الجمعة ١١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨

حوار مع القاص والصحفي حسن الأشرف

حوار: سعيد معلاوي

يواصل بثبات مسيرته الصحفية والإعلامية داخل المغرب وخارجه، لكنه يلتفت بين الفينة والأخرى إلى حبه الأول: كتابة القصة القصيرة والشعر الحر، غير أن إبداعه في القصة أوضح وأكبر..بهره عالم القصة القصيرة والأقصوصة أيضا مبكرا، وكتب أولى قصصه وهو في سنوات الدراسة الإعدادية.. وقد تم له النشر منذ بدايات التسعينيات في صحف وجرائد مغربية مثل العلم والاتحاد الاشتراكي وأنوال والميثاق الوطني، وبعدها في مجلات ومنابر ادبية عربية معروفة تعنى بالإبداع وتحتفل بالأدب الراقي والجميل، كما أذيعت قصصه القصيرة في إذاعات جهوية بالمغرب وفي المحطة الإذاعية الألمانية الدولية.

يحترق بنار الحرف والكلمة على واجهتين: واجهة الصحافة حيث حرارة التحقيق والتقرير والمقالة والحوار، وواجهة الادب والإبداع، إذ يعمد إلى الكتابة نافضا الغبار عن قضايا مجتمعية شائكة في أسلوب أخاذ يميل أكثر إلى مدرسة الواقعية، فأثنى عليه الكثيرون، ومنهم الكاتب الكبير الرحال محمد زفزاف الذي تبنى موهبته القصصية وشجعه على المزيد من العطاء، ونصحه في رسالة مكتوبة منه إليه قائلا : " بورخيس ينتظرنا هناك (يقصد الدار الآخرة)...حاول أن تكتب في "الآداب" المصرية"..

كان ذلك منذ 13 عاما، وقد حاول صديقنا أن يطبق نصيحة "الثعلب الذي يظهر ويختفي"، فكتب في مجلات عربية ذات إشعاع ثقافي معتبر و تحظى بكثير من الاحترام.

إنه الصحفي والكاتب المغربي حسن الأشرف:

ـ حدثنا عن بداياتك في كتابة القصة وفي عالم الصحافة أيضا..
 أعتبر نفسي ما زلت في البداية، لكن يمكنني أن أتحدث عن بداية البداية، ذلك أنني شرعت في خربشاتي في سن صغيرة..يعود الأمر إلى السنوات الأولى من مرحلة الإعدادي، وأذكر أن أول قصة، أو بالأحرى أول خربشة كنت أظنها قصة، كانت حول الأثرياء الذين يغتنون من أموال الفقراء ويمتصون جهودهم، ويملأون الدنيا صخبا في لياليهم الحمراء..كنت حينها سعيدا بتلك القصة (الخربشة) كأنني حققت فتحا مبينا..وتبين لي أن ما كتبته يدي ليس سوى تفريغ لمخزون لا شعوري تكون وأنا صغير حين أقارن بين أناس يغتنون يوما عن يوم، وآخرون لا يقلون آدمية عنهم يراد لهم أن يكونوا فقراء أكثر فأكثر. من ثَم كانت البداية، وكنت بارعا في مادة الإنشاء والتعبير الكتابي ونلت أعلى الدرجات في هذه المادة في جميع مراحل التعليم التي مررت منها.

تلك كانت بداية البداية، ومازلت أحاول كتابة القصة القصيرة أو الأقصوصة، رغم أنني أحيانا أفارق هذه المتعة في الإبداع بسبب انشغالي في العمل الصحفي الذي بدأته منذ سنة 1997 محررا في جريدة صغيرة، وبعدها في جرائد أكبر، ثم كاتبا ومراسلا صحفيا في منابر إعلامية عربية شهيرة.

ـ ماذا تعني لك القصة القصيرة إذن مادام هذا العشق بينكما عمره سنوات غير قليلة؟
 لن أكون مغاليا إن قلت إن القصة بالنسبة لي متنفس حقيقي ووسيلة تعبير فنية للبوح بما لا يمكنني البوح به في إطارات مهنية أو إبداعية اخرى..أجد نفسي في كتابة هذه القصة التي مازلت اتذكر أول نص قصصي لي نشرته في جريدة العلم منذ 15 عاما (في سنة 1993)، وكان موسوما بعنوان "عجز واكتشاف"، و حكيت فيه قصة إنسان اكتشف موهبته في الكتابة الإبداعية بعد طول عجز..

ـ مقاطعا...هل أنت ذلك الإنسان؟
 قد أكون جزء منه فقط..

ـ من هم الأدباء الذين تأثرت بهم أو حاولت السير على نهجهم؟
 أعتبر نفسي متعلما على يد كل كاتب يفوقني خبرة ونضجا وممارسة وإبداعا، لكني لن أنسى أبدا موقف الراحل محمد زفزاف معي ولقاءاتي المباشرة معه رغم قلتها، وكانت تعجبني قصصه ورواياته، كما أن الطبيب يوسف ادريس تأسرني قصصه القصيرة، لكنني لم أتأثر "إبداعيا" بأي مبدع بعينه..ولا أنسى القصاص الروسي العالمي انطوان تشيكوف، كنت أقرأ بعض أعماله بكثير من العشق والإكبار، والتي كان يعبر فيها بسخريته السوداء الراقية عن ما معاناة الشعب الروسي سيما أفراد الطبقات الكادحة المطحونة، مثل قصته "الموظف" و"البدين".

ـ كيف تقيم وضعية القصة القصيرة بالمغرب؟ هل من تشخيص دقيق؟
 القصة القصيرة بالمغرب تحاول أن تأخذ مكانتها الإبداعية اللائقة بها، فهي الفن السهل الممتنع في نظري؛ سهل لأن جميع من يكتب يظن أنه من السهل كتابة قصة، وقد يثرثر البعض ويكتب أي شيء ليسمي ما اجترحه قصة قصيرة، فيجدها سهلة إبداعيا، لكنها فن ممتنع من حيث التقيد بشروط كتابة القصة القصيرة، وتتبع أهم ما تتطلبه : التكثيف في الأسلوب، والنزوع نحو إشباع المعنى مع إجاعة اللفظ كما يقال، وهنا مَكمن صعوبة كتابة قصة قصيرة، إذ أن الكثيرين يطنبون ويحشون متن النص ظانين أنهم يوصلون الفكرة للقارئ وهم بذلك ينفرونه من حلاوة ومتعة القصة القصيرة الحقيقية. وبهذا المعنى العام، يمكن ان أقول إن القصة القصيرة المغربية بخير عموما، مادامت الأقلام تسير وفق هذا المنهج، لكن يلزم تنقية الطريق من الطفيليين الذين ملأوا الدنيا صياحا والصحف والمجلات ومواقع الانترنت صراخا، يحسبونه إبداعا قصصيا وما هو بإبداع.

ـ لو سمحت، قبل الانتقال إلى الشق المتعلق بمهنتك كصحفي، دعني أسألك عن الثقافة في المغرب، ووضعية المثقفين..كيف تقارب هذا الملف؟
 المثقفون في المغرب قسمان: مثقفون لا هم لهم سوى مصالحهم الشخصية، وليس بينهم وبين الثقافة سوى "الخير والإحسان"ولعله "الشر والإساءة".. يجعلون الثقافة قنطرة حقيقية نحو تحقيق أهدافهم المادية والمعنوية، وهم الذين تجدهم في المنصات بكثرة، طالبين أضواء الكاميرات وميكروفونات الفضائيات، متمسحين بأعتاب بعض الصحفيين الماكرين لينمقوا صورهم ويدبجوا مقالات تطريهم وتمدح إنجازاتهم العظيمة في باب المعرفة والتأليف ونشر الثقافة بين الناس، وهؤلاء لن يصمدوا كثيرا رغم سطوتهم الملحوظة.. أما القسم الثاني وهم مثقفو الشعب، المثقفون الحقيقيون الذين يعيشون مع الناس لا في بروجهم العاجية، يمتحون رحيق إبداعاتهم وأفكارهم من السياق المجتمعي المغربي الحقيقي والواقعي، لا المزيف الذي تبشر به تلفزة المخزن طيلة النهار والليل.. وإن أردت معرفة كيف السبيل إلى التمييز بين هؤلاء وأولئك..ما عليك إلا ان تلقي نظرة على طريقة موت كل واحد..هناك من المثقفين من يموت كمدا مهمولا منبوذا، مريضا لا يجد من يساعده على شراء علبة أدوية، وهنا يحضرني الحوار الصحفي الذي أجريته مع القاصة المرحومة مليكة مستظرف قبل سنوات وقبيل وفاتها بأشهر قليلة ونشرته في "إيلاف"، وكانت المعاناة عنوان مأساتها، لكن أيضا هناك من يموت من الثخمة تاركا لعشيرته وعائلته ما يعيشون به سنوات ضوئية عديدة ومديدة..هنا كل الفرق يا عزيزي..

ـ بالنسبة لمهنة الصحافة التي تزاولها، هل لك أن تحدثنا عن أبرز الصعوبات التي يلقاها الصحفي بالمغرب؟
 الصحافة كلها صعوبات، ولعلي قد أصدمك إن قلت لك إن الصحافة مهنة بئيسة رغم ما قد يظهر للبعض من كونها مهنة ذات سلطة وان الصحفي صاحب تأثير..هي في العمق مهنة بئيسة فعلا رغم مظاهرها البراقة..وصعوبة الصحافة في المغرب تكمن أساسا في مصادر الخبر، فهي غير متاحة بشكل سليم وحر ومسؤول، مما يعرقل سلاسة عمل الصحفي، بل إنه قد يدخل في سلسلة من المحاكمات والتهجمات عليه لا لشيء سوى لأنه قام بعمله كما يُفترض ان يقوم به بمهنية وكفاءة..

وثاني المشاكل أن مهنة الصحفي لا يفهمها الطرف الآخر سواء كان قارئا ومتلقيا أو كان مسؤولا أو حتى مثقفا..المفروض مثلا في المثقف أن يكون أول متفهم للعمل الصحفي وخطورته وصعوباته..لكن للأسف تتأزم العلاقة بين الصحفي والمثقف الذي قد يكون شاعرا وقد يكون ناثرا، وقد لا يكون سوى متمسحا بالأعتاب البئيسة لصاحبة الجلالة، كلما حدث تماس بين الطرفين، طبقة كثيفة من الضبابية تحول بين التفاهم بين الاثنين..

يريدون الصحفي بوقا لهم، ينقل ترهاتهم أحيانا و يسجل ثرثراتهم أحيانا أخرى، يسبح بحمدهم ويكبر لنصوصهم ويهلل لتفاهاتهم، ويتجشأ بدلا منهم عند تخمتهم، ويحتج نيابة عنهم عند الإساءة إليهم، ويا ويله إن حاول أن يكون "حِرَفِيا" أو يقوم بمهمة "صحفي".

حوار: سعيد معلاوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى