الثلاثاء ٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم محمد التفراوتي

تجربة الإمام محمد عبده

انضاف الى الساحة الثقافية العربية كتاب "العمل الأهلي حياة الأمة..تجربة الإمام محمد عبده" لمؤلفه الدكتور مجدى سعيد.

ويحدد الدكتور مجدي سعيد من خلاله منتوجه الجديد " العمل الأهلي حياة الأمة.. تجربة الإمام محمد عبده" الفضاء العام في مصر على مستوى تزايد النفوذ الأجنبي في مصر و تزايد النفوذ الاقتصادي للأجانب في مصر و تزايد النفوذ الثقافي والاجتماعي مع تزايد نشاط التعليم الأجنبي في مصر وكذا تزايد نشاط الجمعيات الخيرية الأجنبية، وما رافق ذلك من تدهور فى الحالة الاجتماعية ، والاقتصادية لعموم الشعب المصري، تدهور حالة التعليم في أعقاب الاحتلال.

مستجليا العوامل التي دفعت الإمام محمد عبده للإصلاح من خلال العمل الأهلي منطلقا بالإصلاح عبر التعليم وإتخاذه محورا لحياته و مقاومة مشروعات الاحتلال والنفوذ الأجنبي.

وتتمثل جهود الامام عبده ،يضيف الدكتور مجدي سعيد ، في سياق العمل الأهلي في الجمعيات الأهلية قبل النفي من قبيل جمعية المقاصد الخيرية (1878)و جمعية المساعي الخيرية (1881)و جمعيات أهلية في المنفى وهي جمعية التقريب بين الإسلام والمسيحية- بيروت (1884)و جمعيات أهلية بعد العودة إلى مصر وهي الجمعية الخيرية الإسلامية (1892) ثم جمعية العروة الوثقى بالإسكندرية (1892) و لجنة الهلال الأحمر (1898) و جمعية إحياء الكتب العربية (1898) وكذا فكرة تأسيس الجامعة الأهلية المصرية (1905).

وافاد الدكتور مجدى سعيد كذلك أن الحرية بشكل عام هي مفتاح الإصلاح في مصر فقد تعالت الأصوات في السنوات الأخيرة في مصر مطالبة بالإصلاح ورافعة شعاره، وانحصرت مطالبات الإصلاح في معالجة أسباب ما نعيشه من فساد واستبداد من رفع حالة الطوارئ وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات إلى غير ذلك، وهذه كلها مطالب لا غبار عليها ، ولكن ما أهمية أن نطالب بانتخابات نيابية ورئاسية حرة تقام على بنية هشة عملت فيها عوامل النخر والإفراغ من المضمون لأكثر من نصف قرن، مما باعد بين الناس وبين ثقافة ممارسة الحرية والتدافع السلمي وخنق التعددية الاجتماعية والتي تمثل الأساس الحقيقي لأي تعددية سياسية يراد لها أن تكون حقيقية لا ديكورية وتكون هي الأساس في نهضة الأمة واستقلالها الحقيقي.

ويذكر الدكتور مجدى ما جاء في ورقة المستشار البشري "منهج النظر في أسس البناء الديمقراطي والتعددية ومؤسسات المجتمع المدني"، والتي يقول فيها "إن الحديث عن الديمقراطية أو عن التعددية هو في عمومه حديث عن "المؤسسات" في المجتمع، أي الهيئات التي تنظم الجماعة في عمومها أو في تكويناتها الفرعية، أقصد بالجماعة في عمومها الجماعة السياسية التي تتكون "الدولة" على أساسها.

وأقصد بالتكوينات الفرعية: الجماعات الثقافية أو المهنية أو الإقليمية أو العرفية أو الاقتصادية، والتي تندرج في الوعاء العام للجماعة السياسية.

والذائع في بلادنا في الحقبة الأخيرة هو الحديث عن التعددية، باعتبار أنها تعني تعدد الأحزاب، وتعدد منابر التعبير عن الرأي السياسي، وذلك في مقابل نظام التنظيم السياسي الواحد الذي عرفته هذه البلاد منذ الخمسينيات، وفي أول عهود الاستقلال السياسي فيها.

فالتعددية الحزبية تستلزم تعددية مؤسسات الدولة واستقلالها وفي تصوري أن التعددية هي شأن لا يقوم النظام الديمقراطي إلا به، وهي ليست مقصورة على التعدد الحزبي، بل إن التعدد الحزبي مشروط بغيره من ضروب التعددية في المجالات الأخرى. ومع التعدد الحزبي يتعين أن يقوم تعدد في مؤسسات الدولة يتوزع عليها اتخاذ القرار العام والقيام بالعمل العام" ثم يقول تحت عنوان "التعددية الاجتماعية أساس التعددية السياسية": ثم بعد ذلك يرد تعدد التنظيمات الاجتماعية للجماعات الفرعية، وهذه الجماعات تمثل التكوينات الوسطية بين الجماعة العامة التي تقوم الدولة على أساسها وبين الأفراد، وهي الكفيلة بجمع الآراء الفردية وتنظيمها، وإقامة وجه من وجوه الإدارة الذاتية لكل من الجماعات، وهي – أيضًا - الكفيلة بتنظيم القوى الشعبية المتنوعة، وإقامة نوع من التوازن بين هذه القوى وبين السلطات المركزية، أي إقامة نوع من التوازن بين هذه القوى وبين السلطات المركزية، أي إقامة نوع من التوازن بين الجماعة السياسية الكلية المعبر عنها من الدولة وبين هذه المكونات الفرعية في تكاثرها، بحيث تعبر كل منها عن ذاتها.

وأتصور أن هذا النوع الأخير هو ما عليه المعوّل في نجاح أو فشل وجوه التعدد من النوعين الأولين". ومن ثم فإننا نقول بالفم الملآن أنه لا ديمقراطية حقيقية بدون مجتمع أهلي حقيقي، ولا معنى لتعددية سياسية بدون تعددية اجتماعية اجتماعية حقيقية، ولا مجتمع أهلي ولا تعددية اجتماعية حقيقيتان بدون مجتمع حر وحي.

وإذا كنا الآن وقد تجاوزنا عتبة القرن الحادي والعشرين بتسعة أعوام ولا زلنا لا نرى مظاهر حقيقية تدل على حياة مصر بحياة مجتمعها الأهلي، وقد أغمدت فيه السلطات "الوطنية" المتعاقبة بعد "الاستقلال الموهوم" سيوف قوانين وإجراءات التسلط والاستبداد التي قضت عليه، بعدما كان الرواد وزعماء الأمة المصرية الأوائل قد نفخوا في هذا "المجتمع الأهلي" روح الحياة بكلماتهم وجهودهم منذ أكثر من قرن.

ويبرز دكتور مجدى سعيد مساعي الإمام محمد عبده حيث جاء مبشرا- عام 1880 فى جريدة "الوقائع المصرية":

"إن مما تثلج به الصدور، وترتاح له النفوس، ويبعثنا على الثقة بحسن مستقبلنا ما نراه من إقدام أبناء قطرنا على الأعمال الخيرية، وجدهم ونشاطهم في تأليف الكلمة، وضم الشمل، واتحاد المقصد لنجاح البلاد وتقدمها، وأخذهم بالوسائل الحقيقية التي تؤدي إلى ذلك، وإن سبقنا إليها سكان الممالك المتمدنة، وبلغوا بها آمالهم من الثروة والقوة وكمال السطوة، وهي إنشاء الجمعيات الخيرية المتعددة، تختلف أشكالها وتتحدد مقاصدها، وتتعدد أماكنها وطرق سيرها، وتتفق غاياتها وفوائدها، فتكون على تنوع وظائفها بمنزلة بدن واحد ذي أعضاء مختلفة، يقوم كل عضو منه بما يعود على البدن كله بالصحة والقوة"

مبرزا تجربة الإمام عبده الذي عرف بآرائه الإصلاحية في المجال الديني أكثر مما عرف بجهوده الاجتماعية من خلال العمل الأهلي، والتي قدمها لعلها تكون هادية للأجيال لتسلك سبل تحرير ذلك المجتمع.

يشار إلى أن هذا كتاب" العمل الأهلي حياة الأمة.. تجربة الإمام محمد عبده" سبق الدكتور مجدي سعيد أن قدمه كورقة بحث في إطار احتفالية مكتبة الإسكندرية بمئوية الإمام محمد عبده في الفترة ما بين 4-5 ديسمبر 2005، ونشرت ضمن مجلد الأعمال الكاملة للندوة في 2009 عن دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى