الاثنين ٢٣ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم جميل حمداوي

أصالة التغيير في ديوان مصطفى بوحلاسة

تقديــــم:

يعد مصطفى بوحلاسة من أهم الشعراء الأمازيغيين المعاصرين بمنطقة الريف إلى جانب سعيد موساوي، والحسن المساوي، وسلام السمغيني، وميمون الوليد، وكريم كنوف، ومحمد والشيخ، وسعيد الفراد، وسعيد أقضاض، ومايسة رشيدة المراقي، وأحمد الزياني، ومحمد العمالي، وبلغد عبد الرحمن الملقب بأمنوس، وعائشة بوسنينة، وفاظمة الورياشي، ومحمد أسويق، ومحمد العوفي، ومحمد شاشا، ونزيهة الزروالي، وغيرهم...

ويتميز مصطفى بوحلاسة عن هؤلاء الشعراء بالرؤية المأساوية القائمة على رفض الواقع الكائن وانتقاد السائد الذي تفشى فيه الفساد وانبطحت فيه القيم الإنسانية وانحط فيه الكائن البشري، ويعمل الشاعر في نفس الوقت على تغييره جذريا واستبداله بواقع أكثر صلاحا وفضيلة وتماسكا وأصالة وأخوة.

إذا، ماهي خصائص ديوان " ثشومعات /الشمعة" للشاعر الأمازيغي الريفي مصطفى بوحلاسة صياغة ودلالة ومقصدية؟

1/ من هو الشاعر مصطفى بوحلاسة؟

ولد مصطفى بوحلاسة بإشوماي بالناظورسنة 1964م،، تلقى تعليمه الابتدائي بهذه المدينة، وبدأ يكتب الشعر منذ وقت مبكر، وبالضبط في عقد الثمانين. وقد تأثر في شعره بكبار شعراء المدينة كسعيد موساوي، وسلام السمغيني، وأحمد الزياني، وميمون الوليد...

وعرفت قصائده الشعرية إقبالا كبيرا من قبل المغنين المحليين والفرق الأمازيغية كفرقة أياون(المغني بوعرفة)، والمغنية الأمازيغية نومديا(نجاة قباش).

ويمارس الشاعر اليوم التجارة الحرة بالمركب التجاري الجديد بالناظور.

هذا، وقد أصدر مصطفى بوحلاسة ديوانه الشعري لأول مرة سنة 1997م عن مطبعة بنعزوز بالناظور في46 صفحة من الحجم المتوسط، ويضم الديوان 14 قصيدة شعرية أمازيغية مكتوبة بالخط العربي الآرامي، وقد تولى الدكتور جميل حمداوي الإشراف على طبع الديوان وتقديمه وترتيبه وكتابته، في حين تكلف عبد الكريم القاضي بتشكيل اللوحة الخارجية للديوان.

2/ سياق القصيدة الأمازيغية المعاصرة:

ظهرت القصيدة اللأمازيغية المعاصرة بمنطقة الريف منذ عقد السبعين من القرن الماضي لعدة أسباب ذاتية وموضوعية، أهمها: نشاط الأحزاب اليسارية كحزب التقدم والاشتراكية وحزب الإتحاد الاشتراكي، ونشاط الجمعيات الثقافية الأمازيغية كجمعية الانطلاقة الثقافية التي كان يترأسها على الخصوص الدكتور مارزوق الورياشي، والأستاذ محمد بيجو،...
وقد ساهمت هذه الأحزاب والجمعيات الثقافية في توعية الجماهير سياسيا وثقافيا واجتماعيا، وتنوير كوكبة من الشعراء بمنطقة الريف ليحملوا مشعل الإبداع والدفاع عن قضايا المنطقة، وطرح مشاكل المواطن الريفي الذي كان يعاني من اللامبالاة المزمنة والتهميش المأساوي.

كما ساهمت المهرجانات الشعرية التي كانت تشرف عليها الجمعيات الثقافية كجمعية الانطلاقة الثقافية في إثراء القصيدة الريفية المعصرة وتدعيمها بالتشجيع المادي والمعنوي؛ مما خلف جوا شاعريا في الساحة الثقافية بمنطقة الريف تتنافس فيها الأصوات الشعرية، وتتبارى فيها الحناجر المبدعة. وقد ترتب عن المسابقات الشعرية والفنية تفاعل ثقافي كبير ساهم في إغناء العملية التناصية، وترويج الأغنية الريفية التي غزت الأسواق في العقود الأخيرة مع عدة تجارب وفرق موسيقية وغنائية (إسفظاون- بنعمان- إينو مازيغ- رفروع- إثران- أياون- إيزري- ميمون الوليد...).

وعليه، فلقد ساهم التنشيط الثقافي والسياسي في إفراز كوكبة من الشعراء، بيد أنهم مالوا في البداية إلى الإبداع الشفوي، دون طبع دواوينهم الشعرية لعدة أسباب : أهمها السبب المادي، والجهل بحيثيات النشر وتقنياته، وانعدام التقليد الثقافي الذي يصطحبه طبع الإنتاج وتوزيعه محليا ووطنيا كما نجد ذلك جليا لدى السوسيين منذ عقد السبعين مع شاعرهم الرائد محمد المستاوي.

بيد أن الشعراء الأمازيغ بالريف منذ بداية التسعينيات سيلتجئون إلى طبع الدواوين الشعرية. وكان أول من دشن تجربة الطبع والنشر الشاعر الأمازيغي الريفي سلام السمغيني بديوانه الشعري" ماثوشيذ ءاك رحريق ءينو/ هل تشعر بألمي؟"، وتبعه في ذلك سعيد موساوي بديوانه الشعري:" ءيسفوفيد ءوعاقا/تبرعمت النواة"، وتبعهما أيضا شعراء آخرون إلى أن أصبحت منطقة الريف تملك خزانة شعرية تتوفر على أكثر من 24 ديوانا شعريا أمازيغيا ريفيا.

هذا، وقد ظهرت دراسات نقدية تروم مقاربة الشعر الأمازيغي بمنطقة الريف، ونذكر منها:

1- " إشكاليات وتجليات ثقافية في الريف"، للدكتور عبد الله شريق، وحسين القمري، ومحمد أقضاض،صدرت الطبعة الأولى سنة 1994م عن مطابع أمبريال بسلا؛

2- " قراءات في الشعر الأمازيغي بالريف"، من تأليف الدكتورين: جميل حمداوي، وفؤاد أزروال، وطبع الكتاب بمطبعة الجسور بوجدة لأول مرة سنة 1997م؛

3- " صورة عبد الكريم الخطابي في الشعرين: العربي والأمازيغي"،من إنجاز الدكتور جميل حمداوي، صدرت طبعته الأولى سنة 1997م عن مطبعة الجسور بوجدة؛

4- " ملحمة أدهار ءوبران: أنشودة المقاومة الريفية"، من تأليف محمد أقضاض ومحمد الولي، وطبع الكتاب بمطبعة المناهل بالرباط، لأول مرة سنة 2007م.

وثمة مقالات ودراسات نقدية أخرى منشورة في الصحف لم تجمع بعد في كتب ومؤلفات خاصة.
أضف إلى ذلك أن القصيدة الأمازيغية المعاصرة بالريف مازالت تحت مجهر ثنائية الشفوي والمطبوع، متأرجحة بين الخط العربي والخط اللاتيني وخط تيفيناغ، تميل إلى التقليد تارة، وإلى التجديد والتحديث تارة أخرى. كما حافظت القصيدة الأمازيغية المعاصرة على وحدة القافية، وتجاوزتها في كثير من الأحيان إلى التنويع والاتكاء على اللازمة الشعرية تكرارا وترديدا.

واختارت بعض النصوص الشعرية لغة الترميز والأسطرة وتوظيف التراث المحلي وتشغيل قصصه وأحاجيه الخرافية والمتخيلة مع خلق أنماط شعرية ذات أشكال بنائية متنوعة مثل: الشكل الدرامي،والشكل الغنائي، والشكل القصصي، والشكل الملحمي، والشكل الأسطوري، والشكل الدائري.

ومن حيث المواضيع، فقد تناولت القصيدة الأمازيغية المعاصرة بالريف عدة محاور دلالية وتيمات متنوعة لاتقتصر على ماهو محلي ووطني فحسب، بل انفتحت على ماهو قومي وعالمي وإنساني.

ومن المواضيع التي تمت معالجتها من قبل الشعر الأمازيغي الريفي نستحضر القضايا التالية: المرأة، والحب، واستدعاء التاريخ الأمازيغي والوطني، واستيحاء الموروث المحلي، وطرح إشكالية اللغة والهوية والأرض ناهيك عن مواضيع أخرى مؤرقة كالغربة والهجرة، والألم والأمل، والوطنيات، والقوميات (قضية فلسطين)، والإنسانيات كالتغني بحقوق الإنسان، والإشادة بالحرية والانعتاق من العبودية وظلم السلطة الطائشة المستبدة.

3/ التجربة الشعرية عند مصطفى بوحلاسة:

أثرى مصطفى بوحلاسة التجربة الشعرية الأمازيغية المعاصرة بمنطقة الريف بقصائد متنوعة أصيلة تتراوح بين التقليد والتجديد، حيث اطلع شاعرنا الأصيل على معظم الإنتاج الأمازيغي الريفي القديم والمعاصر، لكنه تأثر كثيرا بأحمد الزياني، وسعيد موساوي، وميمون الوليد، ويتجلى ذلك التأثير من خلال بناء القصيدة لديه بناء ولغة وتصويرا وموضوعا وتركيبا وتناصا. وفي هذا الصدد يقول الدكتور فؤاد أزروال:" إلا أن أواخر الثمانينيات أتتنا بأشعار جادة تستعمل صورا ذهنية موغلة في الدهشة والتجريد وتمثيل إحساس الإنسان ووجدانه. وكان الشاعر سعيد موساوي،أمير شعراء الريف،أول من وضع قاطرة الشعر على هدا المسار بقصيدته الشهيرة " ثشوقاد ثوذاث ءينو /عبرت قدري " التي تلتها قصائد تسير في نفس الاتجاه. وقد نحى نحوه كثير من الشعراء غماره تحت وطأة تأثير شهرة الشاعر موساوي،أو اقتناعا بطريقته في الكتابة فكانت هذه المرحلة غنية من حيث استعمال الصورة وتطعيمها بالرمز والتراث الشعبي........ بل حتى أصبح التراث قوامها وعنصرا أساسيا كما هو الشأن بالنسبة للشاعر عمر بومزوغ، ونونوحي عبد الرحمن، وبوحلاسة، ومحمد العوفي ".

وإذا انتقلنا إلى شاعرنا الأصيل مصطفى بو حلاسة فهو من الشعراء الدين حافظوا على نبرة الإيقاع المتناغم، وثراء القافية والروي، والاهتمام بجانب اللحن والغناء ولاسيما أنه شاعر مجموعة "ءاياون" الموسيقية التي ذاعت بفضل قصائد الشاعر شهرة وصيتا. فقد أتحفها الشاعر بمجموعة من القصائد أهمها : " طوشا"، و" كسي كيذام"، و" ثشومعات"، و"ماش غاكاغ ءاشام زاراغ"، و"ءاريف ءينو". وتسربت أيضا كثير من قصائده الشعرية إلى مجموعات موسيقية أخرى كفرقة (رفروع) بعد عملية الانتقاء والتحوير.
ومن المعلوم، أن مصطفى بوحلاسة كما قلنا سابقا بدأ كتابة الشعر مند الثمانينات، وبالضبط في سنة 1982م،على الرغم من كون موهبته الشعرية قد ورثها مند نعومة أظافره،و تطورت معه تعلما وتهذيبا وتناصا وتجويدا وتثقيفا،و تكيفت بعد ذلك مع الظروف الذاتية والموضوعية إفرازا وإبداعا وكتابة وتدوينا.

و عليه، فقد شارك الشاعر في عدة مهرجانات شعرية أمازيغية بمنطقة الريف،واستدعي مرارا إلى الإذاعة الوطنية بقسم اللهجة الريفية لينزل ضيفا متميزا على برنامج (كلام في الميزان).

و من المواضيع التي تطرق اليها ديوان مصطفى بوحلاسة نجد: قضية الأرض والهوية، وحقوق الإنسان، ومشاكل المجتمع، والحب والمرأة، والمعاناة والألم، والهجرة والغربة، والزمن والقيم.

ففي قصيدته " ثشومعات /الشمعة " نجد الشاعر يتغنى بالمعاناة الإنسانية وبالألم البشري، ويذرف دموع الحزن وبكاء المأساة الناتجة عن تمزق قلبه الحساس وذوبان كيانه الداخلي من شدة كثرة الهموم والأتراح:

ءاثشومعات ياراقان ءينايي مايمي ثاتروذ
واراني رهام ءانام خ ثفاقاحت غاري ذگ ءور
مشحار ءيرو جادي وايساخسي ءاشعور
ياموث ماسكين ءينو واريكمار بووافذور
ءاثشومعات ياراقن ماتقسام ثماسي

أما قصيدته" ءاريف ءينو/ريفي" فهي من أجمل قصائد الشاعر مصطفى بوحلاسة، ففيها يعلن حبه للريف وتعطشه الشديد إلى الارتواء من معينه، وفيها يظهر حبه الكبير الذي لايمكن أن يجارى أو يتضاءل مع مرور الأيام. ويقر الشاعر بأن المرء مهما هاجر إلى بلدان أخرى، فلايمكن أن ينسى جمال الريف بشواطئه الجميلة ومدنه الرائعة التي وضعها الله على رؤوس الجبال لتطل على البحار الرائعة الخلابة بمناظرها الطبيعية الساحرة. ومن ثم، فكل ما في الريف جميل وباهر في الحسن والروعة والإدهاش:

ءاريف ثامورث ءينو واخا ناش ءويارغ
واخازويغ ثيمورا رابدا ءاتفاكاراغ
ءيتفاجا ءور ءينو خميني ثتيذاراغ
ءاريف ثامورث ءينو ناش ذاياس ءيخارقاغ
ءاظاظواغ ءاذارساغ غاراس ءيدغاذاوراغ
شار ءاني ذي نايما ذواني غاندراغ
ذيني غاييريغ ذي راهنا واخاناش ءاموثاغ

ويلتجئ الشاعر إلى موضوع الزهد في قصيدته" حاوساث ءوسان نوام/ انهبوا أيامكم" ليقدم عتابه الأخلاقي الشديد للذين غدرت بهم الدنيا، وفرطوا في مبادئهم الأخلاقية، وأكثروا من الظلم والقسوة والإفساد، وانساقوا وراء رفات الحياة الزائلة.
بيد أن هذه القصيدة ذات طابع رمزي يشير فيها الشاعر إلى الذين أساءوا إلى الآخرين، وكرسوا حياتهم لجمع وسخ الدنيا وكنوز السراب والبحث عن أوهام بريق الحياة، إلا أن الموت يحاصرهم ويطوقهم فيصدهم في كل مكان حتى يوقعهم في شرك القبور وأفضية الموت والمحاسبة الأخروية:

حاوساث ءوسان نوام ءاياني يتون ئيمظران
ءاقاخاوم ثاخسي ثفاوت ءاتاذفام غارطرام
خمي خاوام دغاياران ءيكنتارن ءاخاوام زون ءاسنان
ءاخاوام رون راسنين ءاكيذوام ءيذحشان ءويوران

و في قصائده الغزلية، يثور الشاعر على المرأة الريفية المغتربة التي هاجرت الشاعر وتركته وحيدا ينخره الحزن والشوق العارم. لكن الشاعر يرفضها ويستهجنها من أعماق قلبه عندما تخلت عن أصالتها وكينونتها، وانساقت وراء مغريات الافتتان الغربي اغترابا ومسخا وغواية:

ثاگيد ءام ثروماشت ثانداراذ ءيحاطاوان
تامساذ ذاك قدوحان ءاتمسخاذ ءيزارياوان
ثاندراذ ءادفين ن يمام ثارذاذ ءيقارطيوان
ءاثني يويوران عقباد غار ويشام ءيتخسان
ءاذايي تافاذ ءاتراجيغ غارثارا ن زمان زي توغا دانتايام
ماراشام تتوتاث ءاتباريغ ءازايام

هكذا، ينطلق الشاعر من رؤية تشاؤمية مأساوية أساسها النظرة السوداوية إلى الواقع المتعفن والمهترىء بقيمة المنحطة. ولم تتبلورهذه النظرة فعلا لدى الشاعر إلا بسبب تردي الواقع الأمازيغي وانحطاط الإنسان وانتشار الظلم والتهميش والإقصاء واللامبالاة وانسياق الناس وراء فلسفة العبث.

و على الرغم من هذه المعاناة السوداء الجنائزية التي يعبر عنها الشاعر، فإنه يصدر في أشعاره عن رؤية الأمل وحب التغيير والثورة على الواقع البشري المنحط كما في قصيدته:" ليلاه ءاثازيري/ يابدري":

ليلاه ءاثازيري حجارد سي صفظاوان
ءاتسحارقاظ ءاخاشخوش يشوران س ءيخمراوان
ءاتراغيذ ءيمار ءيبدان خ ييخفاوان
ءازاياس نسقباظ ءاسكاس غارءازمان ن رمحايان
ماني مونان راسنين واغاريادجي ءيسماوان
ءيني ءيزانزان توذارث ءابظانتاث س ووذماوان

وتعبر قصيدة " طوشا" ذات الأبعاد الرمزية عن الصراع الاجتماعي والتفاوت الطبقي، وتتخذ طوشا هنا رمزا للمعاناة ومناصرة الفقراء :

ءياسيذي ءارابي ءارنايي ذي رعمار
ءاذزاراغ ءايوجير خمي غايامغار
ءاذي ءيفارح ءور ءينو خمي ذايي د غاييذار
ءاذينيغ ءوشانان حوما ذايي ءيديار

وعلى أي، تصدر رؤية مصطفى بوحلاسة في هذا الديوان الشعري إلى العالم والإنسان والقيم عن ثنائية الألم والأمل، والجنوح نحو التشاؤم والنظرة السوداوية الحبلى بالمأساة والتوتر الدرامي حيث نراه يثور على واقعه المحبط، ويدين مجتمعه ويقسو على حبه الذي غدر به مكرا وتغريبا وانسلاخا.

وعلى الرغم من عشقه لأرضه ودفاعه عن جذوره وكينونته وهويته الأمازيغية والتشبث يقيمه الأصيلة، إلا أنه يرفض الواقع الكائن المنحط، ويدعو إلى تغييره والحث على نفض الغبار عنه؛ لإزالته نسفا وحرقا واستشراف غد أفضل، حيث الحرية واحترام إنسانية المواطن والتمسك بالقيم الفاضلة والأعراف الصحيحة وتمثل العادات الموروثة الصالحة.

وعلى العموم، فثنائية الأصالة والتغيير هي التي تتحكم بؤريا في الشبكية الدلالية ونسق العلامات اللغوية وغير اللغوية. ومن هنا، فعنوان" تشومعات/الشمعة" ذو دلالات رمزية متعددة تؤشر على التغيير الثوري، والاستبصار الحقيقي، والأمل المنشود، والتضحية البروموثيوسية، والمعاناة المأساوية، والانهيار البشري، واستشراف الممكن، وتطهير الواقع السائد.
وعلى مستوى الإيقاع، يميل مصطفى بوحلاسة إلى احترام اللازمة الشعرية مع اختيار إيقاع لالابويا بمقاطعه السداسية، والحفاظ على الكلمات الموحية الشاعرية لخلق التوازي الشعري والتعادل النغمي والتوازن المقطعي عبر توحيد القافية أو تنويعها، إلا أنه يميل إلى القافية الموحدة كما في قصيدة " طوشا"، وقصيدة" ليلاه ءاثازيري"، وقصيدة" ياما ياما". والدليل على ذلك أن معظم قصائده الطويلة أو القصيرة تلتزم بوحدة القافية لخلق الإيقاع الغنائي على غرار القصيدة العربية التقليدية،كما يميل إلى استخدام الإيزري مرة ونظام المقاطع مرة أخرى إلى جانب توظيف شكل القصيدة المترابطة عضويا وموضوعيا.
وتستند صورة مصطفى بوحلاسة إلى إحياء المحسوس وتجريد الذهني فانتازيا واستعاريا وكنائيا دون الانسلاخ في بعض الأحيان عن محيطه المادي الذي يتجلى في توظيف الصورة الشعرية المحسوسة المستهلكة لدى معظم شعراء منطقة الريف، وخاصة عند الشاعر أحمد الزياني، وميمون الوليد، وسعيد موساوي كما يتجلى ذلك واضحا من خلال تناصية قصيدة" ءاريف ءينو/ريفي" لبوحلاسة مع قصيدة " لحوسيما" لسعيد موساوي:

ءاوار خاك ذازيرار ذاك ييراس وارتقاطيذ
ءاريف ءاثاسكورث يارسين جارءيذورار
ءاجانا ءازيزا ءاربيع ذايك ءينوار
ماءاذينيغ لحوسيما ماءاذينيغ ناظور
ماءاذشنعاع س ءيمزوران نيغ س رعيز ن واجذير
ماءاذينيغ تمسمان ذوازري ن بودينار
ماءاذينيغ ثماسنت زين ن تفوشت ن رفجار

ومن صور التشبيه نستحضر هذا البيت الجميل الذي يشبه فيه الشاعر الريف فوق قمة الجبل بجمال العصفور الطائر، كما يشبه اسمه براية مثبتة بقوة في أعماق قلبه من الصعب إسقاطها أو انتكاسها:

شاك يارسين خ ءيذورار ءام رابهوث ن واجذيذ

ءيسام ناش ذرعرام ذك ءور وار توطيد

كما وظف الشاعر مجموعة من الاستعارات التشخيصية يعبر فيها عن حرقة شعره وتوهج كلماته ومشاعره المتقدة، فشعره يزيل الظمأ وعطش القلوب، وهو بمثابة الأمل المعسول الذي يفرح الطيور. ويناشد الشاعر حبيبته أن تمد له اليراع ليكتب ما يحس به تجاهها في أوراق فروع الأشجار المورقة في فصل الربيع الزاهي :

ءيزران ءينو ذا ءاناسيس خ يارساوان ءيشوقان فاذ
ءيزران ءينو ذارفاج ياسروفان ءيجظاذ
ءوشاييد ءاذام ءاريغ ذي ثيفراي ن ءورثان

ويوظف الشاعر كذلك مجموعة من الصور الكنائية والرمزية خاصة في قصيدته الرائعة" طوشا " التي تتحول فيها العلامات اللغوية إلى رموز سياسية واجتماعية للتنديد بالواقع السائد واستبداله بواقع أكثر فضيلة وسموا وأصالة.

خاتمـــة:

وخلاصة القول: إن مصطفى بوحلاسة من خلال هذا الديوان الشعري يقدم لنا أيقون الشمعة للدلالة على التغيير والتنوير والرغبة الملحة في الخروج من الضلالة والظلمة إلى النور والهداية الحقيقية. ومن هنا، تحمل الشمعة رؤية إنسانية سامية فاضلة قائمة على تجاوز الماضي البئيس والمنحط أخلاقيا وقيميا، والانتقال بعد ذلك إلى المستقبل التنويري الفاضل.

وعليه، فمصطفى بوحلاسة عبر دهاليز ديوانه الشعري يحترق رمادا ومأساة لينبعث منه شاعر الأمل والنهوض كأسطورة العنقاء أو كالطائر الفينيقي الأسطوري.

وعلى العموم، فمصطفى بوحلاسة شاعر أصالة الشكل والمضمون، ينطلق في شعره من رؤية تغييرية للعالم قوامها الرفض والثورة العارمة والتمرد المأساوي عما هو متعفن وكائن بشكل سلبي، والتعبير عن أمله الكبير في التغيير باسم الأصالة الأخلاقية وتمثل النهج الرباني القويم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى