الثلاثاء ٢٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
ورثة الإنتظار

مجموعة قصصية للأديب عبد النور إدريس

عن سلسلة "منشورات دفاتر الاختلاف" في عددها الثالث، يناير 2007 ، صدر للكاتب المغربي عبد النور إدريس مجموعته القصصية الأولى التي اتجهت في صدورها من البحر الرقمي إلى الضفاف الورقية ، و تحتوي المجموعة على 88 صفحة، اختار لها القاص كعنوان " ورثة الانتظار" ، تضم بالإضافة إلى تقديم الدكتورة زهور كرام الروائية والناقدة المغربية ، دراسة قيمة للمجموعة من طرف الأديب والناقد د. نور الدين محقق .

كما تضم المجموعة القصصية "ورثة الإنتظار" عددا من النصوص القصصية بلغت 16 نصا تمتد فترتها
الزمنية من سنة 1992 إلى سنة 2006 .

وتعالج المجموعة عبر بناء الشخصيات التي تتحكم فيها إرغاماتها الاجتماعية والثقافية حقيقة فلسفية عمل الكاتب على تسريدها لملء الوعاء الوجودي للشخصيات والأحداث، والتي تنتظر أن تكون حاضرة في وعي الأشياء وتحاول أن تستوعب تغيرات العالم الخارجي وعلاقته بعوالمها الداخلية ، وإذ تنهجس شخصيات المجموعة بالعالم المحتمل والخائلي ، فهي تضمر إمكانات بشرية في داخلها للانفصال عن واقعها، و دليلها إلى تجاوز النسق الواقعي والصور النمطية المسكوكة ، استعانتها بحلم اللغة وتوحد رؤيتها الوجودية في التطابق الحاصل في نصوص المجموعة ما بين الفعل الشعري الحالم والفعل السردي الواصف حيث يستطيع الشاعر أن يكون ساردا بامتياز.

هذا وينتظر القاص والشاعر عبد النور إدريس عضو اتحاد كتاب الأنترنت العرب ، صدور مجموعته القصصية الثانية تحت عنوان " جمجمة مُفخَّخة" وصدور ثلاثة دواوين شعرية سبق أن نشر جل قصائدها بشبكة الانترنت ،الأول تحت عنوان " صهيل الأسئلة والجسد" الثاني تحت عنوان " تمزُّقات حب نتِّية" الثالث تحت عنوان " خرائط التاج"

مقدمة الناشر


تقديم: الدكتورة زهور گرام

تعرفت على الكاتب "عبد النور إدريس" في بداية الأمر باحثا، طموحا في ممارسة البحث العلمي من خلال وحدة التكوين والبحث "المرأة والتنمية" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس. ثم تتبعته عبر المواقع الإلكترونية شاعرا، مواكبا لتحولات التجربة الإبداعية وهي تشهد حرية تجليها الرقمي. وأنا اليوم أتعرف عليه حاكيا، صانعا للقصة القصيرة بطريقة تكاد تخرج عن المألوف في التشكل النصي.

اعترف أني قرأتُ " ورثة الانتظار" عدة مرات، وما كان يدفعني إلى العودة إليها، هو أن لحظة الانتهاء من كل قراءة تترك في نفسي حالة من الشعور بالانفلات.

شيءٌ ما ينفلتُ من القراءة، وهي توشك على احتواء الحكاية نصا.

اعتبرتُ المسألة في صالح المجموعة القصصية، لأن مطمح كل كتابة أن تحيا من تجدد قراءتها. تجددها هو ماؤها الذي به تحيا فتنتعش، منطلقة تكشف خفاياها وسر اكتمالها معمارا حكائيا.

لم أخدش رغبة العودة المستمرة بسؤال الانفلات وسببه، وإنما ارتأيتُ أن تمنحني قراءة نصوص "عبد النور" منطق قراءتها، وهو منطق لاشك أنه قادِمٌ من طريقة احتواء المواضيع، التي ألفناها، ولكنها داخل نصوص هذه المجموعة تأخذ شكلا جديدا لتحدث في شكل القصة مرونة فنية وبنائية، تؤكد أن جنس القصة هو جنس طيّع بامتياز، يتلوّن بتلوّن حالة الإنسان. وعندما يتعلق الأمر بسؤال الوجود والحياة، ويصير القلق مظهرا يرافق إنسان هذا العصر، عندما تصبح الحالة مشبعة بتلوينات هذه الأسئلة، تصبح بذلك لحظة الاغتسال منها، والكتابة عنها هي لحظة محاولة بنائها رغبة في إدراكها.

" ورثة الانتظار" نصوص تسكنها شخصيات تحضر حالات على عتبة الانتظار. الانتظار باعتباره حالة تسرق عمر الإنسان " ورثة الانتظار" انتظار اكتمال الحلم و تحقيق الوصال، الارتواء بطعم الأمان، محاولة إيجاد عمل وآكل قطعة خبز كريمة ، الارتقاء بالحلم إلى رغبة في كتابة قصيدة تحت وهج اللحظة.

نصوص تسكنها حالات تقيم في لغتها وابنتيها وزمنها. وبهذا، أثرت الحالات في شكل معمار القصص، التي تصدع وصالها مع القارئ الذي ألف المشي في بناء يقوده إليها قنديل السرد الذي وإن تلوّن فإنه يضيء خط الحكاية. هنا، في " ورثة الانتظار" فتت الشعر السرد، وتشظت الحالة، وجاء الزمن مبعثرا يعكس حالة القارئ قبل حالة الشخصية الحاكية أو المحكية. لأن القصة عند "عبد النور إدريس" لا تستمد اكتمالها من حيّزها النصي، وإنما من امتدادها خارج هذا الحيّز وارتوائها بحالة القارئ. ربما من هنا جاء الإحساس بالانفلات في القراءة الأولى.

" ورثة الانتظار" حكي مكتوب بنفس شعري، وبطريقة تشعرنا أن ساردها، أو الذي منحه إمكانية تحميل الحكي إلى واجهة المكشوف، يدرك الحالة بمنطق الشعر. ولهذا، فهي نصوص لا تقدم نفسها مكتملة في دفعة سردية واحدة، إنما من النوع الذي فيما هو يُقرأُ يتشَكَّل. وبالتالي فشكل القراءة وزمنها، وكذا درجة الإصغاء إلى الحالات الحاكية و المحكية التي تعبر بالنحيب اللغوي في هذه القصص هو الذي يدفع بالحالة إلى الاكتمال القصصي، لأن المساحة التي تتحرك فيها أغلبية نصوص "عبد النور" تمتد في آفاق شعرية وفلسفية ووجودية قد تكون لها علاقة مباشرة بالمؤلف "إدريس عبد النور"، وقد تكون لها علاقة بنوعية سارد هذه القصص.

إن أغلبية ساردي هذه النصوص توجد قلب اللغة، وهي بهذا تعلن خرقا لمفهوم السارد المألوف الذي تعوّدته الذاكرة لسرد الحكاية عبر اللغة. يتوازى هنا منطق التعبير الشعري ومنطق السرد. أنتج هذا الوضع التعبيري نصوصا قصصية، تُشعر كل مقترب منها أنه جزء من حالاتها. وهذا ما يجعلنا نشعر أن جزءا من الحكي يوجد خارج مساحة النص السردي، يوجد في هذه المساحة الشفيفة التي يتحرك فيها بشكل عام الشاعر.

تبعا لذلك، لا نصل – سرديا – إلى بؤرة الأحداث إلا بالتواءات سردية، حيث نمشي في سراديب الحالة والحلم، والدهشة والانتظار. يقودنا إلى كل هذا، النحيب اللغوي السردي المطعم بالنفس الشعري والذي صَعّد إيقاع الحكي عن الحالة ولهذا، نلاحظ أيضا أن هذه النصوص لا توهم القارئ بإمكانية امتلاكها للمفهوم المنفذ من ظلام المعنى، مثلما حدث مع مفهوم الحرية الذي حكته النصوص بطرائف سردية مختلفة. إن مطمح النصوص هو الدفع بالشخصيات إلى التعبير عن حالاتها في بساطتها، وفي تعقيداتها. ولهذا، فهي نصوص لا تخرج عن شرعية التعبير الإبداعي بشكل عام، في أن تكون لها القدرة على مرافقة الأنين والوجع، المرارة والقلق، لتأطيره حالة ضمن بناء فني قد يُنتج إدراكا يكشف المستور.

تعكس مجموعة " ورثة الانتظار" القصصية للكاتب الطموح "عبد النور إدريس" الحالة التي أصبحت عليها القصة القصيرة بالمغرب باعتبارها جنسا أدبيا يعيش التحول المستمر تبعا لتحول الحالة الإنسانية. ولا شك أن المشهد القصصي المغربي يعرف راهنا تجارب جد ملفتة للنظر، لكونها تمارس انفتاحا مرنا على السرد واللغة والحكي، وتقترح لحظات مختلفة للقراءة، تدفع من خلالها القارئ إلى الاقتراب منها بإصغاء كبير.

كانت رحلة حكائية وفنية ومعرفية و جمالية في نصوص "عبد النور إدريس"، رافقتها متعة القراءة ودهشة اكتشاف شكل آخر للقصة المغربية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى