الثلاثاء ٢٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم مــحــمــد زريـويــل

قــراءة فــي ديـــوا ن " قـــمــر الأطــلـــس " للــشــاعـر عبد السلام بــو حـجـــر

فــي قـــراءة الـشعـر فـيـض مـن الـعـشـق

طلع علي " قمر الأطلس" في الليالي البيض ، تلألأت أشعته و أنواره ، أخـذ ت أهبتي لأمسك بها ، لكنها سالت منحدرة على عاشق النجوم الساطعـة في سماء القصيد ، دهمني من العشق ما لم أكن أتصور أو يخطر ببالي .افـتـتـن قـلـمـي وأطلقته هو الآخر هائما متولها مع العشق ،لا يفتري كذبا في هذه الورقة الـغرامية .

دون مقدمة وإهداء ، عـشـقـت الـلاحـقـيـن الـمـصاحـبـيـن الـمتممين , وهـما عـتـبـتـان معشوقتان الأولى لوحة ، و الـثـانـيـة عـنوان .

لــوحــة الـغــلا ف : لوحة توحي إليك مباشرة بالشموخ في قمم الأطلس ، وكلما ارتفعت متسلقا الدرجات إلا وا قتربت نسبيا من القـمـرالذي لا تذيب أشعته ثلوج الجبل ، أحس الأطلس بالبرودة فنسجت له الروعة حايكا مغربيا ، ينساب من القمة إلى السفح شاهدا على عمق الصلة وميرا ث الحضارة ، مع الـنظرات إلى الزي تنتشي , و ُتـغـرى الأيادي للمس القماش ، في حين يشرد الخيال أمام زهاء الألوان . في تقـليد ا لـصـنعـة زخرفة بسيطة ، تـلـبّــس الـحـسـن بالـبـسـاطــة و أفضيا على الـغلا ف أناقة عالية توحي بالسر الكامن خلف الـحايك ... فُـتح الـنطاقان ، وبقيت الـثنيات لينة والطيات عريضة . في سواد ظلمة الأفق ، بزغ القمر الأزرق مشعا نوره ومكسرا ضبا ب الغـبـش ليضيء الكلمات ...

عــنــوا ن الـديــوا ن : " قمر الأطلس" اسمان قمر وأطلس، بينهما إضافة خلعت الـتنكيرعن الأول بحكم شهادة الثاني ، أطلس موطنه الـمغرب ، إنه الملك الذي أعجب به المؤرخ "هيرودوتس " كما أثبتت كتب الـتاريخ الإغريقية القديمة ، وألف أفلاطون قصة أطلس في ثلاثية أكد قيمتها سقراط رغم غرابتها. ونحن أحفاد الـجنس الأطلسي ، تغنينا به في أناشيد الـتحرير و الاستـقلال. تمت استعارة اسم أطلس لتسميات كثيرة ، فـنـسـمع رقصة الأطلس ، عرس الأطلس و... و...و.... ولما لا قمر الأطلس.

تناولت الديوان عاشقا ، بقراءة محدودة ، لا متشبعة ومعمقة ، وهذا ما أتركه لذوي الاختصاص من النقادالمحترمين . قرأ ت الديوان متذوقا ومتمتعا ، حاولت الإمساك بخيوط هذا الإبداع الفني فوجهت صحني المقعرفي اتجاه " قمر الأطلس" حسب ما يلي :
ـ عــدة درجات جهة المغرب الشرقي .
ـ مقدار الذبذبة بالكم .
ـ التردد معلوم .
ـ الاستقطاب يتم عموديا بمعدل الـترميز والـتصويب .

ضبطت الكـل ، فبدأ ت الصور تتزاحم آخذة موقعها للبث بالواضح طوا ل مدة الإرسال من القمر الفني الإبداعي إلى رقعة هذه الورقة ، التي تتغيا في توا ضع الــبوح تحت ا ستفزاز وضغط العشق المضمخ بعبق الـتوهج و أ ريج الجما ل .

دون سبر الأغوار للبحث عن مخابئ الدرر ، ولا الغوص في الأحشاء والدواخل للاتقاط الجواهر، القيمة الجمالية تعانقني ، تطفو وتغوص على إيقاع مفـتعـل عنوة ، ترقص عليه الكلمة سافرة غير مقنعة، سهلة المنال . كعاشق أعوم في عري الكـلمات ، أ قرأ عيون الـقصائد وأتأملها في ود و تعاطف ، أنظر إلـيها وكأني أشعرها بأن لديها نفس و روح ، يشرد الخيا ل أمامها لأنها نازعة إلى الإغراء بطبعها ، ماسكة بنسبها العريق ، أحقق فيها الـنظر فـتطبق القـصيدة جفـنـيـها متحاشية نظراتي في حشمة و وقار.

سمحت لنفسي بالاسترسال في القراءة وفـقـدت الـسيطرة على مشاعري بإلهام من الوحي الخفي والهاتف الداخلي . سكـنني هـوس قض مضجعي لأ قرأ الـديوان و أعـيد قراءته ، لا لأ فيض الحديث عـنه بالـتـفـصـيلات الزائدة ، وإنما لأتـلـذذ سـر المتعة الحاضرة في الموازنة بين الأصل و الصورة ، والتسلسل المنظم و الترابط المنطقي .

طبعا يـشـعـر الشـاعــر بما لا يـشـعـر بـه الــقارئ ، فهـو مرهف الحس ، لماح الإحساس، دقـيـق الشعـور ،وصاحب الــديوان كذلك ، لـكـنه يـتـصـيـد اللفـظ الجذا ب ليدخـل القارئ في خيمة الشعـر ويرحل به إلى عالمه .

تأنق في أسلوبه دون قيد او تكـلف ، اختار ألـفـاظه مؤثـثـة في حسنات الشعرو مواطن الجـمال . يقدم النغم العذب الخلاب بنفس صافية و روح مشرقة و تمازج منسجم , وبـكل هذا وتلك ، إذا أنشد
أعجب ، وإذا غنى أطرب . يزداد شعره حلاوة ومتعة وعشقا حين يشدو بصوته و يصدح بقصائده ...
مع ولادة القصيدة قال: " ... أكون في لحظات فرح مزيجة بـلحظات عذاب داخلي أترجمها بالتغني..." وهذا ما تلمسه في قصـائــده من حـيـث الإيـقـاع المتنوع الذي يخـاطب أذن السامع أو القارئ في تجاوب فني و موسيقي , وكأن الشاعر يغـنـي ويـكـتـب .

يرشح شعر ديوانه عامة بمعان تمت إلى الذوق الإبداعي والفني بصلة تغري الروح بما هو عميق و أصيل من الشعر ، كما تحـث الموهبة الإبداعية و الفنية للاقتراب من القارئ . تحمل الشاعر عبء المعاني في الأداء بثقة في القريحة الـتي لا تخون , وبخبرة في الأسلوب الذي لا يعوق ، وباستجابة وجدانـيـة يركب الــبحور كي يخاطب الروح ، و يعزف بأنامل الشعور والإحساس على أوتار الوجدان ، وحين تستهويك قراءة ديـوانـه , تولد فيك عشق الـكلمة وسحر الصورة الشعرية .

حاولت فك شفرة القصائد ، و ساء لتها لتبوح لي أيـن أ ضع تـشـطـيـبـاتي ، لكنها رفضت في تعنت ، وجهرت بالكلام السري ... من أشعاره تفوح رائحة الغناء والـطرب , والدليل ما تؤكده بعض العناوين كرمز قاطع , وهذه الشبكة الإسمية كمشير واضح : ( الرباب ـ أغنية ـ نشيد ـ عـرس ـ إيقاع ـ قيثارة) .

بصدق المعاناة و روح حرة متمردة على كـل الـقـيـود ، عشقت مكونات المضمون الشعري في الأبـيـات و السطور، في المقطعات والقصائد ، ولابأ س من الإشارة و التلميح لا التعمق و التحليل .
" قــمــر الأطـلـس " ديوان شعري يتكون من ثلاثة أبواب شعرية متفاوتة القصائد وهي :
ـ الباب الأول بعنوان " طقوس الروح " وهـو مطلع الديوان , قوامه أربع قصائد ، من خلالها يتضح أ ن الشاعر مأخوذ بسحر الـقصيدة حتى البكاء و حسرة الموت ، بل إلى أقصى درجات العذاب و الذوبان في الصدى مع الاحتراق .. وقــال :

... " تلك أنهارنا سوف لا تنتهي
ولهذا نسميه ما نشتهي " ص (60)

سميته زير القصائد بدون منازع , مع أسماء في قصيدة " بلاغة الرباب" أمضى إلى الإغماء ... و تركها تنام في حراسة القمر... ومع عائشة في قصيدة " أوراق عاشق الرحيل" انحنى إليها سلاما ، وقدم لها باقة من القصائد بلون الصراع منغمسة في مداد الـجياع ،لأنها ترقص في قلبه كشعاع القمر...ومع المرأة العاشقة في قصيدة " سفـر آخر " مشت القصيدة إلى قلبه على حبل الجنون فرآها وراء الصمت تمسك بالماء كالقمر ... ومع التي قالت في قصيدة " قـــالـــت"... جرى ما يلي :

" و قصد ت مرآتي...أرى وجهي أنا
فرأ يت وجهك أنت كالبدر التمام " ص (25)
(.. )

" أتـغـيـب يا قـمـر الـربـيع وأنـت من
نورتني و سكـنـت فـي أغلـى مقام " ص (26)

ـ الباب الثاني بعنوان " دفاتر الوطن " وهو صلب الديوان ، عدد قصائده سبعة . " أغنية الشما ل" قصيدة غنى فيها الشاعرلأرض الشمـا ل ، و ربع الحسيمة ، و والديه و سحر حياته ، و لعبد الكريم الخطابي ، الشهم العظيم الذي جعل الحق بدرا ، و إلى كل هؤلاء أهدى اللازمة التالية : " إليك اليوم أهدي كلامي " ص (36) .

مع أم أسعد في قصيدة " نشيد الولادة بين الحلم والحصار " علمته الكثير , فوهبها حياته ، وحين أراد قلبه أن يهفو، أصر على غزل وردة الفجر الجديد قصيدة في شكل زهرة ، أو جمرة ، أو عبرة , أو ثورة، و ناداها أم أسعد ، الحمامة التي تعلن حبها للعاشقين ، وأنا أحدهم ...

أردت أن أتـعـمـد إغـفا ل الـجـانـب المسرحي للشاعر ، لكن بعض الـتساؤلات المباشرة وغـيـر المباشرة تفضي بالعشاق إلى السر والسبب حتى لا يجب العجب ، غاب عن الـقصيدة مدة ليحضر في المسرح ، دائما على درب الاحتراق ، برر الغياب بالكتابة في المسرح الشعري ، فجاد بأعمال فنية معشوقة متعددة كمسرحية " ملحمة القمر الأزرق " و التي نال بها جائزة وزارة الــثـقـافـــــــة.
جاءت قصيدة " تحت راية الحـضور دائما" لا للعودة والمصالحة ، وإنما لتأكيد الحضور الدائم فقال:

" لأب عـرفـتـه دروب الـنـزيـف

تارة يـخـتـفـي في هـدوء الكلام العـمـيـق

و أ خــرى

يـفجـر أشواقــه

فـي حــقـول الـصـدام الـعـنيــف . " ص (51)

اعترف بصدق العاشق في قـصيدة " ما قبل الغناء " و أشعل بأعماقه سرا وغماما ، وعلى بحر الرمل سقاه جمال ـ الذي أهــداه القصيدة ـ كأس الأمل من الأغاني الجميلة ، وقبل الغناء تبقى لديه نعيمة قـصـيـدة تنادي اللحن صديقا ، والصوت صباحا ، فتصبح بذلك أغنية يجدها بعد العذا ب و الظلام ... و يهديها إلى جمال متسائلا عن الغياب .

" أين أنت الآن يا نبع الخيال ؟

أيها الصوت الذي كان إذا غنى ومال

لأعــاصير الجما ل

يخطف الدمعة من أبراجها

يــرسم باللحـن خـدودا

و قدودا... " ص (63)

في قصيدة "عـبـور" حبك لغزا حول رجل را ئع الخطوة ، يحمل شمعة ، و بـجـبـيـنـه يـشـعــل و ينـيـر الدرب إلى كهـف الـعـاشـقـيـن ، إنها الإشارة إلى الشعر و الشاعر .

" قــمــر الأطلس" هو عنوان الديوان ، هو صورة الغلاف ، وهو القصيدة منها تلامس الروح الآلام والجمار، و يصيح القـلب عن الشاعـر اللسان .

" اجمل عالم يا أصدقاء

هو الذي لم نكتشفه

هو الذي نبنيه بالرفض . " ص (69)

(..)

أذهب بعيدا .. من هناك انطلق النشيد ...

سار الشهيد إلى الشهيد

في وحشة الليل الطويل " ص (70)

يقر الشاعرأن القصيدة امرأة مروعة تدفعه و تختفي ، وتعشقه وترفضه , ثم تبتعد في المستحيل ، وحين يحاصر... يزيد في الاشتعال ، ينشد الحرية و العيش كما يريد , دون أن يهجر السر و يقول :

" فالحلم نبراسي و عكازي هوالإيمان كي لا أ نحني " ص (74)

" لن نركب السفن الصغيرة والكبيرة

كي نمر إلى مرافئ غيرنا

لا ... لن ندق اليوم أجراس الرحيل

كي نستريح على ضفاف المستحيل ... ! " ص (78)

في قصيدة " إيقاع من أ جـل الإنـسـان " عشقت الشكوى كي أقاسم الشاعر همومه بكـل المصادر القصرية : منع ، إسكات ، إخماد ، وعلى شكل إيقاع الـتحدي و المقاومة يتم الفرار إلى العدل مع نهاية زمن الخوف والحذرفي الأرض خيمة الجميع وقال :

" فــأرانـــي مـســافــــرا كــنـــســيــم إذا عـبـر

أو شـاهــدا و شـاهــــدا بـدمـي أرسـم الــقـمـر." ص (82)

ـ الـبـا ب الـثـالـث بــعــنوان : " دفـاتر المنفى " و هو ختم الديوان ، مجمله ثلاث قصائد وهي : "حوار باريس " قصيدة من خلالها عاد الشاعر إلينا يغني للفجر الجديد ، يغزل الآلام شعرا ، و يحيا شقاءه في غنائه و حياته في قصيدته ، يغني لكل الفقراء الـحفاة العراة ، وطنه الإنسان في كل الجهات ، في باريس بلد الوعود والمقابلات ، حاور ذلك الذي أ تــى من بلاد الشرق ، يختفي وراء كلماته ، دعاه للعودة إلى الوطن الغالي فرفض ، بدعوى أ نــه لا يـرى أحلام شعبه الحر إلا في الجريدة ، ولـكـن .. بضمير يتألم ألـم الأشقـياء و الأبـرياء ، يكـبرالـنضا ل في القـلب حبا،ويتطلع المغترب للغد المشرق والنصر الذي تصنعه الأيادي مهما طال الزمان .

" عرس ســرايـيـفـو " قصيدة مأساة تصنع الملامح ، حكاية زوج من علي ومـديحة ، ثــنــائـي في تحد و صمود ، بكلام مضمخ بدم الورود ، أراد الزوج بناء الـعـش ، لكن الـحـلم بـعـيـد بـعـد الـخـطـيـبـيـن الحبـيـبـيـن اللـذيـن يـ ...حــ ... ــلـ ... ــمــ ... ـــان حلما متقطعا ونكسرا يؤول إلى آيات الاستشهاد ، فسقط العريس الشهيد متوهجا في نفوس المومنين و صدور العشاقين .

على أ وتار قـصيـدة " أسرا ر قــيــثــارة الـمـنـفى " عزف لـذلك الـذي يـقـيـم خارج وطنه باستـخـفـاف .. أجاز في حـقـه أقـصى دروب الــتـشـبـيه ، هو كذلك الذي خان ملته , وحين يدون المنفي دفاتره ، يخا ل ويتصور دائما الموعـد والعودة إلى القمر ، ألا وهو الوطن الحبيب . فقا ل الشاعر :
" خـلـت نـفــسـي مـسـتـلـقــيـا فــي ســــريــر عـلـى الــقــمــر

(..) كــــل حـبـي رغــم الـنـوى فــاذهــبـي بـي إلـى الـــقــــمـر" ص (111)

انصهرت القصائد بعضها في بعض رقيقة شفافة ، العصية منها نادرة و قليلة ، أبدع الشاعرفي سبك الأسلوب و تطويعه ، فأ ثث السطر الشعري بالكلمات الجميــلــة حتى غـدا ـ الـسـطـر ـ وكأنه رف كتب لمادة واحدة .

" كم كنت أرغب في لقائه من زمان
من زمان في لقائه كنت أرغب .. " ص (40)

وكذلك :

" وتـفـيـض عـلـيـه الـجـراح بـعـمـق
بـعـمـق عـلـيـه الجراح تـفـيـض " ص (52)
قصائد الـديـوان غـنـائـية بكـل المقومات ، الإيقاع و النبض يشهدان بشعرية الكلمات ، ورهفة الإيماءات تفضي على النغم الموسيقي طلاوة ، وكثيرا ما وجدت ذاتي في عشقي وأنا اقرا وأضرب باليد إما على الطاولة او على الكتاب نفسه .. قرأت و قرأت .. ثم أعدت القراءة بفيض من العشق الذي لم يكن نزوة عابرة بقدر ما يكون من خلاله تـقـصـي الـصـنـعـة الـشـاعـرة المغرية بالألحان المندلقة ماء من جيوب الحجر ، بات العاشق يردد الأسطر، وكأنه الـناسك المتعبد ، وبكل هذا وذاك ، أزعم ان هذه الورقة لم تحط بكل ما تتطلبه القراءة العاشقة من تذوق ومتعة ، لا تأويلا وتحليلا .

و أخيرا بهمس اللذة ، ولهيب الرغبة مع شهوة العشق ،أخذت من الديوان كلمات ملونة لأرسم بها لوحة تحت ضوء القمر في فرحة زرقاء ، ها هي المرأة السمراء بيد بيضاء ، تمد الرسالة الحمراء ، فيها أسرار خضراء ، وللقراء فيما يعشقون متعة ...

مـــحــمــد زريــويــل

فــي قـــراءة الـشعـر فـيـض مـن الـعـشـق

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى