الثلاثاء ١٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢

الفلم المسيء للرسول وموسم تصفية الحسابات

زهير كمال

يثير توقيت عرض الفلم المسيء للرسول تساؤلاً هاماً.

هل كان صدفة محضة أم كان مخططاً له؟

وأميل الى الرأي الثاني وأعتقد أنه مرتبط بالانتخابات الأمريكية فشهر أيلول/ سبتمبر هو الوقت المناسب لتغيير رأي الناخب الأمريكي المتردد وجعل الكفة تميل لصالح أحد المرشحين.

إذا استعرضنا الوضع الانتخابي في أمريكا قبل عرض الفلم وجدنا أن الشعب الأمريكي سيبقي أوباما فترة رئاسية أخرى، وقد ظهر ذلك واضحاً بعد مؤتمر الحزب الديمقراطي وتثبيت فكرة أن الإدارة الحالية لم تقصر في عملها بل تبذل كل جهودها في إصلاح الخلل في الاقتصاد المتعثر الذي سببه الجمهوريون أثناء فترة بوش.

وبخروج الشأن الاقتصادي أو نزوله من مرتبة الأهمية القصوى لم يبق أمام الجمهوريين سوى موضوع السياسة الخارجية. وليس هناك أفضل من إظهار الرئيس الحالي في مظهر الضعف وعدم القدرة على حماية الأمريكان خارج أمريكا.

وبالطبع فلا أحد يستطيع التعميم واتهام الحزب الجمهوري بما حدث.

ولكن هناك أجنحة في الحزب ونسبة بسيطة من الشعب الأمريكي تعتقد أن أوباما مسلم وأنه خطف أمريكا منهم، ومن هذه الأجنحة المحافظون الجدد الذي كان يمثلهم الرئيس السابق جورج دبليو بوش ونائبه تشيني ومن أشهر أعضائه بولتون وبايس وفؤاد العجمي. ولهؤلاء علاقات حميمة مع لوبي النفط والسلاح وفرق الحراسة الخاصة والتي اشتهر منها فرقة بلاك ووتر في العراق.

وفي سبيل الغاية لا يتورع المحافظون الجدد عن استعمال وسائل دراماتيكية غاية في الوحشية وأثبت تاريخهم في العراق وأفغانستان ذلك.

لم يتم اختيار تونس أو مصر بل تم اختيار ليبيا حيث لا وجود لدولة هناك وهناك انفلات أمني واسع يعرفه الجميع. ولم يتم اختيار طرابلس العاصمة بل تم اختيار بنيغازي حيث يعرفون بوجود السفير هناك.

وتم اختيار توقيت مبكر للعملية قبل أن تستعد الحكومة الأمريكية وتعلن حالة التأهب القصوى. ومن السهل ترتيب مظاهرات حاشدة وعملاء عرب لترتيب عملية الاغتيال.
ومن الملفت للنظر أن المتظاهرين قد اقتحموا أسوار السفارات في عواصم عديدة مثل الخرطوم وتونس والقاهرة وصنعاء وكان أقصى فعل لهم هو حرق العلم الأمريكي أو استبداله براية أخرى وقد يتم حرق الأثاث أو حتى المبنى ولكن لا يصل الأمر الى القتل بدم بارد كما حدث في بنغازي.

الشعب الأمريكي متعود على المظاهرات التي تجري في أنحاء عديدة من العالم ضد سياسات حكومته وهو يعتبرها ضمن حرية التعبير التي يتمتع بها هو نفسه ولكنه لن يسامح أبداً في قتل سفرائه ودبلوماسييه في الخارج وسيلقي اللوم على حكومته، لعدم قدرتها على حمايتهم. حدث ذلك عندما لم يجدد انتخاب جيمي كارتر في أزمة الرهائن الإيرانية بينما كان طاقم ريغان يجري الصفقات والمحادثات خلف الستار.

ولا شك أن من خطط لهذا العمل يعرف رد الفعل الأمريكي ويعرف بالطبع رد الفعل الإسلامي وقد تم تجريبه في أزمة الرسوم الكاريكاتورية في الدانمارك.

لا يدرك غير المسلمين وخاصة في الغرب أهمية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ففي اعتقادهم أنه نبي مثل غيره من الأنبياء.

فإذا سمحوا لمفكريهم وكتابهم بانتقاد أنبياء مثل عيسى وموسى وبعمل أفلام هزلية تهزأ بهم، ففي اعتقادهم أن الأمر ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم.

يرجع هذا الى عدم ارتباط الدين بالحياة اليومية للإنسان الغربي والى أن الأغلبية لا تواظب على ممارسة العبادات، ولا تخرج ممارسة المواظبين منهم على حضور قداس الأحد والصلاة قبل النوم.

لم يوضح أحد ذلك لهم، والتعريف بأن الإسلام يختلف، فبالنسبة للمسلمين فالرسول محمد عليه السلام هو جزء لا يتجزأ من الشهادة التي يبدأ المسلم حياته بها والاعتراف بأن محمداً رسول الله هو أساس العبادات، وبالنسبة للأغلبية التي تمارس الصلاة فهي تصلي على محمد في كل صلاة من الصلوات الخمس بشكل يومي مدى الحياة.

وهكذا فإن محمداً هو جزء من كينونة الإنسان المسلم ويدخل في تركيب شخصيته.

ولا يقتصر الأمر على محمد فحسب للمسلمين، فكافة أنبياء البشرية هم أيضاً في مرتبة عظيمة من القداسة، ولن يخطر على بال مسلم أن يهزأ بموسى نبي اليهود رغم أن بينه وبين الإسرائيليين ما صنع الحداد.

ولو خطر لمسيحي شرقي أن يصنع فلماً هزلياً عن عيسى فإن أول من يتصدى له هم المسلمون قبل أهل ديانته.

العامة من أهل الغرب لا يعرفون هذه الحقائق ولكن المؤسسات ومراكز الدراسات والأبحاث وهم يقدمون الاستشارة في كيفية التعامل مع المسلمين تدرك هذا جيداً.

أما أجهزة الإعلام الرصينة فهي تتجنب هذا الموضوع الحساس، وكمثل بسيط فقد توقف مسلسل south park وهو أحد أشهر المسلسلات التلفزيونية الكوميدية والذي تعرضه قناة Comedy central عند محمد بعد أن هزئ بكل المقدسات وبكل الأنبياء.

ربما كان الأمر بعد هذا لا يتعلق بحرية التعبير التي تتشدق بها كلينتون وإنما تصفية حسابات وعمل يتعلق بالسياسة الداخلية في أمريكا.

على الجانب الآخر كانت جماهير الربيع العربي تجرب الحريات الجديدة التي تتمتع بها، كانت تشعر بكرامتها وقد ردت اليها تقف أمام أية إساءة جديدة تتعرض لها فالكثير من المتظاهرين لم يشاهد الفلم المسيء ولكن الشباب الغاضب كان يرد الصاع لأمريكا وسياساتها المنحازة لإسرائيل وتأييدها السابق للدكتاتوريات التي سلبته حقه في المستقبل، ويحتار ساسة الغرب وأمريكا لذلك، ألم يؤيدوا الثورة العربية وبخاصة في ليبيا؟ يعتقدون أن الشعوب ساذجة ويمكن أن تنسى تاريخ أمريكا المخزي في المنطقة، أما حاضرها فقد عبر عنه أوباما بطلبه من حزبه تأييد جعل القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.

فهل من الممكن أن تغفر هذه الشعوب للسياسة الأمريكية انحيازها الأعمى لأعدائها؟
ومن اللافت للانتباه حقاً أن شعب الجزيرة العربية التي يحكمها النظام السعودي لم يتظاهر أو يعبر عن رأيه في الموضوع الذي يمس نبي الإسلام وهو من أكثر الشعوب الإسلامية ارتباطاً بدينه، كما أن النظام نفسه كان كأنه غير موجود على ساحة هذا الحدث الهام مما يثبت أن الموضوع برمته سياسي تم فيه توظيف الدين لتحقيق أهداف وتصفية حسابات.

زهير كمال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى