السبت ١٩ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم إبراهيم سعد الدين

الأستاذ الدكتور أحمد مُستجير.. وحوارٌ في الترجمة

(هذا هو نصّ الحوار الذي أُجري مع الراحل الكريم الدكتور أحمد مُستجير ونُشرَ بمجلة "واتا" للترجمة واللغات بعددها الأول عام 2005)

  تقديم وتعريف بالضيف الكريم..؟

أحمد مستجير.. أستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة.

  نبذة مختصرة عن سيرة حياة الضيف وانجازاته الثقافية والفكرية خاصة فى ميدان الترجمة..؟!

تاريخ الميلاد: الأول من ديسمبر عام 1934. بكالوريوس الزراعة من جامعة القاهرة 1954. ماجستير الزراعة من جامعة القاهرة 1958. دبلوم الوراثة من جامعة إدنبره 1961. دكتوراه الوراثة من جامعة إدنبره 1963. أستاذ بالكلية عام 1974. وعميد الكلية من عام 1986 حتى 1995. عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

ترجمتُ 39 كتاباً، وكتبتُ 17 كتاباً. كان آخر كتاب مترجم هو "معنى هذا كله" وصدر عام 2005، ولى كتاب من تأليفي سيصدر قريباً عنوانه "علم إسمه الضحك".

  هل تتفضل وتعطينا فكرة عن بداياتك في عالم الكتابة والترجمة بشكل خاص؟
 كان أول كتاب نشرتُه كتاباً للتدريس عنوانه "مقدمة في علم تربية الحيوان" (سنة 1966). ولكن كتابَ "قصة الكم المثيرة" ـ وكنتُ قد قرأتُه مراراً في إدنبره ـ كان يلح عليَّ، وقررتُ في النهاية أن أجرب الترجمة. وترجمتُه في خمسةٍ وخمسين يوماً بالتحديد! وجدتُ في الترجمة شيئاً جميلاً، تتعلم منها العلم واللغة، ثم تفيد أهلك وعشيرتك. أنا أقرأ كتباً كثيرة ـ علمية في المقام الأول (لم أعد الآن كما كنت أيام الشباب أبذل وقتاً طويلاً في قراءة دواوين الشعر والروايات). ثم أختار مما قرأتُ الكتابَ الذي أجده قريباً إلى قلبي. وأظل "أغازل" الكتاب بضعة أسابيع حتى اقنع نفسي بترجمته، فأترجمه. حتى أنني ترجمت كتاب "الربيع الصامت" لراشيل كارسون، بعد أن وجدتُ ضرورة ترجمته ونشره، لأنه يناقش قضية المبيدات الحشرية وأثرها على الإنسان والبيئة. أثار هذا الكتابُ عند صدوره في أمريكا ضجةً كبرى، وكان السببَ الرئيسيَّ في ظهور حركة البيئيين. ترجمتُه إذن ونشرتُه على حسابي الخاص. وخسرتُ بذلك مبلغاً "جسيماً"، بالنسبة لي في ذلك الوقت (سنة 1974)، فانكسر حماسي للترجمة. وأصَرَّتْ زوجتي على أن أتوقف نهائياً عن الترجمة. وتوقفتُ تماماً لمدة إحدى عشر عاماً حتى عام 1985 عندما قرأت في رحلتي الصيفية إلى أوروبا كتابَ "صناعة الحياة"، وكان عن الهندسة الوراثية. كان كتاباً رائعاً في موضوع جديد تماماً لم يُكتب عنه حرف بالعربية. فَعُدْتُ ثانيةً إلى الترجمة. وظهر الكتاب بالعربية عام 1985. كنتُ قد رأيتُ أن هذا العلم الجديد لابد أن يُنقل ليُنشر في جميع البلاد العربية. لاقيتُ عنتاً كبيراً في ترجمة مصطلحات جديدة تماماً لم تكن معروفة لنا. وكان للكتاب صدى رائعٌ حتى ليكتب عنه الأديب الكبير يوسف إدريس مقالاً في "الأهرام". دفعتُ حقوقَ الترجمة والنشر من جيبي (ولم أحصلها كاملة حتى الآن!). ثم أصبحتْ الترجمةُ جزءاً من حياتي. في نفس الوقت جذبتني مجلة "الهلال" العريقة لأكتب فيها عن العلم. كان الفضل يرجع إلى الأستاذ مصطفى نبيل رئيس تحرير المجلة. نشرتُ بها عشرات المقالات العلمية. كما كتبتُ أيضاً في عدد آخر من المجلات منها مجلة "سطور" ومجلة "وجهات نظر"، ومجلة "العربي" الكويتية. تعودتُ أن أجمعَ هذه المقالات وأنشرها في سلسلة من كتب صغيرة رخيصة الثمن لأتيحها للجميع ـ تُصْدرها دار المعارف.

  الترجمة.. هل هي في مفهومكم علم أم فن أم كلاهما معاً؟ وكيف يمكن ضبط هذه المعادلة؟
 الترجمة بالطبع فن وإبداع قبل كل شيء. بدليل أنك قد تقرأ كتاباً مترجماً ثم تعرف مباشرة مَنْ ترجمه، أليس كذلك؟ الأسلوب يَبِينُ في الترجمة، والأسلوب هو الرجل. أذكر جملةً قالتْها لي الزميلة الدكتورة يُمْنَى الخولي يوماً: "لكَ أسلوب واحد، ويصعب أن نميز هل هذا الكتاب من تأليفك أم من ترجمتك. روحك ـ أي أسلوبك ـ تبدو جلية حتى في الترجمة". والأسلوب فن وموهبة طبعاً. إن اختيارَ الكتاب الذي تترجمه ـ في حد ذاته ـ فن. إختيار الكلمة، بل ومكانها في الجملة، فن. إنني ـ لهذا السبب ـ لا أحب أن أراجع ترجمةً لكتاب. هل تستطيع أن تراجع قصةً لكاتب، أو قصيدةً لشاعر. إن الترجمة إبداع ولاشك. يقولون إن المترجم "خائن"، وهذه الجملة في حد ذاتها تعنى أن المترجم "مبدع".

  لسيادتكم إنجازات مرموقة بالترجمة العلمية والأدبية والكتابة الإبداعية أيضاً.. كيف ترون أهم أوجه الشبه والاختلاف بين الترجمة الأدبية والعلمية..؟! وكيف تتحول الترجمة إلى عملية إبداعية بحق؟!
 يا سيدي الفاضل، أنا أترجم الفقرة في البداية ترجمةً حرفيةً، ثم أُنَحِّي الأصل جانباً، وأُعيد صياغةَ الفقرة بعيداً عنه، أي أعيد الصياغة بأسلوبي أنا. الترجمة الأدبية أصعبُ كثيراً من العلمية، إنها تحتاج إلى التأنق ومزج روح المترجم بروح المؤلف. وهى تحتاج إلى دراية عميقة للغاية بالموضوع وباللغة المنقول منها، حتى بظلال الكلمات. دعنا ننظر إلى كتاب "أصل الأنواع" لداروين؛ ترجمه الأديب الكبير إسماعيل مظهر. كان تحفة فعلاً في الصياغة العربية، لكن خانته كثيراً بعض المعاني. لا أريد أن أقول أن مَنْ يترجم الكتب العلمية لابد أن يكون عالماً. لكنه لابد أن يكون متسع الثقافة، ولا مانع بالطبع من أن يتصل بالمختصين إذا استعصى عليه المعنى في بعض الفقرات. إن المشكلةَ في الترجمة العلمية هي أن معظم العلماء لا يستطيعون الكتابة بشكل "يُقرأ". والبعض من مُدَّعِي العلم يكتبون بشكل "مُقْرِف". الأمر الذي قد يجعل القارئ يكره العلم. المطلوب منا أن نجتذب إلى حقل الترجمة البعضَ من شباب العلماء. أن نكتشف الموهوب منهم ونشجعه. ولأن الترجمة فن، فلن نجد الكثيرين من "الفنانين". ليس من السهل أن تجد شاعراً. ولا يمكن بالطبع أن "تُعَيِّنَ" شخصاً في وظيفة "شاعر". عندما نعتبر الترجمة فناً سندرك السبب في قلة عدد المترجمين الأكفاء. إن المترجم أشبه ما يكون بالنحات. الكتاب الذي يُتَرْجَم هو كتلة الحجر التي يستخدمها المترجم لإبداع تمثاله! إذا لم يكن المترجمُ فناناً فسيخرج عنه تمثالٌ قبيح، وإذا كان فناناً فسيبدع تمثالاً فناً. التمثال كما يقولون موجود داخل الكتلة الصخرية. والترجمة هي التمثال الذي سيبدع إزميل ( قلم ) المترجم لينحته!. أنت لا تستطيع أن "تصنع" مترجماً. لابد من الموهبة، التي يصقلها الزمن والتجريب! أنا أحاول في كتاباتي العلمية أن أكتب المادة التي أريد توصيلها في صيغة أدبية، أو فيما "يشبه" الأدب، إن رأيت، حتى أغرى القارئ بأن "يستمر" في القراءة. إكتشفتُ أن القارئ العربي ـ بل وكل قارئ ـ يحب "الحَكْيَ" و "القَصّ"، لذا ستجد في مقالاتي الكثير من "الحواديت" التي أستغلها "لاستدراج" القارئ إلى إكمال قراءة المقال إلى آخره! والقصص التي أرويها ترتبط دائماً بالموضوع. أعني أنني أحاول أن أضع لمسةً إنسانيةً في الكلام العلمي الجاف حتى يمكن للقارئ أن "يبتلع" الحقائق العلمية.
  ما هو تشخيصكم لواقع الترجمة (كَمًّا ونوعاً) بالوطن العربي في الوقت الحاضر؟!
 إنها تعاني مما نجده أيضاً في كل درب من دروب التقدم. العدد المُتَرْجَم من الكتب قليل، كذا يقولون، وأنا أعني هنا الكتب العلمية. إن الأزمة الحادة تكمن في اختيار الكتب العلمية التي تستحق أن تُتَرْجَم. إن المطلوب حالياً هو الكتب التي تخاطب القارئ العام لا المتخصص: الكتب التي تعالج القضايا الاجتماعية التي تواجهنا والتي ظهرت مع التقدم العلمي الرهيب الذي حدث ويحدث فى الغرب. ليس المطلوب حالياً ترجمة الكتب المتخصصة. أولو الشأن يستطيعون قراءتها في لغاتها الأصلية. مهمتنا أولاً أن نرفع المستوى الثقافي العلمي بين جماهير الناس، لاسيما بين الشباب، حتى يقدروا العلم ويشجعونه ويدفعوا الدولة إلى أن تعطي العلم حق قدره. إن الأمية العلمية التي استشرت تحتاج مَنْ يعالجها، والعلاج الأول والأبسط هو ترجمة الكتب العلمية التي تفتح آماد التفكير. أنا لا أعنى أيضاً العلم المبسط. هذه مهمة المدارس، وربما الجامعات. المهم أن يكون بيننا مَنْ يستطيع أن "يكتشفَ" كتبَ الثقافة العلمية المستنيرة. وفى هذا الخصوص فإننا سنجد عدداً ليس كثيراً بالفعل. ولدينا من العلماء ومن كبار المثقفين من يستطيع أن ينقله إلى العربية باللغة العربية الصحيحة. هل أقول إن الأمر يحتاج إلى "لجنة" لاختيار الكتب؟ أنا أكره اللجان وأرى أنها قد أسهمت في تخلفنا. فلْندَعْ كلَّ من يجد كتاباً يستحق يقدمه، كل مَنْ قرأ كتاباً ووجده يستحق أن ينقل إلى أهله العرب، عليه أن يحاول تقديمه لأهله وعشيرته من العرب. العدد الذي سنجده من كتب الثقافة العلمية الحقيقية، التي تهمنا في وضعنا الحالي، بالخارج لن يكون كبيراً كما ذكرت، ربما بضع عشرات لا أكثر، المهم أن ننتقي ما يفيد، والمهم أن تترجم كما يجب. أعني أنه في المرحلة الحالية لا يجوز أن ننعي قلة ما يترجم، بل أن ننعي "نوعية" ما يقدم. ودَعْكَ من حكاية الإحصائيات التي تقارن بين "أعداد" الكتب المترجمة في الدول المختلفة. وأعني بالنوعية نوعية المادة ونوعية الترجمة.
  ما هي أهم الصعوبات التي تواجه حركة الترجمة في الوطن العربي اليوم؟
 أرجو قراءة إجابة السؤال السابق. لكن، إذا اقتنع أولو الأمر بأن الترجمة إبداع وفن حقاً، فإن أجر الترجمة يجب أن يكون كافياً ليتفرغ البعض للترجمة، ولإغراء كل "فنان" مترجم أن ينضم إلى القافلة.
  ما هي رؤيتكم لآليات العمل التي يمكن من خلالها تعزيز حركة الترجمة وتصويب مسيرتها في الوطن العربي؟! وعلى من تقع هذه المسئولية؟
 أنا لا أعرف إجابة لهذا السؤال واضحة في رأسي. لكن ربما كان إنشاء "رابطة" أو "نقابة" للمترجمين أمراً يستحق. وربما كان في إنشاء "مجلس أعلى للترجمة" أمر آخر. لكن المهم ألا يتحول الأمر إلى بيروقراطية تقتل المواهب التي تبرز هنا وهناك في ربوع العالم العربي. ثم هناك بالطبع وظيفة "المحرر العلمي" التي يجب -أقول يجب- أن توجد في كل المجلات والجرائد. مَنْ يا ترى ينقد كتاباً مترجماً، أعنى ينقد الترجمةَ ذاتها؟ مَنْ يعرض الكتب المترجمة وغير المترجمة (أستثني من ذلك الكتب السياسية!!) في الصحف والمجلات ليحث القارئ على اقتنائها وقراءتها؟ كم برنامجاً من البرامج التلفزيونية يهتم بالكتب؟ كم كاتباً ممن ينقدون الكتب يقرأ الكتاب الذي ينقده قبل أن يكتب عنه؟!.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى