الاثنين ٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم حميد طولست

قادة من ورق

لا أحد بمقدوره أن ينكر الأدوار الطلائعية التي لعبتها معظم المنظمات النقابية المغربية عبر العقود الماضية، كما أنه ليس باستطاعة أي كان أن يتنكر أو يطمس إنجازاتها الكبيرة، ومساهماتها العظيمة لصالح الجماهير العمالية، حيث كانت المتنفس الوحيد لآمال الطبقة المقهورة، والبصيص الذي انار طريقها وشد ازرها قبل أن يتسرب إلى العديد من مكوناتها السلوكات المرضية الإنحرافية التي نخرتها من الداخل.

صحيح أن الصراع بين بني البشر حالة عارضة، وشذوذ عن القاعدة. لكنه أمر حتمي بينهم لطبيعتهم الأنانية المغرقة في الفردانية المهووسة بالذاتية، حينما يتعلق الأمر بالزعامة والريادة، تلك الغريزة المتجدرة في كل الكائنات والتي تدفع بها إلى التناحر والاقتتال والالغاء المتبادل؛ إذ لم يحدث أبدا في وقت من الأوقات أن كان هناك تجمع إنساني كيفما كان هذا التجمع (حزبي أو حكومي أو نقابي أو عشائري وحتي عائلي) بلا منازع أومنافس طامع في الزعامة ومتطلع للريادة، فهي سمة عامة في غالبية البشر، وما هدوء بعض التجمعات إلا كالهدوء لذي يسبق العاصفة، أو أن ظروفا ما تؤجل رغبات الطامعين، وتحد من طموح المتطاولين إلى حين.

وليست هذه المرة الأولى التي يطفو فيها الخلاف ويتأجج بين مكونات الإتحاد العام للشغالين بالمغرب، فهناك سوابق وامثلة موروثة مند زمان بعيد، وكاتبها العام "المكير له" أي المقال بالعربي الفصيح، يعرف ذلك جيدا لأنه كان من أتباع(هاز النافخ) للذين خططوا للحركة التصحصحية، أو الانقلابية التي أطاحت بعبد الرزاق أفيلال أقوى قائد نقابي عمر طويلا؛ وكما علمتنا الأيام، أنه ليس في حياة الأشخاص والمنظمات بكل تلويناتها، حصن حصين مضاد لتقلبات الزمان ونكباته المفاجئة مهما طال الزمان، والوقت كعادته غدار ولا يعترف بالضعف والتراجع أو الحنين إلى لحظات الزهو والاحساس المطلق بالتميز والأفضلية المبنية على أن الشمس لا تسطع إلا للقادة وحدهم، ومن يعتبرون أنفسهم "قطعة سكر" لا بد أن يتحلق النمل حولها.

كلنا يعرف أن الصراع هذه المرة، بين شباط وبنجلون، غير متكافئ، كما كان عليه في المرة السابقة، رغم أنه ليس إلا استمرارا لسيناريو صراع على المواقع، مخطط له قبل عامين ونيف، والذي فتح الطريق لآليات الإلغاء والاعدام المتبادل، واللفظة الجارحة، والتعبير الحاقد، وكراهية الآخر، بين شباط، وأفيلال المطاح به.

فكم احتج كل فريق واستنكر، واتهم غيره وقدم الدلائل الدامغة والحجج الملموسة على أنه الأصلح وغيره الزنديق المارق، وكم تضاربت التصريحات، واختلفت التعليقات، وتنوعت البيانات حول الأسباب الحقيقية للصراع الذي إشتد وحمي وطيسه إلى أن أفضى في إحدى مراحله إلى استعمال القنابل المسيلة للدموع وتمكين شباط من تعيين بنجلون للقيادة الموجهة والمشروطة..

لقد صعب حينها وفي خضم ذاك اللغط الكثير، والهذر الحاد، والإستنكارالعظيم، والإحتجاج الشديد، على اقدر المحللين أن يرجح كفة أو يدين أخرى، لكن الذي أمكن الجزم به أنذاك هو أن إحتدام الصراع واشتداده، رهن حاضر ومستقبل الطبقة الشغيلة، وكرس الحرمان والفقر، لأنه كما يقولون: لا تنمية ولا تطور مع التناحر على المناصب والزعامات، والمزايدات على المصالح والمواقع.. في الوقت الذي تجهل فيه الشغيلة " الطيبة " كليا ما يجري بين الذين إأتمنوهم على مصالحهم، لأنها (الشغيلة) مرهقة بالهواجس الحياتية اليومية التي لا تتحمل الإنتظار ولا المماطلة، ولا وقت لها للقيل والقال لأنها تعيش كفاحها المرير مستهدفة لقمة الخبز داخل حياة مزدحمة بالآمال والإحباط والانتظارية مملة وصبر أيوبي، لمن ألهتهم مصالحهم الأنانية، وصراعاتهم الوهمية الطائفية، حتى يعبروا بهم إلى آفاق رحيبة من الاستقرار والرخاء الاقتصادي والاجتماعي..

أياً كان السبب، فمصيبة متخرطي الاتحاد العام في " المتقاودين" الجدد-على وزن المتمارضين ان صح التعبير، أي الذين يجرون وراء القيادات بلا قدرات ربانية ولا مهارات مكتسبة- تفوق مصيبتهم فيما جرى لأفيلال الذي رفض الانصياع للأوامر، وتولى قيادة نقابته بنفسه جاعلاً صوت قلبه الملئ بالوفاء لكرسيها، أغلى عنده من صوت المصحيح الذي يعده إذلالا وتدميرا له.

وكما ثبت للجميع مدى افتقار هؤلاء القادة الصغار لجرأة قيادة أنفسهم وكلماتهم وتصريحاتهم، فحديث الشارع السياسي والرأي العام. تنبه إلى أن أغلب الراغبين في قيادة هذه النقابة بكل أطيافهم، وتوجهاتهم – إن كانت للكثير منهم توجهات، كانوا جميعهم ولازالوا يتقربون من القائد " الأقوى " الذي قاد ويقود كل الانتفاضات التصحيحية والانقلابية، ويتمسحون بأعتابه، لركوب عربته وامتطاء موجته، للوصول لمراكز الزعامة والريادة، كل بتكتيكه الغبي المكشوف، مسلمين له لحاهم للجر والبهدلة محاولين اخفاء مدى رعبهم مما جرى لعبد الرزاق على يده وبتكتيكه الخطير.

كثيرون هم الذين يفضلون دور التابعين، ويعمدون في مسيرة حياتهم إلى انتظار المبادرة من الآخرين، ليسيروا على خطاهم.. مقلدين أدوارهم دون مراجعةٍ أو تحليلٍ لمدى ملاءمتها لأوضاعهم ومقدراتهم الخاصةً، متبعين مقولة " الموت مع الناس نزاهة" و" دير راسك مع الروس وقول العطاع أقطع"..

هذا الصنف من الناس، لا يصلحون لتولي مناصب القيادة، لأنهم قوم تبع دائمي البحث عمن يقتدون به ويتبعونه، لا يبادرون الى شئ من أنفسهم بل يطبيقون ما يملى عليهم.. لا قدرة لهم على أن يقودوا لأنهم تعودوا على أن يُقادوا وينقادوا فهم القادة من ورق..

فلا يمكن بحال من الأحوال تسمية من ارتضوا تسليم لحاهم لغيرهم ليسحبوهم وراءهم، قوادا ولو قُلدوا أمور الناس كلها، وليس نقابة من نقابات العالم الثالث. فأمثال هؤلاء يسميهم رياضييوا السباقات بالأرانب التي لا دورلها إلا تسخين "الطرح" ورفع وثيرة السباق وتهيئ الظروف للأبطال الحقيقيين لصعود منصات التتويج بجدارة. وكما يطلق عليهم المشتغلون بالمسرح والسينما "الكومبارس" أي أصحاب الأدوار الثانوية الذين لا "ينوبهم" من النجومية شيء، إلا التعب، لأن النجومية " لمن عطاها الله" من نصيب الفنانين العظام.. وفي الغالب الأعم ما يكون انقياد هذه الفئة الصاغرة الضعيفة من الناس، أعمى لدرجة عدم تمييز الخير من الشر، الصدق من الكذب.. حتى أنهم وبعد انكشاف الحقائق وانقشاع الغيوم، لا يقوون على الاعتراف بواقعهم وحقيقتهم، والتراجع عن اخاطئهم والاعتراف بعجزهم، ولا يحاولن إصلاح ما أفسده الطمع الذي أغر يهم وأغمض عيونهم عن حقيقة وضعهم..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى