الأحد ٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم محمد أبو عبيد

صواريخ عقل – عقل

لم يعد مقبولاً أن تظل المساحات والمنابر الفكرية في أغلبها ساحات يستأثر بها أصحاب الإرهاب الفكري، ويؤدون عليها ألحانهم الظلامية، ويكشفون عما تختزنه عقولهم من أفكار، والمفترض أن يكون الدهر قد أكل عليها وشرب. إن الفكر الصالح يبقى صالحا لا يفسده تقادم الزمان ولا تغير المكان، ومع ذلك يمكن ترميمه، أو تجديده، أو بناء فكر عصري على أساسه بما يتواءم مع مقتضيات وظروف الحاضر المُعاش.

العرب اليوم أمام مواجهة لا تقل خطورة و لا هلاكاُ عن المواجهات العسكرية مع غيرهم، لكنها مواجهة بينيّة. ليس صحيحاً الادعاء دوماً أن أطرافاً وقوى غير عربية تؤثر على أحد طرفي المواجهة البينية وتشد من عضده ضد الآخر في مسعى لدس الفكر الغربي في شرايين الدم العربي . إن ادعاء كهذا يفضي إلى تفسير بأن العربي غير قادر على تجديد فكره بنفسه، وأنه مجرد أسير لمرجعيات، مهما كانت صفاتها، تحركه كبيادق الشطرنج، وهذا جور بحق أي عربي حر متحرر.

المواجهة البينية العربية هي بين أصحاب عقول لم يبق أمامهم إلا الادعاء أنهم ورثة الأنبياء في أفكارهم، أو أنهم يوحى إليهم من ربهم ومرسلون من عنده مُحمَلين الرسائل والأمانات، وبين من آمنوا بحرية الفكر والرأي، وأن محمداً (ص) خاتم الأنبياء والمرسلين، ولم يجدوا ضرراً ولا ضراراً في إعادة صياغة أفكار الماضي، أو على الأقل فتح أبواب النقاش على مصاريعها بعيداً عن سيوف الحرام وسهام الممنوع أو العيب. اليوم لا يخشى ديموقليس ديونيسيوس ولا سيفه.

إن عدم تفجر هذه المواجهة الفكرية بشكل فعلي وعلني، سيزيد من العمى الفكري، والعنّة العقلية التي لن تجدي معها الفياغرا حينئذ. ونصبح منعوتين بأننا مجرد ورثة للأفكار ولا نصنعها أو نجددها، أو أننا مطية في أيادي قيادات روحية وغير روحية، مثلما نرى في بعض الأحداث كيف أن كلمة من فم هذا أو ذاك تؤجج مشاعر الملايين وقد تفقد أرواح العشرات. وأن كلمة أخرى قد تقود ملايين المُسيَرين، بأفكارهم وحركاتهم، إلى القضاء على إبداع أدبي أو فني من دون إدراك وفهم معنى الإبداع ومكنونه وشروطه الموضوعية. إن هذا من مخلفات الماضي وعجباً كيف أنه ما انفك متجذراً في قناعات الكثيرين بينما ولّى عصر القداسات والتبعية العمياء.

من هذا المنطلق، نجدنا ما أحوجنا إلى عقول ضد عقول، بالفاعلية والمفعول العسكريين ذاتهما، نحتاج إلى صورايخ عقل – عقل عابرة للأصقاع العربية. فلا يجوز الاستسلام إلى من لم يجدوا في الدين سوى سلاح يشهرونه في وجه أحرار الفكر والكلمة، ولم يفهموا من منظومة العادات والتقاليد المتراكمة سوى أنها مثل وظيفة الحاجب الذي يسمح بالمرور أو يمنعه وفقاً لمزاج المحجوب أو ذائقته.

إن العقول المضادة بحاجة إلى تفعيل فوري لتكون قادرة على أداء فعال وقوي لا يسمح ببقاء المساحات الفكرية تحت الاحتلال الظلامي الذي لم ينجح بمهارته، إنما لانعدام أو انحسار من ينتفض عليه. العقول المضادة موجودة لكن بعضها يعمل بخجل، أو أنه لا يصيب الهدف بدقة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى