الأربعاء ٢٢ آب (أغسطس) ٢٠٠٧

سكر بنات

بيروت: كارولين عاكوم - عن الشرق الأوسط

خرق فيلم «سكر بنات» للمخرجة اللبنانية نادين لبكي المحظور اجتماعيا، فكان جريئا في فكرته وطريقة معالجتها من دون أن يدخل في خانة ما يعتبره البعض اباحياً في مجتمعنا الشرقي وان تناول مواضيع جريئة مستوحاة من قلب المجتمع اللبناني. لامس الحقيقة بحرفية المخرجة وعكس الواقع من خلال حياة سيدات لبنانيات شكلن نموذجا واضحا لسيرة يوميات هؤلاء التي وان اختلفت في ظاهرها المرتبط ببيئة كل منهن ومجتمعها، تبقى تجمع بينهن هواجس نسائية محورها في معظم الأحيان الرجل. هذا الشخص الذي وان بدا ظهوره الجسدي خجولا في هذا الفيلم، يشبه «الشبح» المعنوي الذي يشكل البوصلة التي توجه طريق الفتاة العصرية المتأرجحة بين هم كسر القيود الاجتماعية وعدم القدرة على تجاوزها في الوقت عينه، كي تصل في نهاية المطاف الى هدفها: الى قلب الرجل. نجحت لبكي التي شاركت في تمثيل «سكر بنات» وأدت دور فتاة في الثلاثين من عمرها مع أربع سيدات أخريات غير محترفات، في اطلاق معاناة المرأة اللبنانية من مختلف الطوائف الى العلن، وجعلت من صالون التجميل مكانا «تتعرى فيه» النسوة نفسياً ليبحن بعفوية وتلقائية بأدق تفاصيل حياتهن حيث لا مجال للتصنع والكذب.

وقد كان اختيار الممثلات غير المحترفات موفقا لناحية العفوية غير المركبة التي بدت واضحة ومقنعة، اضافة الى الأسلوب الخفيف والمرح الذي لجأت اليه لبكي في حوارات الممثلين وفي أكثر المشاهد حساسية وأهمية، معبرة بذلك عن طبيعة الانسان اللبناني الذي يجعل من مصائبه مادة أساسية للسخرية والاستهزاء من ذاته ومن وضعه وحالته الاجتماعية والنفسية. والنقطة المهمة التي تطرقت اليها لبكي كانت اظهار فئة معينة من المجتمع اللبناني تمثل نموذجا يختصر غالبية الشعب اللبناني التي قد يضعها البعض في مصاف «الوسط»، بعيدا عن الفقر الصارم أو مجتمع الطبقة المخملية والغنية. هذه الفئة التي تعيش في صراع بين من هي في الواقع ومن تحلم أو تريد أن تكون، فتحاول دائما أن تتجرد من مجتمعها وتحاول الارتقاء الى مرحلة الانفتاح والتمدن، لكنها مهما تقدمت ستعود في النهاية وتخضع لمعايير وقواعد حددتها التقاليد الشرقية واللبنانية والتربية والدين. وقد ظهرت هذه الأفكار واضحة في معاناة ليال (نادين لبكي) صاحبة صالون التجميل التي أحبت رجلا متزوجا تلتقيه سرا من حين الى آخر نظرا لارتباطاته العائلية وبالتالي عدم قدرته على الزواج منها، وهي في الوقت عينه تبدو حريصة على عدم افشاء سرها أو الاعلان عن علاقتها احتراما لأهلها وأفكارهم المتشددة. هذا الوضع ينسحب بشكل واضح على زميلات ليال في العمل وعلى زبوناتها. اذ عرضت لبكي في فيلمها مشكلات اجتماعية تنوعت بين علاقة الفتاة بالرجل قبل الزواج وعدم تقبل المجتمع لها، ما يضطرها الى البحث عن وسيلة تبعد عنها نظرات الناس وأحكامهم كي تكمل حياتها بشكل طبيعي. وكان لريما صديقة ليال، دور صامت ومعبر مع الزبونة التي شاركتها في مشاعرها وفي مشكلة هويتها الجنسية الملتبسة.

ولم تقتصر قصص «سكر بنات» على الشابات بل أظهر معاناة سيدة ترفض الاعتراف بسنها وتعير مظهرها الخارجي اهتماما مبالغا وتطمح الى أن تصبح ممثلة وتقوم بتصرفات تحاول من خلالها اقناع نفسها والمجتمع بأنها لا تزال شابة. وأيضا في سياق حياة المرأة ومعاناتها الاجتماعية، جسدت كل من «روز» و «ليلي» دورين بارعين، اذ تعيش الأولى وهي في الخامسة والستين من عمرها حياة معذبة بعدما ضحت بحقوقها الانسانية والطبيعية وفضلت عدم الزواج للاعتناء بشقيقتها، وهي بطبيعة حال التقاليد الاجتماعية ستفقد حقها بالحب والزواج بعد بلوغها سناً معينة. أما «ليلي» فكانت العجوز التي أضافت نكهة خاصة الى «سكر بنات»، شخصية فريدة ورائعة برعت في أداء دورها المستوحى عن قصة حقيقية لفتاة لبنانية أحبت ضابطا فرنسيا ومنعها أهلها من الارتباط به وخبأوا عنها رسائله التي لا تزال العجوز وبعد مرور عشرات السنوات تبحث عنها في شوارع الحي وتحت السيارات.

اجتمعت كل مكونات «سكر بنات» التقنية والفنية والموسيقية التي رافقت الأحداث والمشاهد لتنتج فيلما استحق بجدارة أن يعرض في صالات السينما اللبنانية ابتداء من التاسع من أغسطس (آب) الحالي، كما أنه سيدخل صالات أكثر من 40 بلدا عربيا وأجنبيا من بابها العريض بعدما شارك في التظاهرة السينمائية التي تقام الى جانب مهرجان كان السينمائي «أسبوع المخرجين الشباب» وحقق نجاحا مميزا.

بيروت: كارولين عاكوم - عن الشرق الأوسط

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى