الأربعاء ٢٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم سمية البوغافرية

ورد يحتضر

اختلطت دموع البصل بدموع الضيق... انهمرت غزيرة... غزيرة انهمرت اليوم... يداها تعريان البصلة وذاكرتها تقلب صفحات ما مضى من أيامها وتفرش أمامها ما سيأتي منها... نسخ من أوراق البصل تلف بعضها بعضا.. تساءلت وهي تجفف عينيها بذراعها الأيمن وتغرس أنفها أعلى جسدها مبعدة عنها البصلة قدر ما استطاعت أن تمد يدها اليسرى: لماذا الرائحة الكريهة تمتص الرائحة الطيبة ولا تبقى غيرها في الأجواء؟؟... أين هي رائحة عطري المفضل، في غمرة رائحة البصل التي تغمرني الآن؟؟...

انتشلها من عالم البصل ، صراخ حاد وألقي بها في بحر الهول...
 ماما.. ماما.. دم... دم...

ارتعشت يداها فتناثر طبق السلاطة وسقط أشتاتا عند قدميها وتدحرج جزء من البصلة يسبقها... ركلته بعصبية وهرعت إلى ولديها وهي تجفف دموعها... هدأت روع صغيرها ومسحت قطرات الدم السائلة من أنفه كما مسحت الهلع من نفسيته ثم انقضت على ابنها البكر تحاصره بين يديها.. والفوضى العارمة التي أحدثها في الغرفة تهيج شرارة غضبها:
 لماذا ضربت أخاك؟؟ ما هذه الفوضــــــــ

ند في أذنيها وقع خطوات زوجها ودندنته وهو يدير المفتاح في الباب فحررت ابنها من عقابها ونشبت في زوجها بينما يداها منهمكتان ترتبان ما بعثره ولداها:
 عديم المسئولية... رجال آخر زمن... لا هم لهم غير قتل الوقت في النميمة والجلوس في المقاهي يعيدون رسم النهود والسيقان ....

زم زوجها شفتيه يكبح الضحك ورائحة الطبيخ تهيج عصافيره.. تمطق بلذة وتفرقع تمطقه في أذنها فازداد شريطها لعلعة كأنه ضغط على زر الصوت.. فمضى يترنح ولسانه ينفش سيرة أول الحب كأن أسطوانة زوجته نغمات موسيقية.. أطل عليها من باب غرفة ولديهما وهو يدندن بصوت مترنم:
حبيبتي...
اليوم، عيد زواجنا...
لك عندي مفاجأة...
مفاجأة سارة جدا...

تعلقت حواسها بالمفاجأة، التي بلغتها على بساط عبق الورد، فخرس لسانها ورفرف قلبها يحضن الورد وحامل الورد وعلى شفتيها بسمة دلال ووجنتاها مخضبتان بحمرة الخجل... بخطوات حمامة، سارت تترنح وغرست وجهها في باقة الورد الأحمر التي يخفي زوجها وجهه خلفها...تصافحت عيونهما وتعانقت بسمتيهما وأياديهما تشد على سيقان الورد كأنهما يخشيان أن يخطفا منهما... اخترقت شفاههما الورود الحمراء لترسم وردة على بتلاتها يرقص قلبيهما رقصة عناقهما الأول...

كسحت رائحة الشياط فضاءهما قوية عنيفة... تدفقت من كل النوافذ التي انفتحت على آخرها.. وحدها كالسحاب الكاسح تصول وتجول.. ربضت على الورد الأحمر.. تخنقه.. تعصره.. تشطف رائحته وتلوي رؤوسه بينما العيون جاحظة تشهد لحظات احتضاره...

أبريل، 2008


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى