الثلاثاء ١ أيار (مايو) ٢٠٠٧
طبعة رابعة بعد الإقبال الكبير على الطبعات الثلاثة خلال فترة قياسية

"مهاتير محمد... عاقل في زمن الجنون"

صدرت الطبعة الرابعة من كتاب "مهاتير محمد.. عاقل في زمن الجنون"، وهو الأول من نوعه باللغة العربية من تأليف الكاتب والصحفي الفلسطيني الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد، وذلك بعد الإقبال الكبير على الكتاب خلال المعارض المحلية التي تمت في الشارقة خلال ديسمبر 2006 ورأس الخيمة فبراير 2007 وأبو ظبي مارس 2007.

يقع الكتاب الذي صدر قبل أيام، في 480 صفحة من القطع المتوسط، وأصدرته "ميديا هب" للنشر ومقرها دبي، فيما يبدى الكاتب د. عبد الرحيم عبد الواحد، إعجابا شديدا بمهاتير منذ الحروف الأولى لكتابه حيث يقول في الأسطر الأولى من المقدمة مدللاً على ذلك بالعديد من الوقائع والمواقف السياسية والنظريات الاقتصادية والاجتماعية والرؤى الدينية المتميزة بما تتناسب مع ماليزيا الإسلامية الآسيوية، ويقول: "بهامته الشامخة كما هي ماليزيا، وبساطته وتواضعه، يسطر الدكتور مهاتير أروع الأمثلة الإنسانية التي جاءت وليدة قناعاته ونظرياته وفلسفته الحياتية، حيث قاد بلاده إلى النهضة والتطور ومن ثم إلى بر الأمان بعد مشوار طويل من التضحيات، فيما سطرت أفكاره ومواقفه سجلاً حافلاً من النظريات التي يستحق عليها التكريم بأنبل الشهادات تقديراً لوفائه لوطنه وشعبه وأمته الإسلامية، كما دوّن برؤيته الثاقبة وحكمته الراسخة، سياسة ماليزيا وحدد أهدافها التي حققت الرخاء والتنمية بعد أزمات ومؤامرات كادت تعصف بإنجازات الشعب الماليزي، كما تحولت في عهده الأحلام إلى حقائق على أرض الواقع بعد أن حمل الأمانة التاريخية، مستعيناً بالمصداقية التي تحكم مشاعره وتحدد سلوكه. إنه مفخرة كل من يعرف دقائق شخصيته وحياته اليومية. كما انه يُسمي الأشياء بأسمائها، ويضع الأمور في نصابها الصحيح ويعطي القضايا ما تستحقه، فهو قائد ذو ثقافة عالية يعطي دروساً في التاريخ والدين والإنسانية والأخلاق. لم يقل شيئاً يجافي المنطق أو بعيداً عن الواقع، رجل حضارة وفكر وسلام، استطاع جذب انتباه جميع الوطنيين والمحبين للسلام والعقلانيين الباحثين عن مصالح الأمة الإسلامية وسط ركام التخاذل والخنوع والأفواه المغلقة والأيادي المقيدة، ومدافع عنيد وقوي عن الحقوق العربية والإسلامية".

إن الغوص بين سطور الكتاب وعناوينه وأبوابه وفصوله يتضح للقارئ الأهمية القصوى لموضوعاته من حيث إنها تمثل دراسة فكرية وواقعة لفلسفة مهاتير محمد على كافة الصعد المحلية الماليزية والإقليمية والعربية والإسلامية والدولية، وفي الوقت شموليتها بحيث تغطي كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والدينية... الخ. وينقسم الكتاب إلى 10 أبواب و42 فصلا، تناولت كافة مفردات التجربة الماليزية الغنية بتجارب مثالية نادرة الحدوث في عالم اليوم، بما يمكن معه القول بأنها تجربة فريدة تستحق الدراسة والبحث والاقتداء بها من خلال الاستفادة منها بما يتناسب مع إمكانياتنا الاقتصادية وقدراتنا الفنية الشخصية المتواضعة قياسا بما تمتلكه ماليزيا بعد نجاح تجربتها الرائدة. ويبدو ان للكاتب خبرة واسعة ومعمقة في شؤون الحياة الماليزية السياسية والاقتصادية والسياحية، حيث نراه يدلي بدلوه في كافة الموضوعات التى تطرق لها في هذا الشأن، وخاصة مقابلاته المتكررة مع مهاتير نفسه ومستشاريه.

ومن جانبه قال المؤلف د. عبد الواحد: "الكتابة حول مهاتير تعتبر تحديا كبيرا لاعتبارات عديدة أبرزها التناقضات الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها ماليزيا في الوقت الذي اثبت فيه مهاتير قدرته الفائقة على اجتياز الصعاب والاختبارات القاسية، فهو رجل دولة ذو تجربة غنية، حيث يمكن اعتبار التجربة الخاصة بماليزيا حقبة مفصلية في تاريخ العالم الإسلامي تستحق الدراسة للاستفادة منها، وخاصة أن مهاتير اثرى هذه التجربة بأفكاره المتميزة اقتصاديا وإسلاميا".

وأضاف د. عبد الواحد: "يعتبر الكتاب رؤية واقعية للتطورات والتجارب والظروف التي عاشتها ماليزيا وكيفية الخروج من الأزمات ومواجهتها والتغلب عليها، إضافة إلى استعراض للدور الماليزي في دعم وتعزيز الأنشطة الاقتصادية والتجارية بين الجانبين والتواصل المستمر مع دول العالم الإسلامي والدول العربية حيث يركز على فلسفة مهاتير وتجربته ورؤيته السياسية والاقتصادية والإسلامية طوال 22 عاما من توليه منصب رئاسة الوزراء التي تركها في أكتوبر 2003".

وردا على سؤال يتعلق بأهم محتويات الكتاب قال المؤلف: "يكشف الكتاب ملامح التجربة المهاتيرية على كافة الصعد، ويرسم صورة ناصعة لهذه التجربة باعتبارها منهاجا ونبراسا يمكن الاستفادة منها بما يتناسب مع الظروف والأوضاع الخاصة التي تعيشها الدول المختلفة. كما يبين مواقف مهاتير من اليهود والسامية وسيناريوهات الجماعات الصهيونية للنيل من تأثيره وقوته داخل وخارج بلاده، كما يبين أسباب ووسائل الزعيم الماليزي في النهوض ببلاده منذ عام 1981 وحتى استقالته عام 2003 من خلال التعرض للعديد من المحاور الهامة منها الخصخصة والتنمية، رؤيته لماليزيا عام 2020 وكيفية التغلب على الأزمة المالية التي ضربت جنوب شرق آسيا عام 1979. وفي باب آخر يستعرض الكتاب للقيم الإسلامية وأسباب تفعيلها ومدى جدية ما يسمى بالحرب على الإرهاب وموقف الإسلام من ذلك، كما يتضمن الكتاب النظريات الاقتصادية التي أرساها لتعزيز اقتصاديات ماليزيا. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تحتوي صفحات الكتاب على رؤى مهاتير من القضايا السياسية الهامة مثل فلسطين والعرق وأفغانستان وكذلك ملامح التعاون الاقتصادي بين بلاده واهم الدول العربية وكيفية تعزيزها".

وحول الأسباب التي دفعته للكتابة عن مهاتير قال الدكتور عبد الواحد: "من ضمن الأسباب العديدة التي دفعتني لبحث ودراسة مواقف هذا الزعيم، عرض التجربة الماليزية أمام القارئ والمسئول العربي وإبراز أهم الوسائل التي استطاع من خلالها مهاتير تحويل بلاده من دولة تعتمد على الزراعة والصيد إلى احتلال المرتبة 18 عالميا في مجال التصنيع. إضافة إلى ذلك بيان الوسائل والمواقف التي تبناها مهاتير في مواجهة الأزمات المالية التي كادت تعصف بدول جنوب شرق آسيا عام 1997 حيث استطاع الخروج منها بأقل الأضرار مقارنة بالدول الآسيوية الأخرى، وأيضا هناك مواقفه واقتراحاته بشأنه الوحدة الإسلامية سياسيا واقتصاديا علاوة على توجهاته الثابتة حول قضايا الشرق الأوسط خاصة فلسطين والعراق وغيرهما من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الدول الإسلامية".

ويذكر أن الدكتور مهاتير يتمتع حسب أغلب الرؤى المحايدة بكاريزما قيادية وسحر شخصي ما جعله شخصية جماهيرية ذات ثقل فكري مرموق ليس في ماليزيا وحدها وإنما على مستوى جنوب شرق آسيا والعالم الإسلامي. ولعل من بين الخصال الحميدة التي كرسها مهاتير وستترك أثرها الكبير على مستوى بلاده فضلاً عن الصورة الايجابية التي قدمها من خلال مواقفه قيمة التسامح. فمهاتير رغم التزامه القوى بعقيدته الإسلامية إلا أنه ظل يحرص من موقعه كرئيس حكومة على إشاعة التسامح الديني في ماليزيا تجاه الأقلية غير المسلمة حتى أصبح ينظر إليها على أنها النموذج الإسلامي الوحيد الذي يستحق أن يحتذى. وفي وصف مهاتير راح البعض يؤكد أنه يتمتع بقوة شخصيته ونظرة سياسية ثاقبة، وأنه لم يعرف عنه استغلال نفوذه في مراكمة الثروة الشخصية أو فرش الطريق بالذهب للأقارب والمحاسيب، كما نجح في تحاشي التحول إلى رمز لعبادة الفرد وهي الظاهرة التي دمرت الكثير من القادة المسلمين، إضافة إلى اعتباره أنموذجا للقادة المسلمين الذين تجاوزوا مجرد مباشرة الشؤون اليومية إلى تطوير رؤية سياسية إستراتيجية.

وقد بدأ المؤلف كتابه من حيث انهى مهاتير حياته السياسية بكلمته المثيرة للجدل حول اليهود والسامية خلال خطاب استقالته على هامش انعقاد الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الإسلامي في العاصمة الماليزية كوالالمبور في 18 أكتوبر 2003، حيث خصص الباب الأول "الاستقالة واليهود... مشهد الحقيقة" أشار فيه إلى المزاعم والافتراءات التي تعرض لها مهاتير وغيره من الساسة وكبار الشخصيات للاضطهاد اليهودي بسبب كشفهم لحقائق الواقع. واستشهد الكاتب الذي كان حاضرا وقائع جلسات مؤتمر القمة الإسلامي قائلاً: "طغت عبارات الراحة والود الممزوجة بالثقة، على كلمات مهاتير الأخيرة قبل ساعات من ترك السلطة، بل اعترافه بالحزن لتلك اللحظات مستذكراً السنوات الطوال التي قضاها في الحكم، وأبدى شكره وامتنانه للشعب الماليزي الذي شاطره أفراحه وأحزانه ووقف معه في اللحظات الدقيقة التي مرت بها بلاده طوال فترة حكمه. وفي الوقت نفسه حفرت استقالة مهاتير في ذاكرة الشعوب الماليزية والعربية والإسلامية والعالمية، مبادئ ومواقف مشرفة ستظل لعقود مقبلة نبراسا وأسلوبا متميزا في الحكم والإدارة والسياسة والاقتصاد والطب. فبعد 22 عاماً من السلطة، جاء الاستخلاف السياسي في ماليزيا بطريقة فريدة مثالية قلما تجدها في عالمنا الثالث، حيث تنازل مهاتير عن منصبه وهو في أوج قوته ومكانته السياسية والاقتصادية حيث ينال احترام كافة الأحرار والمقهورين في العالم على اختلاف ألوانهم وجنسياتهم وعقيدتهم. كما تركت الاستقالة بصمات وعبارات الإعجاب والفخر والاعتزاز بشخصيته ونقطة مشرقة في التاريخ العربي والإسلام وشمعة مضيئة في مسيرة ماليزيا كنموذج للدولة المسلمة. إلا أن اختفاء مهاتير عن الساحة السياسية قابله سلبية واضحة من قبل الدول الغربية والإدارة الأمريكية واستراليا التي أبدت انزعاجاً كبيراً من كلمة مهاتير خلال القمة الإسلامية العاشرة في كوالالمبور.

وفجر مهاتير في كلمته قنبلة سياسية لم يجرؤ أي زعيم عربي أو إسلامي على مجرد التفكير بها، ألا وهي وضع أصابعه على مكامن الخلل والإعلان عن أن اليهود يسيطرون على العالم فيما كان ملايين المشاهدين يتابعون فعاليات القمة الإسلامية، مما أدى إلى ردود فعل تراوحت بين التأييد وهم الغالية والرفض وهم الأقلية القليلة حيث كان الدافع ورائها أحد أمرين: الأول إما الخوف على مصلحة ما يتحكم فيها الصهاينة واليهود فيما يتمثل الثاني في السعي لمصلحة قادمة يكون اليهود هم مصدرها. وهنا نلحظ موقف مهاتير الذي أصر على التمسك بها، متعهداً بعدم الاعتذار لأسباب يراها منطقية، وذلك بالرغم من التهديدات الأمريكية والأوروبية والصهيونية، وقال سيد حامد البار وزير الخارجية الماليزى خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده في بوترا جايا بتاريخ 21 أكتوبر 2003 : "ماليزيا لم ولن تعتذر على ذلك البيان، أليس لنا الحق فى أن نبدى برأينا تجاه الآخرين ونتركهم ينتقدوننا وينتقدون الدول العربية والإسلامية حسب أهوائهم؟ لا لم ولن نعتذر على الإطلاق، قد أخطأت وكالة "أسوشياتيد بريس" تفسير تصريح مهاتير".

ويؤكد الكاتب على مواقف مهاتير بالنسبة لليهود بالقول بأن رئيس الوزراء المستقيل لم يرتكب أي جريمة لمجرد التعبير عن حقيقة واقعة، حيث لم يكن حديثه في هذا الموضوع قائما علي تحليل ديني او نظره دينية متعصبة‏،‏ بقدر ما كان رؤية لواقع سياسي واجتماعي يلمسه القاصي والداني في العالم بأسره، بل أورد حقائق يعلمها جميع فئات الشعوب العربية والإسلامية بما في ذلك قادة وزعماء تلك الشعوب ومن ذلك أن اليهود يسيطرون على اقتصاد الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، إضافة إلى نشر الفساد والإفساد المالي والأخلاقي في المجتمعات العربية والإسلامية والتجارب في ذلك كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر ما تمارسه في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولم يقل مهاتير سوى جزء من الحقيقة القائلة بأن اليهود يديرون العالم بالوكالة، حيث يؤكد بأن: اليهود يسيطرون على العالم من خلال العملاء ويستخدمون الآخرين للحرب والتضحية بالأرواح نيابة عنهم".

واختتم الكاتب الباب الأول بالقول إن وصف مهاتير لليهود خلال القمة الإسلامية، ليس سوى تعبير صريح وجريء في زمن السكوت والبعد عن الواقعية التي لم يكن لمهاتير سوى الشرف في طرحها أمام الشعوب كأمانة يتوجب عليه إبلاغها لمن يهمه الأمر وبهذا فقد أبرأ ذمته أمام الله عز وجل والشعوب الإسلامية التي شعرت بالارتياح لتصريحاته حيث انه عبر عما يجول في عقولهم وأفكارهم. وحملت تلك الكلمات معان كبيرة فحواها أن على القادة المسلمين القيام بتشخيص الواقع‏،‏ الذي يواجههم بجراه وشجاعة‏‏ دون وجل أو خوف أو تردد لن يجدي نفعاً مهما كانت إغراءات السلطة والجاه والسلطان.

ولم يكن موضوع الباب الثاني من الكتاب سوى دليل آخر على شجاعة مهاتير وثباته على المواقف حيث تعرض الكاتب لمزاعم اليهود بما يسمى بمعاداة السامية، حيث يكشف الكاتب بان ما يحدث في شتى أنحاء العالم من ادعاءات بمعاداة السامية بأنها من صنع اليهود وأعوانهم الصهاينة حيث يقول: "لم يأت مهاتير بجديد عندما اتهم اليهود بأنهم يحكمون العالم بالوكالة وأنهم متعجرفون، حيث سبقه في ذلك الرئيس الفرنسي شارل ديجول عن اليهود: "شعب واثق من نفسه ومسيطر‏"، بل يشكل موقفه دعوة صريحة ومفتوحة لزعماء العالم الإسلامي المجتمعين إلى وقف التداعيات والصراعات البينية وموجهة ما يحدث على أرض الواقع بشجاعة وبسالة دون إلى ما تحمله المواقف من غضب القوى الكبرى في إشارة إلى الولايات المتحدة، وقال: "إن أكثر زعماء الغرب يريدون احتلال البلاد الإسلامية مرة أخرى وهم لا يجدون حرجا في نقدهم للمسلمين والعرب في حين أن ذلك الانتقاد قد يصبح في نظرهم خطأ إذا وجه إلى أوروبا واليهود، ويبدو أنهم يعتقدون أنفسهم شعوب الدرجة الأولى ومتميزون ولكن نحن لا نفكر مثل ذلك".

ويسرد المؤلف عشرات الأمثلة على انحياز العالم لليهود ومنها: اتهام الجالية الصهيونية واليهودية في ألمانيا بسحب بعض الكتب العربية المشاركة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب بتاريخ 10 أكتوبر 2004، وذلك بحجة معاداتها للسامية. وتعرض الرئيس الفرنسي جاك شيراك لحملة انتقادات شرسة من الصحافة الإسرائيلية بتهمة العداء للسامية لأنه وافق على تضمين البيان الختامي لقمة الاتحاد الأوروبي عبارة وصف العداء، وتعرضت زوجة رئيس الوزراء البريطاني شيري بلير لانتقادات قوية في يونيو 2002 عندما أرجعت سبب إقدام الشباب الفلسطيني على القيام بالعمليات الفدائية إلى شعوره باليأس وفقدان الأمل بسبب السياسات الإسرائيلية، وهي التصريحات التي رأت فيها إسرائيل مبررا لعمليات المقاومة، ونجحت في الضغط عليها وإرغامها على التراجع عن تصريحاتها والاعتذار"، وتعرض الرئيس الأمريكي بوش لسلسلة انتقادات مشابهة من داخل وخارج الكونجرس دفعته إلى التراجع عن موقفه بل وإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة سياسة الاغتيالات والتصفية وذلك عقب محاولة اغتيال إسرائيل الشهيد عبد العزيز الرنتيسي أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في يونيو 2003 .

ويعتقد الكاتب واصفا ما حدث هو مجرد زوبعة وضجة إعلامية وسياسية افتعلتها الدوائر الصهيونية واليهودية في العالم ضد كلمة مهاتير متهمه إياه بمعاداة السامية، وقال إنها لم تكلل بالنجاح بل كان نصيبها الفشل لأسباب عديدة أبرزها الوعي الرسمي والشعبي العربي والإسلامي والعالمي بحقائق اليهود وممارساتهم وبرامجهم الهادفة إلى فرض هيمنتهم على العالم بأسرة كحلم تقليدي قديم يتصدر أجندتهم السياسية والعقائدية. وتدفعنا تلك المواقف اليهودية والمؤيدة لها إلى التساؤل، لماذا صمتت الدول الغربية وغيرها ولا تزال ومنذ زمن بعيد تجاه الإهانات والهجمات والإساءات التي يتعرض لها الإسلام بل والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك من قبل زعماء كبار أمثال سيلفيو برلوسكوني رئيس الوزراء الإيطالي وويليام بويكن وكيل وزارة الدفاع الأمريكية وجون أشكروفت وزير دفاع الإدارة الأمريكية أيضاً. لذلك، ومن البديهي أن يطفو على السطح استفسار جوهري يتمثل في مصداقية التوجهات الأمريكي والأوروبية حول ما أطلقوا عليه الحرب على الإرهاب مستخدمين كافة الطرق والوسائل الشرعية وغير الشرعية وفي الوقت نفسه تمهيد الطريق بصورة مباشرة وغير مباشرة لشن حملة عداء ضد الإسلام والمسلمين وهذا ما شهدناه خلال العامين الماضيين في معظم الدول الغربية والولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه إرضاء اليهود واللوبي الصهيوني القابع في المقار الرسمية لتلك الدول.

ويخصص الكاتب الباب الثالث للشأن السياسي الماليزي وذلك بطرح قضية حساسة وشائكة للغاية وخاصة ان طرفها الآخر المفرج عنه من المعتقل حديثا أنور إبراهيم النائب السابق لمهاتير، حيث يطرح قضايا وتوجهات ومواقف الأحزاب الإسلامية والقومية المعارضة ورؤيتها الخاصة لبناء ما يطلقون عليه ماليزيا الإسلامية، ويقول الكاتب: "الصراع على السلطة في ماليزيا ليس وليد اليوم أو السنوات القليلة الماضية، بل تعود جذوره إلى الفترة التي تولى فيها قادة الملايو المسلمون زمام المبادرة للخلاص من الاستعمار البريطاني ولكن تلك الخلافات لم تتجسد وتأخذ بعدا واضحا على ارض الواقع إلا خلال حكم أول رئيس وزراء لماليزيا تنكو عبد الرحمن حيث حملت في طياتها الاتهامات المتبادلة والتصورات المختلفة لمستقبل الشعب والمجتمع الماليزي في كافة القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. ولم تظهر تلك الخلافات على السطح بالمفهوم الحديث للصراعات والتباينات الفكرية والثقافية إلا بعد اعتقال أنور إبراهيم نائب مهاتير ووزير ماليته وصدور الحكم القضائي بحقه والقاضي بحبسه 15 عاما بتهم الفساد والممارسات المنافية للآداب والأخلاق. ومن الملاحظ أن هناك حملة مكثفة من قبل المعارضة التي كالت الاتهامات لسياسة مهاتير في محاولة لكشف ما تسميه زيف وخداع سياسته إضافة إلى التشكيك في انجازاته وقراراته التي تمس الشأن الداخلي وخاصة ما يتعلق بالمصداقية في قضية أنور إبراهيم حيث تعتبر أن نجاحها في ذلك يمكن ان يكون أساسا لبدء مرحلة جديدة في علاقة المعارضة مع الحكومة. وتشكل العديد من التناقضات التي شهدتها الساحة الماليزية خلال العقود الماضية، جزءا من ملامح شخصية مهاتير الجدلية، لكنه على ارض الواقع جعل من ماليزيا أنموذجا عالميا وفريدا، وحولها من دولة معدمة كانت خارجة لتوها من صراع أهلية ضروس عام 1981 إلى دولة متقدمة صناعيا وتكنولوجيا، تتمتع بمؤسسات حكم راسخة، وتتوفر فيها جميع أسس دولة حديثة، وواحدة من أغنى دول العالم.

ويسهب الكتاب في شرح تفصيلات وحيثيات الصراعات السياسية بين التيارات الحزبية في ماليزيا، والبحث في معرفة مفردات التركيبة العرقية للمجتمع الماليزي الذي يتكون من فسيفساء وموزاييك عرقية فريدة التكوين والتي بالرغم منها كان من صور التماسك الاجتماعي والديني، المشاركة الشاملة والتعايش السلمي للجميع في الأعياد الدينية لكافة الأعراق التي لها الحق في ممارسة طقوسها بحرية كاملة بنص الدستور.

وبحث الكاتب في كيفية إدارة مهاتير للازمة مع المعارضة طوال سنوات عديدة عانى هجمات قاسية من المعارضة التي كانت تصفه دائما بالدكتاتور والفرعون والطاغية وغيرها من الألقاب القاسية، إلا انه استطاع وبذكاء احتواءها بحكمة وروية، كما تناول الكتاب في نفس الإطار وفي فصل آخر الطموحات التي كان يسعى إليها أنور إبراهيم حيث ان القراءة الطبيعية للصراع بين مهاتير وأنور يجب أن ينطلق من خلفيات تاريخية وحزبية ومواقف سياسية إضافة إلى الواقع الاجتماعي والتركيبة العرقية للمجتمع الماليزي، وذلك باعتبارها أهم الأسباب لوجود ما يسعى إليه كافة الأطرف من وجود إسلام سياسي. ويشير المراقبون السياسيون في هذا الإطار إلى أن حركة "أبيم" بقيادة أنور لم تطرح بديلا سياسيا واضحا للواقع الرديء في نفس الوقت قدمت تطعيما وطنيا واجتماعيا للتيارات السياسية الموجودة لدعم النهضة وتمكين الفقراء والمحرومين والتصدي لمقاومة الفساد الاقتصادي والسياسي. وخاصة وان تداعيات قضية أنور إبراهيم لم تنته بعد بل تثير جدلا كبيرا في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية، مما يستدعي البحث قدر الإمكان في الظروف والتداعيات والمواقف التي عاشتها العلاقة السياسية متعددة الأطراف في ماليزيا. وبالرغم من الحكم الصادر ببراءة أنور في بعض القضايا المنسوبة إليه في 2 سبتمبر 2004، إلا أن المجلس الأعلى للحزب الوطنى الماليزي الحاكم في 14 سبتمبر 2004 إعادة أنور إلى داخل صفوف الحزب فى الوقت الحالى، بعد أن أسقطت المحكمة الفيدرالية في 2 سبتمبر 2004 تهمة اللواط بحق أنور وأفرجت عنه، وقد كثرت الإشاعات حول موضوع الإفراج عنه وقيل أن هناك اتفاقا سـريا بينه وبين رئيس الوزراء عبد الله بدوي إلا أن الاثنان نفيا ذلك نفيا قاطعا وأكدا بأنه لا توجد هناك أية مســاومة بينهما على الإطلاق في هذا الشأن. وفي مكان آخر يسترشد الكاتب بشهادات من مقربين شخصيين لبيان مصداقية مهاتير وأنور في ادعاءاتهما ضد بعضهما البعض.

ويتحول الكاتب في بداية الباب الرابع للحديث عن سياسة مهاتير التاريخية لبلاده منذ عام 1981 وحتى استقالته عام 2003 مبينا الانجازات والمواقف التي ساهمت في بناء ماليزيا، ويبين كيف استطاعت ماليزيا تحقيق مثل تلك النجاحات فيما فشل الآخرون الذين لم يعانوا مثلما عانته ماليزيا طائفياً وسياسيا واقتصادياً، ثم يتناول الأبعاد الداخلية للقيادة "المهاتيرية" خلال 22 عاماً من الحكم تبدأ من عام 1981 وتنتهي العام 2003 الحاسم في تاريخ ماليزيا خلال القرن الحادي والعشرين. وعبر 9 فصول، يعرض الأول للأسباب التي من أجلها استحق مهاتير ثقة شعبه عبر تبيان سياسته الواضحة تجاه قضايا بلاده القومية، وفي الفصل الثاني نبحث في التوجهات التي انتهجها مهاتير وتمثلت في الاقتداء بالسياسة اليابانية لبناء دولته ثم يتناول الفصل الثالث مظاهر وأسباب الوحدة التي تتمتع بها ماليزيا، أما الفصل الرابع فيبين أسلوب الخصخصة ودوره في تنمية الاقتصاد الماليزي، ويعرض الفصل الخامس للرؤى والتصورات المستقبلية التي يراها مهاتير في بناء ماليزيا الجديدة بحلول عام 2020، وتكمله لذلك يأتي الفصل السادس ليحكي قصة ماليزيا مع التكنولوجيا والمعلومات ودورهما في بناء مستقبل الأجيال المقبلة، ثم يتناول الفصل السابع مزايا التحولات التي عاشتها ماليزيا خلال السنوات الماضية، فيما يحدد الفصل الثامن الأساليب والوسائل التي انتهجتها القيادة الماليزية لمواجهة الأزمات المالية التي تعرضت لها وخاصة عام 1997، وأخيراً يـأتي الفصل التاسع ليشرح فلسفة الدكتور مهاتير الاجتماعية والقيم الإسلامية التي حاول جاهداً لتكون الأسس التي يقوم عليها البناء الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الماليزي.

وفي مكان آخر يتناول الكتاب زاوية جديدة من أفكار مهاتير تمثلت في التوجهات والنظريات الإسلامية وارتباطها بالتقدم والتطورات التي وصلت إليها ماليزيا خلال السنوات الماضية، حيث تستحوذ القضايا الإسلامية بكافة أبعادها وصورها المحلية والدولية على نصيب وافر من فلسفة الدكتور مهاتير محمد الذي لم يقصر في دعمها وتعزيزها والدفاع عنها في كافة المحافل الدولية والإقليمية انطلاقاً من مفاهيم ومبادئ يرى فيها الأساس الحقيقي للالتزام بالقيم والقواعد الإسلامية الحقيقية. كما بحث هذا الباب مفاهيم ورؤى الدكتور مهاتير تجاه العديد من المسائل، فالفصل الأول يستعرض مواقف مهاتير الخاصة بالإرهاب وعلاقته بالإسلام فيما يسهب الفصل الثاني في تفسير تداعيات هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، ثم يأتي الفصل الثالث لبيان الكيفية التي دعم فيها مهاتير الدول الإسلامية في المحافل الدولية، ثم الفصل الرابع الذي يتعرض للمشاركة الماليزية الفعالة في المؤتمرات الإسلامية، وأخيراً يستعرض الفصل الخامس الدعوات الخاصة التي يطلقها مهاتير لتحقيق الوحدة الإسلامية. ويرى مهاتير بأنه على المسلمين كافة فهم الإسلام بصورة كاملة قبل إجراء حوار حول الحضارات مع غير المسلمين بل ويجب محاسبة أنفسهم والانفتاح على الآخرين مما يترتب عليه حسبما يرى مهاتير العديد من الفوائد والنتائج الايجابية أهمها فهم الآخرين للإسلام بشكل حقيقي وواضح خاصة في ظل وجود تفسيرات لا حصر لها.

وحرصا منه على عدم تشويه صورة الإسلام يعتقد مهاتير بأنه على الأمة الإسلامية كذلك عدم الشعور بالغطرسة وإهمال دينهم في جهودهم للحصول على العلوم والمعرفة خاصة وأن الإيمان بالله والإسلام كما يرى يجب أن يترسخ من خلال تلك العلوم المعرفية المختلفة. واستدل الكاتب بقول مهاتير عقب افتتاح المؤتمر العالمي لعلماء الإسلام التي عقدت في كوالالمبور بتاريخ 10 يوليو 2003: "على المسلمين محاسبة أنفسهم لأن هناك أفراداً من المسلمين لم يفهموا الإسلام فهماً عميقاً وعلى سبيل المثال اعتقادهم أن التعامل مع غير المسلمين غير مباح شرعياًً، كما على المسلمين ضرورة التفتح لأن الإسلام لم يمنعهم من التعامل والتفاعل مع غير المسلمين، وخاصة انه وعبر الحوار المتفتح مع غير المسلمين سيغنم المسلمون عدداً من النتائج الإيجابية وأن الحوار الذي يقتصر على إظهار عظمة الإسلام لن يساعد المسلمين بشكل كبير مشيراً إلى أهمية فهم عميق للإسلام لأن هناك تفسيرات لا حصر لها حول الإسلام تشمل التسامح مع الأديان الأخرى التي لا تتفق مع الدين الإسلامي". و"لا يجوز علينا أن نقول بأننا على علم بكل شيء ونستطيع أن نتغلب على كافة المشاكل، وأن هناك أفراداً يتعلمون من الأوروبيين والغربيين ويتجرأون أن يقولوا أنهم في غنى عن الدين لأنهم يدعون استيعاب كل شيء وعلى سبيل المثال الرحلة إلى أرض القمر بركوب المركبة الفضائية وليس بهم حاجة إلى الدين وليس هناك داعي إلى وجود الله، كما أن ذلك تفكير ضال وضيق لأن العلوم تجيب السؤال حول كيف يحدث الشيء لا لماذا يحدث الشيء".

ويشرح الباب السادس المفاهيم ونظريات الاقتصادية التي أرساها مهاتير في التعامل مع كافة القضايا والتحديات الاقتصادية التي تعرضت لها بلاده، حيث ينطلق مهاتير في دعواته الدائمة إلى ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية لتحقيق التنمية من قناعة راسخة بحتمية هذا الأمر للارتقاء بحال الأمة، والنهوض بها من الواقع المأزوم الذي تعانيه إلى المستقبل المنشود والارتقاء بها من خلال مشاريع واقعية تتوفر لها أسباب النجاح.ويشير مهاتير بأسى بالغ إلى ما عليه حال الأمة الإسلامية في ظل غياب التعاون بين الدول الإسلامية قائلاً: "لقد مضى الآن أكثر من 1400 عام منذ انبلاج فجر الإسلام وبلوغه مرحلة التمكين، وازدهار الحضارة الإسلامية، وفي تلك الفترة خضعت كل الأديان التي ألهمت البشرية من قبل وقادت خطاها إلى تطورات أفقدتها معناها الحقيقي، وأضعفت تأثيرها ونفوذها وسط أبنائها، والإسلام بالطبع ليس استثناء، وينبغي على المسلمين جميعا أن يعترفوا بأن الإسلام والعالم الإسلامي يمران حالياً بحالة من الفوضى الضاربة بأطنابها في كل مكان، وأن الانقسامات الحادة تسهم في إضعاف نفوذها وتأثيرها لدرجة أصبح المسلمون معها غير قادرين على مجابهة التحديات الحاضرة، ولا على مجاراة التحولات المهمة التي تحدث تغييرات جذرية على المسرح العالمي، وهو أمر يهدد الأمة الإسلامية بالانزلاق باتجاه مزيد من الضعف والتخلف. وفي إشارة أخرى إلى مكامن القوة وعناصر الثروة التي تنتظر تفعيلاً حقيقياً بترسيخ قيمة التعاون بين الأمة الإسلامية يقول مهاتير في كلمته أمام القمة الثانية لمجموعة الدول الثماني النامية بمنظمة المؤتمر الإسلامي التي عقدت في دكا عاصمة بنجلادش في الأول من مارس عام 1999: "ما من شك في أن البلدان الإسلامية تمتلك ثروات ضخمة، وإمكانيات لا حدود لها، لكنها لم تستغل أبداً لتحقيق الرفاهية والتقدم وسط الأمة الإسلامية، بوجه عام، ونكاد نجزم إنه لا يوجد دولة إسلامية واحدة تتوفر على أسباب القوة والنفوذ التي تجعل منها واحدة من اللاعبين الأساسيين على المسرح السياسي في عالمنا اليوم، وهناك مجتمعات إسلامية عديدة لم تتمكن بعد من إرساء دعائم الاستقرار في بلدانها وما زالت تقف عاجزة عن تطوير نفسها بما يمكنها من اللحاق بالدول المتطورة التي لم تحظ أي دولة إسلامية بعضويتها حتى الآن".

وكعادته الدائمة في المصارحة وشجاعة الطرح يقف مهاتير قبل ولوج القرن الواحد والعشرين قائلاً:"ان الأمة الإسلامية مازالت تعيش في ثبات عميق وينبغي أن نعترف لأنفسنا قبل غيرنا بأن المجتمعات الأخرى قد سبقتنا ببضعة قرون، ومن ثم فإن المسلمين مطالبون أكثر من أي وقت مضى ان يدركوا حقيقة الوضع الذي هم فيه في ضوء ما استحدثته المجتمعات البشرية المتطورة من أفكار تجديدية، وتقنيات حديثة ما زالت الأمة غير مهيأة لاستيعابها وعاجزة تماما عن التعامل معها".

ويعود مهاتير للربط بين التحديات الاقتصادية للعولمة وواقع ومستقبل الأمة الإسلامية فيقول:"بالتمعن في تجليات العولمة بشكلها الحالي من اقتحام للحدود القطرية، وإزالة الحواجز أمام حركة رؤوس الأموال وتمكينها من التدفق عبر الحدود دون كابح أو قيد فإنها من دون شك تصب في مصلحة الغرب والشعوب الغربية، ذلك لأننا لم نحسن استثمار الثروات الضخمة التي راكمناها عبر سنوات طويلة من المعاناة والجهد المضني، ولم نعمل على توظيفها في بلداننا من خلال استخراج واستخلاص مواردنا الطبيعية، إذ انسقنا وراء حرية حركة رأس المال، فصّدرنا أموالنا وثرواتنا، وآثرنا استثمارها في الدول المتطورة المستقرة فساهمنا بدورنا في زيادة ثرواتنا، لكننا للأسف لا ندري كيف يمكننا استغلال تلك الإمكانات للتأثير على تلك الدول لتأمين مصالحنا".

ويخلص مهاتير إلى طرح رؤية أكثر تفاؤلا للمستقبل إذا ما تم تكريس التعاون بين الدول الإسلامية فيقول "نحن فقدنا الكثير من مقدراتنا، لكننا لم نفقد كل شيء، حيث مازلنا نملك الأصول والموجودات، ومقومات القوة الحقيقية، ونحن بحاجة في الوقت الحالي إلى رصد تلك الإمكانيات، والمقومات، ومن ثم الجلوس مع بعض للعمل سويا على بلورة الخطط والبرامج التي تمكن من تفعيل استخدامها بأقصى طاقتها للارتقاء بالمردود، ومما لا شك فيه أن العالم الإسلامي زاخر بالمهارات العالية والعقول النادرة التي هاجرت إلى الغرب، ونحن مطالبون بتوفير البيئة الملائمة التي تغري علماءنا بالعودة إلى بلدانهم بما يمكننا من الاستفادة من إمكاناتهم في إعادة بناء أمتنا واللحاق بركب الدول المتقدمة".

وتتمثل الصور المشرقة التي يراها الكاتب لدى مهاتير، فهي إنشاء بورصة إسلامية لتداول الأوراق المالية وتشفيرها من خلال شبكة المعلومات الدولية "انترنت"، وبورصة دولية أخرى خارج ماليزيا مفتوحة للتعامل الحر وغير المقيد من جانب المستثمرين الدوليين والمسلمين، مما يوفر فرصاً استثمارية للمضاربين والشركات من مختلف أنحاء العالم عن طريق استخدام شبكة الإنترنت. أما منظمة المؤتمر الإسلامي فلها وجهة نظر مغايرة بشأنها حيث يعتقد بأنها فشلت في تحقيق أهدافها ورسالتها التي قامت من أجلها وذلك لأسباب كثيرة متعددة أهمها التفرقة والصراعات والخلاقات التي وصلت إلى حد إراقة الدماء بين الكثير من دول المنظمة مما أفقدها كما يرى مهاتير هيبتها وقدرتها على التصدي لمثل تلك المشاكل.

ويؤكد الكاتب على الدور الكبير الذي لعبه مهاتير في مجال مواجهة العولمة واثر ذلك على الحياة السياسية والاقتصادية لبلاده والفلسفة التي يراها ناجحة وفعاله في هذا المجال، بل يكاد يكون مهاتير الزعيم الوحيد في العالم الذي أولى الحديث عن العولمة وتحدياتها وتأثيراتها على العالم الإسلامي والدول النامية اهتماماً فكرياً غير مسبوق منذ فترة مبكرة تسبق زخم الحديث عنها في التسعينيات وكأنه كان يستشرف ما ستؤول إليه تحديات العولمة على بلاده وآسيا عموماً والعالم الإسلامي، وهو في طرحه المستمر يقدم شرحاً معمقاً، ورؤية عملية لتجاوز مأزق العولمة التي يتصور البعض أنها قوة عالمية عارمة لا يمكن اجتناب آثارها. فمهاتير ظل ينبه العالم منذ سنوات إلى عدم المساواة، وأخطار العولمة وقبل أن تصبح واقعاً للعصر غير قابل للنقد، ومن ثم أصبح المتحدث البارز عن حقيقة العولمة وسبل تجاوز تحدياتها لأمم وشعوب ودول الجنوب.

ويكتسب حديث مهاتير محمد عن العولمة أهمية خاصة، ذلك أن كثيراً من الأفكار والاستنتاجات التي يقدمها هي وليدة المعرفة والخبرة الطويلة كقائد دولة تعرضت حديثاً لازمة مالية واقتصادية لم تكن متوقعة، والسبب الرئيسي وراء هذه الأزمة هو القوة المالية للعولمة ومن ثم فإننا نجد الأفكار التي يطرحها ثاقبة وعميقة، ولا يمكن أن تنبثق فقط عن دراسة ورؤية نظرية فحسب، فالمتابع والمطالع لأفكار مهاتير ومهاتيراته بهذا الشأن يكتشف بجلاء كيف يربط بين مظاهر السياسة المعقدة، والأحداث الجارية، واستجابة ماليزيا الواعية لتطورات وضغوط العولمة، حيث اتبعت سياسات جريئة عندما كانت في أتون الأزمة المالية والاقتصادية في الفترة من عام 1997 وحتى عام 1999، لصد المضاربة في البورصة ولإنعاش الاقتصاد بعد أن كان على حافة الانهيار فكانت ماليزيا الدولة الوحيدة التي واجهت الأزمة الاقتصادية في ذلك الوقت ورفضت سياسات صندوق النقد الدولي، وابتكرت سياستها الخاصة التي اشتملت على سعر الصرف الثابت وعدم تعويم النقد، وغيرها من الإجراءات... ولعل عدم لجوء ماليزيا إلى "روشتة" صندوق النقد الدولي في مثل هذه الحالات جنب البلاد الاضطرار إلى اللجوء إلى سياسة الباب المفتوح للقوى المالية الأجنبية لشراء الأصول الوطنية كما في الدول الأخرى. ولقد ساهمت السياسات المبتكرة لإنعاش الاقتصاد، والتي يعد مهاتير محمد مهندسهاً في إنعاش الاقتصاد داخلياً الأمر الذي جعل العالم أجمع يهتم بهذه السياسات، لمعرفة الخيار الماليزي الذي أنقذ البلاد، بدلاً من سياسة التعديل الهيكلي المألوفة والمعتادة التي يقدمها صندوق النقد الدولي، والتي تركز على إجبار من يلجأ إليها على السياسة المفتوحة للسوق العالمي، وهي الوصفة الجاهزة التي يفرضها الصندوق على جميع من هم في مثل هذه الحالة.

ويبين الكاتب كيف كشف مهاتير خلال الأزمات المالية والاقتصادية التي عانت منها ماليزيا عن العديد من الأفكار التي كانت وليدة تجربة رسخت في فلسفته الفكرية منهجاً سار عليه فكانت له الغلبة في نهاية الأمر وخرج منتصراً في الحرب التي شنها على بلاده أنصار العولمة، حيث كان ولا يزال يعتقد بأن فتح الأسواق بشكل مباشر يخدم فقط الدول الغنية بل وبالعكس يعرض الدول الفقيرة للمخاطر والخسارة الكبيرة حيث أن تطور الأسواق العالمية يساهم بشكل أو بآخر في توسيع الهوة الموجودة أصلاً بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة.

ووصف الكتاب مواقف مهاتير من القضايا العربية والإسلامية بأنها تتمثل في الدفاع المتواصل عن حقوق تلك الشعوب بل كانت لها سمة خاصة أبرزها الانتقاد الدائم واللاذع لسياسة واشنطن في التعامل مع قضايا المنطقة العربية والإسلامية حيث انتقد عقب أيام قليلة من رئاسته لمؤتمر قمة حركة عدم الانحياز في 12 مارس 2003 بكوالالمبور ما تتبناه الإدارة الأمريكية في هذا الإطار معلناً صراحة بأن نوايا واشنطن في العراق لم تكن في حقيقة الأمر التخلص من الرئيس العراقي السابق صدام حسين بل تحقيق أهداف خاصة.

المؤلف في سطور:

مؤلف الكتاب، فلسطيني من مواليد غزة عام 1953 حاصل على ليسانس الحقوق عام 1987 ودكتوراه في الصحافة عام 1998، ويمارس العمل الصحافي منذ عام 1981 في دولة الإمارات العربية المتحدة، وله العديد من المؤلفات أبرزها: "البحث عن فلسطين"، "نقاط فوق الحروف"، "أمريكا مرت من هنا"، "دبي مدينة الأحلام"، "مهاتير محمد بعيون عربية وإسلامية" مهاتير محمد وأنور إبراهيم... الحقيقة الضائعة – تحت الإعداد"، "عبد الله بدوي... رؤية جديدة لمستقبل ماليزيا – تحت الإعداد. المؤلف عضو في جمعية الصحافيين في الإمارات، عضو نقابة الصحافيين العرب، عضو نقابة الصحافيين الفلسطينيين وعضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي وأخيرا عضو الجمعية الكندية للصحافيين.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى