الخميس ١١ أيار (مايو) ٢٠٠٦
خصخصة الخدمات
بقلم شريف حتاتة

قضاء على ما تبقى من قدرات للشعب على الحياة

منذ ثمانينات القرن الماضى انتقل النظام الرأسمالى العالمى الى مرحلة جديدة سميت "العولمة" . فمع التقدم التكنولوجى واجهت الشركات الكبرى فى أمريكا الشمالية ، وأوروبا ، واليابان الاختلال بين تعاظم قدراتها على إنتاج مختلف السلع وبقاء القوى الشرائية للناس دون المستوى المطلوب لاستيعابها .لكن ظلت هذه الشركات تعمل على تضخيم أرباحها وتراكم رؤوس أموالها حتى تتمكن من تخصيص مبالغ متزايدة للوسائل التكنولوجية المرتفعة التكلفة التى تحتاج إليها حتى تحافظ على بقائها فى سوق اشتدت فيه المنافسة.

هكذا دخل العالم فى عهد الشركات المتعددة الجنسيات التى تتجمع فيها رؤوس الأموال من أوطان مختلفة وانتقلت الرأسمالية من مرحلة الاحتكار الى مرحلة العولمة : الى عولمة السوق ، وعولمة المال ، وإخضاع جميع بلاد العالم الى متطلباتها عن طريق استيعاب كل ما يوجد فيها من قدرات إنتاجية ، وثروات طبيعية ، وإمكانيات بشرية . أما ما لا تحتاج إليه فيتم إهماله أو تهميشه أو يترك ليموت على قارعة طريق العولمة .

من هنا جاءت سياسات التكيف والهيكلة فرضها البنك الدولى ، وصندوق النقد الدولى على بلادنا ، وعلى غيرنا من بلاد الجنوب . من هنا جاء إعادة تنظيم الاقتصاد العالمى ، وإلغاء الجمارك ، والضرائب على رأس المال ، والقيود على الاستثمار وتغيير قوانين التأمين ، وقوانين العمل ، واطلاق التجارة الحرة لتصبح بلا ضوابط تحكم هيمنتها وتحد منها .هذا طالما أن هذه التجارة الحرة فى مصلحة هذه الشركات ، وإلا فالحماية الكاملة تفرضها متى وأين تشاء .
من هنا جاءت العسكرة والحروب تخوضها من أجل الأسواق ، والبترول ومن أجل تنفيذ خططها فى التوسع بلا حدود . من هنا جاء إفقار الشعوب والغنى الفاحش للأقلية التى تحكم السوق، وسياسة الانفتاح والخصخصة بدأها السادات وسار عليها مبارك وحكوماته المتعاقبة و الأقلية التى تلتف حوله ، أو تسعى الى توريث حكمه أو الإحلال محله.

هكذا عشنا الخصخصة نهبت حتى الآن 198 من شركات القطاع العام . شردت العمال أو فرضت عليهم المعاش المبكر ، أو وظفت أجيالهم الجديدة بلا ضمانات أو عقود أو تأمينات ، أو رعاية صحية ، أو سكن . رفعت الأسعار ، وخفضت قيمة الجنيه وربطته بالدولار ليعلو أو ينخفض وفقا لما تريده البنوك التجارية الكبرى فى "نيويورك" ، و "لندن" ، و"فرانكفورت" ، و "باريس" ، و "طوكيو" وغيرها . أطلقت المضاربة بالعقارات ، وإيجارات الأراضى الزراعية ، وأسعار مستلزماتها وأثمان محاصيلها فباع الفلاح جاموسته أو نزح نحو المدينة لينضم الى جيش المهمشين والعاطلين الكثيرون منهم خريجى الجامعات والمعاهد العليا وارتفعت تكاليف الرعاية الصحية ، والتعليم ، والسكن ليعيش المواطنون والمواطنات معاناة لا تنتهى.

لكن ما يدبر لنا الآن فى الخصخصة أخطر من كل ما سبقه . الآن يزحف النظام على تأميناتنا الاجتماعية ، على قروش وجنيهات جنبناها للأيام الأصعب فى حياتنا . على البنوك وضعنا فيها مدخرات عملنا فهو يريد أن يهبها للأجانب أو لوكلائهم فى مصر ليفعلوا بها ما يشاءون وليصبح النهب ، والتهرب محميا تحت غطاء الملكية القانونية . الآن يريد النظام خصخصة خدمات التليفونات ، والاتصالات ، والمواصلات ، والكهرباء ، والمياه ، والصحة والتعليم ، أن يضع أصابعه على كل شرايين الحياة . الآن انتقلت الخصخصة الى مرحلة ستمس فيها عشرات الملايين من المواطنين والمواطنات . الآن لن تترك أحدا .

وحتى ينفذ النظام هذه السياسة يراهن على انشغال الناس بمشاكل حياتهم ، على ضعف التنظيمات والأحزاب ، على انقساهم وتشتتهم و انشغالهم فى المعارك الجانبية والفتاوى المفتعلة ، والمعارك الطائفية ، أو انسياقهم وراء قوىالتعصب الأعمى الذى تشيعه بعض القوى الخارجية والداخلية فى بلادنا . لكن الملايين تستطيع أن تدافع عن نفسها . إنها قوة لا تقهر إذا تحركت ، وتوحدت ، وتغلبت على الخلافات ، إذا وعت مصالحها ، وتحركت للدفاع عنها .

لكل معركة نقطة بداية ، ولكل معركة لا بد من انتصار مبدئى إذا ما تحقق يقوى العزيمة ويشير الى الخطوات القادمة . فلتبدأ الحملة دفاعا عن خدماتنا بقضية أسهل من غيرها . بقضية تمس قطاعات من السكان كادحة وتمس فى الوقت نفسه قطاعات واسعة من الطبقة المتوسطة لأن لها نفوذ اقتصادى ، واجتماعى ، وإدارى ، وإعلامى فى المجتمع ، ولأن صوتها يمكن أن يكون عاليا . فلنبدأ بمقاطعة "فاتورة التليفونات" ورفض تسديدها . تلك المعركة التى شرع فيها عدد من الناس أخذ يتسع نطاقهم . ولنبدأ بالتأمينات الاجتماعية لأن هناك جهود بذلها فى سبيلها مواطنون ومواطنات فى عدد من المحافظات . لنصدر البيانات ونكتب المقالات ، ونعلق الملصقات ، ونتحدث مع الناس فى المقاهى ، والحوانيت وفى وسائل المواصلات ليمتنعوا عن دفع فاتورة التليفونات ، وليشكلوا اللجان و المجموعات التى تنسق جهودهم ضد نظام نهب التأمينات الاجتماعية، وضد نظام التأمينات الجديد الذى يعد له، وضد الأسعار المجحفة للتليفونات ، وللكهرباء التى يراد فرضها . ولنكتل الجهود حتىتتحقق الانتصارات الأولى فى الدفاع عن مصالحنا ، و عن حياتنا ،و لنكتشف القوة الكامنة فى الشعب إذا ما وحد جهوده وتحرك بعزيمة تتجدد مع كل معركة يقدم على خوضها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى