الأربعاء ٧ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم لطفي زغلول

يوم عربي .. للمرأة العربية

تحتفل العديد من اقطار العالم بيوم أطلق عليه يوم المرأة العالمي ، وهو يصادف الثامن من اّذار / مارس من كل عام. وهو في حقيقته مكرس لابرازمنظومة التحديات التي كانت ولا تزال شرائح عريضة من نساء العالم يشعرن انهن يواجهنها على كافة الصعد ، وفي المقابل استعراض انجازات تم تحقيقها على مدى عام منصرم ، او أهداف وضعت نصب الأعين بغية تحقيقها.

والواقع أن هذا اليوم يخص كل النساء في العالم ، ويبحث قضاياهن المختلفة بصورة عامة ، والمرأة العربية تحتفل به كونها جزءا من المنظومة النسائية العالمية . وليس ثمة ما يحول دون الاحتفال به على المستوى العربي بعامة والفلسطيني بخاصة مع الاخذ بعين الاعتبار خصوصية المرأة العربية ، وانه ليس بالضرورة أن كل ما تعانيه أو تحلم به وتسعى المرأة الاوروبية أو الامريكية او سواهما الى تحقيقه من أهداف يمكن ان ينطبق بحذافيره على المرأة العربية في الوطن العربي ، حتى وإن كانت بعض المشكلات والاهداف قد تقاطعت ، فلا يعني هذا انها كلها تتقاطع نظرا لاختلاف مخرجات الفلسفة العامة التي تدين بها المجتمعات الانسانية المختلفة .

إلا أن الواقع العربي فيما يخص المرأة العربية يفرض أن يُفرز لها يوم عربي خاص بها تحتفل به بغية إبراز قضاياها مباشرة في قلب الساحة العربية ، وليس على هامش احتفالات العالم بهذا اليوم ، ولا يعني هذا عدم المشاركة فيه . ومرة أخرى لا يعني هذا الطرح الاقلال من قيمة المرأة العربية ، أو الانتقاص من قدرها لا سمح الله ، وإنما تهيئة ساحة عربية خاصة بها وبقضاياها في عقر العالم العربي ، وبين مواطنيه اصحاب الشأن .
وبداية يجب الاقرار ان هناك قضايا ساخنة تخص المرأة العربية بعامة والفلسطينية بخاصة لا ينبغي السكوت عنها ، او الالتفاف عليها أو حتى تجاوزها . ولعل اهمها واخطرها ان لا يظل المجتمع العربي مجتمع رجال فقط ، وهي قضية تخضع للمتغيرات في الوطن العربي وتسير في اتجاه ايجابي مقارنة مع فترات سابقة .

وفي هذا السياق ، فلا أحد ينكر أن المرأة العربية قد حققت انجازات ومكاسب كثيرة في العديد من المجالات . إن المرأة العربية قد أخذت تنطلق إلى آفاق لم تكن تتسنى لها في السابق . وهي انطلاقة تقضي ولو شيئا فشيئا على بؤر التباين والتفاوت في المكانة والحقوق العامة بينها وبين الرجل . وجراء تطور في النظرة العامة للرجل العربي تجاه علاقته بالمرأة على خلفية عدة اعتبارات اهمها التعليم والمكتسبات الثقافية واتساع مساحة الوعي العام ، وبهذا الصدد لا يمكن الاغفال عن منظومة الموروث العقائدي التي تلعب دورا هاما هي الاخرى .

وهنا لا ينبغي التركيز على الرجل ، باعتباره العنصر المانح تأشيرة مرور للمرأة ، دون ذكر إنجازات حققتها المرأة العربية في مجالات التعليم والثقافة والوعي العام لحقيقة شراكتها ، ودورها في تطوير المجتمع . إذ لولا هذه الانجازات لظلت المرأة العربية حبيسة جدران التخلف التي كانت مفروضة عليها ردحا من الزمن .

إلا أنه من الملاحظ أن بعض الجمعيات والمؤسسات النسائية في بعض البلدان العربية ، تطرح موضوعات كالعنف ضد المرأة ، او عدم نيلها حقوقها السياسية كاملة اضافة إلى موضوع المساواة العامة بين الرجل والمرأة كقضايا بؤر ساخنة ومحل شكوى دائمة.

وبداية فيما يخص العنف فهو في اعتقادنا لم يشكل ظاهرة عامة ، والارجح انه لن يشكلها في المجتمع العربي وذلك حسب الاحصائيات الصادرة عن المؤسسات المعنية ، ولعدة اعتبارات تخص قيم المجتمع ومثله .

وهنا يفترض بنا ان نجعل الخلافات الزوجية ، وما ينشأ عنها من نزاعات بين الزوج والزوجة او المشكلات التي تنجم عن الفقر والادمان او تدني المستويات التعليمية والثقافية ، يفترض بنا ان نعزلها عن دائرة مصطلح العنف ضد المرأة كونها امرأة ، وان لا ننجر وراء التهمة الخطيرة غير المدافع عنها علميا ان الرجل العربي يضطهد المرأة ، ويمارس عليها العنف على خلفية جنسوية .

في اعتقادنا ان هذا النهج خاطىء وهو تقليد دون تبصر لما يحدث خارج مجتمعنا العربي الذي تحتل صلة الرحم وعواطف الأمومة والتوصية على الاناث مساحة مرموقة من ذاكرة ذكوره التربوية . واما فيما يخص الحقوق السياسية كحقها في تقلد المناصب السياسية في مؤسسات السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية . فنضال المرأة هنا مشروع ويفترض ألا يعترض عليه أي معترض ، ومع ذلك ننوه أن المرأة العربية لا تشكو وحدها هذا الوضع بل هي ظاهرة ملحوظة حتى في ارقى دول العالم المتحضر .

وفي مجمل حقوق المرأة بشكل ، عام فلا ينبغي أيضا تناسي أن للمرأة وضعا فسيولوجيا يحد من قدراتها مقارنة بقدرات الرجل ، ولكن بشرط أن لا يصل الامر إلى التفرقة في الحقوق الاساسية ، أو إلى حد حرمان المرأة العربية من حقوقها السياسية كاملة . وبهذا الصدد ثمة مقولات كثيرة مشكوك بالنوايا التي تقف خلفها والتي تتمثل في اللمز والغمز على كل ما هو شرقي يمس بمكانة الرجل العربي أو الشرقي بشكل عام .

إن القضية لا ينبغي أن ينظر إليهامن زاوية أنها معركة بين الرجل والمرأة . إنها ببساطة متناهية منظومة حقوق مشروعة ، يمكن للمرأة أن تحصل عليها بأساليب متحضرة تكفلها لها مستويات معقولة من التطور العلمي والثقافي . وهنا يتبادر سؤال ملح : لماذا يظل العلم حجة الرجل في الاستحواذ على كامل الحقوق ؟ . إن العلم بالنسبة للمرأة هو سلاحها للخروج إلى الحياة ، وعليها أن تشهره .

وهنا لا بد لنا أن نطرح بعض ما يفترض في اعتقادنا أن تكون عليه العلاقات بين الرجل والمرأة في مجتمعنا العربي بعامة والفلسطيني بخاصة . فقضية حقوق المرأة لا ينبغي لها ان تكون باي حال من الاحوال مدعاة للتمرد أو التحريض المستندين إلى صراع على خلفية جنسوية ، أو أن تكون تستهدف ابراز السلبيات دون الايجابيات .

كما انه ليس بالضرورة ان ما تشعر به شريحة من النساء من"قهر وقمع" يمكن تعميمه وتطبيقه على كل النساء . وفي اعتقادنا ايضا ان قضايا المرأة لا يمكن ان تحل في معزل عن الرجل في جو من التشنج او التعصب الذين لا مبرر لهما والقائمين على سياسة شد الحبال تغذيها جهات تتخذ من التعصب النسوي "الفيمانيزم" منهجا لها .

فالحل هنا يفترض به ان يكون مشتركا ومبنيا على اسس من التفاهم وهو بطبيعة الحال تدريجي ويخضع للمتغيرات الثقافية والتربوية والتعليمية والاقتصادية والتوعوية بشكل عام ومنوط بما تستطيع المرأة ان تحققه من انجازات على ارض الواقع وعلى كافة الاصعدة تثبت من خلالها قدراتها وكفاءاتها .

وهنا لا ينبغي إغفال نقطة خطيرة للغاية ، تخص علاقة المرأة العربية بالمرأة العربية . ففي كثير من الأحيان كانت المرأة سببا مباشرا لخذلان المرأة ، وعدم انطلاقها إلى تحقيق أهدافها . ومثالا لا حصرا ، في قضية الانتخابات ، والترشيح لعضوية المجالس التشريعية ، حيث كان بالامكان أن يكون لها من خلال حضورها دور فاعل وحاسم في سن تشريعات وقوانين تناصر حقوقها .

ومع ذلك نؤكد هنا على حقيقتين اولاهما ان دور المرأة الثلاثي الابعاد المتمثل في كونها زوجة واما وربة بيت ومدى نجاحها فيه هو الاساس في مكانتها العامة دون ادنى معارضة لمساهمتها في اطر القوى العاملة المنتجة الاخرى . وثانيتهما ان ما حصلت عليه المرأة العربية خلال نصف القرن الماضي مثير للانتباه ولا يمكن الاقلال من شأنه او اهميته ، والاهم من ذلك انه غير متوقف عند حد من الحدود ، وان مساحته العامة آخذة بالازدياد والتنامي مع الايام .

إن معيار القوى الجسدية الذي كان يميز الرجل عن المرأة قد فقد مفعوله جراء كثير من المتغيرات الحضارية ، ذلك ان ثمة قوى اخرى عقلية وابداعية تلعب دورها ولا تميز في جنس مبدعها ذكرا كان ام انثى . وتظل المرأة هي العنصر الاهم والاخطر والاشمل في تربية الاجيال وتنشئتها وبخاصة الذكور منها . وتظل بصماتها التربوية مطبوعة على ذاكرة هؤلاء الذكور وتتحكم في سلوكاتهم تجاه كثير من الاشياء والمواقف والاشخاص . واخيرا وليس اخرا ، ان المرأة العربية تستحق ان يكون لها يوم عربي خالص يؤكد على عروبة قضاياها ووحدتها قبل عالميتها .

وكلمة أخيرة . في يوم المرأة العالمي ، نتمنى أن يكون للمرأة العربية يوم عربي على الأجندة العربية ، تكرس فيه فعاليات مساندة لكفاح المرأة الذي يجب أن يشارك الرجل فيه ، بغية رفع مستواها في كافة النواحي ، ولجعل احترام حقوقها ومكانتها ثقافة تسود المجتمعات العربية .

وهذه الثقافة لا يتسنى لها التكريس ، ما لم يبدأ بها من المرأة ذاتها . فهي الأقدر على نشرها ، كونها هي العنصر الرئيس في تربية النشء ، وتشريبه القيم والاتجاهات الصحيحة . ونحن هنا لا ننكر دور المدرسة والمناهج التعليمية ، ولا دور كل شرائح المجتمع المثقفة .

إن المرأة هي روح المجتمع ، وبدونها يصبح المجتمع أحادي القطب . وبمعنى آخر فإن تطور المرأة هو الذي يقضي على آفات التخلف ، ذلك أن المرأة شئنا أم أبينا هي المقياس والمعيار الأساسيان لتقدم المجتمعات البشرية . والمرأة قبل هذا وذاك هي الأم والأخت والإبنة والزوجة والحبيبة . وهي الجمال والرقة بكل معانيهما وأشكالهما . وكل عام والمرأة العربية بخير وتقدم وازدهار . والمرأة الفلسطينية قد تحررت بلادها ، وحققت أهدافها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى