الأحد ١٩ شباط (فبراير) ٢٠١٧
بقلم جورج سلوم

لذة الخيانة

هل للحبّ نهاية ؟..إن كان الجواب نعم فأنا أعلنُ اليومَ أنّ حبّي قد انتهى ..وولّى واضمحلّت جذوته وخبا نورهُ...

تبدأ نهاية الحب مع مخاضٍ من المشاحنات الزوجية تُردي إلى تضخّم مساوئ الشريك وتضاؤل محاسنه...وبعد ذلك المخاض يولد الكره كطفلٍ لقيطٍ مجهول الأب، وتتفاقم البغضاء حيث تنقلبُ الحرارة بروداً...والحنينُ حقداً والارتعاش جموداً..

يخونني كلّ يوم... عندما يشربُ قهوته لوحده صباحاً ...وعندما يذهب دون أن يودّعني ..وعندما يشرد ويدخّن ويزفر دخانَ سيجارته بلا مبالاة وكأنه ينفخ في وجهي..

يخونني ويقتلني بتجاهله المتعمّد لوجودي... وكأنّه يريد أن يلغيني من حياته لو استطاع إلى ذلك سبيلاَ..

أصبح مجهولاً بالنسبة لي كشخصٍ جديد زُرع في حياتي ..كنباتٍ طفيليّ ينمو ببطء في بستاني وقد يغتالني ذات يوم.. يغلق الباب عندما يغيّرملابسه. يستسلم للنوم بعد أن يتأكد من إغفاءتي... ويستيقظ قبلي بزمنٍ ليغوص في وحدته وشروده وقهوته وتبغه...

أصبحتُ بلا شك ظلاً كريهاً في حياته ...وأنا أراهُ اليوم في البيت ضيفاً ثقيلاً أسعدُ بمغادرته وأحزنُ بمقاربته...

أنا هنا... أنظرْ إليّ يا قاسٍ.. أتزيّن وأتعطّر وألمّع بشرتي... وأشحذُ مشاعرَ الأنثى في داخلي كلّ ليلة.. ثم أتركها تبرد على جدار الإهمال والنسيان...

تشغلهُ امرأة ما بلا شك..سرقته منّي وملكتْ روحه..

هنيئا لكَ بها ..لكنْ أعتقني من سجنك وأطلقني من قيدك ..اشطبني من دفترك وامحيني كغلطةٍ شذّ بها قلمك ...وليسقط ذلك الخاتم الرّخيص الذي يربطني بك كصكّ العبودية... لن أبكي عليك بل أبكي أيامي ولياليّ التي انصرمتْ تحت جناحك...

تقلّبْ في أحضانها ما شئتْ.. وتمرّغ على أعتابها كدودةٍ دبقة لزجة..لكنّي سأنتقمْ لإخلاصي وكبريائي وحبّي الضائع..لاتنسَ أنني محاطةٌ بالرّجال يطيرون حولي كالذباب ويشتاقون إلى شهدي...

لابأسَ إن أظهرتُ عنقي وكشفتُ نصفَ صدري للشّمس...لابأسَ إن قصّرتُ ملابسي للرّيح... لابأس إن فجّرتُ أنوثتي للغير طالما أنت تسفحُ رجولتك على أعتابهن...

هدهدني أيها الحبّ أنّى اتجهتْ وأنى حللتْ... ارتعشي يا نفسي واشربي من كؤوس اللذة حتى الثمالة... وغوصي حتى الأعماق في حلاوة النشوة... ثم عودي إلى بيتك طاهرة شريفة... لاولكنْ خائنة.

لقد اجتمعت الخيانة والشرف في جسدي... وكأنهما وجهان لعملةٍ واحدة تحمل نفس القيمة في السّوق كيفما انقلبتْ...

ويبقى الذهبُ ذهباً إن كان في حوزة اللص أو جعبة الناسك...أنا قطعة من ذهب عزيزة كريمة أتنقل بين الأيادي المتلهّفة إليّ بعد أن لفظ زوجي الكنز الذي يملكْ. وقد وجدتُ قيمة جسدي في السوق السوداء.. هناك حيث يُطرحُ الشرف وتداسُ الأخلاق على قارعة الطريق ويسجدُ الضميرُ صاغراً أمام جبروتِ المادّة... هناك في عالم الظلّ عرفتُ لذّة الانتقام... بالخيانة..

أزهرتْ في بيتي أشواكُ الشكّ ونمت طحالبُ الارتياب حول سرير الزّوجية المقدّس... وترعرعَ العذابُ بين الفعل وردّ الفعل... وضاعتِ الحواجزُ بين الفاعل والمفعول به ...واختلطتِ الأوراق بين الحال والتمييز حسب ظرف الزمان والمكان ...وغدت كلّ الافعال ناقصة في بيتي....
هناك حيث أعمل لديّ الكثير منهم.. رجالٌ مستعدون لخيانة زوجاتهم بالقولِ او بالفعل.. بنظرةٍ او بابتسامة والكلّ يملك مؤهّبات الخيانة وجاهز لها يمنعه حاجزٌ بسيط يسهلُ اختراقه... عندي الوسيم والدميم والطويل والقصير والبدين والسقيم ...كلهم يبحثون عن غيرِ ما ملكت أيمانهم ..

وأنا في وحدتي وغربتي أطبع صورة أحدهم في مخيلتي وأعود بها إلى مخدعي البارد وعندها تبدأ أحلام اليقظة... وبعد أن تنسدل الستائر ويخفت نور الكهرباء... وأسمع غطيط زوجي النائم خارجاً على الأريكة... عندها أتزيّن وأتعطر وأرتدي لباس الحب ..وأقدم فروض الطاعة للآلهة عشتار.. فتبدأ ليلتي الحمراء ...قد يأتيني على حصانٍ أبيض أو في سيارة فارهة فيخطفني بعد أن يُردي نصف عائلتي بسيفه ...فيردفني خلفه على جواده المسحور وتتطاير خصلاتُ شعري ونصف ملابسي بسبب الرّيح العاصفة وسرعة الجوادِ الطيّار ..وقد يحطّ بنا في مكتب المدير أو في شقةٍ مسحورة رأيتها في فيلمٍ عاطفيّ أو في يختٍ فخم الأثاث ضائعٍ في عُرضِ البحر... هناك أدلل نفسي وأرقصُ على أوتار الحبّ حتى الثمالة ..ثم استسلم للنوم مجهدةً راضية... ولكن خائنة.

وعند الصباح لا أنسى أن أقرص وجنتي وعنقي وكتفي.. و.. و.. لأتباهى أمام زميلاتي المحرومات بكدمات الحب اللذيذة ..وكل بقعةٍ منها لها قصّة ورواية أسوقها كيفما شاءَ خاطري الزّاخر بالأحلام ..

سعيدة أنا بخيانتك وراضية الآن بانتقامي... ملوثٌ أنت بقذاراتك ونظيفة أنا بالرّغم من كبواتي بين الفرسان.. وداعاً ياليالي القلق والسّهاد وأهلا بلذة الحب الدافئ الذي يشعلُ الحنايا ويبلسمُ الجراح... لقد أصبح جسدي الآن صديقي وملاذي أعرف مفاتيحه السّرية وأعرف كيف أخرج مكنوناته الأنثوية على مذبح الحب...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى