الثلاثاء ٧ أيار (مايو) ٢٠٢٤
بقلم صافيناز مصطفى

أمل تتحدى طلقة النهاية

مع رنين صوت العصافير الهادئ الذى بدأ يصل إلى مسامعها وسطوع خيوط الشمس التى باتت تتفق عبر النافذة الزجاجية وكأنها تلوح لها انه بدأ يومآ جديد من حياتها وعليها أن تحياه مهما كان فيه من تحديات أو مصاعب بدأت أمل تفتح عينيها بصعوبة وهى نصف نائمة إلى أن بدأت تستيقظ تتدرجيا وبدأت أنفاسها تتلاحق وكأنها كانت فى سباق وليس مسترخيه تسبح فى أحلامها وجلست تتمطأ نصف جلسه على فراشها وهي تطل بعيونها عبر النافذة الزجاجية على الشاطيء وكأنها تنظر إلى المجهول وتتطايرت شظايا أفكارا سيطرت عليها جعلتها تتباطيء فى النهوض وأسترخت مرة أخرى تفكر ماذا سيتنظرها فى يومها الجديد تنهتت تنهيدة عميقة وكأنها تستعين بها على الحياة فى يومها الجديد
وفجأة تذكرت ماذا حدث لها يوم أمس وماذا مر بها من صعوبات قبله و طوال الأيام واليالي السالفة إنها وحيدة فى الحياة
ليس لها أحدا بعد وفاة والديها وتغلق على نفسها أبواب البيت بعد رجوعها مباشرة لأنها لا تخرج إلا مرة واحدة فى الأسبوع لشراء طعامها ومستلزمات بيتها وخلال هذا اليوم تشعر وكأنها تخرج إلى ساحة القتال وليس إلى أسواق الطعام مثل كل نساء المدينة فهي تشعر وكأنها الفريسة الوحيدة التى ينتظر الجميع أن يلتهمها فكل من حولها من جيرانها أو حتى أقاربها ينظر لها على هذا الأساس وهى تفهم نظراتهم وترى بأحساسها شرارة الحقد والطمع والأفتراس التى تلمع وتتطاير من نظراتهم لها فهى الوحيدة بينهما التى تعيش بمفردها وهى الوحيدة التى ترفض النفاق والرياء فهى كانت شاعرة معروفة وبسبب رفضها أن تلبي طلب كتابة شعر لأحد النبلاء تمدح فيه على غير حق أعمالا لا تفيد إلا ثراء هذا النبيل فأبت أن تكون شاعرة هذا النبيل وهى شاعرة أبناء كل المدينة واخترت أن تكون كلمتها للحق والإنسانية فقط تعبر عن أوجاع الناس أو عن طماحتهم وأحيانا عن ألمهم أو أحلامهم فأصبحت منذ ذاك اليوم عدوة لهذا النبيل بلا ذنب والمؤسف إنها أصبحت بذلك أيضا عدوة لكل أهالي المدينة الذين باتوا يجاملون النبيل على حسابها ونسوا فجأة إنها كانت تعمل من أجلهم فهو بسطوته يعلم تحركاتها خطوة بخطوة من خلال رجال الحاشية الذين يلتفون فى كل أسواق المدينة وكانت مهمتهم إعطاء التعليمات للجميع بمراقبة تحركاتها فيوما بعد يوم أصبحت كل المدينة تراقب أمل طمعا فى ارضاء حاشية النبيل وآخرين طمعا فى مكاسب من وراء هذا النبيل و آخرون تقربا من الحاشية حتى يستطيعون فعل ما يحلوا لهم داخل المدينة دون محاسبة والثمن هو أمل فجتمع الكل على أن أمل هى الضحية سواء بمراقبتها طوال الطريق وإهدار سترها أو بالإهانة أو الإساءة لها وهى تشترى مستلزماتها ووصل الأمر يوما ما أن بعض الباعة رفضوا بيع الطعام لها رغم انهم كانوا من قبل يتوددون لها وطالما كثيرا ما قدمت لهم خدمات أثناء ما كانت شاعرة معروفة ولها قيمتها واضطرت أن تذهب إلى أطراف المدينة لتتسوق وكثير من هذة المضايقات كانت تقبلها أمل بصمت غير محاولات سرقتها علنا دون خوف من عقوبة ومحاولات الإساءة لها كانت تتزايد تقربا لأي أحدا من حاشية النبيل وكأن الإساءة لها أصبحت باب المرور لأي عطايا أو تلبية أي رغبات لهؤلاء فما كان منها إلا أن تنعزل عن الجميع فحاولت أن تحتمل فى صمت وهى تردد بين نفسها انها تدفع ثمن مواقفها ولن تتراجع ولكن يوم أمس كان مختلف وكأن كل ما مر بها خلال السنوات الماضية غير كافي لتحطيمها.

فأثناء عودتها وهى تحمل أكوام الطعام التى تكفيها لمدة أسبوع حتى لاتضطر تخرج من البيت وجدت الجيران يلتفون حول البناية من بعيد نظرت لهم فى أنتدهاش وكأنهم يقصدون أن تتوقف وتنظر لهم وفجأة وجدتت أحدهما يشير إلى من يقفون أعلى فنظرت معه لتجد أكوام من الحجارة يحاولون من تبقى داخل البناية ألقاءها عليها فأبتعدت هلعا ولكن الذى مزق قلبها وقتها عندما ألتفتت خلفها وجدتت يدا كانت تحاول أن تدفعها مكان سقوط الحجارة تحجرت الدموع فى عينيها عندما رأت أنها قريبة لها هى التى تقف خلفها والتى كانت تزورها بأستمرار لأنها كانت تقيم بالقرب منها هنا شعرت أمل بأن الأرض تدار بها وأنها تحطمت أشلاء رغم سلامة جسدها فالذى حطمها ليس الحجارة التى لم تقع بل هو أخر إنسان كانت تعتقد أنه لن يستفيد من مأساتها جرت أمل مسرعة ليس خوفا من الحجارة ولكن خوفا من مزيد من الصدمات فى أخر ما تبقى لها من أشخاص هزت أمل رأسها وأمسحت على وجهها كأنها تحاول تفيق نفسها وتخفف عنها ثم جلست مرة أخرى نصف جلسه على الفراش وهى تحاول تبتلع دموعها التى بدأت تسيل على خدها ونظرت مرة أخرى إلى ضوء الشمس المشرق الذى بدأ يتسلل بقوة إلى كل أطراف الغرفة ليملأها بالدفء والراحة فتنهتت ونهضت من الفراش وفتحت النافذة وطلت بعينيها على شاطيء البحر وأخذت نفسا عميقا أرضها ثم نظرت للسماء وكأنها تستمد قوة وأستدارت مرة أخرى نحو الغرفة وفجأة قررت أن تفتح دولاب ملابسها وتخرج فستانا يليق بأنوثتها وهى تقول لنفسها وهى ترتديه أنها قدمت ما قدرت عليه فى هذة الحياة من أخلاق نبيلة عاشت من أجلها و بمباديء راقية ودافعت عن الحق بمفردها بكل قوتها ولم تخضع يومآ ما للأجبار على أن تفعل شيء ضد هذة المباديء التى أمنت بها و التى جعلتها تقدم كل ما استطاعت فعله طيلة حياتها من مساعدة غيرها بكلمتها أثناء ما كانت شاعرة مؤثرة وبكل ما كانت تقدر عليه من أمكانيات لغيرها ودافعت عن كل مظلوم يحتاج لكلمة حق تعينه غير قادر على قولها فهى حاولت تقدم قدر استطاعتها نموزج خير فى الحياة وهذا يكفى من وجهة نظرها فالحياة قيمتها فى ما نقدم وليس ما نأخذ وهى ليس حياة أبدية هى حياة مؤقتة

فلما الخوف من حجارة تلقى على الرأس أو خنجر يغرس فى الظهر أو طلقة رصاص تشق الرأس أو تخترق القلب
وانتهت أمل من ارتداء ملابسها ولأول مرة منذ شهور وقفت أمام مرايتها لتتزين ونظرت نظرة اخيرة على وجهها الذى بدا مشرقا وجذاب وابتسمت لنفسها ابتسامة انتصار وهى تفتح باب شقتها لتخرج حتى وأن لم تعد مرة أخرى

أنتهت


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى