الأربعاء ١١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم عادل الأسطة

يحدث هذا يومياً !!

تعود من عمان، بعد غياب أسبوعين، وتمر، في أثناء العودة، بما يمر به أولئك الذين ينتقلون من مدينة إلى مدينة، أو من قرية إلى مدينة. ويقف هؤلاء أمام الحاجز حتى يفرجها عليهم الجنود الإسرائيليون. تقترب السيارة التي تستقلها من النصارية في غور الأردن، فترى طابوراً من السيارات. ويتحدث السائق. يتحدث بعد أن التزم جميع ركاب السيارة، بمن فيهم أنت، بعد أن التزموا الصمت منذ انطلاق السيارة من استراحة أريحا. يخبر السائق الركاب بما مرّ به أمس، بما فعله الجنود. يقول: لقد أوقفونا ساعات طويلة فاضطر بعض السائقين إلى البحث عن طرق أخرى، طرق التفافية. وفي تلك الأثناء تشاهدُ سيارة أخرى قادمة من استراحة أريحا تتجاوز السيارة التي تقلك وتتجاوز السيارات الأخرى، باحثة عن طرق جانبية، طرق التفافية. يواصل سائق السيارة كلامه: قد ننتظر ثلاث ساعات حتى يأتينا الدور. ولكنه لا ينتظر. يتابع السير ويقتفي أثر السيارات المتجاوزة.

تنظر من نافذة السيارة فتبصر سيارة عمومية نزل منها ركابها وساروا في طرق وعرة، على الأقدام، حتى تتجاوز السيارة التي كانوا يستقلونها مساحةً ترابيةً جد وعرة. ولا يحذو سائق سسيارتكم حذوه، ويواصل السير على الطريق المسفلت. وبعد مسافة ما، بعد مسافة ما يسير على طريق ترابية، ويصبح شعر رأسك وشعر رؤوس الركاب أشعث أغبر، وتغبر أيضاً الملابس والحقائب.

يتكلم السائق. يخبر الركاب أنه هو وأصحاب السيارات الأخرى دفعوا ثمناً لفتح هذه الطريق. " لقد دفعنا مبلغاً من المال لصاحب جرافة حتى يعبد لنا هذه الطريق " ( تتذكر ما قرأته وشاهدته على صفحات جريدة الأيام. تتذكر ما كتب: فلسطيني يبتدع أفكاراً جديدة ويغامر بحياته حتى يسهل حياة المواطنين ). ولم يخطر ببالك أن هذه الطرق قد تسبب الهلاك لمن يسير عليها. ( فيما بعد أخذ جنود الاحتلال يطلقون النار على من يسير في طرق التفافية، وتشاهد هذا بأم عينيك، ثُمَّ تقرأ تقريراً لمراسل الأيام في نابلس عما يلم بأولئك الذين يسيرون على طرق التفافية، ومنها طريق نابلس – الباذان – طريق الجبل غير المسفلتة ).

ويتحدث بعض الركاب عن ( أوسلو ) وما جره اتفاقها. وتبدي رأيك القديم الجديد: لقد وقعت القيادة الفلسطينية في فخ ما كان ينبغي أن تقع فيه. كان عليها أن تشترط على اسرائيل الانسحاب الكامل من غزة وأريحا، ومن بقية المناطق فيما بعد. وتضيف: طلبنا دولة فحصلنا على سبعين. وتغدو هذه العبارة لازمة تكررها وتوردها في كتاباتك. ( أصبح القادمون من رام الله إلى نابلس يلتفون حول رأس الرجاء الريحاوي يومياً، وذلك بسبب المستوطنات المنتشرة ما بين نابلس ورام الله ). وتدرك، لأول مرة، أن ما يقوله زملاؤك الذين يأتون من نابلس وقلقيلية ليس فيه مبالغة.

وتهمس: يبدو أن حل المشكلة يكمن في إيجاد أسطول من طائرات ( الهيلوكبتر )، ما دام الإسرائيليون لا يريدون إزالة المستوطنات أو إعطاءها لأهل فلسطين العرب الذين هجروا من فلسطين عام 1948، تعويضاً عن ممتلكاتهم التي فقدوها.

وتفكر في أن تكتب للرئيس ( بوش ) رسالة تطلب فيها منه أن يمنح الفلسطينيين ألف مروحية حتى يتنقلوا، بوساطتها، بين مدن الضفة وقراها. ( ستكون هذه مساعدة ولفتة كريمة من الولايات المتحدة حفظها الله دولة قوية تحافظ على حقوق الإنسان ). وتقول: وهناك ما يبرر هذه المساعدة، فالبنك العربي وزبائنه، وأنا منهم، نفضل إيداع نقودنا بالدولار الأمريكي. فلماذا لا تقابل أمريكا حسن نوايانا هذه بمبادرة حسنة. ( تخاطب نفسك: كم أنت بائس. ها أنت تكرر ما قاله لك ذات نهار مدير منطقة نابلس للاجئين. حين كنت مع زملائك تتأخرون عن دوام المدرسة قالت لكم المسؤولة: مدير المنطقة يقول: عليكم أن تكونوا في المدرسة مع بداية الدوام حتى لو جئتم بطائرات ( هيلوكبتر )، ويومها قلت لها: لا بأس، ولكن أحضري لنا الطائرات ).

تصل إلى المكان الذي تقيم فيه، فيهنئك الركاب بالسلامة ويواصل السائق طريقه. وتسير في اليوم التالي في شوارع نابلس. ترى كل شيء على ما كان عليه قبل أسبوعين. كل شيء هادئ، ولا يتغير أيضاً كلام الناس: الحصار والأوضاع الاقتصادية المتردية.

تنفق اليوم الأول، دون أن تسمع، إلا مساءً، صوت الرصاص. وتذهب في اليوم التالي ( الأربعاء 25/7/2001 ) إلى مكان عملك لتقابل طالباً ما، ثُمَّ تهرول إلى وسط المدينة وفجأة تسمع صوت قذائف أقرب إلى القذائف الصاروخية. يتراكض الناس. يتدافعون باتجاه الصوت. يتساءلون عما يجري دون أن يخافوا. عشرات من الشبان يتجهون صوب وادي التفاح في نابلس. ولا احد يدري ما الذي يحدث بالضبط. ثمة قصف مدفعي أو صاروخي. هذا كل ما يخمنونه.

تغادر المكان. وتصغي إلى نشرات الأخبار. تستمع إلى وليد العمري مراسل محطة الجزيرة يتحدث إلى منتهى الرمحي. يقول: تصفية قيادي من قيادات حماس. أطلقت طائرة مروحية إسرائيلية خمسة صواريخ على سيارة صلاح دروزة وأردته قتيلاً. وتتابع، مساءً، نشرة أخبار الساعة السابعة من التلفاز الإسرائيلي. تشاهد ما ألم بسيارة الشهيد. تصغي إلى والده يقول: لقد اختاره الله ليكون بجواره. يتكلم أبوه بهدوء، ولا يذرف دمعة واحدة.

تجلس في منزلك. تجلس على الشرفة، وبعد ساعتين يمر أفراد من حماس ليعلنوا أن يوم غد هو يوم حداد، وأن منظمة حماس ستثأر لمقتل صلاح دروزة، ويذكرون اسم المكان الذي ستقبل فيه ( التهاني ) لأسرة الشهداء. وتكرر ما كتبه محمود درويش:

هذا هو العرس الفلسطيني
هذا هو العرس الذي لا ينتهي
في ساحة لا تنتهي
في ليلة لا تنتهي
هذا هو العرس الفلسطيني
لا يصل الحبيب إلى الحبيب
إلا شهيداً أو شريد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى