
مستغرباً هل يعقل؟
لم اشعر بوجودها؟
ترنح بين الصحوة والغفوة؟
متألماً، شـارداً، مستسلماً .
 
سـألتـه؟ كيف شعرت بوجودها الآن؟
أكنت تظن أنها لم تكن من قبل ؟
قـال: رأيت نفسي جالساً قبالة تلك الشجرة !!ّ
للمرة الأولى على ما أظن !!
ناظراً إليها /متأملاً /متلمساً أوراقها المتناثرة في حوضها،
مستغرقاً بشموخها / ابحث في تربتها الجافة/
سمعت صراخاً مكتوماً، يصدر منها !!
كأنها تصرخ عطشاً/ واصلت البحث عن سنين عمرها متلمساً بأناملي أوراقها،
لأرى، كالكلمات دونت على تلك الأوراق قصصاً وقصصاً فقدت تاريخها .
 
نظـرت إليه بصمـت بــارد:
حـاورتـه نظـراتي عـاتبـة، عـن مـا فعـل بتـلك الشجـرة
الصغير قبل أن تصبح يانعـة،
وجـدت نفسـي استحضـر صـوراً وصـوراً
لـذلك الـرجل لطالما استرقت النظر إليه،
يرعى شجرته، كعاشق يرويها/ يتلمسها براحـة كفيـه
يحتضنها/ ويغنيها/
تميل إليـه أغصانها/ وكأنها في حالة من النشوة
تستنشق عطره/ لم يكن ليغيب عنها إلا قليلا / ليعود إليها كالطفل
حتـى كبـرت تـلك الشجـرة .
 
أتسـاءل اليــوم؟
الـم يذكر هذا الرجل ذالك الخريف المشئوم؟!!
الم يذكر تلك الحالة الهستيرية المجنونة/ عندما طرحها أرضـاً،
قـذف بها خـارجـاً / تدحرجت .. وتدحرجت،/
ولم تبعد عن موطنها
إلا قليلا
 
أصبحت اليوم تحمي نفسها مـن الـذئـاب المـارة /
تراهن على بقائها، لـذاك الساقـي، لا يروي عطشها سـواه/
تضمر أغصانهـا تميلها خوفـا/ تذبل أزهارهـا/ كلما نظر إليها ناظـر/
كي لا يغير مكانها أحـد/ لا تريد أن يلمسها عـابـر/ تنتظر حلـول الظـلام لتختـبئ فيـه .
 
فـي احـد أيـام الشتـاء استسلـمت الشجـرة،
لتلك العاصفة الهوجاء المجنونة، لتدفـع بها لـذاك المنزل
لتسترد الـدفء فيه،
وإذ بي أرى أغصانها قـد تجمدت!!!
كحبيبات الثلج أتـتها من داخل المنزل!!
كصـوت الرعـد تنـذرها بشيء ما قد يحـدث!!
فاكتفت بتلك الأمتار التي قطعتها، لتجعل منها أنيسـاً،
تشبـثت مكانها، دون أن تلاحظها عينـاه .
 
انقضـى فصـل الـربيـع،
لم يكن كربيعها / كما الصيف لم يكن كصيفها/
والشتـاء ليس كشتـائهـا .
ثـم أتـى فصـل الخريـف ثـانيـاً،
وما زالت تتلهف وتتلهف لرؤيـة،
وجهـك
يــديك
صوتــك
عطــرك
ثم عـادت تـروي تربتها من جديد بـدمـوع أوراقهـا،
تصـرخ وتصـرخ أشجـانهـا،
حينا يقـف أمـامهـا/ وهي تحلـم بـدخـول مـوطنهـا
تنتصـب وتنتصـب علـى أهبـة الاستعـداد،
ثم تعـود أحـلامهـا أدراجاً فـارغـة، تتخبط بيـن أحـزانهـا
بيـن رغباتهـا، دون أن يستسلم الأمـل فيها .
 
في ليلـة ربيعيـة/ شمسية/ قمريـة/ هـلالية
تأبطت يـداك أغصانها، جمعت بعض أوراقهـا، لامست خـصر تربتهـا
حملتـها بيـن يـديـك، أدخلتـها حجرتـها القـديمـة الجـديـدة،
وضعتـها فـي زاويـة الغـرفـة، ونسـيتـها!! .
 
أختنـق حفيـف أوراقهـا بسكـون وصمـت!!
كـأدراج العـاصفـة المجنونـة/ تحطمـت كـل أشيـائـها/
سقطـت كـل حـروفهـا/ تبعثرت كلمـاتهـا/ تحـول انتظـارهـا
إلـى مـا لا نهـايـة
 
مـرت السـاعـات كـالأيـام / والأيــام كـالأشـهر،
أفقـدتها كـل الأحـلام المتيقظـة فيها،
لـم تعـد كمـا كنـت/ ولـم تعيـدهـا كما كـانـت تحولت أحلامها،
من رغبـة
إلى شكـوى
إلــى قهـر
تشتكـي غـربتهـا الطـويلـة .
 
خرجـت مـن صمتـي لأقـول لـه:
إن الصـوت الـذي سمعتـه لـم يكـن نــداء،
أو طلبـاً للمـاء، بـل طلبــاً لإعـادتهـا خـارجـاً،
أوتسـألنـي اليـوم عـن سـر تلـك الشـجرة،
آه تلـك الشـجرة، شجرتـك
تلـــك الشـجـرة امـرأتــك

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى