الجمعة ٩ آذار (مارس) ٢٠٠٧
تحت المجهر
بقلم حسن المير أحمد

سبع دمعات في مَرْبَع المساء

ـ 1 ـ

تتجمع اللحظات القاتمة في كف الزمان القاسية، تقبض على الروح وتشرذم الأنفاس وتقتحم غصة مزمنة بؤرة الحلق تكاد تمزقه، فنذرف سبع دمعات في مَرْبَع المساء بعد أن توقف القلب عن ابتكار الدماء ..
نذرف الدمعة الأولى على بساتين كانت تزهو بأشجارها وخضرتها حولتها الوحوش إلى أرض يباب تعصف فيها رياح الخماسين؛ فتندثر الورود والعصافير وتنغلق السماء .

ونذرف الدمعة الثانية على اندحار الجمال وتحوّل الكائنات إلى نسخ من غيلان الكوابيس القبيحة التي تنغص أحلامنا .
ونذرف الدمعة الثالثة على الفؤاد الذي تشكل معجوناً بالعطاء، لكن مخالب الغدر والطمع حطمته، وامتصت رحيقه بعد أن استغلت نبل المقاصد الخيّرة .
ونذرف الدمعة الرابعة من انفضاض الأصدقاء وانغماسهم في لجّة البحث عن ذواتهم التائهة وانجذابهم المهين نحو بريق الذهب، وسراب الخزائن الزاخرة بالمال!

ونذرف الدمعة الخامسة على أحبة رحلوا أو غيبتهم المسافات عن لحظات ألمنا المقيم فلا نجد من نبثه مفردات أحاسيسنا الذابلة، في أشد أوقات حاجتنا إلى البوح والنشيج!
ونذرف الدمعة السادسة على تسارع الأيام الجافة التي تجري في مدارات منافية للفرح، وتقضم عمرنا الشارد في أزقة الحياة المعفّرة بالتراب وبقايا أشلاء من عبروها من كل الجهات .

.. أما السابعة فنذرفها على كل ماتقدم حين تسحقنا أقدام أشخاص عابرين يقتحمون أرواحنا المثقلة بالهموم، ساخرين من تضحياتنا، معتبرينها مكاسب غنموها في معركة الكذب والخداع، متباهين أمام العالم بنكران الجميل!
نذرف الدمعات السبع في مَرْبَع المساء، وتدور العيون في محاجرها تتفقد أرجاء المكان باحثة عن أيد رحيمة تمسح تلك القطرات الدافئة، فلا تجد سوى الصمت والظلام وأسراب أشباح العابرين تختفي شيئاً فشيئاً في أفق العتمة المبهم.. فنقف متحسرين نتساءل: هل تكفينا هذه السبع فقط لنغسل جراحنا التي نكأها أولئك العابرون المقنعون بالجمال والبراءة .. أم إننا بحاجة إلى أكثر من عدد أيام الخلق في الأساطير القديمة لابتكار أنهار من الدموع تجرف كل أحزاننا وأحزان العالم؟!

ـ 2 ـ

يقول الجاحظ في كتاب "الرسائل":

ستجد في الناس من قد جربته الرجال قبلك، ومحضه اختبارهم لك. فمن كان معروفاً بالوفاء في أوقات الشدة وحالات الضرورة، فنافس فيه واسبق إليه؛ فإن اعتقاده أنفس العقد. ومن بلاه غيرك فكشف عن كفر النعمة، والغدر عند الشدة، فقد حذرك نفسه وإن آنسك .. وكما غدر بغيرك يغدر بك؛ فإن مَنْ شيمته الوفاء يفي للصديق والعدو، ومَنْ طبيعته الغدر لا يفي لأحد، وإنما يميل مع الرجحان: يذل عند الحاجة ويشمخ مع الاستغناء.

فاحذر ذلك أشد الحذر. واعلم أن الحكماء لم تذم شيئاً ذمها أربع خلال: الكذب فإنه جماع كل شر. وقد قالوا: لم يكذب أحدٌ قطُّ إلا لصغر قدر نفسه عنده. والغضب فإنه لؤمٌ وسوءُ مقدرة؛ والجزع عند المصيبة التي لا ارتجاع لها؛ والحسد لما يتعجل صاحبه من ثقل الاغتمام، وكلفة مقاساة الاهتمام، من غير أن يجدي عليه شيئاً. فالحسد اغتمام، والغدر لؤم. وزعموا أنه لم يغدر غادرٌ قط إلا لصغر همته عن الوفاء، وخمول قدره عن احتمال المكاره في جنب نيل المكارم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى