الخميس ٤ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤
بقلم علي عرايبي

من صدري يمر الفاتحون

علي عرايـبـي

مِنْ صَدري يَمرُّ الفاتِحون
( قصيدة التفعيلة، بحر الكامل)
الآنَ أَسْمَعُ من وَراءِ العَرْشِ وَقْعَ خُطايَ
أَمْشي في جِراحي حامِلًا نَجْمًا على كَتِفي،
كَأَنِّي نَيْزَكٌ قَدْ فَرَّ منْ فَلَكٍ
أَبِيتُ على النُّجُومِ،
أَنا المُعَلَّقُ بَيْنَ روحي والسَّماءِ
خُلِقْتُ قَبْلَ العرشِ، قَبلَ الضَّوْء، قَبْلَ تَشَكُّلِ الأرواحِ
حُرًّا أَرْجَأَتْني الرّيحُ،
حُرًّا أَخْرَجَتْني الرّيحُ،
حُرًّا أَنْتهي حَجَرًا،
تَضِيقُ عَليَّ أَعْضائي،
سَأَجْمَعُها وأَنْثُرُها بَعيدًا في مَدَايَ
أَفيضُ عنْ ذاتي وأُشْرِقُ مُنْهَكًا منِّي
تُحاصِرُني الجَماجِمُ والعِظامُ
ولا أَرى إِلا عِظامي إِذْ تُشَيِّدُ هذه الأَكوانَ
لَسْتُ أَرى حَياتي
رُبَّما قَدْ متُّ حَيًّا في حَياةٍ مَا، ومن روحي يمرُّ الفاتِحونَ،
ورُبَّما قَدْ متُّ لَحْنًا في غِيابٍ مَا، ومن صدري عبرتُ إلى الجحيمِ،
ورُبَّما قَدْ متُّ في جَسَدٍ سِوايَ
وما أَنا إلا احْتِمالٌ مُوغِلٌ في ضِدِّه.
الآنَ أَسْمَعُ من وَراءِ العَرْشِ هَمْسَ دَمي
لَقدْ كانَ الخَرابُ مُؤَذِّنًا في الخَلْقِ
كانَ الموتُ وَرْدًا نابِتًا فوقَ السَّحابِ
مُهاجِرًا في عِطْرِه،
وَرْدًا ضَرِيرًا لا يَحِنُّ إلى الحَياة ولا يَمُوتُ
يَرى اليَقينَ بِجُرْحِه،
وَرْدًا سَماوِيًّا يُغازِلُ غَيْمَةً مَتروكةً في لَحْمِه.
كانَ الخَرابُ مُؤَذِّنًا في الخَلْقِ
أَسْدَلَتِ الحُروبُ ظَلامَها.
فَرَّ الزَّمانُ إلى الكُهوفِ،
يُعيدُ تَأْويلَ الكِتابَةِ والظّلالِ
هُنا يَصِيرُ الكائِنُ الأَبَدِيُّ خالِقَهُ
هُنا مُسِخَ المَكانُ،
وَصارَتِ الأَرْضُ الشَّهيدةُ فكْرَةً
فَاسْتَوْطَنَتْها نَفْخَةٌ مُكْتَظَّةٌ بِخَوائِها
وَهُنا تَصيرُ النَّارُ آلِهَةً
وَيُصْبِحُ نَزْفُها أُفُقًا طَرِيًّا
يَشْتَهي أَمْسًا قَصِيًّا منْ دِماءِ المُعْجِزاتِ
هُنا يَصيرُ الطِّينُ مَنْفًى للحَضارَةِ والأُلُوهَةِ
وَحْدَهُ كانَ الحَضارَةَ،
وَحْدَهُ كانَ البَداوَةَ والإلَهَ،
هُوَ البِدائِيُّ السَّمِيُّ
وكُلَّما حَدَّقْتُ فِيَّ وَجَدْتُهُ
فَعَرَفْتُهُ وَعَرَفْتُني، وَمَحَوْتُهُ فَمَحَوْتُني
لَسْنا سِوَى حَجَرَيْنِ في جَسَدٍ حَرِيقٍ
نَحْنُ ما خَلَقَتْ يَدَانا،
نَحْنُ ما أَوْحَى اليَمامُ إلى القُرَى.
قَد أَرْضَعَتْنا الشَّمْسُ شاطِئَها وَرِحْلَتَها وَحَيْرَتَها
وُلِدْنَا منْ رِمالٍ
كَيْ نُعيدَ إلى الطَّريقِ حَنِينَهُ، وإلى السَّماءِ خِيامَها.
كانَ الخَرابُ مُؤَذِّنًا في الخَلْقِ
أَسْدَلَتِ الحُروبُ ظَلامَها.
قد أَيْقَظَ الإنسانُ وحْشَتَها
هُنا سَكَنَ الدَّمارُ،
تَداعَت الفوضى، وجُنِّزَت السَّماءُ،
فَأُحْضِرَ المَوْتى جَميعًا،
لَمْ أَجدْ نَفْسي هُناكَ
أنا شَهادَةُ مَوْتِهمْ،
لَمْ أَرْقَ بَعْدُ إِلَيَّ
حَوْلي هَهُنا، حَوْلي هُنا
وَحدي، مَعِي أَلِفُ القيامةِ، سِيرَةُ المَعنى،
مَعي شَوقٌ يَعُضُّ على دمي.
الآنَ أَعْرفُ كيفَ حَرَّرَني الغُرابُ من الغِناءِ
فَخُنتُ آلِهَتي الخَبيئَة فِيَّ،
أَبْحَثُ عنْ بَقايا الأَنْبِياءِ وَجَنَّتي.
لا شَيْءَ أَكْبَر منْ جِراحي
كُلَّما أَخْمَدْتُها اتَّقَدَتْ بِأَنْحائي
كَأَنّي خالِدٌ ملْءَ احْتِراقي
مُثْقَلٌ بالآخَرينَ أَطُوفُ في ذاتي
مَعي أَمْسي، قَناديلي، بَقِيَّةُ حاضِرٍ مُتَلَحّفٍ بَغدِي
سَأَهْجُرُني إِلَيَّ،
وفي طَريقي قَدْ سَقَطْتُ من الخُلُودِ
تَعَثَّرَتْ قَدَمايَ بالمَوْتَى،
أَرى قَبْرًا هُناكَ يَسيرُ في جَسَدي
أَرى امْرَأَةً تُسافِرُ بينَ أَجْزائي، مُحَمَّلَةً بِهاوِيَتي،
أرى امْرَأَةً كما الرُّؤيا الجَميلَة حَوْلَ عاطِفتي
تَخيطُ بِأَضْلُعي أَكْفانَ خاتِمَتي..
الآنَ أَسْمَعُ من وَراءِ الغَيْبِ صَوتي
كانَ صَوتًا عاريًا مِنِّي،
خَفيفًا مِثْلَ أَجْنِحَتي،
سَأَتْبعُهُ إلى عَرْشي وأَخْلُقُ منْ جَحيمي جَنَّتي
صَوْتًا إِلاهِيًّا يُسابِقُني إلى ذاتي،
أَرى قَبَسًا بِآخِرَتي،
أُقَيِّدُهُ فَيُطْلِقُني، وأَنْثرُهُ فَيَجْمَعُني،
تَرَكْتُ بَقِيَّتي خَلْفي وجِئْتُ الآنَ منْ أَثَري
أَرى بَعْضي هُناكَ، وهَهُنا بَعْضي
كَأَنّي آخِرُ الباقِينَ في وطني
كَأَنّي آخِرُ الأحياء في جَسَدي
عَبَرتُ إلَيَّ مِنِّي،
كُنْتُ فِيَّ نُبُوءَةً أُخْرى، وكانَ العَرْشُ مُعْجِزَتي..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى