السبت ٤ أيار (مايو) ٢٠٢٤
بقلم حسن لمين

سوسن والدعسوقة

همهمت الأمُّ بِكلماتٍ غير مفهومةٍ بينما كانت تُرتّبُ الطاولةَ للفطور. أدركتْ ابنتُها "سوسن" انشغالَها، فلم تُصرّ على طلبِها، لكنّها ظلتْ تُفكّرُ في سؤالِها المُحيّرِ عن الدعسوقات.

نهضتْ من على كرسيّها، ونظرتْ من النافذةِ إلى الحديقةِ الصغيرةِ المُزهرةِ أمامَ المنزل. تمنّتْ لو أنّها تستطيعُ الخروجَ واللعبَ في ذلك الصباحِ المُشرق، لكنّها تذكّرتْ قولَ أمّها: "لن تخرجي اليومَ إلى اللعب، ألم تسمعي ما قالته مُدرِّستُكِ في اجتماع الآباء؟"

تنهدتْ بِعمقٍ، ثمّ اتّجهتْ نحوَ مكتبتها الصغيرةِ، وفتحتْ كتابَها المُفضّلَ عن الحشرات. بحثتْ بينَ الصفحاتِ المُلوّنةِ عنْ معلوماتٍ عن الدعسوقات، مُتوقّعةً أنْ تجدَ إجابةً لسؤالِها المُحيّر. قرأتْ باهتمامٍ عنْ أنواعِ الدعسوقاتِ المختلفةِ وألوانِها وأشكالِها، لكنّها لم تعثرْ على أيّ معلوماتٍ تُشيرُ إلى طريقةِ التمييزِ بينَ الذكورِ والإناث. شعرتْ بخيبةِ أملٍ طفيفة، لكنّها لم تستسلم. أغلقتْ الكتابَ، ونظرتْ من جديدٍ إلى الحديقةِ. فجأةً، لفت انتباهها وجودُ دعسوقةٍ صغيرةٍ على إحدىِ أوراقِ الزهور. نهضتْ بِحماسٍ، وأمسكتْ بِمكبرٍ صغيرٍ من على رفّ المكتبة. راقبتْ الدعسوقةَ عن كثبٍ من خلالَ المكبر، وبدأتْ تبحثُ عنْ أيّ علاماتٍ تُساعدُها على تحديدِ جنسِها. تذكّرتْ ما قرأتهُ عنِ تركيبِ جسمِ الحشرات، وفجأةً، لاحظتْ شيئًا غريبًا. على بطنِ الدعسوقة، وبينَ النقاطِ السوداءِ، كانتْ هناك بقعتانِ صغيرتانِ بلونٍ مختلفٍ. ابتسمتْ ابتسامةً عريضةً، فقدْ تذكّرتْ أخيرًا ما قرأتهُ في الكتابِ! تُشيرُ هاتان البقعتانِ إلى جنسِ الدعسوقةِ: إذا كانتا سوداوينَ، فهذه دعسوقةٌ ذكر، وإذا كانتا برتقاليّتينَ، فهذه دعسوقةٌ أنثى. يا للفرح! أوريكا أوريكا!!.

نظرتْ "سوسن"إلى الدعسوقةِ الصغيرةِ من جديدٍ، وتأكّدتْ من خلالِ المكبرِ أنّ البقعتينِ على بطنِها برتقاليّتانِ، لقد كانتْ أنثى! شعرتْ بسعادةٍ غامرةٍ لاختبارِها الصغيرِ واكتشافِها الجديد. شاركتْ أمّها فرحتها، وشرحتْ لها كيفيّةَ التمييزِ بينَ ذكورِ الدعسوقاتِ وإناثِها.

منذُ ذلكَ اليوم، لم تعدْ الدعسوقات مجردَ حشراتٍ صغيرةٍ تُزيّنُ الحديقةَ بالنسبةِ "لسوسن"، بلْ أصبحتْ كائناتٍ مُميّزةً تُثيرُ فضولَها وتُحفّزُ ذكاءَها الصغير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى