الثلاثاء ٢٢ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم أوس داوود يعقوب

«أناشيد العودة» ديوان جديد

صدر حديثاً، في العاصمة الأردنية عمان، ديوان شعري باللغتين: العربية والإنجليزية، بعنوان "أناشيد العودة" للشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد، من ترجمة وتحرير الأستاذ كرمة سامي، وجاء الديوان في 157 صفحة من القطع المتوسط.

وهو يحتوي على مجموعة من قصائد شاعرنا الغَزِّي مترجمة إلى الإنجليزية، وهي: (قصيدة للقدس، مع الغرباء، مدينة السلام، صباح الخير..يا غزة، إيمان حجو، في هذا الزمن المهان، فلسطيني، من مآسي الاستعمار البريطاني في فلسطين "قصة"، هذا العام، أسوار، إلى نازحة، من جنرال صغير إلى جنرال كبير، جذور، عيناه نجمتان، الطفل الملثم، طفل فلسطيني، صباح الخير للسجناء، الاستشهاد ضربا، إننا عائدون، صرخة لاجىء، وإننا لعائدون).

ومما جاء في تقديم الديوان:

" فلسطين التي ذهبت سترجع مرة أخرى

بدأ الهدف عندئذ محدداً..

مراجعة ترجمات قديمة لأربع قصائد رئيسة لهارون هاشم رشيد

تصدر ضمن فعاليات الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية 2009.

ثم تنامت الفكرة.. تدريجياً..

اتسع أفق النص ليغنى فيه هارون هاشم رشيد أناشيد العودة بالإنجليزية. أبيات من الشعر الفلسطيني الصافي، عن مدينة السلام التي يحتفل بها عاصمة أبدية للثقافة العربية، يستحضر محمد (ص) وعيسى ومريم وعمر وآخرون من عظماء الأمة.

يغنى مزامير الأرض وشهدائها، من الأبطال والرضع، لزيتون الخير والأعناب والظلال الوارفة، ويلقى تحية الصباح على الأهل في غزة حتى تتحرر أمواجه من أغلالها..

ويمهد دفء كلمات شعره وصدقها الطريق، مفروشاً بالقصائد حتى نعود إلى أرض القصيدة".
ورشيد شاعر قومي عربي من مواليد حارة الزيتون بقطاع غزة بفلسطين 1927م، بدأ حياته المهنية بالعمل في مجال التدريس ثم الإعلام والسلك الدبلوماسي، ووهب شعره للدفاع عن فلسطين منذ تاريخ ظهور أول دواوينه الشعرية عام 1954م، ومنذ صدر ديوان (عودة الغرباء) عام 1956م، أصبحت قصيدة (إِنَّنَا لَعَائِدُونْ) هي بمثابة النشيد القومي الفلسطيني، وهي من القصائد التي اختارها الأستاذ كرمة، ومطلعها:

" عَائِدُونَ عَائِدُونَ إِنَّنَا لَعَائِدُونَ
فَالحُدودُ لَنْ تَكُونْ وَالْقِلَاعُ وَالْحُصُونْ
فَاصْرُخُوا يَا نَازِحُونْ
إِنَّنَا لَعَائِدُونْ
 
عَائِدُونَ لِلدِّيَارْ لِلسُّهُولِ لِلْجِبَالْ
تَحْتَ أَعْلَامِ الْفَخَارْ وَالْجِهَادِ وَالنِّضَالْ
بِالدِّمَاء وَالْفِدَاء وَالإِخَاءِ وَالْوَفَاءْ
إِنَّنَا لَعَائِدُونْ "

و قد صدق الكاتب الراحل جميل بركات عندما أطلق شهادته الأدبية في شاعرنا الغَزِّي، و قد وردت في كتابه (فلسطين والشعر): "أستطيع القولَ بأنَّ الأستاذ هارون هاشم رشيد ابن النكبة، هو أحد الروّاد المنافحين عن القضيّة الفلسطينية بكلّ ما أوتي من عزمٍ. كرَّسَ نَفْسَهُ ليترجم أحاسيس قومه شعراً بأسلوب خاصّ متميِّز، خاطبَ من خلاله الداني و القاصي محذّراً من مغبّة التهاون و الاستجداء و داعياً إلى مواصلة الكفاح حتى النصر، و كأنّهُ يراه قريباً ".
رحلته مع فيروز والرحابنة

يعد شاعرنا، شاعر العودة، فهو من أكثر الشعراء الفلسطينيين استعمالاً لمفردات العودة، العائد، العائدون.. وقد شاءت الأقدار لهذا الشاعر أن يتعايش ويصاحب اللاجئين منذ اللحظات الأولى لهذه المأساة النكبة، فتفجر شعر هارون من هذه التجربة.
وقد غنت له السيدة فيروز ـ من ألحان الرحابنة ـ قصيدة (مَعَ الغُرَبَاء) التي كتبها عن اللاجئين، والتي يقول فيها:

لِمَاذَا..؟
نَحْنُ يَا أَبَتِي..؟
لِمَاذَا، نَحْنُ أَغْرَابُ!؟
أَلَيْسَ لَنَا، بهَذَا الْكَوْنِ
أصْحَابٌ، وَأحْبَابُ؟
أَلَيْسَ لَنَا أخِلَّاءُ
أَلَيْسَ لَنَا أحِبَّاءُ؟
لِمَاذَا..؟
نَحْنُ يَا أَبَتِي..؟
لِمَاذَا، نَحْنُ أَغْرَابُ!؟

كما غنت له فيروز أيضاً قصيدة "سنرجع يوماً" ـ والتي تنسب كـ(نص شعري) خطأً، في كثير من الأحيان، للرحابنة ـ يقول مطلعها:

سنرجع يوماً إلى حينا
ونغرق في دافئات المنى
سنرجع مهما يمر الزمان
وتنأى المسافات ما بيننا
فيا قلب مهلآ و لا ترتمي
على درب عودتنا موهنا

كذلك غنت لشاعرنا الكبير كلاً من المطربة فايدة كامل، ومحمد فوزي، ومحمد قنديل، وأسماء كبيرة أخرى من التي كانت في ذلك الوقت.

استنهاض المشاعر والهمم

شكل هارون هاشم الرشيد علامة بارزة في أدب النكبة، وهو من الرواد الأوائل في هذا المضمار، وهو يمثل التيار الواقعي في الشعر العربي الفلسطيني، وقد استخدم الأسلوب القصصي في بعض قصائده، وهو يمثل مرحلته أصدق تمثيل، موضوعياً وفنياً.

والقارئ لأعمال الشاعر هارون هاشم رشيد يلحظ أنه أرخ في أشعاره لمراحل تحول القضية الفلسطينية منذ أن وعيها بداية من مظاهرات الثورة الأولى عام 1936م مروراً بالنكبة والإنتفاضات الفلسطينية وإلى الاعتداء الحالي على هوية القدس العروبية، وارتبط شعره في وجدان أجيال من قراء الشعر ومستمعي إذاعة صوت العرب في الوطن العربي بطقوس تخليد الشهداء وقصص البطولات التي نسيها التاريخ الرسمي وأحلام العودة، ومن أبرز ألقابه "شاعر فلسطين القومي وشاعر النكبة وشاعر الثأر وشاعر العودة وشاعر الثورة ".

وقد أبحر رشيد بشعره في رحلة مستمرة إلى اليوم، وعلى صفحة البحر الفلسطيني نسج عذابات اليتم والقهر والتشرد بكل جوارحه، لكنه ربان ماهر يسبح في قصائد الرقة والحنين حيث نجد النوارس البيضاء، ومفردات الأمل من المستقبل، وأناشيد الغضب والكفاح، حيث يعبر عن نبض الأجيال المؤمنة بالنصر الآت لا محالة.

وشعره مملوء بالرومانسية الوطنية التي تغنت بها الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج، لما فيها من قدرة رائعة على استنهاض المشاعر والهمم، ومقت للغزاة، وعشق للحرية والحياة بشرف وكرامة، ويلاحظ أن قصائده بقيت في إطار القصيدة العمودية أو شعر التفعيلة، ولم تلج القصيدة الحديثة ؟

وقد تأثر رشيد بالشعراء الذين سبقوه على الساحة الشعرية في فلسطين منهم إبراهيم طوقان و عبد الرحيم محمود و عبد الخالق مطلق، فمثلما أخذ أو تشبع أو دخل حِسَّه الداخلي أبو تمام والمتنبي وامرؤ القيس كذلك كان إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود، وحتى شعراء المهجر اللبنانيين وربطته علاقات قوية مع عمر أبو ريشة ونزار قباني ومحمود حسن إسماعيل وأحمد رامي، كل هؤلاء كان بينه وبينهم علاقات وطيدة وحب كبير، كان يتأثر ويؤثر بقدر ما يستطيع، لم يكن يعيش في برج عاجي لا بالنسبة لقضيته ولا بالنسبة للشعر والشعراء الموجودين. كتب شاعرنا هارون هاشم رشيد أكثر من عشرين ديواناً وخمس مسرحيات إلى جانب الرواية والسيرة الذاتية والمسلسلات الإذاعية، وله دراسات شعرية منها: (الشعر المقاتل في الأرض المحتلة، المكتبة العصرية، صيدا، 1970م)، و(الكلمة المقاتلة في فلسطين، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1973م).

* تنويه:

نشرت هذه المادة في موقع "بيت فلسطين للشعر"، بتاريخ: 2 كانون الأول (ديسمبر)2010م.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى