الأحد ١٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم جميل حمداوي

مقومات مدرسة النجاح في التعليم المغربي

تقديم:

تعد مدرسة النجاح من أهم مستعجلات المخطط الإصلاحي الذي دعت إليه وزارة التربية الوطنية المغربية مع الموسم الدراسي 2009-2012 م، وقد اعتمدت في ذلك على توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ونتائج التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم لسنة2008م، بالإضافة إلى ما توصلت إليه التقارير الدولية كتقرير البنك الدولي المتعلق بالتنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو ما يسمى أيضا بتقرير(الطريق غير المسلوك). هذا، وقد جاء التفكير في مدرسة النجاح لإنقاذ المدرسة الوطنية ضمن تصور إصلاحي استعجالي وفوري، بعد أن صنف التعليم المغربي ضمن المراتب الأخيرة بالمقارنة مع مجموعة من الدول العربية والإسلامية.

هذا، وقد قررت وزارة التربية الوطنية المسؤولة عن قطاع التعليم بالمغرب الأخذ ميدانيا بثلاث مستلزمات أساسية لتحقيق مدرسة النجاح، وهي: الاجتهاد، والتقويم، والفعل، مع توفير العدة المادية والمعنوية لذلك.

إذن، فما هي مدرسة النجاح؟ وما هي أهدافها ومرتكزاتها؟ وماهي خططها الإصلاحية؟ وماهي سلبياتها وإيجابياتها؟ هذا ما سنرصده في هذه الورقة التعريفية والتقويمية.

 مفهوم مدرسة النجاح:

يقصد بمدرسة النجاح تلك المدرسة المغربية العمومية التي تمتاز بالانفتاح على محيطها الاجتماعي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وبيئيا وثقافيا، وتعمل جاهدة على تحقيق الجودة الكمية والكيفية من أجل الحصول على المردودية الحقيقية والإنتاجية المثمرة للذات والوطن والأمة. كما تتسم هذه المدرسة بالتجديد والعطاء والإبداع والابتكار إلى أن يكون المجتمع راضيا عنها. وبتعبير آخر، فمدرسة النجاح هي مدرسة وطنية متجددة مواكبة لكل المستجدات العالمية على المستوى العلمي والتقني والأدبي والفني. وتعد أيضا مدرسة مفعمة بالحياة والسعادة والحبور، ترتكن إلى التنشيط المدرسي، والاعتماد على التعلم الذاتي، وتمثل الحوار والمشاركة والاجتهاد الجماعي. ولا تتحقق هذه المدرسة في الحقيقة إلا بدمقرطة التعليم والتربية، وتطبيق البيداغوجيا الإبداعية.

وتنطبق هذه المواصفات كذلك على الجامعة المغربية التي ينبغي أن تكون جامعة منفتحة وقاطرة للتنمية.

وعليه، يعرف الميثاق الوطني للتربية والتكوين مدرسة النجاح في النقطة التاسعة من القسم الأول، والذي خصص للمبادئ الأساسية:"تسعى المدرسة المغربية الوطنية الجديدة إلى أن تكون:

أ- مفعمة بالحياة، بفضل نهج تربوي نشيط، يتجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي، والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي؛

ب- مفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة، والخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن، مما يتطلب نسج علاقات جديدة بين المدرسة وفضائها البيئي والمجتمعي والثقافي والاقتصادي".

ويعني هذا أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين مع بداية الألفية الثالثة كان يهدف إلى خلق مدرسة التجديد، بينما ينص تقرير المجلس الأعلى على مفهوم جديد هو:"مدرسة النجاح"أو"إنجاح مدرسة للجميع"،بل هناك مصطلح آخر مرتبط بمدرسة النجاح هو"مدرسة للجميع". ولا نعرف إن كانت هذه المصطلحات التي تلتصق بالمدرسة المغربية، هل هي فعلا مصطلحات مفاهيمية علمية موضوعية قائمة على مشاريع مستقبلية ميدانية أم هي مجرد شعارات سياسية جوفاء؟!!!

هذا، وقد جاء المخطط الاستعجالي للإصلاح، والذي تتبناه وزارة التربية الوطنية ابتداء من سنة 2009 إلى غاية 2012 م، وذلك للدفاع عن مدرسة النجاح نظريا وتطبيقيا، وإرسائها في الواقع المجتمعي.

 أنواع المدارس التي عرفها التعليم المغربي:

عرف التعليم المغربي ضمن مساره التاريخي والتنموي أنواعا عدة من المدارس كالمدرسة العتيقة أو مدرسة التعليم الأصيل، والتي ظهرت منذ فترة المرابطين ومازالت مستمرة إلى يومنا هذا. ويمكن الحديث أيضا عن المدرسة الوطنية في عهد الحماية الأجنبية على المغرب( 1912-1956م) في مقابل المدرسة الاستعمارية والمدرسة الأمازيغية.

وبعد استقلال المغرب، أصبح الحديث طويلا عن مدرسة المبادئ الأربعة، والتي تتمثل في مبدإ التعريب، ومبدإ التوحيد، ومبدإ التعميم، ومبدإ المغربة. وبعد أن عرف المغرب مجموعة من الأزمات على جميع المستويات والأصعدة منذ السبعينيات من القرن العشرين إلى بداية الثمانينيات مع حرب الصحراء وتوالي سنوات الجفاف، بدأ الحديث جادا وصريحا عن مدرسة الأزمة ومدرسة الإصلاح على حد سواء، لينتقل المغرب بعد ذلك للحديث عن عدة مدارس في التسعينيات من القرن الماضي كمدرسة المقاولة، ومدرسة الجودة، ومدرسة الشراكة، ومدرسة المشروع، ومدرسة للجميع، والمدرسة الجديدة، ومدرسة النجاح.

وهناك من يتحدث اليوم عن مدرسة جديدة تسمى ب"مدرسة المستقبل"كما تم التصريح بذلك في إعلان دمشق لسنة 2000م. وتقول وثيقة إعلان دمشق:"نحن – وزراء التربية والتعليم والمعارف في الوطن العربي- المجتمعين في دمشق في مؤتمرنا الثاني، الذي عقدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالتعاون مع وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية بدمشق يومي27و28 من شهر ربيع الثاني سنة 1421ه(29و30 من شهر تموز/ يوليو 2000م) من أجل تصور واضح وخطة إجرائية شاملة لبناء"مدرسة المستقبل"بناء فعالا ومستمرا".

وإذا كان الدكتور مصطفى محسن يدافع في المغرب عن مدرسة المستقبل كما في كتابه"مدرسة المستقبل رهان الإصلاح التربوي في عالم متغير"، فإن الدكتور جميل حمداوي يدافع عن مدرسة الإبداع في كتابه"من مستجدات التربية الحديثة والمعاصرة". وتهدف مدرسة الإبداع في الحقيقة إلى تغيير المجتمع تغييرا إيجابيا عن طريق دمقرطة التربية والتعليم، والمرور إجباريا بثلاث مراحل أساسية، وهي: مرحلة المحاكاة، ومرحلة التجريب، ومرحلة الإبداع، مع الجمع بين التكوين النظري والتطبيقي من أجل تحقيق التنمية والتقدم والازدهار.

 أهداف مدرسة النجاح:

تستند مدرسة النجاح في التعليم المغربي حسب المذكرة الوزارية رقم 73 بتاريخ 20ماي 2009م إلى مجموعة من الأهداف والغايات. ومن أهم هذه الأهداف الخاصة والعامة نذكر ما يلي:

1- تنفيذ مبادئ المخطط الاستعجالي لإنقاذ المنظومة التربوية من عوامل التردي والانتكاس والتخلف؛

2- الارتقاء بالمنظومة التعليمية عن طريق إصلاح المدرسة الوطنية سواء أكنت تنتمي إلى القطاع العمومي أم الخصوصي؛
3- ترسيخ ثقافة اللامركزية واللاتمركز؛

4- إعطاء صلاحيات أكبر وأوسع لتدبير الشأن الجهوي والإقليمي والمحلي؛

5- جعل المدرسة نقطة ارتكاز المنظومة التربوية قصد إصلاحها وتطويرها؛

6- توفير كافة الوسائل الضرورية للارتقاء بجودة الخدمات التي تقدمها المؤسسة التعليمية؛

7- وضع اعتمادات مالية هامة رهن إشارة المؤسسات التعليمية لمساعدتها على بلورة مشاريعها، اعتمادا في ذلك على أساليب علمية مرنة؛

8- إحداث جمعيات لدعم مشروع المؤسسة، والذي يعتبر دعامة أساسية في تحقيق مدرسة النجاح، وتسمى هذه الجمعيات ب"جمعية دعم مدرسة النجاح". وتتكلف هذه الجمعية بوضع مشاريع المؤسسة، وصرف الاعتمادات الخاصة بدعمها، وبلورة أهدافها على أرض الواقع؛

9- الرفع من مستوى الحكامة الجيدة بالمؤسسة التعليمية من خلال التدبير العلمي والمعقلن المرتكز على المقاربة التشاركية والتدبير بالنتائج؛

10- إرساء آليات النهوض بالحياة المدرسية بالمؤسسة التعليمية ماديا ومعنويا؛

11- منح دينامية وتعبئة وانخراط تربوي واجتماعي لجميع الفاعلين والمتمدرسين بالمؤسسة التعليمية ولشركائها؛

12- الرفع من أداء المؤسسة التعليمية وقدرتها التنافسية، وتطوير منتوجها التربوي؛

13- الانفتاح الواعي للمؤسسة التعليمية على محيطها الاجتماعي والاقتصادي؛

14- تنمية الأنشطة الاجتماعية والثقافية بالمؤسسة التعليمية؛

15- القيام بشراكات مع مختلف الفاعلين في الحقل التربوي على المستوى المحلي والجهوي والوطني لدعم مدرسة النجاح والارتقاء بها.

هذه هي أهم الأهداف التي سطرتها وزارة التربية الوطنية عبر أدبياتها ومذكراتها وتقاريرها الاستعجالية لإصلاح المدرسة الوطنية والارتقاء بها تقدما وازدهارا وتنمية.

 مرجعيات مدرسة النجاح:

تستند وزارة التربية الوطنية في اقتراحها لمدرسة النجاح إلى مجموعة من المرجعيات والمستندات، ويمكن حصرها في ما يلي:
1- تمثل نظريات التربية الحديثة والمعاصرة القائمة على تحسين الحياة المدرسية، وتطبيق الطرق الفعالة؛

2- الأخذ بفكرة النظام التعاوني المدرسي كما عند المربي الفرنسي فرينيه ؛

3- الاستعانة بآراء وتوجيهات البيداغوجيا المؤسساتية واللاتوجيهية على مستوى التدبير الذاتي والتعلم الشخصي ؛

4- التقارير الدولية التي تكلفت بتشخيص وضعية التعليم بالمغرب كتقرير التنمية البشرية، وتقرير التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا(Mena)، والمعنون ب"الطريق غير المسلوك"، وقد أشرف عليه البنك الدولي بواشنطن سنة 2007م؛

5- إعلان دمشق بتاريخ 29و30يوليوز 2000م الداعي إلى التفكير في مدرسة المستقبل؛

6- توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين؛

7- التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم لسنة 2008م؛

8- دليل الحياة المدرسية لسنة 2003م؛

9- مخطط البرنامج الاستعجالي (2009-2012).

تلكم هي- إذن- أهم المصادر والمرجعيات لمدرسة النجاح على مستوى التصور النظري والتطبيقي.

 مبادئ ومرتكزات مدرسة النجاح:

ترتكز مدرسة النجاح في التعليم المغربي حسب المذكرة الوزارية رقم 73 بتاريخ 20ماي 2009م على مجموعة من المبادئ الأساسية والمرتكزات الجوهرية، والتي يمكن تحديدها في العناصر التالية:

1- التدبير الذاتي للمؤسسة التعليمية؛

2- توسيع صلاحيات المدرسة العمومية؛

3- تفعيل كل مجالس المدرسة الوطنية بصفة عامة ومجلس التدبير بصفة خاصة؛

4- تقوية دور مدير المؤسسة التعليمية إشرافا وتسييرا وتدبيرا، مع التوسيع من صلاحياته وأدواره، مادام المدير هو قائد المؤسسة التعليمية، ومادام هو أيضا المحرك لتعبئة الموارد البشرية العاملة بالمدرسة، والمستفيدة من خدماتها على السواء.

وهناك مبادئ أخرى مضمرة دعا إليها الميثاق الوطني للتربية والتكوين كالتعلم الذاتي، وتطبيق الحياة المدرسية، وتشجيع التنشيط المدرسي، وتجاوز الطرائق البيداغوجية التقليدية، وتعويضها بالطرق الفعالة، وخلق الفرق التربوية الجماعية، ودمقرطة التعليم، وخلق الشراكة ومشروع المؤسسة، وتحقيق التنمية والتقدم والازدهار.

 شروط تحقيق مدرسة النجاح:

يرى المجلس الأعلى للتعليم في تقريره السنوي لسنة 2008م أن مدرسة النجاح تستلزم ثلاثة شروط أساسية لتحقيق النتائج الإيجابية، وهي:

1- الاجتهاد من خلال عدم الاستسلام أو الإحباط أو الانسياق وراء الأحكام التشاؤمية المتسرعة، والتي تنص على استحالة إصلاح المنظومة التعليمية المغربية، مع الاعتراف الأكيد بالجهود المبذولة سابقا لإصلاح التعليم، وعدم القبول بالنظرة التبسيطية أثناء معالجة قضية التربية والتعليم؛

2- التقويم عن طريق إنجاز فحص علمي لجميع النتائج المتوصل إليها قصد التوطيد والتصحيح والتطوير؛

3- الفعل عبر الالتزام بالعمل مع توفير وسائل النجاح، وتحديد أفق طموح واقعي قدر المستطاع، من أجل تعبئة الطاقات.

هذه هي المستلزمات الثلاثة التي اعتمدت عليها وزارة التربية الوطنية لتفعيل المخطط الاستعجالي ما بين 2009و2012م.

 كيف تتحقق مدرسة النجاح؟

تتحقق مدرسة النجاح حسب أدبيات المجلس الأعلى للتعليم وقرارات وزارة التربية الوطنية بواسطة الخطوات الإجرائية التالية:

1- تعميم ولوج التربية أو تعميم التعليم إلى غاية 15 سنة؛
2- مراجعة المناهج والبرامج الدراسية في مختلف أسلاك التعليم المدرسي، حيث تم فعلا إنتاج380 كتاب مدرسي و297 دليل للمدرس، وإحداث اللجنة الدائمة للبرامج سنة 2004م؛
3- الأخذ بمقاربة الكفايات وبيداغوجيا الإدماج؛
4- اعتماد المقاربة بالوحدات والمجزوءات؛
5- تمثل التربية على قيم المواطنة؛
6- توسيع ولوج تكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال(برنامج جيني)؛
7- إدراج تدريس الأمازيغية في التعليم المدرسي؛
8- الإتقان الجيد للغات الأجنبية؛
9- التدريس المبكر لبعض اللغات الأجنبية؛
10- الإيمان بفلسفة لاتمركز المنظومة واستقلالية الجامعة؛
11- محاربة ظاهرة الأمية، والحد من الاكتظاظ، والتحكم في ظاهرة الهدر المدرسي؛
12- تفادي ظاهرة التكرار عن طريق إصلاح المنظومة التربوية وتجديدها؛
13- تحقيق الجودة الكمية والكيفية إنتاجا ومردودية؛
14- التركيز على المعارف والكفايات الأساسية؛
15- التطبيق المتناسق للمقاربة التصاعدية من المؤسسة إلى المستوى الجهوي والوطني؛
16- تحرير المدرسة من العوامل الخارجية عنها، المعيقة لجودة مردوديتها؛
17- رصد الموارد المالية والمادية والبشرية الضرورية لإنجاح مدرسة النجاح؛
18- التركيز على المدرسة الإعدادية باعتبارها حلقة حاسمة بين التعليمين: الابتدائي والثانوي؛
19- التدخل المبكر في المسار الدراسي للطفل من أجل تفعيل أفضل لتكافؤ الفرص؛
20- حفز المبادرة والتفوق والامتياز في الثانوية التأهيلية والجامعة والتكوين المهني؛
21- توفير البنيات التجهيزية الكافية لمحاربة الاكتظاظ الصفي؛
22- الرفع من جودة التعلمات المدرسية عن طريق تحسين التكوين، وتأهيل الفاعلين التربويين والإداريين؛
23- تحفيز الموارد البشرية ماديا ومعنويا؛
24- النهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين؛
25- تنويع العرض التكويني عن طريق فتح مسالك وشعب وتخصصات جديدة؛
26- ترشيد توزيع النفقات والموارد؛
27- انخراط المدرسين في دينامية جديدة لترسيخ المسؤولية؛
28- تثمين مهنة المدرس في اتجاه التمهين؛
29- الحكامة القائمة على تحمل المسؤولية من أجل تحديد فعلي لحقوق وواجبات الفاعلين التربويين؛
30- التوجيه وإعادة التوازن بين المسالك.
هذه هي أهم القرارات الأساسية لتفعيل مدرسة النجاح، وإرسائها ميدانيا ضمن مشروع المخطط الاستعجالي، والذي استوجبته وزارة التربية الوطنية قصد إصلاح المدرسة المغربية تجديدا وتطويرا.

 القانون الأساسي لجمعية دعم مدرسة النجاح:

ينبني القانون الأساسي لجمعية دعم مدرسة النجاح على ثلاثة أبواب وتسعة عشر فصلا. فالباب الأول يتحدث عن كيفية التأسيس، واختيار المقر المناسب، وتعيين المدة الزمنية لعمل الجمعية، وتحديد أهداف الجمعية على ضوء القانون المغربي لتكوين الجمعيات.

أما الباب الثاني من القانون الأساسي، فقد خصص للحديث عن العضوية، وهياكل الجمعية، واختصاصاتها. في حين تكلف الباب الثالث والأخير بإبراز بعض المقتضيات العامة.

 تقويم مدرسة النجاح:

على الرغم من المشاريع الإيجابية التي تتضمنها مدرسة النجاح ضمن المخطط الاستعجالي، وهي فعلا مشاريع جبارة وهائلة ومكلفة، ونحن لا نشك إطلاقا في كفاءة القائمين على تنفيذ المخطط ونزاهتهم الأخلاقية، وصدق نواياهم الحسنة، ونتمنى من الله عز وجل أن يكلل جهودهم بالنجاح والتوفيق؛ لأن إصلاح التعليم المغربي بالذات مشكل عويص لا يمكن إصلاحه إطلاقا إلا بتغيير المجتمع رأسا على عقب،وتغيير العقلية المغربية جذريا.

وهكذا، فمدرسة النجاح الوطنية مازالت تعاني من اهتزاز الثقة من قبل المجتمع المغربي على الرغم من المجهودات المبذولة، والتي مازالت تبذل إلى حد الآن. وكل ذلك بسبب استفحال ظاهرة الأمية، وانتشار ظاهرة الاكتظاظ الصفي، وتزايد الهدر المدرسي بفعل كثرة التكرار، وتهميش الكفاءات التربوية المتميزة، ونقص الموارد المادية والمالية والبشرية، ونقص التجهيزات، وضعف البرامج المدرسية، وضآلة المردودية الإنتاجية التربوية، وتراجع مستوى الشهادات العلمية مع تراجع مستوى التلاميذ، وصعوبة التحكم في اللغات الأجنبية تعلما وتعبيرا وكتابة، وعدم قدرة المدرسة المغربية على إدماج الأطفال المنتمين لبعض المناطق القروية المعزولة وأصحاب ذوي الحاجات الخاصة.

زد على ذلك، نجد مشكل ضعف أجور رجال التعليم مع غلاء مستوى المعيشة، وانعدام التحفيز المادي والمعنوي، وتماطل الوزارة في تنفيذ واجباتها تجاه رجال التعليم، والذي أدى إلى كثرة الإضرابات المتكررة سنويا، واستفحال ظاهرة الغش في الامتحانات المهنية، وتملص الأساتذة من أداء الواجب المهني.
كما يلاحظ مدى تمرد التلاميذ عن قوانين المدرسة، بعد أن أصبحت المؤسسة التعليمية مؤسسة جامدة لا روح فيها، ولا وجود إطلاقا للحياة المدرسية السعيدة. ومن ثم، صارت أشبه بثكنة عسكرية قائمة على الصراع الاجتماعي والطبقي والتفاوت الحضاري.

ومن يتأمل قضية التدبير الذاتي للمؤسسة العمومية، والتي نصت عليها المذكرة الوزارية رقم:73 بتاريخ 20ماي 2009م، فسيجد مجموعة من التعقيدات الإدارية البيروقراطية التي يطرحها المخطط الاستعجالي. وكان من الأحسن تطبيق نظام"سيكما"، حيث تخصص مباشرة لكل مؤسسة تعليمية ميزانيتها الخاصة للتسيير والتدبير وفق مراقبة صارمة من قبل مجلس التدبير. وقد وضح الميثاق الوطني للتربية والتكوين ذلك في الفقرة 149 بالنص التالي:"ترصد لكل مؤسسة ميزانية للتسيير العادي والصيانة؛ ويقوم المدير بصرفها تحت مراقبة مجلس التدبير.

تمنح تدريجيا للثانويات صفة"مصلحة للدولة تسير بطريقة مستقلة (نظام)".

ناهيك عن ذلك، فقد صار مفهوم مدرسة النجاح في الحقيقة شعارا سياسيا فضفاضا لا يمكن تحقيقه في دولة متخلفة ترتب دائما ما بين 126و130 على مستوى التنمية البشرية، وتحتكم إلى قانون الأهواء والأمزجة، ويغيب فيها النظام الديمقراطي الحقيقي، وتنعدم فيها حقوق الإنسان بالمفهوم الأوربي. وبالتالي، لا نجد للمواطنة الحقيقية مكانا لها في نفوس المغاربة بسبب الظلم والحيف والجور والبطالة والإقصاء و"الحگرة". كما يلاحظ أيضا وجود خلل كبير في المنظومة التعليمية في المغرب ؛ بسبب تهميش الطاقات المؤهلة وتعطيل الكفاءات المتميزة عن قصد وتعمد، وأقصد بذلك أصحاب الشواهد العليا المجتهدين والمبدعين والمبتكرين الذين يسيرون من قبل الأميين الجهلة وذوي الشواهد الدنيا.

خاتمة:

تعد مدرسة النجاح من أهم الآليات الإيجابية للارتقاء بالمدرسة المغربية، وإنقاذها من الركود والكساد والإفلاس. وبالتالي، فهذه المدرسة بمثابة مشروع مجتمعي هائل. فإذا تم تطبيق كل مبادئ هذه المدرسة بشكل جيد ومتقن، فستتحقق فعلا هذه المدرسة الوطنية الناجحة، ولاسيما إذا أوكلت مهمة تفعيل الإصلاح إلى أصحاب النوايا الحسنة الصادقة.

بيد أن الإصلاحات التي عرفها نظامنا التربوي المغربي منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، كانت تبوء دائما بالفشل مع امتداد الزمن بسبب أبعادها السياسية والإيديولوجية والديماغوجية، وإن كانت ثمة إصلاحات إيجابية عديدة نشيد بها أيما إشادة وثناء، وما أكثرها في مجال القطاع المدرسي والتعليم الجامعي!

ونقول في الأخير: لا يمكن أن تتحقق مدرسة النجاح فعليا في المغرب، إلا إذا أرسينا مجتمعا ديمقراطيا يحتكم إلى مؤسسات قانونية عادلة، وفعلنا منظومة حقوق الإنسان، وأعطينا الأولوية للإبداع والابتكار والتجديد والتقويم الذاتي، واحترمنا الكفاءات الوطنية المتميزة، وأشركناها في إصدار القرار.

ويبقى في الأخير أن أهم سبب للنجاح الحقيقي لمدرسة النجاح هو الاهتمام برجل التعليم عن طريق الرفع من أجره مرات ومرات حسب ارتفاع أسعار المعيشة في الوطن، وتحفيزه ماديا، وتشجيعه معنويا. لأن رجل التعليم هو القاطرة الفعلية للتنمية والتطور والازدهار والتقدم. وإذا لم يتم الرفع من مستوى هذا الإنسان"البروميثيوسي"المناضل، فلن تكون هناك أبدا مدرسة النجاح إلا في الأحلام والأوراق والمذكرات الوزارية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى