الاثنين ٢٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم عادل الأسطة

روح الأســلاف

مرة كتب إميل حبيبي: إن العرق دساس. ولم أعد أتذكر إن كان ما قاله صادراً عن سخرية أم عن اقتناع.

سأتذكر السبت 11/11/2006، وأنا أتصفح الدستور الأردنية على الانترنت العبارة: إن العرق دساس، ذلك أنني قرأت مقاطع من قصيدة جديدة لشاعرنا أبي محمد الزرقاوي سميح بن القاسم، كما سمى هو نفسه، وليس هذا تجنياً إطلاقاً أو مساساً بالشخصي، فهو في أمسية في الجامعة الأردنية – أسماها أصبوحة لأنه ألقاها في الصباح – داعب طلاب الجامعة الأردنية قائلاً: إنه سيسمي نفسه: أبا محمد الزرقاوي، فقد ولد في مدينة الزرقاء الأردنية، وهو أيضاً في العام 2000 أصدر عن دار الأسوار كتاباً أسماه كتاب الإدراك، قال إنه لسميح بن فلان بن فلان بن فلان بن القاسم، والكتاب هذا فيه قدر من الأدعية، لا ندري إن كان الشاعر يسير فيه على خطى أسلافه، أم أنه يسخر مما كانوا يكتبونه.

سأتذكر عبارة إميل حبيبي، ذلك أن سميح القاسم قال في قصيدته العَمّانية:

يا رب! هل كفرت بنا أوطاننا أم نحن أهل الكفر بالأوطان؟

والجاهلية جددت غزواتهــا فاجتاح قيسـي حياض يماني

وأسرّ للملك العزيز بشــعبه وعلى يدي شــقائق النعمان

لا تأس عبد الله جدك هاشـم كم شــيّع القربان بالقربان

لا تأس أفواج النشامى عمدت شرف العروبة في دم الفرسان

وما كان سميح، من قبل، بخاصة في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات ليمدح أحداً من الحكام إلا ( لينين ) غفر الله له ولسميح القاسم أيضاً. كانت قصائد المديح تُكال للاتحاد السوفييتي ولمدنه وللحزب، ولا أظن أن سميحاً مدح أحداً من الحكام العرب إلا عبد الناصر. وإذا ما عاد المرء إلى ما كتبه الشاعر في آل هاشم من الأردنيين، فسيعثر على هجاء لهم، لا على مديح. هل حلّت روح الأسلاف في سميح؟

سأتذكر قصة كتبها القاص أكرم هنية في نهاية السبعينيات عنوانها " النابغة الذبياني يهجو النعمان بن المنذر " أتى فيها على العلاقة بين الشاعر والحاكم والجمهور. الشاعر الذي يمدح ويهجو بناء على سمتي الرغبة والطمع وسمتي الخوف والشفقة، ولا أدري حقاً ما الذي دفع بسميح إلى تغيير مواقفه؟ هل يعود مثلاً إلى رغبته في الظهور؟ أم يعود إلى تغير قناعاته؟ أم يعود إلى حلول روح الأسلاف فيه؟ لقد رأى سميح، وهو يُسأل عن المتنبي، أنه يحترمه شاعراً، ولكنه لا يحترمه لأنه بذل ماء وجهه في بلاط الحكام، وبالتالي فإن قصيدة سميح أرقى من قصيدة المتنبي؟

هل يختلف سميح في هجائه للنظام الأردني ابتداء ، وفي مدحه له، فيما بعد، عن المتنبي في هجائه كافورا بعد مدحه له؟ إذا كان سميح نسي أنه هجا آل هاشم من الأردنيين فأنا أذكره. ليعد الشاعر إلى ديوانه الحماسة في جزئه الأول، في ص102 وليقرأ ما كتبه هناك.

ولا أريد أن أفتح جروحاً قديمة، كما يقولون. ولكني أتساءل: متى كان الشاعر صادقاً ومتى كان كاذباً في قوله؟

وسميح القاسم ليس حالة استثنائية في ذلك، فقد سبقه شعراء كبار في هذا، كانوا أيضاً شيوعيين، لعلّ أبرزهم الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، هذا الذي أنفق عمراً في براغ، وعاد إلى العالم العربي، وكتب قصائد في مديح الرئيس حافظ الأسد، والملك حسين. وكلنا يحفظ مقاطع من قصيدته:

يا أيها الملك الأجل مكانة

بين الملوك ويا أعز قبيلا

في العام 1975 كنت طالباً في قسم اللغة العربية في الجامعة الأردنية، وكنت يومها أشتري المجلات التي تصل إلى عمان من سوريا وليبيا. كنت أشتري المعرفة السورية، والثقافة العربية الليبية، وفي الأخيرة قرأت مقالاً طريفاً لكاتب نسيت اسمه يأتي فيه على موقف الشعراء من عبد الناصر، إبان حياته وبعد موته، حالهم حال توفيق الحكيم في " عودة الوعي ". وقد صدّر كاتب المقال مقاله بالكتابة عن أفلاطون وموقفه من الشعراء في جمهوريته، وتساءل: أليس أفلاطون محقاً حين طردهم من جمهوريته. لماذا؟ لأنهم ينافقون الحكام، ويمالئون الجماهير. مدحوا عبد الناصر إبان حياته، وبعد مماته قالوا:
" كيف أعرف أن الذي بايعته المدينة غير الذي وعدته السماء "؟ وكانوا في حياة ناصر يقولون إنه نبي، إنه مرسل من السماء. وقد لفتت هذه التغيرات نظر الشاعر العراقي مظفر النواب الذي لم يكن ناصرياً، وأشار إلى أن هؤلاء المتقلبين عروا عبد الناصر بعد موته فقال: أنا لست بالناصري، ولكنهم ألقوا القبض ميتاً عليه

وعريّ من كفن غزلته قرى مصر من دمعتيها،

إذن سقط الآن عن بعض من دفنوه الطلاءُ.

الحق أقول إنني لا أريد أن أهجو سميح القاسم، ولكن هذه التقلبات لفتت نظري، ولا أدري ما هي وجهة نظره، في زمن أخذنا نُسأل فيه عن أدب المقاومة وما آل إليه.

مرة كتب إميل حبيبي: إن العرق دساس. ولم أعد أتذكر إن كان ما قاله صادراً عن سخرية أم عن اقتناع.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى