الاثنين ٢١ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم دينا سليم

عيني تمطر خجلا

سوف أمشي اليوم بدون نظارات، حتى لا أرى خسارات العالم. أتمنى لو سحابات دخاننا تمطر، حتى يعرف العالم بأي وجع نحن.

عبارات كثيرة مألوفة نرددها، مثل، (السلام عليكم) لكن هل هناك سلام، وهل عليكم بقية؟
نخاف أن نخرج من بيوتنا السجن، حتى أصبح الآخرون يجهلون ملامح وجوهنا وأشكالنا، لكن، كلب الجار كان قد شمّ رائحتنا، وكم كان مولعا في عضّنا مثل أيّامه الباقية، وحين خرجنا، نحن ( أهل الكهف)، تورّط الكلب في عضّنا، لأنه لم يعرف أن جلودنا مرّة من كثر ما مرّ علينا الصّبر !

اليوم لم أمطر من عيني، إلا القليل، لكن دمعي فاض وأصبح بكاء السموات أكثر مني خجلا.
ساشكو لكم العالم الجديد، عالم اليوم الذي أصبح بلا أخلاق، ما عاد الحب حبا، وما عاد الكلام كلاما سوى فساد البشرية!
سأسألكم، أين هو جين الوعي، لماذا لم نعد نتحدث عن المعرفة؟ نعرف أو لا نعرف، أريد معرفة المزيد، أم استكفينا من فائض التفاهات ؟
البحث عن المعرفة مرض خبيث، أخبث بحث التقيته في رحلة حياتي.

وعندما عدت أتشاور مع صاحب المقولة المشهورة :( لقد بدّلتُ الصحابة بالكتاب) نبذني الآخرون!
وكما قال آخر : (كنا نطير في الفضاء أحرارا، وحين اكتشفنا الحقيقة تحولنا الى زواحف).

لا أريد تشويه الجمال بالمعرفة، لأن المعرفة سرطان مخيف لا يقتل إلا صاحبه.

أين نركن؟ الى أين نحن ذاهبون؟ نركن خلوة أنفسنا أم نلوذ بأنفسنا الى خلوة الحضيض ؟
سأتكلم، والآن، وبما أني قبعتُ زمنا، بل دهورا أمام الصندوق الخشبي الراقص أمامي، (التلفاز)، ورغم حذر الحرية خارجا، سأذهب بمعية (الروموت كونترول) إلى حيث توقف جين المحبة. استبدلت جين العقل الواعي جدا أمام منظور الأنا المتخلف جدا!

هيهات أن أرى صورة بدون دماء، خبط، بطش، ركل، صراخ، عويل، دمار، و.... يكفي، فعينيّ أصابهما الرّمد، اعتقدتُ أنهما سبب خسارات العالم التي أشاهدها أمامي، ربما لم أعد أرى الأمور بوضوح. تناولت قطرة العيون، وقطّرتُ، قطرة تلو الأخرى، أغلقتُ عيناي ليستريحا قليلا، وكي يتخذ المفعول وقته، لكني فتحتهما عنوّة ومن خارج نفسي سمعتُ صراخا أدخلني مجددا في غيبوبة الحدث ومومعة قطرة العيون خاصتي.
سجلتُ في ذاكرتي صورة فلانة، أمرأة من بلاد اللة الواسعة والمتخمة بالدمار، تقوم بسحب جثث المارة، تدخلها في بيتها، جثة تلو الأخرى. تحايلتُ عليها، ألا تفعل، لا ، أرجوكي، لا، لا.....

سارقة جثث؟... غضبتُ وكرهت نفسي وعيناي، لم اصدقهما، عدت لفركهما، ساعدتني بتنظيفهما إحدى الشركات الأمريكية، نظفتهما، ومجددا، وورق (الفاين) بدأ يتساقط على الأرض، لن ألمّ آلامي وأضعها في سلّة المهملات، فآلامي وأنا الشاهدة تضاهي آلام العالم المتخبط بدمائه خارجا.

وأتيتُ بملف آخر، أمرأة أخرى تجمّع الحجارة داخل بيتها، يا للهول، ماذا يحصل في العالم المتوحش الآن، رحلتُ بذاكرتي البعيدة إلى قصّة أعرفها زمن الطفولة، إحداهن تغلي الحجارة إيهاما، حتى يسكت الأطفال إعتقادا بأنها تجهّز لهم الطعام، لكن! أين هو الخليفة المنتظر؟ لم يأتي الخليفة بعد... ما زالت الحجارة في القِدر، والطعام غير جاهز، والمرأة تلم وتلّم الحجارة، والقذائف تمرّ من فوقها، أيعقل أنها تجمّع العشرات منها كي تقذف الجنود بها! ممكن! لكن أين الخليفة المنتظر مجيئة، لم يأتي خليفة واحد، أتوا بالعشرات يدّعون الخلافة، خشيت المرأة على نفسها، شرفها وأبنائها، فأخذت تلملم الحجارة من الشارع، كي تبني سورا تمنع فيه سبيها!

توهمنا أننا نحمل الصوت الواحد، صوت الإنسانية، وتحايلنا على الأزمنة، لم تكن لنا، ومضينا نحمل أحجار الأمس، علّها تنفعنا في قبورنا الأخيره، في الشاهدة الوحيدة على أننا كنا نحمل أسماءنا فوق رؤوسنا المصادرة، وما زلنا وحتى اللحظة نتأمل حكاية الحجر.

وعدت أبحث عن تلك المرأة السارقة، وإذا بي أبحث في جيوب الفضيلة، هناك فضيلة ما، ما زال العالم يحمل بعض الفضائل! فرحتُ، ابتسمت، اتسعت ابتسامتي، ضحكت فرحا، تهلهلت أساريري، المرأة تبحث عن اسماء الضحايا، تدونها كي يعرفها أصحابها، يا للهول، ما زالت هناك نساء شريفات، لماذا لا يتكلم عنهن التاريخ، لماذا تأتينا الصحف فقط باللواتي يبعن شرفهن وهن يتعاطين المهنة القديمة؟

أكره أن أكون صاحية، لأني سأكون صامتة خرساء، وإن تفوهت سأصرخ، سيسمعونني محتجّة من خلف الجدران، وللجدران آذان صاغية... سأنام إذاً... كي لا أرى شيئا...فهكذا يريدنا القدر، نائمون على طول!... الآن بدأ حالي يتساوى وأنا بين الصحو والنّوم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى