الثلاثاء ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

وقائع حرب سيبرانية مع ظلٍّي

حسن حلمي محمد عبد الغني

1 –
لستُ مستعداً الآن،
لخوض حرب سيبرانية مع ظلّي .
ظلّي يواجه مأساةً أخرى مع حائط،
فرّ من منزل مع نافذة جريئة،
واستقلّا مسباراً شارداً نحو زحل.
وأنا أواجه مرآة قرمزية حدباء،
مفخخة بموجاتٍ من عصير البرتقال
تنفخ في دماغي هواءً ملوثاً بذكاء اصطناعي.
يطلُّ شبحٌ من البرواز المعلّق في ذاكرتي البلهاء،
ويشدُّني من رقبتي لأدنى نقطة في البوح.
يحاول أن يقبّلني بشوق محموم،
ليعرفُ سر الكراهية بيني وبين ظلّي،
ويطاردني كلما ولّيت وجهي عن المرآة.
المرآةُ لا تصلح كخزانة للأسرار،
حتى أنها لا تستطيع أن تُنْبِت أكاذيب بيضاء.
والظلُّ يكره أن يكون توأمي الوحيد.
الظلُّ والمرآة توأمان لثالث لا وجود له.

2 -
المعركة لم تبدأ بعد..
جيش من الجُسيِّمات الرذيلة تتبعني.
يحشدها الظلُ، مع مزيجٍ من الألوان الدافئة في عيني
ويركلُ مؤخرتي بلون تركوازي شديد التركيز
يتسرّبُ الضوءُ من شقّين مزدوجين،
صنعتُهما خصيصاً لاقتناص موجات جميلة،
تخترق زمناً يختلفُ عن زمن "بلانك" *
الحائط الرابع يصمُّ أذنيه عن قصص الأمس.
يقف الظلُ في منتصف المسافة بين المريخ وزحل
يراقب القادمين من قمر (أوروبا) *.
لعلّه يرى الحائط الذي سرق محبوبته
أغوصُ في لُجّة الصمتِ،
حين أسمع مواء (قطة شرودنجر)*
تستجدي موجة شاردة، لتجيبُها،
عمّا إذا كانت قد ماتت، أم ما زالت حيّة.
أتابع نشرة الأخبار السيبرانية,
وهي تعلن عن حشود من قراصنة شُرّيرين
هزّت الـــ (10 ـ داوننج ستريت ) .

3 -
المعركة حتمية الوقوع
تمتد يدي لتفتح موجةً علّقتُها في جيبي عُنوة
لتجلبَ لي الحظَ، مع أول ابتسامة شاغرة،
كنت قد أجريتُ عليها جراحة عاجلة،
في المشفى القريب من حاسوبي.
تنساب من عيني بعضَ فتاتٍ من خوف قديم
أبحث عن شجاعة ساخنة،
لا زالت مختبئة في قفصي الصدري
أراود بعض دوائر كهربائية مجمَّدة،
 كنت قد تركتها في أحد مراكز الوعي السيبرانية.
تحوم المسيّرات فوق رأسي التي ركنتها بعيداً عنّي
يستعد ظِلّي للعودةِ غاضباً،
متخفياُ في موجة حرٍّ شاردة.
.. والغضبُ لا يعني أنني خائفٌ
سواء كان موجةً أو جُسيّماً ...
فشعاري القديم:
دالة موجية شريدة، وجُسيّمٌ مجهول الوالدين
وهمٌان كبيران لا يُخيفانني كثيراً.

4 -
المعركةُ الحتميةُ قادمةٌ لا محال.
الأرقُ يأخذ مقعده قريباً من ذاكرتي المُعتمَة.
أسمع سيمفونية مجنونة من وتريات غاضبة -
مارشات عسكرية، متبّلة بــ (كواركات) طازجة.
أرى وجوهاً معلّقةً في سقف حلْقي اليابس،
ما زال ظِلّي يجري وراء المسبار السيبراني
تاركاً جسيماته الغبية، لا تملّ مطاردتي.
ويرسل لي كراتٍ همجية من أزمنة شتّى،
توقظ وعيي الغائب عنّي سنيناً -
 كنت قد أرسلته في بعثة دراسية بمركز المجرّة.
يتسرّبُ الزمنُ كقطعٍ من الدم البارد
يتراقصُ فوق صفحةِ حاسوبي الظمئ
يتشكلُ ظِلّي فجأة على هيئة شراسة غبية
ويُعلن عن حربٍ سيبرانية جديدة.
كُتِبَ عليَ القتال إذن, وهو كُرْه لي.

5 –
تمرُّ هجمة سيبرانية بالقرب من دماغي.
لم يعد للسكون معنى في خيالي اليقظ
أطلقتُ دفقة من (كواركاتي) الذكية -
كخطِ دفاعٍ فقد أهليته للتحليق نحو الشمس
فأعاد تمركزه في فضاءٍ قريبٍ من رأسي العفن
أستعدتُ رقمي السيبراني من جديد.
حينما عاد ظِلّي السمج, متخفياً في موجة شاردة.
واجهتُه في شجاعة يائسة, بجُسيّمات مضادة،
تحملُ بعضاً من ملامح وجهي القديم
 كنت قد قايضتُ عليه بمرآتي الحدباء.
ودُستُ على شعاعه الغبي,
حينما مَرَّ من أمامي في خيلائه فجأة.
فجاشَ وجداني بمقطع من نشيد: بلادي بلادي
نثرته على رفاته التعس.
... ثم ابتسمتْ.
إضـــاءات

* زمن بلانك: أقل وحدة زمنية كونية يمكن احتسابها في معادلات ميكانيكا الكمِّ، وسميت باسم عالم الفيزياء النظري ماكس بلانك وتساوي = 1 × 10^ -43 ثانية
* قمر (أوروبا): رابع أقمار كوكب المشترى.
* قطة شرودنجر: فرضية نظرية وضعها عالم الفيزياء النظري أروين شرودنجر ليضع بها تصوراً مختلفاً عن تفسير كوبنهاجن في ميكانيكا الكم ونتائجها المذهلة.
* الكواركات: جُسيّمات أولية، وهي أحد المكوّنات الأساسية للمادة، تظهر فقط حين تفتيت البروتونات.

حسن حلمي محمد عبد الغني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى