الخميس ٣١ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم حسن توفيق

من مقامات مجنون العرب

الجبناء يعتصمون بجبل السكوت..تاركين من يموت يموت

لم يعد أحد يصدق ما تراه عيناه.. فالعاصفة الجامحة تتحرك في كل اتجاه.. والأمواج السوداء تقترب من الشطآن.. وتتجمع من أقصى مكان.. لتتحرك في هيئة طوفان.. ومن قلب الأمواج خرج أخطبوط رهيب.. وأخذ يلتف بأذرعته على كل من هو قريب.. والغريب أن هذا الأخطبوط الرهيب.. يستطيع أن يمشي بسرعة عجيبة.. وبإمكانه أن يطير في الجو بأجنحة مريبة.. أما الجواد فقد أعلن بكل عناد.. أنه لن يغتصب موسم الحصاد.. وإنما يريد أن يحرره من قبضة الجلاد.. لكي يهديه
إلى كل الناس.. بشرط ألا تكون في أفواههم أضراس.. حتى لا يخدعهم الوسواس الخناس!

أغلق الجبناء أفواههم بالشمع المختوم.. ثم حملوا معهم ما هو مجهول وما هو معلوم.. وأخذوا يعتصمون بجبل السكوت.. تاركين من يموت يموت.. دون أن تحمرَّ وجوههم من الخجل.. لأنهم لم يفكروا في أي عمل.. فبادرهم صوت شجاع.. وهو ينطلق بكل اندفاع.. ما طار طير وارتفع.. إلا كما طار وقع.. .. أما الذين آثروا السلامة.. فقد تمنوا للأخطبوط طيب الإقامة.. وقام بعضهم بإشعال النار.. لكنها امتدت إلى أجمل الأشجار.. ولم يعبأ الأخطبوط بهم أو يهتم.. وإنما طلب منهم أن يأتوه بكأس الدم.. واستحسن المنافقون بالطبع ما طلب.. وقالوا له بكل خشوع وأدب: إن طعم الدم لذيذ.. بل إنه ألذ من النبيذ!
كان عنترة بن شداد.. نائما بعد ليلة، أرقه فيها السهاد.. فأيقظه المجنون من الرقاد.. وروى له ما يدور وما يجري.. وحدثه عن السم الزعاف الذي يوشك أن يسري.. فتساءل عنترة بحدة وغضب.. وأين هم العرب؟.. ألم يكونوا يفاخرون بنصرة الجار.. ويقفون في وجه من جار؟.. أليس لديهم سيوف؟.. أم أنهم أصبحوا مجدوعي الأنوف.. وصرخ عنترة بن شداد.. وهو يمسك سيفه باعتداد:

هل أصبح الإذعانُ نجمَ الموسمِِِ

أم هل شربت الكاس قبل تندُّمِ

يا دار عبلةَ.. للشروق تطلَّعي

رغم احتدام النار أوسيل الدمِ

لا تعبئي بالناظرين وصمتهم

فالناظرون إليك.. كلهمُ عَمي

لم يرفعوا سيفاً فيرفع شأنهم

أو ينجدوا طفلاً بأرضِ مخيَّمِ

لم يعرفوا الطاغي من المظلوم مُذْ

سيقتْ خطاهم في الطريق الأشأمِ

أو يبصروا شمس التآخي فوقهم

فتدحرجوا في قاعِ ركنٍ معتمِ

يا ليتهم خبروا الزمانَ فلمْ تصم

أشواقُهم عن خطوة لتقدمِ

لكنهم - واحسرتَا - خافوا فلمْ

يُكتبْ لهم غير اجترار العلقمِ

دفعوا فواتير الشراء مقدماً

وتدافعوا شوقا لأخيبِ مغنمِ

حسبوا الطعام يفيدهم ويعيدهم

في الليل شبانا بملهى الأنجمِ

فإذا الطعام شرائح من جيفة

والسم يسري في نخاعِ الأعظُمِ

وبقرب تمثال الغرور ترنحوا

وهمو جلوسٌ في نعيمِ جهنمِ!

ليظل منهم مَنْ تلذَّذَ بالأذى

ويظل منهم مَنْ بوحشٍ يحتمي

ويظل منهم مَنْ يراقص ظله

ويطيل رقصته إلى أن يرتمي!

أما أنا.. فقد انطلقتُ ملوحاً

بالسيف في وجه اللئيمِ المجرمِ

ومعي رجالٌُ من سلالة يعربٍ

لم ينحنوا.. وإليه كلٌُّّ ينتمي

«ولقد شفَى نفسي وأبرأ سقمها

قيلُ الفوارس: ويك عنتر أَقدمِ»

وحصانَي المشتاق يصهل جائعا

للنصر.. لم يرجع ولم يستسلمِ

ولقد لمحتُكِ والظلام مخيّمٌُ

حولي ورفضُ الذلِّ ينضحُ من دمي

فوددتُ أن يصحو النهارُ لأنه

آتٍ بوعدِ زمانكِ المتبسمِ

الجبناء يعتصمون بجبل السكوت..تاركين من يموت يموت

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى