الثلاثاء ١٠ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم توفيق الحاج

كل امتحان ونحن بخير

بداية..

أعتذر لقرائي المتابعين الموافقين منهم والمفلوقين عن غيابي عنهم أسبوعين كاملين كإجازة إجبارية من التنتيت السياسي بأمر من المدام بسبب حالة الطوارىء التي فرضتها لمواجهة الامتحانات فقد تحول البيت الى مدرسة خاصة بالمعنى الحقيقي مكونة من أربع فصول وكان على أن أتولى متابعة ابن التوجيهي وأن انقله بسرعة من أجواء "تامر حسني" الى أجواء النحو والبلاغة ولكم ان تقدروا حجم معاناتي إذ يريد"دلوعة أمه" أن أعطيه ثمرة عصارة علم سيبويه والكساتي وأبي الأسود الدؤلي في ملعقتين..!! وقد اكتشفت أن الولد أشيه بالخزان المثقوب فما يفهمه في المساء بنساه في الصباح فكنت كمن يحرث في بحر ولكن من أجل سواد عيون ناظرة المدرسة أفعل المستحيل خاصة وانه يطالني جانب من النعم التي تدس بالسر والعلن إلى التلميذالحيلة فمن سندوبتشات إلى شاي إلى عصير إلى قهوة إلى فرخة الخ الخ

ولقد سرحت مرة في ذكرياتي عندما كنت طالبا في التوجيهية بعيد النكسة فوجدت أن أقصى درجات العز من أبي وأمي الأميين رحمهما الله كانت بيضتين قدمتا إلي سرا في محيط كامل من الدقة والزعتر والزتون ومخلل الباذنجان وقشر البطيخ الذي حرق قلبي..!! ومع ذلك رفضت تناولهما إلا برفقة أخوتي..!!

كان أيامنا منظر "المعرش"قاعة الامتحان الواسعة في الهواء الطلق يقشعر البدن ويجعل الركب تسلم على بعضها البعض..!!
ومع ذلك..

فاني وللحق أعذر جيل ابني الممزق والمتشظي بين تسارع الأحداث الرغبات والشهوات والفضائيات وكثرة الطلب على الشيكلات في زمن أرخص ما فيه الموت مقارنة بزمن جيلنا الذي كان الفقر من أمامه والضياع من خلفة ولابد له ان يفوز بالتوجيهية ليكمل المسبرة ويحصل على لقمة عيش..!! وإلا يقدم على الانتحار غرقا في البحر أو تحت القطار القادم من مصر..!!

ولم يكن أمام جيلنا قبل أربعين سنة الا الراديو والبلاغات العسكرية الواردة من القناة وكنا فقط عندما نزهق من المتنبي أو قوانين نيوتن في رحلتنا اليومية إلى الأحراش نلجأ كصوفي معتزل مع شعر أشعت أغبر وذقن طويلة إلى نار عبد الحليم حافظ أو جنة شادية ونفتح صرة الدقة ونزدرد لقيمات الخبر الناشفة مع جرعتين من الماء.. وكفي الله الدارسين شر القتال.!!

نعم
أعذر حيل الجل والبيليفونات والرنات على ما يواجهونه من ضغوط أو مضاعفات الحصار الخانق ومن تمزقات واستقطابات بين فتح وحماس ومن إغراءات النتات والسيديهات والفضائيات فمن الطبيعي أن يكون وجه هيفاء أرق وانعم من سحنة منهج التوجيهي الطافح والمكتظ ومن الطبيعي أيضا أن طعم سي دي "يوحة" ألذ من طعم إعراب كلمات مهجورة في امتحانات سابقة..

ولكن أن كان جيلنا هو حيل تحدي ظروف الذل والجوع فان هذا الجيل يجب أن بكون جيل تحدي الوجود نفسه فاما أن يكون أو لا يكون وبالفعل فان من أبناءه من شرف ويشرف فعلا شعبا كاملا بالتفوق والدرجات العلا..!!

نعم كل قلبي مع كل الممتحنين وخاصة أبناء التوجيهية بما فيهم ابني المدلل طبعا.

وقلبي المتشائل مع مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها الحكيم عباس وأيدها الهمام هنية..!!

وأخشى أن تفشلها أنانيات من لا يهمهم سوى أن يستيقظوا صباح كل يوم وكراسيهم لا تزال يخير فوق رقاب الناس..!!

أدعو الله أن يلطف بأبنائنا وبنا كشعب مغلوب على أمره فكلانا أمام امتحان وكل امتحان ونحن بخير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى