الثلاثاء ١٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم أحمد مظهر سعدو

مسلسل ناصر يؤكد: عبد الناصر مازال هنا

تأخر كثيراً ذاك العمل الدرامي الذي انتظره الناس، لينتج عملاً تلفزيونياً يؤرخ ويعالج مرحلة زمنية من أهم المراحل التاريخية الحديثة التي عاشتها الأمة العربية في كنف قيادة فذة كقيادة القائد جمال عبد الناصر..حتى جاء هذا العمل المهم والتاريخي بسمة فنية إبداعية عالية المستوى حيث عرض في رمضان المنصرم عبر العديد من فضائيات وأرضيات الوطن العربي , بعد أن منع في أقنية الدولة في مصر , وهذا ما يدعو لوضع العديد من التساؤلات، لكن الأهم أن هذا العمل الدرامي الذي أنتج في مصر لنص متميز للكاتب يسري الجندي وبإشراف مباشر من الدكتورة هدى عبد الناصر ضمن عملية متابعة لإشراف الراحل لبيب زريق..

وقد جاء الإخراج الإبداعي الأكثر أهمية للمخرج الفلسطيني الكبير باسل يوسف الخطيب الذي اشتغل عملاً ذو أهمية ترك بصماته في تاريخ الدراما العربية على تأريخ مستمر لواقع دراما سورية ومصرية طاولت بنجاحها عنان السماء.. لقد استطاع المبدع باسل الخطيب أن يلامس المعطى السياسي والتاريخي و الإنساني لتلك المرحلة، التي كانت بحق من أهم مراحل الأمة حيوية ودينامية، وقومية، أسست لمراحل بعدها، بفكر قومي عربي نهضوي مازال يحمل بواعث نهوضه لزمن قادم.. كما اختار باسل الخطيب مجموعة فنية من المبدعين في الدراما العربية المصرية و السورية دون نجومية مفرطة , لكن هذه المجموعة التي كان أولها الفنان المبدع (مجدي كامل) الذي مثل وجسد شخصية جمال عبد الناصر أيما تجسيد , واستطاع بقدرات فنية مبدعة عمل بها على نفسه بجهد واضح، ليكون ذاك البطل الذي عرفته الأمة بين الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، راسماً تاريخها الحديث بعنفوان تلك المرحلة, وتعبيره الصادق عن آمال وطموحات وآلام أمة بأكملها, وليستطيع بهذا العمل الدرامي أن يشد جماهير الأمة أمام التلفاز ويضعها متسمرة تشاهد قائدها الراحل وهو يجسد على الشاشة الفضية.

وهي التي عرفته أجيالها في مراحل الخمسينيات والستينيات رجل ذو كرامة، يعبر عنها ويجسد ماهيتها, ويقف كالطود شامخاً في مواجهة أعدائها من استعمار غربي بألوانه كلها.

وفي المواجهة المباشرة لعدو الأمة الأساسي العدو الصهيوني.... باسل الخطيب اشتغل عملاً يحسب له , وترفع له القبعات , فعبر قدرات فنية اتضح فيها عدم امتلاكها أموالاً طائلة ,لا تصل إلى موازنات مسلسلات بدوية معاصرة.. لكنه وبقدراته الإخراجية الساطعة، وإيمانه بقضايا أمته التي حملها يوماً جمال عبد الناصر , وحبه لأمته، استطاع أن ينتج ويخرج عملاً تلفزيونياً قل مثيله، شد إليه الصغير والكبير.. في تجسيد شخصية ناصر من خلال تماه مباشر مع الكرامة العربية المفقودة, وتعلق بشخص كان أمة بحد ذاته, ومسيرة فرد، كان جماعة بقدراته الشخصية والإبداعية, لكن باسل الخطيب جذب المشاهد بقدرته على مزج العمل السياسي التاريخي، والشخوص التاريخية بما يلفها مجتمعياً،من منحى إنساني ,وأنساق اجتماعية ,ومسارات مرافقة لتلك المرحلة تلامس الحياة المباشرة والبسيطة للشعب العربي المصري ,وليلامس جوانية انبثاق الفكر القومي العربي لشخصية - ناصر- التي بدأت ملامح فكرها القومي تتبدى في حصار \الفالوجة \ على تخوم فلسطين التي لم تبرح مخيال عبد الناصر من بدايته إلى منتهاه.. ويبدو أن شح الإنتاج والموازنات المالية هي ما دفعت بالمخرج كي يختزل مرحلة تاريخية من أهم مراحل عبد الناصر، بل من أهم مراحل الأمة التي رسمت مستقبلاتها فيما بعد.. وهي مرحلة ما بعد ال \1967\ تلك الانتكاسة والهزيمة التي جعلت من عبد الناصر بعد استقالته المعروفة ومن ثم إلزامه عبر جماهير (9و10) حزيران ليعود عن تلك الاستقالة، وليبني جيشاً على أسس حديثة، وبقيادة مباشرة من ناصر شخصياً،ومن الفريق /محمد فوزي / الذي أغفل في العمل إلى حد كبير، وما أتى بعدها من عملية إصلاح ديمقراطي، وبناء جدار الصواريخ، وحرب الاستنزاف الشهيرة , ثم البناء الصناعي و الاقتصادي النهضوي لمصر، التي قادها - ناصر- بتعب ملحوظ أخذ جل وقته ,لتصل نسبة النمو الاقتصادي عام \1969\ إلى 9% وهي نسبة لم يصلها الاقتصاد المصري لا قبل عبد الناصر ولا بعده.. وصولاً إلى رحيله المفاجئ وما تركه من أثر سلبي على قيادة الفعل النضالي والسياسي العربي وذلك الفراغ الكبير الذي تركه عبد الناصر برحيله..

لقد كانت مرحلة /67-70/ من المراحل التي تستحق أن يتم الوقوف عندها بحق وإعطائها حقها بالفعل في مسلسل يحكي عن – ناصر- لذلك نسجل هنا أنها السلبية الأهم في هذا العمل المفصلي في حياة المخرج باسل الخطيب، وكذلك في حياة الفنان مجدي كامل، و إذا كان هناك من هنات درامية بسيطة هنا و هناك , فإنها لا تنتقص من جودة وإبداعية هذا العمل، الذي تمكن أن يلامس ما هو أكثر من النجاح بدون الاعتماد على بريق بعض نجوم الدراما العربية،التي عادة ما يعتمد عليها سواه من المخرجين، لتتم تغطية ضعف بعض المسلسلات التي لا تعبر عن واقع العرب , بل تذهب إلى تحليقات فانتازية أحياناً، وبدوية مملة وبائسة أحياناً أخرى ,وكوميديا تهريجية في حالات عديدة..

أما باسل الخطيب وفي مسلسل – ناصر- فقد أمسك بناصية العمل الفني بقدراته الذاتية وقدرات من معه من الكادر الفني بمجموعه , فكان ناصر بطلاً أولاً وأخيراً،وكان عملاً يستحق الجائزة الجماهيرية كله،وليس شخص بعينه، ويبدو أن باسل الخطيب بما عرفنا عنه من قدرات إبداعية قصد أن يكون العمل كله من يستحق الجائزة بمجموع ممثليه وفنييه كاتبه ومخرجه، وكذلك جمهوره الذي أحبه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى