الاثنين ٢٥ أيار (مايو) ٢٠١٥
بقلم هيثم نافل والي

سلطة الأب الشرقي

بغيظ مفرط غير مبرر عاط الحاج مصطفى زائراً كأسد جائع بزوجته وبنبرة آمره:

لقد قررت أن أزوج ابننا عادل من فضيلة بنت سعيد حلاق حارتنا الجليل التقي المحترم وذلك يوم الخميس القادم!!
 شاهقة مبربره بزفرة مختنقة وهي تعقد يديها أمامها في طاعة متألمة:

ماذا تقول؟! تزوج ابننا المهندس عادل من فضيلة، تلك التي لم تكمل تعليمها الابتدائي، هكذا، والخميس القادم!! حتى دون أن يراها أو يكلمها ويجلس معها؟!

 بتسلط مزمجراً مطرقعاً مفرقعاً كضارب الودع وهو يريد إقناع أحدهم بأوهامه التي يأكل منها خبزاً:
كما سمعتِ يا امرأة، يا ناقصة العقل والدين... لقد قررت ووعدت وأعطيت للناس كلمتي التي لا رجعة فيها، ثم رفع من درجة صوته وناح مدردماً ومهمهما:

أسألكِ يا............ ما فائدة الفتاة المتعلمة، خاصة في وضع كوضع ابننا عادل؟ هه... واستطرد بتحرش نابصاً:
أنا اعرف ما يريده ابني وما ينقصه، وكل ما يطلبه هو ربة بيت تعتني به وترعى أولاده ولا تجعله يحتاج شيئاً... وأراد أن يهم متابعاً، فقاطعته زوجته بصوت مرتعش لم يعرف في حياته يوماً الأمان:

إنك بالتأكيد تمزح يا زوجي العزيز، ثم أضافت بعينين تلمعان بالحزن مهدهدة:

أنا لا أريد أن أصدق أن ما قلته جاداً أو ملزماً، إذ أعرفك جيداً، تحب عادل وحيدنا حباً جماً لا يوصف، بل تحبه أكثر من نفسك... وصمتت وكأنها تجسّ وقع كلماتها وتأثيرها عليه وعيناها اللتان تلمعان بالحزن تراقبان كل نبض يصعد وينخفض من صدره!

 مندفعاً كالإعصار وهو يلوح بيده العسماء عالياً، عابساً ومجادلاً كشرير غاضب:
ماهذا الذي تقولينه؟ أمزح؟ أنا أمزح في هكذا مواضيع؟ ولإني أحب عادل كثيراً أفعل كل ذلك من أجله... واستطرد خاتماً كلامه بنبرة صاعدة:

يا لكِ من امرأة غبية ولا تستطيع أن تنظر إلى أبعد من قدميها!!

 بذعر مبهورة وبنبرة حادة مليئة بالاستغراب والدهشة:

كيف هذا يا رجل يا مؤمن يا من تعرف الله، تصلي وتصوم وتقدم الزكاة... أن تقرر وتطلب من ابننا أن يتزوج بهذه الطريقة الغريبة المتأخرة غير الحضارية والتي لا تمت للإنسانية بصلة... سكتت متأوهه، تتلوى كطير جريح وتابعت بصدق وبصوت واهن غلبه الإرهاق والتعب:

إذن عليك أن تعرف شيئاً مهماً مادمت مصمماً فيما طرحته ولا تريد أن تعدل عنه:

في أيامنا هذه وعندما نريد شراء حذاء ننتعله، نحاول تجريبه مرة وأثنين وثلاثا ومع ذلك ربما لا نقتنع به رغم تجريبنا له عدة مرات، نتركه ونذهب إلى متجر آخر لنعيد الكرة مرةً أخرى علنا نقتني ما يعجبنا وما نرتاح له؛ وأنت وبكامل قواك العقلية تطلب من ابننا عادل وتجبره على الزواج من فتاة لم يرها من قبل ولم يعرف عنها أي شيء، لم يسألها ولم تسأله، هكذا ببساطة مريضة... وأردفت بعد وقفة قصيرة صاحت فيها منهارة: لا... لن أسمح أن يحدث هذا... وعاطت:
على جثتي!!

كان عادل يسمع كل ما كان يدور من حوار بين أبيه وأمه...

بقي في مكانه مهموماً ومغموما يرهف السمع وهو يتألم بصمت وقلبه ينزف لوعة؛ فجأة وبأعصاب مسترخية همس ساراً نفسه بجزع دون أن يعي لما يردده:

سأنتظر يوم الخميس يائساً بائساً حيث الموعد الذي حدده أبي لزواجي، ولتكن مشيئة الله هي الحاكمة الفاصلة، وما شاء سبحانه يكون، وأن أعيش وأحيا ما كتبه لي دون مقاومة أو جدال... ثم عارض نفسه سائلاً بكلمات لا تسمع مختنقة بالدموع:
وماذا سينفع الرفض في حالتي وأنا اعرف أبي أكثر من غيري؟ وأجاب على سؤاله متأوهاً:

لا شيء غير تعكير صفاء جو الأسرة والانتقاص من كرامة أبي لدى عائلة الفتاة وهو الذي لا يريد سوى سعادتي ولكن حسب طريقته التي يعتقد أنها الصواب دائماً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى