الأحد ١٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم جميل حمداوي

قراءة في عرض مسرحي أمازيغي تحت عنوان "ءيدير ياضنين"

تمهيــــد:

قدمت فرقة فضاء تاسوتا للإبداع بوجدة مسرحية تحت عنوان"ءيدير ياضنين"، وهي من تأليف محمد حنصال، وإخراج عمر بديوري. أما التشخيص فقد تكلف به المؤلف نفسه، في حين تولى كريم الصدوق الموسيقا وعمر حنصال الإنارة، وغاب عن المسرحية كل من الممثلتين حبيبة أجگنور وحنان الشايب لأسباب قاهرة.

هذا،وقد عرضت المسرحية يوم الجمعة 14 دجنبر 2007م في قاعة المركب الثقافي بالناظور على الساعة الخامسة مساء، بعد أن عرضت لأول مرة بالمهرجان الأول الاحترافي للمسرح الأمازيغي بالدار البيضاء مابين 07 إلى 14 ماي 2006م، وقد تولى إخراجها في تلك الفترة أبوعماد ومصطفى برنوصي،وقد دعمت هذه المسرحية حاليا من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. إذاً،ماهي خصائص هذه المسرحية دلالة وصيغة ووظيفة؟

1- المستوى الدلالي للمسرحية:

تتخذ المسرحية طابعا تسجيليا في نقل الأحداث التي تتعلق بالوطن والإنسانية بصفة عامة وما تعرفه الأمازيغية من مضايقات وحصار بصفة خاصة. ويندرج هذا العرض ضمن مايسمى بالمسرح الوثائقي أوالمسرح التسجيلي الذي نجده عند المخرجين الأمان كپيتر ڤايس وپيسكاتور وبريخت؛ لأن الكاتب يقدم بأسلوب مباشر مجموعة من الخطابات والتساؤلات السياسية والإيديولوجية المباشرة حول الخطاب الأمازيغي حتى تحولت المسرحية إلى خطبة في التاريخ البربري المحاصر، وكشف للمستور السياسي المضاد.
ونفهم من خلال الأغاني التي رددت أثناء العرض المسرحي مدى شدة الحزن الذي كان يعانيه الإنسان الأمازيغي إبان مرحلتي الاستعمار والاستقلال الحديث والمعاصر، ومدى ضخامة المأساة التي تسيطر على نفوس الأمازيغيين الذين ضحى آباؤهم بأرواحهم وممتلكاتهم من أجل الحصول على الاستقلال، ولكن أحفادهم في الحاضر يعاملون معاملة لاتليق بهم، قوامها التهميش والتفقير والتجويع والإقصاء والازدراء.

ويلتجئ المخرج بعد المقاطع الموسيقية الأمازيغية الحزينة إلى استخدام الأصوات الصاخبة الدالة على الحروب والمعارك وانفجار القنابل التي تحيل سيميائيا على نضال الأمازيغيين ضد أعدائهم قديما وحديثا، وتجسيد المجازر الإنسانية والأهوال الدامية الجنائزية، وتصوير ما يتعرض له الإنسان في هذا العالم من فتك وتنكيل، ورصد الإساءة التي مست نساء الأمازيغيين، وما اقترفه الجناة العداة من تعد على حرماتهم وأعراضهم وحقوقهم، ومحاولتهم لطمس هويتهم الموروثة، وإبادة تراثهم وحضارتهم على غرار ماتعرضت لها حضارة الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية وحضارة الإنكا في دولة الپيرووحضارة الأزطيك بالمكسيك.

ويستحضر الكاتب في عرضه المسرحي أبطال المقاومة الأمازيغية كعبد الكريم الخطابي وموحا أوحموالزياني وعسوأوبسلام. وينتقل من ذاكرة المقاومة والبطولة إلى ذاكرة المأساة والمعاناة والتهميش والغبن. كما تشير المسرحية إلى الوضع الحالي للأمازيغية التي همشت، والتأشير على الصمت المطبق المفروض عليها من قبل السلطات الحاكمة والطبقات السائدة في المجتمع والتي لاترى فيها أي نفع ولاجدوى سوى التخلف ووجع الدماغ وقابليتها لأن تحول إلى مجرد عروض سياحية فلكلورية.
ومن ثم،يحمل (ءيدير) همومه النضالية وبندقيته الصارمة للتخلص من الأشرار الجناة الذين يترصدون للوطن بصفة عامة وللأمازيغية بصفة خاصة. واستطاع فعلا بطريقة لاشعورية التخلص من أعدائه الذين لايريدون أي صلاح لهذا الوطن، ويحاولون طمس معالم الهوية الأمازيغية كيدا وشرا، وقتل كل شعور بالانتماء المحلي، والدوس على أي إحساس بالكينونة الأمازيغية التي ظل الإنسان الأمازيغي قرونا طويلة وهويفتخر بها اعتزازا وشهامة وبطولة.

وعليه،تستنكر هذه المسرحية المأساوية عالم البشاعة والأحقاد والإحن، وتستهجن أيضا عالم المجازر والحروب الدامية والصراعات الواهية التي ينتج عنها انتشار الأشلاء والجثث في كل مكان من هذا العالم، ويسوده الألم والأنين بعد لحظات الأفراح والسعادة المؤقتة.
ويخترق مكان العرض المسرحي أثناء لحظة الحبكة والصراع والتوتر الدرامي صوت الصدى، وهوصوت الأب يوصي (ءيدير) بالثبات والصمود، وأنه لاجدوى من النحيب والعويل والبكاء الذليل،فينبغي أن يحدد ذاته وأن يناضل من أجل أن يثبت وجوده وكينونته من خلال الصراع مع الشر والحقد الأسود الدامي الذي يتجسد في الأيقون الوحشي ( خو).

ومن هنا، فالمسرحية غنية من حيث الدلالات، وثرية من حيث الإحالات المرجعية، ودسمة من حيث الرموز الإيحائية والعلامات السيميائية.

ب- المستوى الفني والجمالي:

يبدأ برولوگ العرض المسرحي بمقطع موسيقي أمازيغي يذكرنا بأناشيد وأغاني الأمازيغيين بالأطلس المتوسط، وذلك من أجل التمهيد للحبكة السردية التي وردت في قالب مسرحي فردي منولوگي رتيب لبساطة المشاهد وتكراريتها في الكثير من الأحيان. كما اعتمد المخرج على المسرح الفقير عبر تشغيل الديكور والإكسسوارات الأمازيغية الأصيلة للإحالة على الهوية والموروث الحضاري والفلكلوري كما يتمثل ذلك في استخدام البندقية والبرنس والأزياء الأمازيغية.

وتتجاذب الإنارة ظلمة ونورا للتعبير عن الصراع الجدلي بين الخير والشر،والتأشير على ثنائية التشاؤم والتفاؤل، والألم والأمل، والفصل بين الليل والنهار، وتقسيم العرض المسرحي فضائيا وحدثيا.

ويختار الممثل الفردي داخل هذه المسرحية أن يلعب معظم أدوراه الدرامية أرضا من خلال السقوط على خشبة الركح والالتصاق بها أثناء سماعه دوي الرصاص وأزيز المدافع، ويحيل هذا السقوط الأرضي على الانكسار والخيبة وتعاظم المأساة وانهيار الهوية وانبطاح الإنسان الأمازيغي. وما وقوف الممثل فوق الخشبة بعد ذلك سوى استرجاع لتاريخ المعارك البطولية التي خاضها الأمازيغيون ضد أعدائهم القساة المحتلين. وبهذا يسيطر على العرض المسرحي التواصل السفلي في مقابل التواصل العلوي، بالإضافة إلى تواصل الخشبة في مقابل تواصل الكواليس الذي كان يؤزم الأحداث ويحرك الحبكة السردية من خلال تشغيل المعارك والبطولات، وتهييج ذات الممثل نفسيا وذهنيا وحركيا، وتنشيطها موسيقيا ونضاليا .

ويتمحور الصراع الدرامي في هذا العرض المسرحي حول الوقوف في وجه التهميش والإقصاء والغبن والظلم والفقر وتضييع الهوية وتمزيق صفحات كثيرة من تاريخ البطولة والمقاومة الأمازيغية التي دجنت وهمشت باسم الاستلاب والإيديولوجيا والسيطرة عبر تاريخ الكفاح والاستماتة في سبيل الحرية والاستقلال وإحقاق الحق وإبطال الباطل. لكن هذا الصراع اتخذ طابعا تراجيديا لم ينفرج إلا بالقضاء على الشر الموهوم في اللاشعور الأمازيغي الذي يتجسد في الشر والحقد وسوداوية القلب والفعل( القضاء على خو).

وتشبه هذه المسرحية التي عرضها محمد الحنصالي مسرحيته المعروفة " داها" المعروضة في المهرجان الاحترافي الثاني للمسرح الأمازيغي بالدار البيضاء مابين 08 إلى 15 ماي سنة 2007م دلالة وصياغة ومقصدية.

خاتمــــة:

يتبين لنا من خلال هذا العرض المسرحي أن مسرحية " ءيدير ياضنين" لمحمد حنصال مسرحية تراجيدية في قالب فردي منولوگي تستوحي الذاكرة البطولية الأمازيغية، وتندد بعالم الشر والحقد والكراهية، وتطرح أسئلة كثيرة تخص الكينونة الأنطولوجية للإنسان الأمازيغي بصيغة توثيقية تسجيلية حول الهوية والماضي والتراث والمقاومة والحاضر. بيد أن هذه المسرحية وقفت عند نطاق تسطيح الأحداث وتبسيطها وتوظيفها في قالب فردي أفقد المسرحية حيويتها وتمسرحها الدرامي الحقيقي ؛ لأن الممثل الواحد لايستطيع أن يقوم بكل شيء، فقد رأينا محمد أحنصال ممثل المسرحية في آخر العرض قد بح صوته وعجز عن استكمال العرض ذي الطابع التراجيدي المأساوي.

وعلى الرغم من بعض الهنات السينوغرافية، فإننا نشكر محمد أحنصال على مابذله من مجهودات مشكورة من أجل الاستمرار في تقديم فرجاته الدرامية للجمهور الأمازيغي المغربي، ونشيد بغيرته على القضية الأمازيغية، وتشبثه بالهوية والكينونة الأصيلة للإنسان البربري،كما نحيي فيه الإخلاص الكبير وتفانيه في تجويد عروضه التشخيصية، وصدقه في الكتابة والتأليف، وحبه للعمل المسرحي أيما حب وعشق، واجتهاده المضني من أجل تحديث فرجاته والبحث عن تيمات حساسة ومؤرقة في الجدية والطرح من خلال توظيف أشكال درامية جديدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى