الجمعة ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم حسين أبو سعود

عاشت الأسامي

إذا أردنا أن نعرف اسم شخص ما نقول له بصيغة الاستفهام: الاسم الكريم؟ فيقول أحمد أو محمد ويدعونا الأدب أن نقول له: عاشت الأسامي ولكن ماذا نقول للرجل إذا قال بأن اسمه: طاعون أو حرب أو فرعون! فأفضل عقلا أن نقول: ماتت الأسامي وبئس المصير.

وفي الأثر بأن خير الأسماء ما حمد وعبد. ويحرص الناس على إطلاق تسميات مقبولة على محلاتهم وشركاتهم، وتحرص الحكومات على أن تكون للمدن والشوارع والمناطق أسماء ذات دلالات مناسبة على الأقل، إذ لا يحق للدولة أن تطلق على مدينة ما اسم مدينة الموت مثلا أو يسمى أحدهم شركته بشركة الخاسرين لما للاسم من تأثير على المسمى، فالذين يريدون لأبنائهم أن يكونوا شجعانا يسمونهم بـ حيدر وأسد وعنتر ومن أراد أن يكون ابنه سخيا يسميه حاتما - وليس حاتم الطائي - وأذكر بأن أحدهم تطرف كثيرا فسمى ابنه (عمر بن عبد العزيز) ليكون عادلا.

وفيما يخص التسمية فبعض الأزواج يختارون أسماء أولادهم وبناتهم قبل الولادة بعد معرفة الجنس عن طريق الأشعة والبعض الآخر يختار أسماء لذريته قبل أن يتزوج والبعض يمضي الأيام والليالي في التفكير دون أن يستقر على اسم يرضيه ويرضي باقي الأطراف ومع ذلك تراهم يقعون في المحذور خاصة أن بعض الأسماء تكون محببة في لغة وممجوجة في لغة أخرى، واصرف النظر عن ذكر الأمثلة لأنها في الغالب تخدش الحياء العام.

وهناك أسماء تعرف منها جنسيات أصحابها فلا يمكن مثلا أن يكون مطشر إلا عراقيا وشمندي إلا مصريا وعبداللات إلا اردنيا. كما أن بعض الأسر الحاكمة تراوح في تسمية أبنائها وبناتها ضمن دائرة ضيقة من الأسماء، ويقال بأن الحسين بن علي عليه السلام قد سمى أولاده كلهم عليا فهذا علي الأكبر وذاك الأوسط والأصغر وهكذا، وإنه سمى بناته كلهن بفاطمة فهذه فاطمة الكبرى وتلك الصغرى وهلم جرا.

وفي السابق كان الناس يعطون المولود بالإضافة إلى اسمه الكريم اسما وكنية ولقبا وهو بعد رضيع. والبعض كان يحصل على لقبه بعد البلوغ نسبة إلى انجازاته مثل أبو العباس السفاح، ومروان الحمار ومسيلمة الكذاب. وعلى النقيض نرى إطلاق ألقاب حميدة على البعض الآخر مثل الصادق والأمين والكاظم، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غيَر أسماء بعض الأشخاص - ومن هنا جاءت عمليات تغيير الأسماء في عهدنا الحاضر. وإن بعض الدول تجيز للإنسان أن يغير اسمه فقط دون اسم أبيه وعائلته، وذلك عبر إجراءات معقدة كالنشر في الصحف واللجوء إلى المحاكم وغيرها، في حين تعطي الدول الأوربية للإنسان الحق في تغيير اسمه واسم عائلته ولكنها لا تسمح بتغيير تاريخ الميلاد منعا للتلاعب والاحتيالات، ونحن في مجتمعاتنا مبتلون ببعض الأسماء غير المحببة، يتمنى أصحابها تغييرها للتخلص من الإحراج إلى الأبد لولا صعوبة الإجراءات .

وجرت العادة في إيران وباكستان وأفغانستان أن يتم تسمية الأبناء بأسماء مركبة منعا لسحر صاحبه من قبل الحساد والعذال لأن السحر لو أصاب اسما فيخطئ الآخر ويقل الضرر تبعا لذلك. وقد تعرض أحد الاخوة الباكستانيين إلى موقف لا يحسد عليه في مطار جدة الدولي عندما منعه موظف الجوازات من الدخول لأن اسمه ينافي العقيدة الاسلامية وهو ( الله ديتا ) ولم يزل المسكين يعاني في المطار حتى تم إقناع الموظف بأن هذا اسم مركب ومعناه عطية الله.

على اني رايت لدى غير العرب بعض الأسماء العربية الجميلة حقا و المستقاة من القران الكريم مثل: لنا وآتنا ولا ريب وغيرها، وان كان هؤلاء لا يتوفقون دائما في اشتقاق الاسم الصحيح من المصحف، وكان رجلا ينادى باسم (نكتل) قائلا بان والده اشتق هذا الاسم من القران وهو اسم اخ النبي يوسف كما في الاية الكريمة ( ارسل معنا اخانا نكتل).

وأذكر ذات مرة أن جاءني مسلم هندي يستشيرني في تسمية مولودته الجديدة وقال بأنه اختار اسم حمير وهو مستخرج من القرآن لانه يتناغم موسيقيا مع اسم ابنته الأخرى نمير، فأخبرته بأن حمير هو اسم جمع ومفرده حمار للذكر وحمارة للأنثى وعندما عرف المعنى ولى مندهشا لا يلوي على شيء.

ومن المفارقات اللطيفة في أسماء النساء سؤالي لبائعة محل في لندن عن اسمها لولعي بمعرفة معاني الأسماء فقالت بأن اسمها فاسية - وهي كلمة عربية لا تعرف معناها - فقلت لها ادعي ربك أن لا تكون الكلمة عربية حتى يتغير معناها ونصحتها بأن تضع شدة على السين إذا هي ذهبت إلى دولة عربية؛ ليكون الاسم نسبة إلى مدينة فاس المغربية وليس إلى الفأس الذي وقع في الرأس.

وعلى ذكر أسماء البنات سأل أحد الحمقى فتاة عن اسمها قالت له: أسماء. فقال: أها يعني مو اسم واحد.

لقد رأيت من الناس من يحرص على أن يكون اسم ابنه فريدا من نوعه لم يجعل له من قبل أحد سميا، ويذهب البعض الآخر إلى تسمية أبنائه بأسماء تطلق على الجنسين مثل صفاء وسعاد وصباح وبعضهم يسمون الذكر باسم الأنثى مثل وداد، ونساء بأسماء رجال، ورجال بأسماء حيوانات ونباتات وظواهر طبيعية.. ولله في خلقه شئون. فيما يحرص علماء الدين على عدم تسمية ابنائهم بأسماء خفيفة الظل إذ لا نجد بين أبنائهم من هو سمير أو أنيس أو زمعة. والظريف أن بعض الدول في العالم النايم تتدخل في وضع الاسم بإعطاء صلاحيات للمسجل لمنع تسجيل بعض الأسماء لاعتبارات طائفية او أخلاقية أو ما يتعلق بالذوق العام.

وينتابني العجب من بعض الأرجوزات لفرسان العرب الذي يثبتون حق التسمية للأم، حيث جرت العادة عند الحروب أن المقاتل عندما يخرج للبراز يرتجز ببعض الأبيات وكان أشجع العرب علي ابن أبي طالب يفتخر عندما يرتجز ويقول: أنا الذي سمتني أمي حيدرة. أو كما قال الأمام الحسين عليه السلام للحر بن يزيد الرياحي: ما أخطأت أمك عندما سمتك حرا. ويبدو أن العرب كانوا يعطون للأم حق التسمية تكريما لها ومكافأة لتحملها مشاق الحمل والوضع والتربية.

وعليه فإنه ينبغي على كل معقد من اسمه أن يتفاءل خيرا ولا يلوم والديه والبدء بمعاملات تغيير اسمه ويرتجز مثل الفرسان ويقول: أيها الناس انسوني وانسوا اسمي وعنواني... وعاشت الأسامي.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى