السبت ١٥ آذار (مارس) ٢٠٠٨

سعيــد نــوح: مــات النقــد الحقيقــي

محمد الحمامصي - السفير اللبنانية

استطاع الروائي سعيد نوح أن يحتوي في أعماله بدءا من روايته (كلما رأيت بنتاً حلوة أقول يا سعاد) وانتهاء بروايته الصادرة أخيرا عن سلسلة روايات الهلال (61 شَارِع زيْن الدّين) عالم المهمشين ما يضرم فيه من كوارث إنسانية مؤلمة ويعتمل فيه من أحلام وطموحات ، وذلك في إطار نسيج لغوي وتقني وأسلوبي يحمل إلى حد بعيد كثيرا من خصائص هذا العالم حيث يكسر تابلوهات الشكل واللغة ويتلاعب بالضمائر ويعدد الرواة ، وروايته الأخيرة يتجلى فيها ذلك تجليا واضحا ، هذه الرواية التي تدور في حي شعبي حيث المهمشون الذين نسيهم التاريخ فأقاموا تاريخاً موازياً لأنفسهم .. من أعمال الكاتب في القصة القصيرة (دائماً ما أدعو الموتى) و(تمثال صغير لشكوكو)، وله عدة أعمال ما بين الرواية والقصة القصيرة تحت الطب منها روايات (ثلاثية الشماس) و(الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك) و(أم مليحة) ومجموعات قصصية (أوراق العربة الجنوبية) و(لم يكن يجب على الملائكة).

 (في زمن بلا بداية وفي فضاء لا يعرف حدوده أكتب ) هذه الجملة كانت عنوانا لشهادتك منذ سنوات مرت في مكتبة القاهرة، ماذا تعني بتلك المقولة؟
 في البداية يجب أن نعرف أن المبدع الحقيقي هو رد فعل لمبدعين رائعين سابقين عليه في الحياة . فما الذي يمكن لأي مبدع مثلي أن يقدمه في ظل وجود ذاكرة معرفية تضم أسماء كثيرة بداية من سرفانتس مرورا بالأدب الروسي العظيم والأدب العالمي الرائع وطه حسين ويحيي حقي وعمنا نجيب محفوظ وسعد مكاوي ويوسف إدريس وجيل الستينيات العظيم خيري وأصلان وبهاء والغيطاني والبساطي وصنع الله وعبد الحكيم قاسم والكفراوي ويحيي الطاهر ومحمد ناجي وإميل حبيبي والتكرلي والطاهر وطار وبن جلون وشكري والطيب صالح ومنيف. أسماء كثيرة لو ظللت أرددها لانتهت سويعات قبل أن أنتهي من بعضها. ولقد حققت الرواية أو ما عرف بالفن الروائي إنجازات هائلة خلال العقود الماضية.. ولقد كان الإنجاز على كافة المستويات من سرد ولغة ووصف وحبكة وإضمار وتصريح ومستوى وعي بالذات وإبطان. ولقد استطاعت خلال وجودها الذي لا يزيد عن خمسة قرون أن تضم إليها كل الأجناس الأدبية التي تم التعرف عليها خلال التاريخ سواء التي استقرت كالشعر أو الحديثة كالتحليل والتعليق . أما عن سؤالك أقول إن الشكل الروائي هو الشيء الوحيد في مختلف الفنون المتعارف عليها القادر على الابتكار والتجديد والإدهاش من داخله. ولقد حاولت على مدى علاقتي بالأدب أن أنتبه إلى قدرتي على الاستفادة والاستثمار من كل الأعمال الأدبية . فمثلا في روايتي الأولى كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد كان الحدث الهام في الرواية هو الموت. والموت هو حدث عادي ومتكرر ملايين المرات. ليس داخل الحياة فقط ولكن داخل الأعمال الأدبية. ولأنني أعرف أن أهم ما يميز الكتابة الجديدة والجيدة أيضا هو البعد عن تنقيب واقع سبق تعريفه وتحديده من قبل فقد كنت في موقف لا أحسد عليه. ماذا أصنع ومادتي الخام تم تدوينها منذ آلاف السنين على جدران المعابد الفرعونية بلغة معروفة؟ ماذا أفعل لأخرج من مأزق الموت عند المبدعين السابقين؟ لقد وجدت الحل الأمثل هو الدخول في قلب الأحداث. إذن لابد من وجود لغة شاعرية وإيجازية في نفس الوقت.

الإيجاز في عالم مليء بالتعقيدات، والإيجاز الذي أعنيه هو الدخول في قلب الأشياء مباشرة دون تورية أو إضمار. ماتت سعاد . كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد. هذه كانت علاقتي باللغة في رواية سعاد، ربما اتسعت لتشمل بعض الأصوات في الرواية مثل خالد خطيب سعاد وأوراق سعاد والأم. لكن على مستوى آخر كانت هناك لغة ماجدة أخت سعاد التي تنتمي إلى لغة العديد ولغة هويدا لغة تقريرية . لقد كنت أبحث عن موت جديد، أو على الأصح عن الحياة التي عاشتها سعاد. أما في رواية دائما ما أدعو الموتى فقد كانت اللغة وعاء للشخصيات. ومن هنا كانت اللغة العامية هي لغة العمل. أما عن الحدث فهي حكاية حب بين شخصية أنور المنسترلي وتوحة. أنور هو ممثل درجة ثانية من هؤلاء الذين يطلقون عليهم لقب كومبارس. جعلته يظهر في مجموعة من الأفلام الهامة في ذاكرة السينما المصرية. فمثلا جعلته أحد الكومبارس الذي يردد وراء محمد عبد الوهاب أغنيته الشهيرة عاشق الروح في فيلم غزل البنات ثم جعلته العسكري الذي يصاحب أنور وجدي في فيلم أربع بنات وضابط ويظهر صديق فريد شوقي في فيلم الأسطى حسن. وأعتقد أن تلك المرجعية المخترعة من الألف إلى الياء جعلت أنور إنسانا من لحم ودم كما أخبرني كثير من الأصدقاء حتى ان مبدعا كبيرا اتصل بي وهو يشاهد فيلم قلبي دليلي ليسألني عن أنور. في حين إن داخل الرواية شخصية حقيقية ومهمة مثل يوسف صديق أحد الضباط الأحرار وأهمهم أيضا من حيث الفعل الذي قام به والذي لولاه ما حدثت الثورة في موعدها على الأقل لم يتم الالتفات إليها. ولقد مات أنور في بداية الرواية ومن هنا كانت التفاصيل هي شغلي الشاغل وأنا أكتب لماذا؟ ببساطة لأن البطل كان غائبا عن الواقع ومن هنا كان لا بد للتفاصيل لرسم صورة حقيقية للبطل كما طرحت في مقدمة عمي يحيي حقي. على الجانب الآخر كانت هناك شخصيات لم أكن أبحث لها عن تفاصيل أو حتى عن اسم ثلاثي أو عن دوافع شخصية لأنني كنت أريده في لحظته الراهنة مثل شخصية القاضي الذي أراد أن يرى مفهوم العدل بعيونه بعد أن ظل يحكم أعواما كثيرة دون أن يعرف مصير أحكامه ومن هنا نزل إلى الشارع واختفى في زي بائع متجول. هذه الشخصية مثلا لم يكن يعنيني ذكرياته أو حتى لونه. فقط هو حاضر لخلق صورة معاكسة لشخصية الباشكاتب. في حين إن السيد زغلول العريان أبو الريش الذي ظل طوال عمره داخل الرواية يحلم بأن يقول اسمه كاملا أمام حشد من الناس دون أن تنتابه الرعشة والخوف وفي اللحظة التي وقف أمام الناس جميعا في بولاق أبو العلا وقال اسمه وبيانه المختصر أحس بمدى ضآلة حلمه ومدى ضياع عمره وراء حلم كان سهل المنال. أريد أن أقول إن كل شخصية لها تفاصيلها التي تخدم وجودها فشخصية توتة الإيطالية التي جاءت إلى القاهرة للبحث عن ابنها الغائب بعد حرب العلمين وعملت مع أنور في بعض الأفلام ثم عملت في مستشفى فؤاد الأول واستقرت في مصر وانتهى بها الحال في مستشفى الأمراض العقلية كان يمكن لحياتها أن تتغير لو قال لها أحد إن ابنها مات. إن حياة الأفراد متوقفة على تفاصيل صغيرة يقوم بها الآخرون. الرواية تحاول أن تتقصى في المقام الأول حياة بطل كبير في عيون أهالى بولاق أبو العلا وهو «أنور المنسترلي»، كل مجده أنه ظهر في مجموعة أفلام، وتحديدا في لقطات سريعة، وخاطفة، الأهالى لم يكونوا ينظرون إليه كما يمكن أن ننظر نحن إليه، بل على أساس أنه بطل كبير، أخذ قرارا بالانتحار بمجرد أن عرف بمسألة بتر ساقه، وأظــن أنــني كنــت متعاطفا معه بشدة، ومع شخــصية «توحة» التي ارتبطت به، حيث أصبحت حياتــها بعد انتحاره غريبة، «هجّت» ثماني ســنوات، أصبح ذهنها مشتتا، ولم تتحمل الموت الذي يشبه عندي في موقف المنسترلي قرار اعتزال لاعــب كرة في مجده، ولم تكن تتحدث عنه بصـيغ المرحــوم، بل الحاضر على امتداد الرواية، موتــه أصبح محركا لحياتها، إذن الحنــين إلى الماضي لا يبدو غريبا هنا، بل هو الحياة تحديدا، ومعظم أشخاص الرواية حينما يبدون حنينا إلى الأجداد كانوا يرونهم عظماء بالفعل، ولا يمكن أن نقارن بين وجهات نظرنا الخاصة ووجهات نظر هؤلاء البسطاء، أن يقف أنور المنسترلي بجوار فريد شوقي لمدة ست ساعات أثناء عرض فيلم «جعلوني مجرما» أمام سينما الأزهار يصافحان الناس فهذا شيء كبير، وهؤلاء المهمشون كانوا يرون الحياة هكذا.. فلماذا لا يطرحون رؤاهم عن الحياة كما هي؟

تمثال شكوكو

 ماذا عن تمثال صغير لشكوكو التي ظهرت منذ سنوات ولم تنل حظها من النقد كما حدث لسعاد ودائما ؟
 في البداية يجب أن نعترف بشيء وهو موت النقد، نعم لقد مات النقد الحقيقي، وأصبح هناك نقاد اللمس والجس والدكاكين والأبواب، هؤلاء الذين يقيمون الدنيا ويقعدونها على عمل لأي مبدعة جديدة، المهم أن تكون أنثى، أما المحترمون منهم فقد آثروا البعد بعد أن أصبح أي رئيس تحرير يلغي الصفحة الفنية من اجل فضيحة جديدة لإبراهيم سعيد لاعب الكرة ، أما عن تمثال صغير لشكوكو تلك المتتالية أقول إن الفكرة كانت الحافز على الكتابة والفكرة باختصار تتحدث عن زوجة ظلت لمدة ثلاثة وثلاثين عاما تحافظ على سر زوجها وأفشته في موقف غريب أمام مجموعة من النساء ولم يمض إلا أسبوع ومات ذلك الزوج صاحب العضو الكبير. وبعد دفن الزوج تسترجع الزوجة الأيام الكثيرة التي كانت تنام فيها بجوار ذلك الزوج على السرير الذي يستطيع أن يحمل حملا لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين كيلو دون أن يصدر عنه صوت كما قال لها بائع العاديات وهم يشترون العفش. وتروح تتذكر كيف أقاموا بيتا من أربعة أدوار وكيف استطاعوا أن يربوا سبعة من الأطفال. إنها المعرفة التي أبحث عنها. وأظن إن أي عمل فني لا يكشف لي جزءا من الوجود كان غائبا عني بدونه هو عمل لا أخلاقي. إن المعرفة هي أخلاقيات الرواية كما أظن.

 صدر لك حتى الآن خمسة أعمال، تحتل فيها منشية جمال عبد الناصر تلك المنطقة التي تعيش فيها حتى أن العمل الأخير الذي صدر أخيرا «61 شارع زين الدين» تدور أحداثه في تلك المنطقة، هل أصبحت متخصصا في الكتابة عن تلك المنطقة، وإلى أي مدى يمكنك البعد عن مربع مدينة حلوان؟
 من قال إن المنطقة أو المكان الذي يكون محورا لأبطالي هو نفس المكان الموجود في عمل آخر، في رواية 61 شارع زين الدين والتي تحكي عن تاريخ نشأة ذلك الحي المتخيل أكثر منه حقيقة اكتشفت أن المقدس فرج قد اختار بيته بجوار الجامع الوحيد في بداية النشأة ومن هنا رحت أبحث داخل إطار الرواية عن السبب الذي جعله اختار فرج ذلك المكان وظل طوال عمره يستمع إلى ميكروفون الجامع في بيته ليل نهار. إنها المعرفة الجديدة بطبائع البشر. لقد ظل المقدس وفيا لدينه الذي يضرب في كل صلاة من خلال بعض الدعاة الإسلاميين الجهلاء، كما أن البحث عن مصائر مجموعة الأبطال مثل عبد الحميد والدكتور أحمد والشيخ مجدي وسعد الله الذي مات في بداية الرواية ظلت تؤرقني لمدة بعيدة حتى امتلكت مصائر بعضها وعجزت عن مصائر آخرين فتركتهم كما هي .

 أعود مرة أخرى إلى المعرفة التي طرحتها كسبب مهم لوجود الرواية، ماذا تريد من وراء ذلك؟
 لقد انتهيت في الأعوام السبعة الأخيرة من كتابة ثلاثة أعمال روائية طويلة كانت المعرفة هي الهم الأساسي الذي أبحث عنه. أما في رواية أم مليحة فلقد كان السؤال الأساسي في انفجار ذلك العمل هو عندما أخرجت احدى الشخصيات الروائية ورحت أملي عليها كيف ستجسد شخصية أم مليحة وكيف أنها استمرت في العيش طوال 81 عاما وكيف أنجبت ثلاثة عشر ابنا وبنتا ماتوا جميعا وتركوها تعيش مع الأحفاد وكيف ردت على الكاتب حين قال لها انه يشك في تقمصها للدور وكيف تركت الورق وراحت تعطي لذلك الكاتب الأحمق خبرتها الطويلة وعادت بالرواية مرة أخرى إلى نقطة الصفر . وفي رواية الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك فقد كانت المعرفة الجديدة التي تفجرت من داخل العمل هي دخول ما يشبه الدراسة الميدانية الموثقة عن حكر أبو دحروج ذلك المكان العشوائي والذي نشأ في بداية حكم الرئيس الحالي والذي اخرج لنا أبطالا جددا لم يتم التعامل معهم من قبل في العمل الروائي . وفي النهاية أظن وان كان بعض الظن إثما كما قال الله عز وجل في محكم آياته أن الرواية هي الفن الوحيد القادر على تغير نفسه والتأقلم مع الواقع المرعب الذي يفوق الخيال الذي نعيشه. أريد أن أقول من وراء ذلك أن روح الرواية هي روح الاستمرار. ولكن الاستمرار الذي أعنيه هو استمرار الاستثمار. استثمار ما سبق إنجازه وإلا فلن يبقى إلا ثرثرة لا طائل من ورائها ولا نهاية لها أيضا . أما عن «تمثال صغير لشكوكو» فهي تحكي عن علاقة أفراد عائلتين اشتروا أرضا بجوار بعضهم وأقاموا بيتين ملاصقين ومن خلال النصوص نكتشف كيف تعيش عائلة أبي سويلم الذي يواظب على شرب الخمر ولا تحترمه حتى زوجته الجميلة أم قصة ذات المؤخرة التي يحسد الناس أبا سويلم عليها رغم أنه منذ اليوم الأول لزواجه منها وهو ممنوع من الاقتراب منها وأبناؤه الجرابيع كما يطلق عليهم في المنطقة، وعائلة أبي نوح الرجل الذي يخافه ويحترمه الناس وعلاقته بأولاده وزوجته اللدغة والضائع منها حرف الفاء. ومن خلال حدث سرقة امرأة أبي سويلم للبيض من عشة فراخ زوجة أبي نوح التي تمسك بها بمساعدة أشكول كلبها وحين ذلك لم تجد امرأة أبي سويلم إلا أن تعايرها بسراويل زوجها المقطوعة دائما من الأمام وعند ذلك تعلن تلك المرأة عن سر زوجها ألا وهو طول عضوه ولم يمر إلا أسبوع واحد ويموت أبو نوح تاركا امرأته تراجع السنوات الثلاث والثلاثين التي عاشتها مع زوجها فوق السرير الحديد الجيد الصنع والذي يستطيع أن يحمل حملا لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين كيلو دون أن يصدر عنه صوت .

غيرت في روايتي

 ظهرت رواية «كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد» بعد عشر سنوات على طبعها للمرة الأولى من مكتبة الأسرة منذ سنتين وهناك اختلافات كثيرة وتغــير لأحداث الرواية في طبعتها الأولى عن الطبــعة الــثانية وسؤالي ينقسم إلى عدة أجــزاء الأول إلى أي مدى يمكن للكاتب أن يغــير في عمل سبق نشره. ثانيا مدى مصداقيــتك ككاتب. ثالثا أعلم أنك كاتــب منــتج ولــك أعمال لم تر النور حتى الآن فلمــاذا لم تنــشر عمــلا جديدا كما حدث منذ أربــع سنــوات حين طبعت في مكتبة الأسرة رواية : «دائما ما أدعو الموتى»؟
 سأجيبك عن أسئلتك كلها : رواية سعاد وهي بالتحديد كتبت في الفترة من 13 يناير من عام 93 إلى 20 يناير أي أن الرواية كتبت في أسبوع وكانت تجربة حقيقية كتبتها من أجل أن أعوض فقد أختي سعاد. كنت أبكي وأكتب، ولم أعد إليها مرة أخرى حتى طبعت بعد ذلك بعامين. وبعد ذلك كتبت عدة نصوص متفرقة على مدار الأعوام عن سعاد وعندما تقدمت بها إلى مكتبة الأسرة أعدت قراءتها مرة أخرى وكان قد مضى أكثر من عشر سنوات على وفاة سعاد وأصبحت الأحزان أخف وطأة والرؤية أكثر اتساعا كما إني أصبحت كاتبا له خبرة ست روايات ومن هنا شاهدت الرواية بمنظور جديد فأفرغتها من لحظات بدت لي عاطفية أكثر من اللزوم وأضفت إليها ثلاثة محاور جديدة اعتقد بخبرتي كقارئ جيد إنها محاور أضافت كثيرا إلى محتوى الرواية وجعلتها أكثر تركيزا وأكثر منطقية. أما عن المحاور التي أضفتها فهي محور علاقة سعاد بجدتها. ومحور علاقة حارس القبور الذي يبيع الجثث مع جسد سعاد أما البعد الأخير أو المحور الأخير فهو سعيد أخو سعاد في الرواية ذلك الذي كان يعتقد أنه لم يعد هناك شيء يحيا من أجله بعد موت سعاد وكانت الرواية تشي بموته من خلال الأحداث إلا أنه عاش حتى الآن على الأقل أما الذي مات فهو الأب ومن هنا أضفت بعض النصوص التي تتحدث عن سعيد بعد موت سعاد بعدة سنوات لأنفي ذلك الهاجس الموجود داخل إطار الرواية. أما عن لأي مدى يمكن للكاتب أن يغير من عمل تم نشره من قبل فأقول لك للكاتب الحق أن يصنع بعمله ما يحلو له. أما مدى مصداقيتي لدى المتلقي فأظن إني لم اقترف جريمة في حق أي متلقّ. ولك أن تعرف إن القارئ إذا أحب عملا تكلم عنه ووزعه على آخرين وإذا كره عملا تكلم أيضا عنه وحرمه على كثيرين. هل تعرف يا سيدي إن بعض النصوص حذفتها أنا لمصلحة فنية والبعض الآخر حذف بناء على أسس تتعامل بها الهيئة العامة للكتاب وهذا حقها طالما هي صاحبة اليد العليا وطالما أنت ذهبت إليهم بمحض إرادتك ولكن ما آلمني كثيرا إنه بعد التعديلات التي أجريتها أنا بناء على الأسس والقوانين التي تتعامل بها المؤسسة وبمحض اختياري فوجئت بتعديلات من قبل المؤسسة أو القائمين بأعمال المؤسسة. ورغم إن الرواية سبق نشرها في نفس ذات المؤسسة منذ عشر سنوات إلا أن المعايير تختلف من هيئة قصور الثقافة عن الهيئة العامة للكتاب رغم إنهم يتبعون نفس المؤسسة الرسمية. فمثلا كان هناك نص في الرواية يتكلم عن بنت مسيحية اسمها لينا إبراهيم. ولينا هذه مثال للتفاني في الحب والإخلاص حسب وضعها في النص الذي ينتهي بتساؤل يصنع مفارقة في نهاية النص كما هو منشور في النسخة المطبوعة في هيئة قصور الثقافة منذ عشرة أعوام. ينتهي النص هكذا: لينا هذه قد أحرقها الله يوم السبت الماضي فهل يدخلها الجنة؟ ولكن العاملين في مؤسسة الكتاب رأوا أن ذلك سؤال فلسفي عويص ومن هنا شاهدت العجب وأنا أمسك بيدي الطبعة الجديدة . انظر يا سيدي ماذا كتبوا لينا هذه قد حرقت يوم السبت الماضي. وأنهوا النص على ذلك، ولكن يبقى في النهاية كما قلت لك سابقا إنك طالما ذهبت إليهم وهم الأسياد ، فالمفترض أن تتعامل معهم وفق قوانينهم ولا يبقى لك في النهاية إلا أن تلعن فقرك الدكر الذي أحوجك إليهم فراحوا يعاملونك معاملة العبيد. حتى على المستوى المادي أيضا هناك أسياد وعبيد ، فمثلا أنا أتذكر أنهم منحوني (رغم إن هذا الكتاب الثاني من مكتبة الأسرة ) إلا أن المكافأة لا تتعدى الـ900 جنيه في حين ان أحد الأصدقاء الذين أجلهم وأقدر إنتاجهم الأدبي وتربطني بهم صداقة طويلة نزل في نفس السلسلة التي نزل منها كتابي الثاني وعلمت منه إن مكافأته 5000 خمسة آلاف جنيه بالعربي ولا يعود ذلك إلى منصبه الذي يشغله في تلك المؤســسة تنتــمي إلى نفس الوزارة بالتأكيد. وهناك أيضا كاتبــات ينشرن لأول مرة في مكتبة الأسرة وأخذوا نفس الخمسة آلاف جنيه.

 بعيدا عن تلك الحرقة التي تتكلم بها ما هى آخر أعمالك ؟
 الجديد ان هناك رواية اكتبها منذ عام ولم أفرغ منها نظرا للحالة التي أمر بها اسمها رد قلبي 2000 وهي تحكي عن عم عبد الواحد أبو علي الذي كان يبلغ الستين حين قامت الثورة كما في رواية يوسف السباعي وكيف عاش حتى عام 2000 وكيف شاهد التغير ومدى ما وصل إليه أبناؤه وأبناء أبنائه ..وفي البيت في انتظار النشر رواية : «هنا بالتحديد يجب أن نعيش» ومجموعة قصصــية : «لم يكن يجب على الملائكة» ومجموعة قصصية : «أوراق العربة الجنوبية».

محمد الحمامصي - السفير اللبنانية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى