الثلاثاء ٨ شباط (فبراير) ٢٠١١
بالثورة ضد القهر
بقلم حسن توفيق

يتحقق ما حققت مصر

مصر هي مصر.. مصر لم تتغير لأن المكان – أي مكان – يظل ثابتا في موضعه وموقعه دون تغيير بحكم المنطق والجغرافيا، لكن كل من يعيشون على أرض مصر الصابرة هم الذين تغيروا تماما منذ يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 ، وهو اليوم الذي سيسجله التاريخ بكل ما يستحقه من إجلال ، كما سيظل كل شعب مقهور يتذكره بكل إعجاب وتقدير، مترقبا أن يتحقق يوم خلاصه وتحرره .. قبل ذلك اليوم كان من المصريين من يرددون الأمثال الشعبية التي تحضهم على الخنوع والركوع وعلى تقبل الذل والرضا بالمهانة ، وسأكتفي هنا بذكر مثل واحد لا أكثر لأنه يعبر بكل وضوح عن تلك الحالة الجماعية أو شبه الجماعية المزرية: اسجد لقرد السوء في زمانه، ومعنى هذا المثل بكل بساطة أن على المحكومين أن يتذللوا للحاكم وأن يطبعوه طاعة عمياء حتى لو كان طاغية مستبدا، يظلمهم ويبطش بهم في أي وقت يريد فيه أن يتسلى بهذا الطيش!

فبل ذلك اليوم التاريخي الرائع والناصع، وعلى امتداد ثلاثين سنة من حكم طاغية أحمق، ثبت للجميع – فيما بعد - أنه متبلد الإحساس، كانت مصر قد فقدت دورها المؤثر الذي كانت تؤديه خلال عهد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، وهكذا أشفق عليها المشفقون وشمت فيها الشامتون، ولم يعد الإنسان المصري العادي قادرا حتى على أن يضحك من أعماق القلب، ورغم هذا كان هناك ثائرون تتلقفهم المعتقلات والسجون أو يختطفهم الساهرون على أمن الحاكم لا على أمن الوطن والمواطنين، حيث يتم إخفاؤهم عن الوجود دون أن يعلم بأماكن وجودهم إنس ولا جان، وإلى جانب الثائرين كان هناك ساخرون ممن تعبر سخريتهم بالقول عما يعتصر قلوبهم من النحيب، ولم يكن الساهرون على أمن الحاكم يهتمون بهؤلاء إلا إذا خرجوا من حدود القول الساخر إلى ثورية الفعل المباشر، وأرجو ألا يكون هذا حديثا عن النفس حين أقول إني أعتز بأني كنت واحدا ممن كتبوا ضد كل تلك الأوضاع المزرية سواء من خلال مقامات مجنون العرب أو من خلال الكتابة الغاضبة والساخرة ، حيث كتبت عن جلالة ملك مصر القادم – المدعو جمال - رغم أنه اسم على غير مسمى، و كتبت –في جريدة الشرق القطرية – مقالا ساخرا بعنوان – يا صديقي أنت إن انتخبت خبت - كما كتبت مقالا لم يقدر له أن ينشر لأسباب خارجة عن إرادتي وهو بعنوان: الحزب الوثني يتباهى بخراب وطني!

من هنا أقول إن ما جرى منذ يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 لم يكن مفاجأة حتى وإن بدا أنه كذلك، وهذا ما يفسر المشاركة الجادة والرائعة من جانب البسطاء المقهورين على امتداد ثلاثين سنة في ثورة الشباب المصري المسلح بالعلم وبالمعرفة والمتحلي بكل قيم التحضر والنبل والجمال المشرق وليس الجمال المزيف، وليس عجيبا أو غريبا أن الصنم المعتق في صناديق الفساد والذي كان يعبده الحزب الوثني لم يستطع حتى الآن أن يستوعب ما جرى وأن يفهمه رغم أن الطاغية الذي سبقه وهو شين الفاسدين كان قد أعلن أنه فهم أبناء تونس الأبطال حتى وإن كان هؤلاء لم يفهموه!

رغم حبي لصديقي الشاعر الكبير أمل دنقل فإني لن أردد بعد اليوم ما كنت أردده من شعره:

لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد
وخلف كل ثائر يموت أحزان بلا جدوى
ودمعة سدى

أما الشاعر الكبير خليل مطران فإني ما زلت أردد ما قاله في بيت واحد جميل ، يؤكد فيه أن الظلم يظل سائدا طالما أن المظلومين لا يثورون عليه:

كل قوم خالقو نيرونهم
قيصر قيل له أم قيل كسرى

الثورة – في حد ذاتها - ليست مفاجأة ، بقدر ما هي حصاد لتراكم معاناة ملايين من المظلومين والمقهورين ، وهي حصاد لنضال الثائرين ولسخرية الساخرين ، وهي تجسيد حي لمقولة العلامة ابن خلدون : الظلم مؤذن بزوال العمران، لكن الدهشة ربما تكون كامنة في أن الشعب الذي كان يردد في أمثاله الشعبية – اسجد لقرد السوء في زمانه – قد تحرر تماما من أشباح الخوف التي كانت تطارده حتى في النوم ، وكل ما أتمناه بل كل ما أترقبه – طالما أن الثورة تنتقل بالعدوى – هو أن تنتقل عدوى ثورة شباب مصر إلى كل أرض عربية أو غير عربية يعربد فيها الظلم والفساد والطغيان ، خصوصا أنه ليس لدى المقهورين ما يخسرونه سوى قيودهم لكنهم يربحون بعد هذا عالما بأسره ، وهم يطبقون ما قاله الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت: لكي يكون الموت حقا ينبغي أن تكون الحياة عادلة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى